الْخُطَّافُ

نشأته

طائر ذكي نشيط، في مثل حجم العصفور، أو قريب منه، لا يجنح إلى الدَّعة (لا يميل إلى الهدوء)، ولا يرتاح للسكينة، ولا يألفهما، ولا يطيق الكسل، ولا يخلد (لايركن) إلى الراحة، ولا يعرفهما، إلا إذا جَنَّ عليه الليل، أو حان الوقت لتغذية أفراخه الصغار.

لونه

ويتميز لونه بسواد يضرب (يميل) إلى الزُّرقة، ولكنه يلمع في أعلاه، ثم يتحول — في صدره وتحت جَناحيه — إلى بياض شاهق.

فإذا انتهى إلى زوره وجبهته، انقلب إلى دُكنة (حمرة ضاربة إلى السواد)، ثم تنتهي رقبته الحمراء بخط أزرق.

هجرته

وهو مثال عجيب للصبر والدءوب والمثابرة على السعي وراء رزقه، لا يعرف الكلال (الإعياء والتعب)، ولا يتسرب إلى نفسه السأم ولا الملال.

•••

وهو لا يبالي أن يهجر موطنه إلى أبعد المواطن، إذا أعوزه الرزق (أعجزه إدراك القوت وعزَّ عليه الظَّفَرُ به).

في سبيل القوت

وهو يستهين ببُعد الشُّقَّةِ (يستخِف مستهزئًا بالمسافات الشاسعة لا يبالي بُعدها)، مجتازًا مئات الأميال — بل آلافها — ليظفر بما يبتغيه من القوت (ليفوز بما يطلبه من الطعام)، مثابرًا (مواظبًا مداومًا) طول يومه طائرًا، لا يهدأ ولا يقرُّ (لا يثبت ولا يسكن) له قرار.

طعامه

وهو يقتات بما يصادفه في طيرانه في الجو من أسراب البعوض والذباب، وما إلى ذلك من الحشرات الأخرى الهائمة في أجواز الفضاء، أعني: الذاهبة في طبقات الجو إلى غير غاية.

ومن عادته أن يفتح فاه — وهو طائر — حتى إذا امتلأ فاه (فمه) بالحشرات أطبقه عليها توًّا (حالًا)، عائدًا إلى عُشِّهِ، لِيَغْذُوَ بها أفراخه الصغار.

طيرانه

وهو دائم الطيران في الجو — بلا انقطاع — في خطوط متعرجة ملتوية، منسابا في أجواز الفضاء (ذاهبًا كل مذهب في طبقات الهواء)، صاعدًا هابطًا، مرتفعًا منخفضًا، يمنة ويسرة، في انحدار وارتفاع، لا يكل ولا يمل.

على وجه الماء

وهو يداعب (يلاعب) الهواء والماء كليهما بجناحيه، ويحلو له أن يرفرف على سطح الماء مزهوًّا (معجبًا) فرحان، ثم يغطس في رشاقة عجيبة، وخفة نادرة.

فإذا أتم استحمامه راح يطفرُ (يقفز مرتفعًا) على وجه الماء دانيًا (مقتربًا) من صفحته ضاربًا عليها برشاش خفيف. وربما حَسَا الماء (تناوله بمنقاره) في أثناء طيرانه.

فتك العواصف

ولعل أخشى ما يخشاه ويرتاع له: عصف الرياح (شدتها) وهبوب الزوابع، فهو — لضآلة جسمه — عاجز عن مقاومتها، وكثيرًا ما يذهب ضحية لها. وربما فتكت العواصف بجماعات كاملة من أسرابه.

مسكنه

ويتخذ عشه بالقرب من المساكن، في بعض الغرف الخربة العالية من المنازل المهجورة، أو في أعلى المداخن، أو تحت الجسور، وربما اتخذه في بعض الأشجار.

وهو يجمع له ما تناثر من القش، وما تَفَتَّتَ من الأغصان، وما جَفَّ من الحشائش، بعد أن يختارها بمقادير متناسبة، ثم يخلطها بلعابه اللزج، ليبتني بها عشه، بعد أن يكسبها قوة، فلا تلبث أن تستمسك وتقوى.

فإذا تم له ذلك، راح يُؤَثِّثُ عُشَّهُ بما تناثر من الورق والدريس والشعر، وما إلى ذلك مما يجمعه بمنقاره ومخالبه.

صوته

وللخطاف صفير، حلو الجرْس (عذب الصوت)، عميق التأثير في نفس سامعه، مستطيل النغمة. وليس متقطعًا كصفير العصفور، وكلاهما يختلف عن صوت الحمامة حين تهدل (حين تقرقر) بصوت لين ترتاح الآذان لسماعه، وتهشُّ النفوس لترداده (تسرُّ بتكراره مرة بعد أخرى).

وتختلف أصوات الطيور باختلاف أجناسها — حسنًا وقبحًا — من الضد إلى الضد، حتى تبلغ المسافة أقصاها (نهايتها) إذا قابلنا بين نعيب البوم والغربان، وشدْو البلابل والكِرْوان.

ذيله وجناحه

وكما يختلف صفير الخطاف عن صفير العصفور، يختلف ذيلاهما كذلك. فذيل العصفور أقصر من جسمه، ولكن ذيل الخطاف يكاد يساوي جسمه في الطول، ثم ينتهي بريشتين طويلتين على جانبيه.

والخطاف إذا وقف، اقترب جناحه من نهاية ذيله المتشعب.

على وجه الأرض

وقلما يُرى الخطاف سائرًا على وجه الأرض، لضَعف رجليه، وعجز مخلبيه عن المشي. على حين يُرى العصفور والحمامة، يسير كل منهما على قدميه حينًا، ويطير كلاهما في الجو مرفرفًا بجناحيه حينًا آخر، لقدرته على المشي والطيران جميعًا.

ويمتاز العصفور والحمامة بأن كليهما لا يتركنا — في فصل الشتاء — كما يتركنا الخطاف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤