البحث عن اللغز

كان «محب» في انتظارهم مع «لوزة» و«نوسة» … وأمسك «تختخ» فردة الحذاء في يده، وأخذ يُقرِّبُها من الضوء … وكان الولدان «جيران» و«حنفي» سعيدين … إنهما الآن فعلًا مع المغامرين الخمسة يَشتركان في معاركهم … ويشاركان في استنتاجاتهم.

كان «تختخ» يقول وهو يدق بأصابعه على جوانب الحذاء: من غير المعقول أن يكون كل هذا الصراع من أجل حذاء مهما كانت قيمته المادية … لا بد أن هناك سرًّا خطيرًا مدفونًا في هذا …

وقبل أن يتم جملته صاح: اسمعوا!

وأخذ يدق على كعب الحذاء بعُقلة إصبعه الوسطى … يدق … ويدق … ويستمع في تركيز واهتمام … وقال: الكعب مجوف! تعالوا نجلس في الكشك حيث الأدوات مُتوفِّرة.

ودخلوا جميعًا الكشك الصيفي، وأبدى الولدان «جيران» و«حنفي» إعجابهما بالكشك، وقال «عاطف» لهما: يُمكنكما قضاء الليل هنا حتى نرى ما يحدث … إن عودتكما إلى العزبة فيها خطر شديد عليكما.

وفي الكشك أخرج «تختخ» صندوق أدوات النجارة، واختار شاكوشًا صغيرًا أخذ يدق به جوانب كعب الحذاء … ثم زاد الطَّرق على الجانب الداخلي للكعب، الجزء المواجه للنعل، وفجأة انفصل جزء من الكعب وسقط على الأرض، وبدا في داخل الكعب تجويف، مد «تختخ» أصابعه فيه وأخرج قطعة من الورق الخفيف مُطَبَّقَة بعناية … وأمام أنظار المُغامِرين والصديقين الجديدين فَرَدَ الورقة، وكانت هناك كتابة منظَّمة جدًّا باللغة الإنجليزية، تحوي الاسم الأول لعشرة أشخاص، وقال «تختخ»: نستطيع أن نستنتج الآن شيئًا، إنَّ هناك قائمة بأسماء مجموعة من الأشخاص، نصفها هنا، والنصف الثاني في الفردة الثانية، وكل هذه الألغاز والمغامرات للحصول على هذه المجموعة من الأسماء، وهي أسماء أشخاص أجانب، لا أدري ما أهميتهم … ولكن إذا ربطنا بين إبْعاد مستر «مورياتي» واهتمامه الشديد بالحصول على الحذاء لقُلْنا إنه كان يريد معرفتهم لسبب ما لا ندريه.

نوسة: ما الخطوات التالية؟

قالت «لوزة» بسرعة: يجب الاتصال فورًا بالمفتش «سامي»؛ فإنَّ عنده معلومات كاملة عن الموضوع بالتأكيد!

وبسُرعة أمسك «تختخ» بسماعة التليفون وهو يقول: اقتراح معقول جدًّا … وحتى إذا لم يكن المفتِّش يعلم شيئًا عن الموضوع؛ فمن المؤكَّد أنه سيهتم جدًّا بهذه المعلومات!

وسمع «تختخ» صوت المفتش «سامي» على الخط فقال: مساء الخير يا حضرة المفتش … اليوم هو أول أبريل وكل سنة وأنت طيب!

المفتش: كل سنة وأنت طيب … هل دبَّرت مقلبًا جيدًا لأحد أصدقائك؟

تختخ: للأسف! … لقد دبَّر أحدهم مقلبًا لي … ولكن النتيجة كانت مغامرة ولغزًا من نوع فريد … بدأ أول النهار، ولعله ينتهي آخر الليل!

المفتش: ما هذه الألغاز يا «توفيق»؟

تختخ: إننا لم نصل إلى الألغاز بعد … ولكن إليك هذا اللغز … هل تتصوَّر أن يدور صراع بين مجموعة من الرجال ومجموعة من الأولاد للحصول على حذاء مُستعمَل؟

المفتش: ما قيمة هذا الحذاء؟

تختخ: إنه حذاء من الجلد العادي، وإنْ كان مصنوعًا في إنجلترا!

المفتش: إذن ليس مصنوعًا من الذهب مثلًا!

تختخ: لا!

المفتش: إن ذلك يُعدُّ لغزًا فريدًا حقًّا!

تختخ: إنه فريد طبعًا، خاصةً إذا علمت أن كعب الحذاء مجوَّف، وبه قائمة بأسماء أشخاص لا نعرف مدى أهميتهم!

بدا الاهتمام في صوت المفتش وقال: قائمة بأسماء!

تختخ: نعم … والرجل الذي تُهمُّه هذه القائمة، وفعل المستحيل من أجل الحصول عليها يُدعى مستر «مورياتي»!

لم يكد المفتش يستمع إلى هذا الاسم حتى بدا التوتُّر في صوته وقال: تقول «مورياتي» … هل أنت متأكد؟

تختخ: نعم، متأكد جدًّا … إنه شخص تمَّ إبعاده عن البلاد منذ فترة!

المفتش: هذا صحيح … إنك في أثر شخص مهم جدًّا!

تختخ: إن أعوان «مورياتي» — وربما هو شخصيًّا — في البلاد الآن، وقد خضنا معركة معهم منذ ساعة تقريبًا.

قال المفتش بصوت كله هَمٌّ: لماذا لم تُخطرني قبل الآن؟

تختخ: لأنني لم أعرف الحقيقة إلا منذ دقائق!

المفتش: أين أنت؟

تختخ: في منزل «عاطف».

المفتش: سأَحضُر فورًا … وخذ حذرك أنت وزملاؤك!

ووضع «تختخ» السماعة … والتفت إلى الجالسين … كانوا جميعًا قد أدركوا أنهم وراء لغز ومغامرة وقصة لا مثيل لها … وقبل أن ينطق أحدهم بحرف ظهر الشاويش «علي» أمام باب الكشك الخشبي، وكانت «لوزة» ستُغادر المكان لإحضار بعض «الساندوتشات» للجميع … خاصةً ﻟ «جيران» و«حنفي». فقد بدا عليهما أثر الجوع والإرهاق.

دخل الشاويش الكشك … وعندما شاهد الولدَين صاح فيهما: ماذا تفعلان هنا؟

رد «تختخ» بعنف: ما هذا الكلام يا حضرة الشاويش … إنهما ضيفان عندنا!

الشاويش: ولكن …

تختخ: ولكن ماذا … أرجو ألا تتصرف معهما بشكل سيئ … إن أي كلمة تُسيء إليهما سأعتبرها إهانة لي!

الشاويش: ولكني قبضتُ على هذا الولد «حنفي» قبل الآن بتهمة التشرد!

تختخ: قبل الآن نعم … ولكن الآن هو في خدمة العدالة!

الشاويش: أي عدالة التي يُخدمها هذا الولد؟

تختخ: إنه يخدم بلدنا كله … وستعرف بعد قليل الحقيقة كاملة!

أشار الشاويش إلى الحذاء وقال: وهذا الحذاء … ما حكايته؟

تختخ: إن حكايته أكبر مما تتصوَّر … تفضَّل بالجلوس دقائق … وستعرف كل شيء! مضت الدقائق ثقيلة … ولكن ظهور «الساندوتشات» أثار ضجة من الجميع، وانقضُّوا جميعًا عليها … ومضت نصف ساعة … وفجأة سمعوا صوت السيارات تقف أمام باب الحديقة، وعرفوا أن المفتش «سامي» ورجاله قد وصلوا.

أسرع المغامرون إلى لقاء المفتش … ودخل بعد لحظات وشاهد الشاويش، ثم «جيران» و«حنفي»، وبسرعة أخذ «تختخ» يشرح له كل شيء … ثم قدم له قائمة الأسماء.

وأخذ المفتش «سامي» يقرأ ووجهه يعكس مدى اهتمامه ثم قال: لقد اتضح كل شيء، إنها شبكة تجسُّس، لقد قمتم بعمل لا مثيل له! والتفت إلى الشاويش قائلًا: استدعِ حضرات الضباط من الخارج.

وأسرع الشاويش لتنفيذ الأمر، وفجأة قال المفتش: أين المحفظة التي حصلتم عليها في أثناء المعركة.

أخرجها «تختخ» من جيبه وأخذ المفتش يُخْرِج ما بها من نقود وأوراق … وهو يقرأ بسرعة، وعندما دخل الضباط قال المفتش: في هذا العنوان رجل أو عدة رجال، اقبضُوا عليهم فورًا. وقدَّم لهم ورقة كانت في المحفظة.

وخرج الضباط لتنفيذ الأمر، وقال المفتش: أريد من الولدَين أن ينصرفا الآن، وهما يحملان فردة الحذاء معهما … إنني أتوقع أن يظهر الرجال مرة أخرى وسوف نتبعُهما عن قرب.

أخذ «جيران» فردة الحذاء بعد أن أعاد إليها «تختخ» الكعب المتحرِّك … وخرج الولدان بعد أن شرح لهما المُفتش ما يجب أن يفعلاه، وركب المُغامرون مع المفتش في سيارته، وتبعتهما سيارة أخرى بها قوة من الضباط والجنود.

سار الولدان في الشارع الرئيسي … كانت الساعة قد تجاوَزَت منتصف الليل، وقد خلت الشوارع من المارَّة، وسارت السيارتان على مَبْعَدَة منهما، وعندما وصلا إلى الكورنيش ظهرت سيارة سوداء تسير على مهل، وهمَس المفتش هذه في الأغلب السيارة التي يركبها الرجال.

على ضوء الطريق بدا الولدان على مَبْعَدَة كأنهما شبحان، وبدت السيارة السوداء تقترب منهما، وطلب المفتش من السائق الإسراع، وفعلًا تم كل شيء كما توقعه المفتش … فقد توقفت السيارة السوداء ونزل منها رجلان انقضَّا على الولدين في محاولة لانتزاع فردة الحذاء منهما … وفي الوقت نفسه انقضَّ رجال المفتش «سامي» على الرجلَين، وقفز أحد الضباط إلى السيارة السوداء وأخرج السائق منها.

واقترب المفتش من الرجلين ونظر إلى أحدهما وقال: «مورياتي» … لقد أبعدناك لأنَّنا لم نستطع الحصول على أدلة تدينك أمام القضاء … والآن ما رأيك؟

مورياتي: إنَّ فردة حذاء قديمة ليست دليلًا!

المفتش: ولكن كعب هذا الحذاء كافٍ جدًّا بوصفه دليلًا … لقد حصلنا على نصف القائمة وذهب رجالي لإحضار بقية رجالك، وسنَجد النصف الثاني.

نظر «مورياتي» إلى «جيران» … فقال «جيران»: لقد كنتَ تخون البلد الذي استضافك ولم تتصوَّر بالطبع أنني لا يُمكن أن أخون بلدي.

أمسك «تختخ» يد المفتش «سامي» وطلب أن يُحدثه على انفرادٍ … ووقف الاثنان جانبًا، وقال «تختخ»: إنَّ هذين الولدين قد أدَّيا خدمةً عظيمةً للوطن … وأنا أعرف أنهما في ظروف غاية في السوء!

المفتش: سأفعل كل شيء من أجلهما … سأحصل لهما على معونة من الوزارة، وسوف يدخلان المدرسة ويُكملان تعليمهما … إننا لا ننسى من يؤدون خدمة للوطن.

وابتسم «تختخ» وهو يقول: لم أكن أتصور أن فردةَ حذاء يمكن أن تؤدي إلى القبض على عصابة من الجواسيس!

وانضمَّ المغامرون إلى المفتش و«تختخ» في حين كان رجال المفتش «سامي» يقودون الرجال الثلاثة إلى السيارات الواقفة، وقال المفتش مُوجِّهًا حديثه إلى الأولاد: إنني أشكركم جميعًا على ما قمتم به من عمل … وسوف يكون «زيد» و«حنفي» موضع رعايتي من الآن.

وانتهت مغامرة كذبة أبريل … في يوم واحد!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤