خواطر وتأملات

النور

(… إلى أين ينتهي بنا تحليل النور على أيدي علماء الطبيعة فضلًا عن الفلاسفة والمتصوفة؟ ينتهي بنا إلى أنه «معنى» يشبه المعاني المجردة، ولو أمكن تحليل الفكر على هذا النمط لالتقى بعنصر النور التقاء القريب بالقريب.)

النُّورُ سِرُّ الحَيَاهْ
النُّورُ سِرُّ النَّجَاهْ
النُّورُ وحي النُّهى
النُّورُ وحي الصلاهْ
النُّورُ شوق الفتى
النُّورُ شوق الفتاه
ألمحه بالروح لا
لمح العيون الخُوَاهْ
ما تبصر العينُ من
معناهُ إلا أداهْ
هذا سبيلُ الهدى
لا ما افتراهُ الْهُدَاهْ!

إلى غاندي

حين أعلن الصيام
أتيت إلى الدنيا العريضة عاريًا
وتقضي بها جوعًا وما عَزَّ مأكلُ!
تركت لهم حتى الطعام فقل لنا
على أيِّ شيء بعد موتك تُقْبِلُ
إذا البؤس والحرمان كان شفاعة
لعالمك الأعلى فما هو أفضل
إذا كان ما ندعوه بؤسى غنيمة
لمن يطلب النُّعمى فبئس المعوَّلُ

الوجه الفيلسوف

أرى لك أنت فلسفة صُراحًا
بلمح العين أقرأها جميعا
أَذُمُّ العيشَ في ألفَي كتابٍ
وتعرض لي فأمدحه سريعا
إذا ما الفيلسوف أطال سخطي
على لؤم الحياة فكن شفيعا
غنيت عن الأدلة والأحاجي
ومن حاجاك لم يَكُ مستطيعا

القدر يشكو

صغيرٌ يطب الكبرَا
وشيخٌ ودَّ لو صغرا
وخالٍ يشتهي عملًا
وذو عمل به ضجرا
ورب المال في تعب
وفي تعب من افتقرا
ويشقى المرءُ منهزمًا
ولا يرتاحُ منتصرا
ولا يرضى بلا عَقبٍ
فإن يُعْقَبْ فلا وزرا
ويبغي المجد في لهفٍ
فإن يظفر به فترا
ويخمد إن سلا فإذا
تولَّهَ قلبُه زفرا
فهل حاروا مع الأقدا
ر أو هم حيَّروا القدرا؟
شكاة ما لها حَكمٌ
سوى الخصمين إن حضرا

الحمد المعكوس

يا رُبَّ حمدٍ لم ينله الذي
قد ناله إلا لهجوي أنا
ورُبَّ هجوٍ طاف بي لم يكن
يطوف بي لو لم أكن محسنا

عدل الموازين

إنا نريد إذا ما الظلم حاق بنا
عدل الأناسي لا عدل الموازينِ
عدل الموازين ظلمٌ حين تنصبها
على المساواة بين الحر والدونِ
ما فرقت كفة الميزان أو عدلت
بين الحلي وأحجار الطواحينِ

الخبز والفقير

أحسب الخبز لو درى لتأبَّى
في يد الجائع الفقير إليه
إنما تُسْلَسُ الطِّلَابُ جميعًا
لامرئٍ هانتِ الطِّلَابُ عليه

شطور

دليل على أن الكمال محرَّمٌ
إناثٌ خلقن بيننا وذكور
فما المرء في جسم وروح بكاملٍ
ولكنَّ كل العالمين شطور

الآمال

كانت الآمال تحملني
فأراني اليوم أحملها
إن أحلامًا تعللني
غير أحلام أعللُها

يوم ميلادي

يوم ميلادي تَقَدَّمْ
وتَأَخَّرْ … وتَكَلَّمْ
لا تقل لي قبل عام
كيف كنا أنا أعلمْ
لا تقل لي بعد عمري
كيف نمسي لست تعلمْ
غاية الأمر أظانين
وبعض الظن يأثمْ
سوف نمسي مثلما كنـ
ـنا ولم نولد ونفطمْ
إن يكن ذلك شيئًا
لست بعد الموت أعدمْ
أو يكن ليس بشيءٍ
أترى «لا شيء» يندمْ؟
أية الحالين قل لي
بعد طول العمر أسلمْ؟
تظلمُ الموتَ إذا قلـ
ـت ظلومٌ ليس يَرحمْ
نحن لا بالموت أُعطيـ
ـنا ولا بالموت نُحرمْ
من يَعدْ يومًا كما كا
ن فقد تم وتَمَّمْ
صفقة الأعمار فيها
قلَّةُ الخسران مَغْنَمْ

رجاء كاليأس

أنا لم أيأس من الخير ولا
أحسب الشر على الناس لزاما
أنا أغنيت يدي عن خيرهم
وأمنت الشر من حيث ترامى
فليكن من شاء منهم ملكًا
أو يكن جنًّا على الكيد أقاما
كلهم بعدُ سواءٌ عند من
لا يدين الناس شكرًا وانتقاما

الحب إعطاء

لا تطلبِ الحبَّ بين الناس تأخذه
بل فاطلب الحب تعطي منهما تجدُ
أشقى البرية من لم يعنه أحدٌ
وليس من كان لا يُعْنَى به أحدُ

موضع العجب

لا تعجبنَّ لعيبٍ
واعجب لفضلٍ ونبل
نقص الطبائع أصلٌ
والفضل ليس بأصل

أغلب الظن

أنا شيءٌ فكيف أصبح لا شيْ
ءَ إذا تمَّ للحياة مداها؟
أغلب الظن أنني سوف أرقى
غايةً بعدها تفوق ذراها

موت الحي

أعجب من حياة الميت
فيمَ عشنا وغايةُ العيش موتٌ؟
فيمَ متنا وغاية الموت بُقيا؟
أعجب الحالتين عنديَ حيٌّ
سوف يفنى لا ميتٌ سوف يحيا

زمان الذرَّة

دعوا الذرَّة تطغى في
زمانٍ يعبد الذرَّهْ
صغيرٌ كل ما في الأر
ض من جاهٍ ومن شُهرهْ
ومن خير ومن شرٍّ
ومن رأي ومن فكره
فلو قيسوا بلا جسمٍ
لما ضاقت بهم إبرهْ

هذا وهذا وهذا

قلت لعمرو: خانني خالد
وخانني عمرو فماذا أقول؟
أبلغتها زيدًا فما زادني
عن صاحبيه فاحتواني الذهول
ناجيتهم سرًّا وبي خيفة
مِمَّن أناجيه ففيه فضول
ثق من خيانات بني آدم
إذن وقل أنتم ثقاتٌ عدول
لا تشكُ هذا عند هذا ففي
هذا وهذا عنصرٌ لا يحول
كُلُّ بني الدنيا ومن بينهم
أنت فروع جمَّعتها الأصول

ميثاق الأمم

أجيبوا صيحة الدنيا وهبُّوا
ولبُّوا داعيَ الميثاق لبُّوا
توافقتِ الشعوبُ على رجاءٍ
فلا ينكل عن الميدان شعبُ
ولا تصغوا إلى من قال دعوى
يروِّج أمرَها باغٍ وخَبُّ
هبوهم خادعين فهل رأيتم
مخادعة بشيء لا يُحَبُّ؟
إذا الأقوامُ جدَّ بها هواها
إلى حقًّ فما في الحق صعبُ
ولو لم تصب دنياكم لسلمٍ
لما خدعت به من حيث تصبو

تهنئة بمولد

مهنئي أنت يا صديقي
بمولدي طِبْتَ من صديقِ
أنسيتني أنه غروب
ساعةَ هنَّأْتَ بالشروقِ
تسعٌ وخمسون في طريق
لم أدرِ ما وجهة الطريقِ
أُسَائِلُ الركب أين يمضي
وكلهم ها هنا رفيقي
لا أنا أدري ولا رفاقي
يدرون بالموعد الوثيقِ
ركبٌ عجيبٌ بلا دليل
من محدَث فيه أو عتيقِ
إذا مضى منهم فريقٌ
أَلِي المطايا إلى فريقِ
وكلهم يبتغي مسيرًا
في مشرع سار أو مضيقِ
يطيقُ طولَ السِّفار عدوًا
وليس للمهل بالمطيقِ
إخالنا كلنا وقوفًا
هنا على موقفٍ عميقِ
في آبدٍ لا زمانَ فيه
مقترن السبق باللحوقِ
أقرب من يومنا وأوفى
من طارق الليل في الطروقِ
يكاد لولا الحجابُ يبدو
كالظل من ستره الرقيقِ
أَتُعْصَبُ العينُ حولَ سِرٍّ
والسِّرُّ في موضعٍ سحيقِ؟

حشرات

ما وَجَدْنا من البرية إلا
خُلقًا زائفًا وجهلًا مبينا
حشراتٌ لا تعرفُ الخيرَ والشرَّ
وفيها الهلاكُ للعارفينا

ألمُ اللذةِ ولذةُ الألمِ

إذا صاحت الأطماع فاصبر فإنها
تنام إذا طال الصياح على النَّهَمْ
وقهر الفتى آلامه فيه لذةٌ
وفي طاعة اللذات شيء من الألم

الحياة حياة

قالوا الحياة قشورٌ
قلنا فأين الصميم؟
قالوا شقاءٌ فقلنا
نعم فأين النعيم؟
إن الحياة حياةٌ
ففارقوا أو أقيموا

المجد والفاقة

ضلَّ الصوابُ وغُمَّ الأمرُ واشتبهت
على المراقب يمناه بيسراهُ
شيبٌ عُراةٌ وأطفالٌ مُجَوَّعَةٌ
ونسوةٌ نسيت ما ليس تنساه
ليس البلاءُ بلاءَ القوتِ نندبُهُ
بل البلاء بلاء الخُلق ننعاه
ما أبخسَ الروحَ في مصر وأرخصها
وأنفس الخبز في مصر وأعلاه
لا تحسبوا أمة يعلو أعاظمها
إذا الفقير طلاب القوت أعياه
أيرزح القوت في أرض بطالبه
ويبلغ المجدَ فيها مَنْ توخاه؟
هبكم قسوتم على من ذنبه كسلٌ
عن غمرة العيش يثنيه وينهاه
ما بالُ مَنْ ذنبه يا قوم أنكمُ
في العجز لا في اقتسام الرزق أشباه؟
دفنتم المال آكامًا فهل نبتت
في باطن الأرض أو زادت خباياه
إن العزيز ليأبى الذلَّ يلمحه
كالإثم يأبى العفيف الذيل رؤياه
وَا لهفَ نفسي على قومٍ إذا نظروا
ذلَّ الفقير سعوا في كشف بلواه
وألف لهفٍ على قوم إذا شغفوا
بالمال يدرون في الدنيا مزاياه

الوجوه الكاذبة

سُحْقًا لهاتيكَ الوجوهِ فإنها
كذَّابةٌ لا تحسن التمويها
حسنت ولو نقلت صفات نفوسها
لرأيتَ أقبح ما رأيتَ وجوها

إلى السعادة

مه يا سعادة عني
فما أنا من رجالِكْ
لا تطمعي اليوم مني
بالسعي خلف خيالكْ
فقد سألتكِ حتى
مللتُ طول سؤالكْ
وقد جهلتُك لمَّا
سحرتني بجمال
إن الحبيب بغيضٌ
إذا استعز بخال
فلا تمرِّي ببالي
ولا أمرُّ ببالكْ
أشقى الأنامِ أسيرٌ
مُعَلَّقٌ بحبالِكْ

اللؤم سلاح

يسر صديقي أن يراني مُبرَّأً
من اللؤم موسومًا بكُلِّ سماح
كما سرَّ خصمًا أن يراكَ أمامه
تنازله حربًا بغير سلاح
هو اللؤم سيفٌ للئيم وجُنَّةٌ
من الناس والدنيا مجال كفاح
فَوَاهًا لنفسي في المجال مجرَّدًا
أضعت مجنِّي بينهم ورماحي

العقل والجنون

ليس بين الجنون والعقل إلا
خطوتا سائرٍ فحاذِرْ وأمسكْ
أول الخطوتين نسيانُك النا
سَ وأما الأخرى فنسيان نفسكْ

الرجاء

ما للرجاء كأنه نغمٌ
يدنو فأسمعه فيبتعدُ
يا ضاحكًا للناس يخدعهم
هلَّا وفيت لهم بما تعدُ
لو نال منك الناس أجمعهم
فوق المرام لأمكن المددُ
لكنْ بخلتَ فما يزال لهم
شوقٌ إلى شوق وإن جهدوا
وردوا إليك فكان أظمأهم
قلبًا على شطيك من وردوا

حظ الشعراء

ملوكٌ فأما حالهم فعبيدُ
وطيرٌ ولكنَّ الجدودَ قعودُ
أقاموا على متن السحاب فأرضهم
بعيدٌ وأقطار السماء بعيد!
مجانينُ تاهوا في الخيال فودَّعوا
رواحة هذا العيش وهو رغيد
وما ساء حظ الحالمين لَوَ انَّهم
تدوم لهم أحلامهم وتجود
فوا رحمتا للظالمين نفوسَهم
وما أنصفتهم صحبةٌ وجدود
ويذرون من مس العذاب دموعهم
فينظم منها جوهرٌ وعقود
بني الأرض كم من شاعرٍ في دياركم
غبين وغبن الشاعرين شديد
بني الأرض أولى بالحياة جميلة
محبٌّ عليها من حلاه نضود
محبٌّ تناجيه بأسرار قلبها
ومهما تردْ في العيش فهو يريد
على أنه قد يبلغ السُّؤْلَ خاطبٌ
خليٌّ ويُزْوَى عن هواه عميد
بني الأرض لا تنضوا له السيفَ إنَّهُ
يذاد عن الدنيا وليس يذود
أريد به للناس خيرٌ فلم يزل
به عَمَهٌ عن نفسه وشرود
تجمَّعت الأضدادُ فيه فحكمةٌ
وحمقٌ وقلبٌ ذائبٌ وجمود
حُمَاداه صبرٌ في الحياة وإنما
هي النار تخبو ساعة وتعود
مقيمٌ على عرش الطبيعة حاضرٌ
ولكنه بين الأنام فقيد
إذا جال بالعينين فالكون بيته
فإنْ مَدَّ بالكفين فهو طريد
وأقصى مُنَاهُ في الحياة نهاره
وأدنى مُنَاهُ في الممات خلود
يرى الغيب عن بعدٍ فمقبل عهده
قديمٌ وماضيه القديم جديد
إذا عاش في بأسائه فهو ميتٌ
وإن مات عاش الدهر وهو شهيد
شقاوته في الشعر وهو هناؤه
وليس له عن حالتيه محيد
جنونٌ أحق الناس طرًّا بهجره
أولو الفهم لو أن الفهوم تفيدُ

عزاء

لا اليأس أول يأس
ولا الرجاء بسرمدْ
فإن تقضَّى رجاءٌ
فإنَّه يتجدَّدْ
أو حَلَّ يأسٌ فأهلًا
إن الطريق ممهَّدْ
شق الطريق قديمًا
فالعود أهدى وأحمدْ

إنصاف الظالم

أنصفتَ مظلومًا فأنصِفْ ظالمًا
في ذلة المظلوم عذرُ الظالمِ
من يرضَ عدوانًا عليه يضيره
شرٌّ من العادي عليه الغانمِ

أحلام الموتى

(أرسلت الأبيات الآتية إلى صديقنا الشاعر العبقري عبد الرحمن شكري):

ستغرب شمسُ هذا العمر يومًا
ويغمضُ ناظري ليلُ الحِمامِ
فهل يسري إلى قبري خيالٌ
من الدنيا بأنباء الأنامِ
ويُمسي طيفُ مَنْ أهوى سميري
ويؤنس وحشتي ترجيعُ هامِ
وأحلم بالزواهر دائراتٍ
وبالزهر المنوَّر والغمامِ
ألا ليت النيام هناك تحظى
بأحلام كأحلام النيامِ
وليت الوردَ يورقُ فوق رمسي
فتعبق في نوافحِه عظامي
وأبسم في أزاهره لدنيا
عبست لوجهها فوق الرغامِ

فأجابني بأبيات يقول منها:

وكان النَّصفُ أن نرضى بموت
فلا طيفٌ يساعد باللمامِ
أليس الكون أكبر منك شأنًا
وأولى بالمقادر والنظامِ

فراجعته بالأبيات الآتية:

أَبَيْتَ عليَّ أحلامَ الرجامِ
تنير حواشيَ الموت الزؤام
رضينا بالحمام أصم يحشو
منافذ حسه سافي الرغام
رضينا بالحمام كما رضينا
بعيشٍ نوره ظلُّ الحمام
خلعت اسمي على الدنيا ورسمي
فما أبكي رحيلي أو مقامي
حياتي في حياة الكون طرًّا
كقطر الغيث في اللجج الطوامي
وما شمس الحياة بمستحيل
سناها إن قضيتُ إلى ظلام
يظل الحسن في المعشوق حسنًا
وإن حسرت لحاظ المستهام

ضيق الأمل

شر ما يلقى الفتى أجلٌ
ضيقٌ عن واسع الأمل
ولشر منهما أملٌ
ضيقٌ في فسحة الأجل

الشيء من غير معدنه

ليس أضنى لفؤادي
من عجوزٍ تتصابى
ودميم يتحالى
وعليم يتغابى
وجهولٍ يملأ الأر
ض سؤالًا وجوابا

خَفِ العيش

خفِ العيش فإن المو
ت لا يفجع مولودا
وإن الموت إذ يأتيـ
ـك لا يلفيك موجودا!

السعادة

إن الشقي الذي لا صنو يشبهه
وللأصاغر أشباهٌ وأمثالُ
من شابَهَ الناسَ سرَّته مودتهم
ومن علا عنهم ساءت به الحالُ
فاهنأ بمجدك إذ تشقى بعزلته
وليحظَ بالصفوِ أوغادٌ وجهالُ
إن السعادة تحت الأرض معدنها
لا يطلب السعد من آوتْهُ أجيالُ

زماننا

فَشَتِ الجهالةُ واستفاض المنكرُ
فالحقُّ يهمس والضلالة تجهرُ
والصدق يسري في الظلام ملثَّمًا
ويسير في الصبح الرياء فيسفر
إنا لفي زمنٍ كأنَّ كباره
بسوى الكبائر شأنها لا يكبر
من كل ذي وجه لوَ انَّ صفاته
تندى لكان من الفضيحة يقطر
بئس الزمان لقد حسبت هواءه
دنسًا وأن بحاره لا تطهر
وكأن كل الطيبات يردها
فيه إلى شر الأمور مدبر
وثب اللئام إلى ذراه فقهقهوا
إن القرود لبالتسلق أخبر
ما نيل فيه مطلبٌ إلا له
ثمنٌ من العرض الوفير مقدر
وبقدر ما بذل امرؤٌ من قدره
يجزى فأكبر من تراه الأصغر

صلاح المشيب

أبَعْدَ الشيب ترغب في الصلاحِ
وتزهد في المدامة والملاحِ؟
فرغت من الحياة فأنت ترجو
حياةً في الفراديس الفساحِ
رجعت عن الحرام وأنت عندي
عجزت عن المحرَّم والمباحِ
فما تقوى الشيوخ سوى اضطرارٍ
كتقوى اللص بات بلا سلاحِ

عمر يوم

من الناس فَدْمٌ يومُه مثل أمسه
فأيامه ما عاش يومٌ مكرَّرُ
تسربل حينًا بالحياة فشانها
كما يلبس الخزَّ الأجيرُ المسخرُ

الملام

أنا لا ألوم ولا أُلامْ
حسبي من الناس السلامْ
ليس العتاب بمصلح
خللًا توارثه الأنامْ
أنا إن غنيتُ من الأنا
مِ فقد غنيت عن الملامْ
وإذا افتقرتُ إليهمُ
فاللوم من لغو الكلامْ

الفضل المغموط

إذا كنت ذا فضل فلا تك غابطًا
جهولًا بلا فضل لديه يُعَظَّمُ
لعلك لا ترضى وقدرك خاملٌ
بأنك تغدو مثله وهو مكرَمُ
وأجمل ألا يعرف الناس فاضلًا
ويعرفهم من أن يموق ويعلموا

قانون العظماء

لا تلحَ ذا بأسٍ وذا همةٍ
على ذنوب العصبة الغلَّب
فليس مقياسُك مقياسَهم
ولا هُمُ مثلك في المأرب
والليث لا توثق أعضاده
حباله تنصب للثعلب
انظر إلى ما خلَّفوا بعدهم
من المعالي ثم لُمْ واعتب
لم يخط إن داسَ رءوس الوَرَى
من علقت كفاه بالكوكب
من ركب الهائل من أمره
فعذره في ذلك المركب

مدح الناس

ما عهدنا الأنام أجود بالمد
ح لأعلاهم لديهم مكانا
إنما يظهر الأنام ضئيلًا
ليس يخفيهم إذا هو بانا

حب النفس

ما في الأنام سوى محب وامق
سكن الغرام بكل قلبٍ خافق
في كل قلبٍ صورةٌ معبودة
وكمين وجدٍ بالجوانح عالق
لا القبح ينقصه وليس بزائدٍ
حسن الشمائل في هواه الصادق
عشقٌ تملَّكَ كلَّ نفسٍ حيةٍ
في الكون والمعشوق عينُ العاشق

كنت فصرت

كأس الحياة أعلِّيني على ظمأ
وبللي بالحُميَّا طين صلصالي
وأسكريني حتى لا يكون ردى
إلا كما غاب حسٌّ بعد جريال
وفتشي في زوايا القلب فاقتدحي
ظنًّا بظن وبلبالًا ببلبال
إني حسبت حياتي غير واحدةٍ
من التغير من حالٍ إلى حال
… … … … …
… … … … …

•••

إن الحياةَ حياةٌ كيفما اختلفت
ألوانها من مسراتٍ وأوجال
كم ذا أهبت بروحي أن تفارقني
ورحت أجفل منها أي إجفال
فالآن أنشد آلامي وأحمدها
كيما أحس بروحي بين أوصالي

الغنى والسعادة

لا تحسدن غنيًّا في تنعمه
قد يكثر المال مقرونًا به الكدرُ
تصفو العيونُ إذا قلَّت مواردُها
والماء عند ازدياد النيل يعتكرُ

يا كتبي

يا كتبي أشكو ولا أغضب
ما أنت من يسمع أو يُعتبُ
يا كتبي أورثتني حسرة
هيهات لا تُنسى ولا تذهب
يا كتبي ألبست جلدي الضَّنى
لم يغن عني جلدك المذهب
كم ليلةٍ سوداء قضَّيتُها
سهران حتى أدبر الكوكب
كأنني ألمح تحت الدجى
جماجم الموتى بدت تخطب
والناس إما غارقٌ في الكرى
أو غارقٌ في كأسه يشرب
أو عاشقٌ وافاه معشوقه
فنال من دنياه ما يرغب
أو سادرٌ يحلم في ليله
بيومه الماضي وما يعقب
ينتفع المرء بما يقتني
وأنت لا جدوى ولا مأرب
إلا الأحاديث وإلا المنى
وخبرة صاحبها متعب
إذا أراني النور قبحًا فيا
حسن الذي يضمره الغيهب
يا كتبي أين ترى المنتأى
عن أسر أرواحك والمهرب
أنفقت مني ما يضنُّ الورى
به على الله ولم يذنبوا
من ضوء عيني ومن صحتي
سدى ومن وقتي وما أكسب
ومن شبابٍ فيك ضيعته
فما أنا إلا الفتى الأشيب
لو كنت كالجبار في نقمتي
لكان في النار لها معطب
في ذمة الطرس وفي حفظه
عمرٌ تقضَّى شطره الأطيب
لا رحم الرحمنُ فيمن مضى
من علَّم العالم أن يكتبوا

الشيب الباكر

ما أقبل الليل حتى طرتَ بالقمم
يا صبحُ جرتَ على الظلماء في القِسَمِ
وما انقضى شفق الأيام عن عُمُري
فكيف لحت بفجر منك متهم؟
لو كنت تحسب أيامي لما خطرت
يداك يا شيب في مسودَّة اللِّمم
دون الثلاثين تعروني وما انصرمت
إلا كما تنقضي الأعوام في الحلُم!
مرَّت بقادمتي نسرٍ مولية
وكنت أعهد فيها ثقلة الرخم
وما اعتدادك بالأيام تحسبها
وإنما أنت خدن الويل والألم؟
إذا ألمَّا بإنسان صحبتهما
فانزل فقد نزلا في أعظمي ودمي
ما أنت طارق دارٍ لا رفيق بها
ولست مُهرِم قلبٍ ليس بالهرم
قد شبتُ والشعر مسودٌّ فما عجبي
من واضح الشيب بعد الشيب في القتم
ما كان مسود شعري وهو مشتملٌ
عليك إلا كجلباب من الكتم
قل لابن تسعين لا تحزن فذا رجلٌ
دون الثلاثين قد ساواك في الهرم
إذا ادَّكرتَ شبابًا في النعيم مضى
لم يدَّكر من شباب كان أو نعم
وما انتفاعي وقد شاب الفؤاد سدى
إن لم تشب أبدًا كفي ولا قدمي
وليس ما يخدع الفتيان يخدعني
كلا ولا شيم الفتيان من شيمي
يا شيب ضاقت بك الدنيا بأجمعها
فانزل بلا ضائق بالشيب أو برم
من لا يبالي أفجرٌ أنت تنذره
بالصبح أم أنت ضوء النجم في الظلم
يا مرحبًا بصباحٍ ليس يسلبني
صفوًا وبُعْدًا لليلٍ فيه لم أنم

إيه يا دهر

إيه يا دهر هات ما شئت وانظر
عزمات الرجال كيف تكون
ما تعسفت في بلائك إلا
هان بالصبر منه ما لا يهون

الخداع القاتل

إلام تخدعني عيني وما انخدعت
نفسي ولكنها تهفو مع البصر؟
جربت كل خليل في مودته
فما جمعت يدي إلا على صَفر
أكلما ضاء لي نجم فأتبعه
خبا الضياء فلم أبصر سوى كدر؟
أكلما قلت هذا جوهرٌ نطقت
عليه دون بناني خسة الحجر
أكلما لاح لي صيدٌ فأحسبه
صيد الأسود إذا الجرذان في الأثر
أكلما قلت هذا كوثرٌ خَضِرٌ
تجمع الصاب لي في الكوثر الخضر
ويلاه ما أحقر الدنيا وأبغضها
لم ينجُ أحسن ما فيها من القدر
عَزَّ الكمالُ على خَلْقِ الخيال فما
طماعة المرء أن يلقاه في البشر!

الهداية

كم في السماء نجومٌ
ضلت سواء السبيل
وأنت في الأرض تبغي
هَدْيًا بغير دليل

سحر الدنيا

سحر دنياك يا أخيَّ قديمٌ
سوف يبقى ويذهب الكهان
أفيمضي بسحرها كاهنٌ ما
تَ وفيها الشموس والأغصان؟
أفيمضي بسحرها كاهنٌ ما
تَ وفيها الثغور والأجفان؟
أفيمضي بسحرها كاهنٌ ما
تَ وفيها الألحان والألوان؟
كاهن الأولين أول مسحو
رٍ وفي كل حقبة ترجمان
سحر دنياك دائم حيثما دا
م عليها الإنشاد والتبيان
سحر دنياك دائم حيثما دا
متْ عليها الحياة والإنسان

فلسفة حياة

الغرام الملك والملك الضياعْ
هاتِ لي الحسن الذي ليس يضيعْ
ليلة قمراء أو سحر سماعْ
أو قصيدًا راق أو زهر ربيع
قال قومٌ زينة الدنيا خداعْ
قلت خيرٌ بالذي نشري نبيع

•••

زاهد الهند نعى الدنيا وصامْ
أنا أنعاها ولكن لا أصومْ
طامع الغرب رعى الدنيا وهامْ
أنا أرعاها ولكن لا أهيمْ
بين هذين لنا حد قوامْ
وليَلُم من كل حزبٍ من يلومْ

•••

أيها السائل: ما بعد المماتْ
يممِ الصحراءَ وانظر قفرها
ما وراء القبر في قول الثقاتْ
حالةٌ تحمد يومًا سرها
لست بالراضي حياةً كالحياةْ
لا ولا ترضى حياةً غيرها

•••

يعبد الأقوام ما يخشونه
وأنا أعبد ما لست أخاف
ليس ينسى الله من ينسونه
فعلام البحث فيه والخلاف؟
إن وصلتم أو وقفتم دونه
لم يقف دون مقامٍ أو مطاف

•••

شرعك الحسن فما لا يحسن
فهو لا يحلو وإن حل الحرام
ليس في الحق أثامٌ بيِّن
غير مسخ الحسن أو نقص التمام
ما عدا هذين مما يمكن
فاستبحه وعلى الدنيا السلام

إنذار الغضب

إلى الحق المحتجب
يا حقُّ لا تبرحْ خباءَكْ
أتعبتنا سعيًا وراءكْ
فيم الإباء ولم نكن
يا حق إلا أصدقاءك
فالزم مكانك في الثرى
إن شئت أو فالزم سماءك
ما الروضة الغناء ذا
بلةٌ إذا حرمت ضياءك
والحسن عند المبطلـ
ـين وعند من يهوى عداءك
ما فاز من يرجو رجا
لك في الحياة ولا نساءك
أنا إن سلوتُك لم أكد
أشتاق ما يغني غناءك
يا حق هذا حدُّنا
فاختر ظهورك أو خفاءك
إن جئتنا طوعًا فجئ
أو لا فلا تبرح خباءك

كل ما فيها امرأة

أيما لفظة جرت
من فم المرأة امرأهْ
تبتغي الزوج من فئه
والأخلاء من فئه
ليس بالجسم وحده
يعرف الجنس منشأه

المعروف والمنكر

كل ما تصنع الحياة يُرجَّى
من بنيها قبوله واعتقاده
فإذا أنكروا قبيحًا ففي القبـ
ـح من الموت لونه أو شعاره
ذاك لب اللباب في كل شيء
شطَّ بالفكر أو تدانى مزاره

حكمة التوائم

حكيمٌ ذلك التوأم
ومن آبائه أحزم
تهيَّب أرضهم فردًا
فجاء بصاحب ملزم!
ولو جاء بجيشٍ كا
ن في تدبيره أحكم

على بحر الحياة

أمن نظرة الآباد والمثل الأعلى
إلى اليوم بعد اليوم والنظرة العجلى؟
لقد كانت الأجيال عندي قريبةً
فقد عادت الساعات توسعني ثقلا
نظرتُ إلى عُليا الحياةِ أرودُها
فألْفيتُها صِفرًا ولم أحمدِ السفلى
فآليت أقضيها كمن راح طافيًا
على اليمِّ لم يضربْ يدًا فيه أو رجلا
فإن شئت قُلْ هذا غريقٌ وإن تشأ
فقل سابحٌ لم يدرِ أقبل أم ولَّى

نقمة في نعمة

نعمة الإحساس ما بَرِحَتْ
نعمة في طيِّها نقمُ
لا يحسُّ الفقدَ فاقدُها
ونصيب الواجدِ الألمُ

رعونة الحياة

فيم اقتحام جنينٍ واهنٍ عُطُلٍ
أرضًا أبوه بها حيران مهموم
هي الرعونة في طبع الحياة ثَوَتْ
وإنما حِكمةُ الأقوامِ تعليمُ

بنية قوية

تعاقب السوس والجراد وما
باد ربيعٌ ولا انطوى شجر
فلا تخفْ آفةً ولا غِيَرًا
يُمنى بها في الضمائر البشر
دنياك هذي قويةٌ صمدت
لكل شر جرى به القدر

ما فوق الحياة

يا طالبًا فوق الحياة مدى له
يعلو عليها، هل بلغت مداها؟
ما في خيالك صورةٌ تشتاقها
إلا وحولك لو نظرت تراها
ولو استويت على الخلود وجدتها
كفؤًا لعينك لا تروم سواها

على الشاطئ

وردوا البحر فأهلًا
بهم يا بحر أهلا
أنت لا تحفل منهم
من ولى أو من تولَّى

•••

نزلوا شطَّك غِيدًا
وشبابًا ومشيبا
طلبوا في الماء بردًا
فذكا الماء لهيبا

•••

وردوا البحر عطاشًا
رشفوه غرفوه!
لو يكون البحر بحرًا
من سرورٍ نزفوه

•••

المساكين يريدو
ن من الدنيا اتساعا
اخدعوها فهي لا تو
سعكم إلا خداعا

•••

وإذا لاحت بوجهٍ
يملأ الأبصار رعبا
فاضحكوا منها وقولوا
ما أُحَيْلَى ما أحبا!

•••

وإن مدَّت إليكم
بيد فيها الحمام
فخذوا الموت وقولوا
هو خلدٌ وسلامُ!

نصف رغيف

عجبي للحياة أشرف ما تحـ
ـويه وقفٌ على الحقير الطفيف
صفحات السماء والأرض طرًّا
والمعاني من تالدٍ وطريفِ
والوجوه التي تشوقك حسنًا
تنطوي إن فقدت نصف رغيف

ذات وجوه

وجوه حياتنا متعدداتٌ
ودع عنك البراقع والطلاءَ
فإن تحمد وسامتها صباحًا
فقد تنعي دمامتها مساءَ

ضلال الخلود

كان في الأرض قبل عشرين ألفًا
من سني الأرض شاعرٌ عبقريُّ
كان لا شك فيه عندي ولا ميـ
ـن وإن شك جاحدٌ وغبي
نظم الشعر في الحسان وحيَّى
قبلة الشمس وهو داع شجي
ليت لي من قصيده بيت شعرٍ
في ثنايا البلاد يرويه حي
ليت لي من قصيده فرد بيتٍ
صح أم لم يصح منه الروي
اشترى بيته بديوان شعبـ
ـين فأين المساوم الصيرفي؟!
ضلة للخلود نأسى عليه
أخلدُ الخالدين فينا دَعِيُّ!

أصداء الشارع

بنو جرجا ينادو
ن على تفاح أمريكا
وإسرائيل لا يألو
ك تعريبًا وتتريكا
وبتراكي إلى الجو
د على الإسلام يدعوكا
وفي كفيه أوراقٌ
بكسب المال تغريكا
وأقزامٌ من اليابا
ن بالفصحى تحييكا
وإن لا تكن الفصحى
فبالإيماء تغنيكا
قريبٌ كلها الدنيا
كرجع الصوت من فيكا
دعا الداعي فلبوه
طغاةً وصعاليكا
إذا ناديت يا دينا
ر من ذا لا يلبيكا
فما في الناس هاذاك
ولا في الأرض هاتيكا

عصر السرعة

طاروا وداروا مسرعين في الثرى
يركب منهم رأسه من ركبا
لو لم يكن هذا الزمانُ آفةً
ما اتخذوا السرعة منه مهربا

عسكري المرور

متحكمٌ في الراكبيـ
ـن وما له أبدًا ركوبَهْ
لهم المثوبة من بنا
نك، حين تأمر والعقوبَهْ
مُرْ ما بدا لك في الطريـ
ـق ورُضْ على مهلٍ شعوبه
أنا ثائرٌ أبدًا وما
في ثورتي أبدًا صعوبه
أنا راكبٌ رجلي فلا
أمرٌ عليَّ ولا ضريبه
وكذاك راكب رأسه
في هذه الدنيا العجيبه

الفنادق

فنادق تشبه الدنيا لقاءً
وتفرقةً وإنْ قَصرَ المُقامُ
تقول لكل من وفدوا عليها
بأن العيش نهبٌ واغتنام
فمن تلقاه في يومٍ صباحًا
تفارقه إذا جن الظلام
ورب عصيَّة في الحب باتت
وأقرب من بدايتها الختام
تقول لقلبها ما الحب إلا
أمانٌ حيث يزدحم الزحام
فلا سرٌّ هنالك مستباحٌ
ولا شوقٌ هنالك أو غرام
مَنَازِلُ كُلُّ ما فيها انسجامٌ
مَنَازِلُ كُلُّ ما فيها انقسامُ!
وما افترقت شعوب الأرض يومًا
كما افترقوا إذا انصرفوا وهاموا
ففيهم يافثٌ حينًا وشيثٌ
وفيهم تارةً حامٌ وسامُ

المصرف «البنك»

شبران من ذاك البناء
بيني وبين المال والد
نيا العريضة والثراءْ
ليست بأقصى في الرجاءْ
من حفرة المدفون في
شبرين في جوف العراءْ
كلا ولا أدنى على
قرب المزار لمن يشاءْ
أعرفت آماد السماءْ؟!

•••

في سكَّتي أبدًا وما
من سكةٍ أبدًا إليـ
ـه ولست ألغز عندما
أصفُ الطريق أو الحمَى
انظر بعينيك البنا
ء سما وطال وأظلما
واسأل: أهذا مصرفٌ
ملئوا جوانبه دما؟
تجدِ الصوابَ مجسَّما

•••

فيه دم لا شك فيه
في كل طرسٍ أو كتا
ب أو سجلٍّ يحتويه
ودم المقتر والسفيه
يجري هناك وأنت تحـ
ـسبه من الورق الرفيه
نغليه كالدم في العرو
ق سرى وكالدم نتقيه
وسل المدلس والنزيه!

•••

سلني فلم أك طالبا
ورقًا هناك على الرفو
ف أنال منه جانبا
وأعد منه حاسبا
إلا لأوراق أراها
قارئًا أو كاتبًا
ولما تجيش به الخوا
طر حاضرًا أو غائبا
ودع الحسود الغاضبا

يا رب … ويا خلق!

يا رب!

يا رب أعطيناك أرواحنا
في هذه الحرب وفي الماضيهْ
يا ربنا فاقض لنا مرةً
بالسلم في أيامنا الباقيَهْ

يا خلق!

يا خلق ما أرواحكم سمحةٌ
عندي ولا إن سمحت كافيهْ
أعطيتمُ إبليس أضعافها
من حيواتٍ عندكم غاليه
وبعتمُ في سوقه كل ما
وهبتكم من عيشةٍ راضيه
لم تشتروا السلم بأرواحكم
بل اشتريتم نقمةً ثانيه
عطاؤكم إبليس سمحٌ بلا
أجرٍ ولا أمنيةٍ خافيه
وما بذلتم قط لي قربةً
إلا رجاء العفو والعافيه!

بابل الساعة الثامنة

(في بعض الأحياء يمنع الشُّرَطُ نداءَ الباعةِ قبل الساعة الثامنة، فيجتمع الباعة عند مداخل تلك الأحياء صامتين متأهبين، حتى إذا وافت الساعة المحدودة اندفعوا دفعة واحدة ينادون على السلع، كلٌّ وما يبيع، وهي خليط لا تأتلف أصداؤه ولا أشياؤه، فهي بابل لا مراء!

قابل بين بابل هذه وبابل الفجر الذي تختلط فيه أصداء الطبيعة مثل هذا الاختلاط، ولكنها تنسجم في معناها المبشر باستئناف الحياة وعودة النور، وإن هذه المقابلات جميعًا لحقيقة في الشعر ببعض الإصغاء.)

كم بابل في الساعة الثامنهْ
تثورُ في حلبتِنا الساكنهْ
خفية الأصداء لا تنجلي
ولم تكن عجماء أو واهنهْ
شتى فإن أفردتها لم تكد
تبين منها لفظةٌ بائنهْ
كأنما تُصْغِي إلى راطنٍ
يُتَعْتِعُ الأحرفَ أو راطنهْ
فلفظةٌ ينطقها دونها
عشرون في حلقومه قاطنه
واسم يليه اسمٌ وما جَمَّعتْ
قرينةٌ بينهما قارنه
إن بعدت عن سامع أو دنت
لم تدنُها أوصافها المائنه
البرتقال الحلو والفحم والـ
أطباق والريحانة الفاتنه
والبيض والأثواب والتبغ والـ
أخشاب والزينة والزائنه
وأشربات العصر في حينها
مثلوجة إن شئت أو ساخنه
والناي والأرغن تتلوهما
ربابةٌ كالهرة الداجنه
ومن يناديها ويدعو بها
إليه في زوبعة زابنه
مخلوطة ممزوجة كلها
معجونة في لفظها عاجنه
في بابل الباعة تلك التي
تسمعها لا بابل الحائنه
يحبسها الشرطي حتى إذا
حانت لديه الساعة الثامنه
أطلقها فانطلقت فجأةً
على الحِمَى كالفارة الكامنه
تجِدُّ أقصى الجدِّ لكنها
في السمع كالمجنونة الماجنه

•••

إذا تمادى النوم بي ضحوةً
أو أرَّقتني خطرةٌ رائنه
أيقظني من بابلي هذه
نفيرُ حربٍ في القرى الآمنه

عباد الطغيان

كلكم كلكم مع الغالب الظا
لم لا تعدموا من الظلم رغما
لو وقفتم يومًا إلى جانب المغـ
ـلوب ما فاز غالبٌ قط ظلما

اعرف ما ترميه تعرف ما تجنيه

تعلَّم كيف تستغني
إذا ما شئت أن تغني
فمن يجهل ما يُلقي
فقد يجهل ما يجني

فَصْد

قالوا هي الحرب فَصْدٌ
به الشفاءُ يُؤمَّلْ
قلنا نعم فصدُ عرقٍ
حي وإعفاء دُمَّلْ!

الخلودُ المزدرَى

نفوسٌ أعافُ مقامي بها
أأخلدُ فيها لبئس الخلودْ؟!
وسجنٌ أعاف وجودي به
أليس كفيلًا ببغض الوجودْ؟
فدعْ عنك يا صاحبي خالدَيكَ
وقل مَنْ مُزَكٍّ لهم أو شهيدْ
فلا خير في عيشهم سرمدًا
إذا سُرْمِدُوا في ضمير القرودْ
فَرُبَّ خلودٍ كقيد السجين
ونسيان قوم كفك القيود

الشعر

إني ألوذ بشعري حين يطرقني
من الطوارق نُزَّالٌ وضِيفانُ
والشعر من نفس الرحمن مقتبس
والشاعر الفذ بين الناس رحمانُ
كأنَّ من صُور إسرافيلَ دعوته
لو يسمع الصور يوم البعث صفوانُ
يظل ينظفُ من ماء الحياة ندًى
على الجماد فيزكو فيه ريعانُ
فما يزال لراويه وقائله
من الخلائق سُمَّارٌ وخُلصانُ
يجني المودة مما لا حياة له
إذا جفاه من الأحياء خَوَّانُ
ويحسب النجم ألحاظًا تساهره
والودق يبكيه دمعٌ منه هتانُ
إذا تجهم وجه الناس ضاحَكَهُ
ثغر الورود ومالَ السَّرْوُ والبانُ
أو ملَّ هاتفةَ الأصواتِ أسمعه
للريح والغاب أبواقٌ وعيدانُ
تُفضِي له ألسنُ الدنيا بما علمَتْ
كأنما هو في الدنيا سليمانُ
لقد عبدت الأقانيم التي جمعت
ما فرقته أقانيمٌ وصلبانُ
الحب والشعر ديني والحياة معًا
دينٌ لعمرك لا تنفيه أديانُ
هي الحياة جنين الحب من قدم
لولا التجاذب ما ضمتك أكوانُ
والشعر ألسنةٌ تقضي الحياة بها
إلى الحياة بما يطويه كتمانُ
لولا القريض لكانت وهي فاتنةٌ
خرساءَ ليس لها بالقول تبيانُ
ما دام في الكون ركنٌ للحياة يُرى
ففي صحائفه للشعرِ ديوانُ

سِر في طريقك

سِرْ في طريقك بين اللائمين ولا
تحفل بمن جد في لوم ومن لعبا
فالناس يرضون عمن ليس يحفلهم
ويغضبون على من يحفل الغضبا

الخلاصة

ليست خلاصةُ كلِّ شيء غُنيةً
عنه وإن كانت خلاصة ماهر
فالشهد وهو خلاصة الأزهار لا
يغني العيون عن الربيع الزاهر

وصايا معكوسة

من عمل بها فعليه وزرها، ومن لم يعمل بها فأجره على الله

(إذا قال الرجل لرسوله: «اذهب إلى السوق فهات عنبًا حامضًا!» فليس معنى ذلك أنه يطلب العنب الحامض، وإنما معناه أنه يأباه وينبه إلى اجتنابه، وكذلك هذه الوصايا إنما هي وصايا أسف وتحذير وليست بوصايا رضا وترغيب. والقصد منها أن تصف ما يقع أحيانًا بين الناس، وتنكر أن يشيع):

الضعة والشرف

والِ المدنَّسَ بالعيوب ولا تكن
يومًا وليًّا للنبيل الطاهرِ
فذوو المعائب لا تناحرَ بينهم
والنبل فيه سبيل كل تناحر
وذوو المعائب آمنون لمن وفى
والنبل ليس بآمن للغادر
وذوو المعائب ما لهم من حاصرٍ
والنبل محصورٌ قليل الناصر
وذوو المعائب يسترون خلالهم
والنبل ما لهناته من ساتر
وذوو المعائب عذرهم في نقصهم
والنبل ما لكماله من عاذر
وذوو المعائب ينعمون بحظهم
والنبل ما لشقائه من آخر
ولربَّ ربح فات من ذي ذمة
يسعى إليك مع الخئون الخافر
رأيُ السلامة إن أردتَ فَخُذْ به
أو لا فدعه إن استطعت وخاطرِ

بمن تثق؟!

ثِقْ بالرذيلة تلقها
في كل حينٍ حاضرةْ
إن الفضيلة قلما
تلقاك إلا عابرةْ
حتى الأفاضل عرضةٌ
لهوى الهنات البادرةْ
ما كل يومٍ يرتجى
عطف النفوس الطاهرةْ
ومن النوادر أن ترى
عند التعطُّف قادرةْ
من لم يَدُرْ في دهره
دارت عليه الدائرةْ

ومن تكون

ومن لا تكون
كن بينهم «بوذا» فإن لم تطق
فكن كتيمور ونيرونا
أو عش معافًى بينهم لا ترى
إصلاحهم دنيا ولا دينا
قد ضل من يطلب إصلاحهم
لا غرو أن سمَّوه مجنونا!
يأمنهم من فاتهم طائعًا
أو ساقهم كرهًا مطيعينا
أو راح منهم طالبًا نفعه
لا عاليًا يأبى ولا دونا
من هان أو هان الورى عنده
أو سامهم في ظلمه الهونا
أولئك الرهط الذي لم يزل
يأمن ما يخشى النبيونا
يا بؤس أرض لا ترى فوقها
إلا طُغاةً أو مرائينا

صُوَرُ الرَّجاء

أمسيتُ أذكر ما مضى من صبوتي
والذكر آمال الزمان الغابر
قد ييأس الإنسان من غده ولا
تلقاه ييأس من حنين الذاكر
ما شئت من صور الرجاء فَلُذْ به
بعضُ الغدِ الآتي كأمس الدابر

قرش معقول

إن أحبُّوا القرش لم يجدوا
عجبًا في حبه الخطر
فإذا ما الطفل هام به
جعلوه طرفة السمر
يا محبي القرش ويحكمُ
هل سمعتم أصدق الخبر؟
هل علمتم في طرائفكم
أي قرشٍ بالهيام حري؟
ذاك قرش الطفل نضحك من
حبه إياه في الصغر
وهو أولى من قروشكمُ
كلها بالحب والسهر
هو «حق» عنده جللٌ
حاضر الميعاد والأثر
ثمن الحلوى يلذُّ بها
وجمال الحسن والنظر
وأفانين الملاعب لم
تخل من نفع ومن ثمر
وهو وهمٌ في خزائنكم
وخيالٌ كاذب الوطر
وسجين ثمَّ مُدَّخَرٌ
لرجاءٍ غيرِ مُدَّخَرِ
لا تعيبوا الطفل وانتفعوا
منه بالآيات والعبر
الحياة الحق ناضرةٌ
فاقطفوا من غصنها النضر

جلال الموت

أرى في جلال الموت إن كان صادقًا
جلالة حق لا جلالة باطل
فلا تجعلن الموت حجة كاذبٍ
لمدحة مذمومٍ ورفعة سافل

عصر السرعة

طار في الذُّرى
هام في السهولْ
مسرعَ الخُطى
حيثما يجولْ
ما له عدا
عدوة الوعول
ما له سطا
سطوة السيول
في صعوده
يشبه النزول
تلك سرعة الـ
ـحائر الملول
تلك سرعة الـ
آثم الخجولْ
أين سرعة الـ
ـسَّعي والوصولْ

التقديس

عارفُ التقديسِ روحيـ
ـيٌّ وإن قدَّس جسما
ومهين الجسم جسميـ
ـيٌّ وإن كان «بَرَهْما»
أنت بالتقديس تسمو
لا بما قدستَ تُسمَى

السرور

منع السرور حذار قلبي قبله
ألا يتم وبعده التنغيصا
ويزيدني كلفًا به وضنانةً
ألا يباح إذا أبيح رخيصا

حكمة الجهل

ألم أقل لك مهلًا
فالناس لؤمٌ وشرُّ
لا تولهم منك عطفًا
فهم من العطف صفرُ
لو كنت تعلم علمي
لما أصابك ضُرُّ
نَعَمْ نَعَمْ قلتُ هذا
إني بذاك مُقِرُّ
وأنت عنديَ طفلٌ
وأنت عندي غِرُّ
وما لقولك وزنٌ
وما لنصحك شكر
أنفقت عطفك قبلي
وذاك يا صاح فقر
كم حكمة هي جهلٌ
وغفلةٍ هي فخر

الحكمة الصادقة

حكمةٌ قد تناقضت
هذه أصدق الحكم
ليس للعلم من تما
م إذا الجهل قيل تم
فاغتنم منه ما بدا
وانتظم منه ما انتظم

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤