الباب الثاني

في المنطق١

وهو تسعة فصول
الفصل الأول: في إيساغوجي. الفصل الثاني: في قاطيغور ياس. الفصل الثالث: في باري أرمينياس. الفصل الرابع: في أنولوطيقا. الفصل الخامس: في أفودقطيقي. الفصل السادس: في طوبيقي. الفصل السابع: في سوفسطيقي. الفصل الثامن: في ريطوريقي. الفصل التاسع: في بيوطيقي.٢

الفصل الأول: في إيساغوجي

هذا العلم يُسَمَّى باليونانية لوغيا، وبالسريانية مليلوثا، وبالعربية الْمَنْطِق. إيساغوجي، هو المدخل، يُسَمَّى باليونانية: إيساغوجي. الشخص، عند أصحاب المنطق، مثل: زيد وعمرو، وهذا الرجل، وذاك الحِمار والفرَس، وربما سموه العين. النوع: هو مثل الإنسان المطلق والحِمار والفرَس، وهو يعم الأشخاص كزيد وعمرو، وهذا الفرَس، وذاك الحِمار، وهي تقع تحته، وهو كلي يعم الأشخاص. الجنس: ما هو أعم من النوع، مثل الحي، فإنه أعم من الإنسان والفرس والحمار. وجنس الأجناس: هو الذي لا جنس أعم منه، كالجوهر. ونوع الأنواع: ما لا نوع أخص منه، كالإنسان والفرَس والحِمار، التي لا يقع تحتها إلا الأشخاص. وكل نوع، هو بين نوع الأنواع وجنس الأجناس، قد يكون نوعًا بالإضافة إلى ما هو أعم منه، وجنسًا بالإضافة إلى ما هو أخص منه، كالحي والجسم. الفصل: ما يتميز به النوع عن الآخر بذاته، ومن الجنس والفصل يُؤخذ الحد، مثال ذلك: حد الإنسان أنه حيوان ناطق، فقولك: حيوان، هو الجنس، وقولك: ناطق، هو الفصل. العرض: هو ما يتميز به الشيء عن الشيء، لا في ذاته، كالبياض والسواد والحرارة والبرودة ونحو ذلك. الخاصة: عرض يُخص به نوع واحد دائمًا، مثل الضحك في الإنسان، والنُّهَاقُ في الحِمار، والنُّباح في الكلب، ومن الجنس والخاصة يؤخذ رسم الشيء، كقولك: الإنسان حيوان ضحَّاك. الموضوع: هو الذي يسميه النحويون المبتدأ، وهو الذي يَقْتَضِي خبرًا، وهو الموصوف. والمحمولُ هو الذي يسمونه خبر المبتدأ، وهو الصفة، كقولك: زيد كاتب، فزيد هو الموضوع، وكاتب هو المحمول، بمعنى الخبر.

الفصل الثاني: في قاطيغورياس

الكتاب الأول من كُتب أرسطاطاليس٣ في المنطق يُسَمَّى قاطيغورياس، وأما إيساغوجي فإنه لفرفوريوس، صنَّفه مدخلًا إلى كُتب المنطق، ومعنى قاطيغورياس باليونانية يقع على المقولات. والمقولات عشر، وتُسمى: القاطاغوريات:
  • إحداها: الجَوْهَر، وهو كل ما يقوم بذاته، كالسماء والكواكب، والأرض وأجزائها، والماء، والنار، والهواء، وأصناف النبات والحيوان، وأعضاء كل واحد منها. ويسمي عبد الله بن المقفع الجَوْهَرَ: عَيْنًا، وكذلك سمَّى عامةَ المقولات وسائر ما يُذكر في فصول هذا الباب بأسماء اطَّرَحَها أهلُ الصناعة فتَرَكْتُ ذِكْرَها وبَيَّنْتُ ما هو مشهور فيما بينهم.
  • المقولة الثانية: الكَمُّ، بتشديد الميم؛ لأن كَمْ اسم ناقص عند النحويين، والأسماء الناقصة وحروف المعاني إذا سُيِّرَتْ أسماءً تامَّة، بإدخال الألف واللام عليها، أو بإعرابها، يُشدَّد ما هو منها على حرفين وصُرِف، قال أبو زيد:
    لَيْتَ شِعْرِي وأَيْنَ مِنِّي لَيْتٌ
    إنَّ لَيْتًا وإنَّ لوًّا عَناءُ

    فكل شيء يقع تحت جواب كَمْ فهو من هذه المقولة، وكل شيء أمكن أن يُقدَّر جميعه بجزء منه، كالخَطِّ، والبَسِيط، والْمُصْمَت، والزَّمان، والأحوال، وقد فُسِّر الخط والبسيط والْمُصْمَت في باب الهندسة.

  • والمقولة الثالثة: الكَيْف، وهو كل شيء يقع تحت جواب كَيْفَ، أعني: هيئات الأشياء وأحوالها، والألوان، والطعام، والروائح، والملموسات كالحرارة والبرودة واليُبُوسة والرُّطوبة، والأخلاق، وعوارض النَّفْس كالفزَع والخَجَل، ونحو ذلك.
  • والمقولة الرابعة: مقولة الإضافة، وهي نسبة الشيئين يُقاس أحدهما إلى الآخر، كالأب والابن، والعبد والْمَوْلَى، والأخ والأخ، والشَّرِيك والشَّرِيك.
  • والمقولة الخامسة: مقولة مَتَى، وهي نسبة شيء إلى الزمان المحدود: الماضي، والحاضر، والمستقبل، مثل: أَمْسِ، والآنَ، وغدًا.
  • والمقولة السادسة: مقولة أَيْنَ، وهي نسبة الشيء إلى مكانه، كقولك: في البيت، أو في المدينة، أو في الأرض، أو في العالم.
  • والمقولة السابعة: الوَضْع، ويُسَمَّى: النصبة، وهي مثل القيام والقعود والاضطجاع والاتكاء في الحيوان، ونحو ذلك، وفي غيره من الأشياء.
  • والمقولة الثامنة: مقولة لَهُ، وبعضهم يسميها: مقولة ذو، وبعضهم يسميها: الجدة، وهي نسبة الجسم إلى الجسم المنطَبِق على بَسِيطه، أو على جزء منه، كاللُّبْسِ والِانْتِعال والتسَلُّح للإنسان، واللِّحاء للشجَر.
  • والمقولة التاسعة: مقولة يَنْفَعِلُ، والانفعال هو قَبول أثَر المؤَثِّر.
  • والمقولة العاشرة: مقولة يَفْعَلُ، وهو التأثير في الشيء الذي يَقْبَل الأَثَر، مثل التسخين، والانفعال مثل التسخُّن، وكالقطع والانقطاع.

الفصل الثالث: في باري أرمينياس

اسم الكتاب الثاني في باري أرمينياس، ومعناه يدل على التفسير، فمما يُذكر فيه الِاسم، والكلمة، والرِّبَاطات. فالاسم: كلُّ لفظ مفرد يدُلُّ على مَعْنًى، ولا يدل على زمانه المحدود، كزَيْد وخالد. والكلمة، هي التي يُسميها أهل اللغة العربية: الفعل، وحَدُّها عندَ المنطقيين: كل لفظ مفرَد يدل على مَعْنًى ويدل على زمانه المحدود، مثل: مَشَى ويَمْشِي وسَيَمْشِي وهو ماشٍ. والرِّبَاطات، هي التي يسميها النحويون: حروفَ المعاني، وبعضهم يسميها: الأدوات. الخَوَالِف، هي التي يسميها النحويون: الأسماء الْمُبْهَمَة، والمُضْمَرة، وأبدال الأسماء، مثل: أنا، وأنت، وهو. القول: ما تركَّب من اسم وكلمة. السُّور، عند أصحاب الْمَنْطِق، هو: كل وبعض وواحد، ولا كل واحد ولا بعض. القول الجازم: هو الخبر دون الأمر، والسؤال والمسألة والنداء، ونحوها. القضية: هي القول الجازم، مثل: فلان كاتب، أو فلان ليس بكاتب. القضية الْمُوجَبة: التي تُثْبِتُ شيئًا لشيء، مثل قولك: الإنسان حَيٌّ. القضية السالِبَة: التي تَنْفِي الشيءَ عن الشيء، كقولك: الإنسان ليس بحَجَر. القضية الْمَحْصُورة: هي التي لها سُور. القضية الْمُهْمَلَة: التي لا سُورَ لها. القضية الكلية: التي سُورها يَعُمُّ الإيجابَ أو السَّلْب، مثل قولك: كل إنسان حي، أو لا واحدَ من الإنسان حَجَر. القضية الجزئية: التي لا تعم، مثل قولك: بعض الناس كاتب، أو لا كل الناس كاتب. الجهات في القضايا، مثل قولك: واجب، أو ممتَنِع، أو مُمْكِن. القضية المطْلَقة: التي لا جِهَةَ لها.

الفصل الرابع: في أنولوطيقا

هذا الكتاب يُسَمَّى باليونانية: أنولوطيقا، ومعناه: العَكْس؛ لأنه يذكر فيه قَلْب المقَدِّمات وما ينعكس منها وما لا ينعكس. المقدِّمة: هي القضية تُقَدَّم في صنعة القياس. النتيجة: ما يَنْتُج من مقدِّمتين، كقولك: كلُّ إنسانٍ حَيٌّ، وكلُّ حيٍّ نامٍ، فنتيجة ما بين المقدمتين: كلُّ إنسانٍ نامٍ. ويُسَمَّى الرِّدْف أيضًا. القَرِينة: المقدمتان إذا جُمِعَتا. الجامعة: هي القَرِينة والنتيجة إذا جُمعتا، وتُسمى أيضًا: الصنعة، واسمها باليونانية: سولوجسموس، أي القياس. المقدمة الحَمْليَّة: هي المركَّبة من اسم وكلمة فقط. المقدمة الشَّرْطِيَّة: المركَّبة من مُقَدِّمَتَيْنِ حَمْلِيَّتَيْنِ، ومن حُروف الشَّرْط، مثل قولك: إن كانت الشَّمْس طالعة فالنَّهار موجود، وكقولك: العدد إما زَوْجٌ وإما فَرْد. القِيَاس الحَمْلِيُّ، يؤلَّفُ من مقدِّمَتَيْنِ تشتركان في حدٍّ واحد، وهذا الحد المشترك يُسَمَّى الحد الأوسط، والحدان الباقيان يسميان الطَّرَفين، فإذا كان الحد الأوسط موضوعًا في إحدى المقدمتين ومحمولًا بالأخرى، سُمي هذا الترتيب: الشكل الأول من أشكال القياس، ومتى كان محمولًا فيهما جميعًا سُمي: الشكل الثاني، ومتى كان موضوعًا فيهما جميعًا سُمي بالشكل الثالث. المقدمة الكبرى: التي فيها الحد الأكبر، وهو ما كان محمولًا في النتيجة. والمقدمة الصغرى: هي التي فيها الحد الأصغر، وهو ما كان موضوعًا في النتيجة. خواص الأشكال الثلاثة ألا تنتج سالبتان، ولا جزئيتان، ولا مهملتان، ولا مهملة وجزئية، وألا يكون الحد المشترك مستعملًا في النتيجة، وأن يخرج في النتيجة أخَسُّ مما في المقدمتين من الكم والكيف، أعني بالأخَسِّ في الكم الجزئي، وبالأخس في الكيف السلب. وخواص الشكل الأول: أن تكون كُبْرَاهُ كُلِّيَّة، وصُغْرَاهُ مُوجَبَة، ونتائجه كيفما اتفقت: إما مُوجَبَات، وإما سَوالِب، وإما كُليات، وإما جُزْئيات. وخواص الشكل الثاني: أن تكون كُبْرَاهُ كلية، وتختلف كُبْرَاهُ وصُغْرَاه في الكيف، وأن تكون نتائجه سوالب كلها. وخواص الشكل الثالث: أن تكون صُغْرَاهُ موجَبة، وكُبْرَاهُ كيف وقعت في الكيفية والكَمِّيَّة، وأن تكون نتائجه جزئيات. القرائن الناتجة في الأشكال الثلاثة، ثماني قرائن: أولاها: كلية موجَبة كُبْرَى وكلية موجَبة صُغْرَى، تَنْتُج في الشكل الأول موجَبة كلية، وفي الثالث موجَبة جزئية. والثانية: كلية موجبة كبرى وكلية سالبة صغرى، تنتج الشكل الثاني سالبة كلية. والثالثة: كلية موجبة كبرى وجزئية موجبة صغرى، تنتج في الشكل الأول والشكل الثالث جزئية موجبة. والرابعة: كلية موجبة كبرى وجزئية سالبة صغرى، تنتج في الشكل الثاني سالبة جزئية بالرد إلى الامتناع. والخامسة: كلية سالبة كبرى وكلية موجبة صغرى، تنتج في الأشكال الثلاثة، أما في الأول والثاني فسالبة كلية، وأما في الثالث فسالبة جزئية. والسادسة: كلية سالبة كبرى وجزئية موجبة صغرى، تنتج في الأشكال الثلاثة سالبة جزئية. والسابعة: جزئية موجبة كبرى وكلية موجبة صغرى، تنتج في الشكل الثالث جزئية موجبة. والثامنة: جزئية سالبة كبرى وكلية موجبة صغرى، تنتج في الشكل الثالث جزئية سالبة بالرد إلى الامتناع.

الفصل الخامس: في أفودقطيقي

هذا الكتاب يُسَمَّى: أفودقطيقي، ومعناه: الإيضاح؛ وذلك أنه يوضَّح فيه القياسُ الصحيح وغير الصحيح. أصول البرهان: المبادئ والمقدمات الأُول، وهي التي يعرفها الجمهور، مثل قولك: الكل أعظم من الجزء، والأشياء المساوية لشيء واحد بعينه فهي متساوية. العلة الهَيُولانية هي معرفة هل الشيء، والعلة الصُّورية هي معرفة ما الشيء، والعلة الفاعلة هي معرفة كيف الشيء، والعلة اللِّمَائية هي معرفة لِمَ الشيء. البُرْهان: هو الحُجَّة. الخَلْف، بفتح الخاء: هو الرَّدِيء من القول المخالِف بعضُه بعضًا. الاستقراء: هو تعرُّف الشيء الكلي بجميع أشخاصه، يقال: اسْتَقْرَى فلانٌ القُرَى وبُيوتَ السِّكَّة، إذا طافها ولم يَدَعْ شيئًا منها. المثال: أن تشير إلى شخص من أشخاص الكلي لتدل به عليه.

الفصل السادس: في طوبيقي

اسم هذا الكتاب: طوبيقي، ومعناه: الْمَوَاضِع، أي مواضع القول، يُذكر فيه الجَدَل. ومعنى الجَدَل: تقرير الخَصْم على ما يَدَّعِيهِ من حيث أَقَرَّ، حقًّا كان أو باطلًا، أو من حيث لا يَقْدِر الخَصْم أن يعاندَه لِاشْتِهار مذهبه ورأيه فيه؛ لأنه يُزْرِي على مذهبه ورأيه فيه.

الفصل السابع: في سوفسطيقي

هذا الكتاب يُسَمَّى: سوفسطيقي، ومعناه: التحكم، والسوفسطائي هو المتحكِّم، يذكر فيه وجوه المغالطات وكيف التحرز منها، والسوفسطائيون هم الذين لا يُثبتون حقائق الأشياء.

الفصل الثامن: في ريطوريقي

هذا الكتاب يُسَمَّى: ريطوريقي، ومعناه: الخطابة، يتكلم فيه على الأشياء المقنِعة، ومعنى الإقناع: أن يعقل نفس السامع الشيء بقول يصدق به وإن لم يكن ببرهان.

الفصل التاسع: في بيوطيقي

وهو الكتاب التاسع من كُتب المنطِق، ويُسَمَّى: بيوطيقي، ومعناه: الشعر، يتكلم فيه على التخييل، ومعنى التخييل: إنهاض نفس السامع إلى طلب الشيء أو الهرب منه وإن لم يصدق به. والتخييل والتصور والتمثل وما أشبهها، كثيرًا ما تُستعمل في هذا الكتاب وفي غيره لازمةً ومُتَعَدِّيَةً، يُقال: تَصَوَّرْتُ الشيءَ، إذا تعَمَّدْتَ تصويره في نفسك، وتمثَّلْتَه وتخيَّلْتَه كذلك. وأما: تَخَيَّل لي، وتَمَثَّل لي، وتَصَوَّر لي، فهي معروفة. وقياسُ ذلك: تَبَيَّنْتُهُ فتَبَيَّنَ لي، وتَحَقَّقْتُهُ فتَحَقَّقَ لي.

١  واسمه الفني: لا لوجيك.
٢  وهذه الفصول التسعة هي ما اشتمل عليها علم المنطق وقد بيَّنها فيما بعد واحدة فواحدة.
٣  فيلسوف يوناني توفي قبل المسيح ﺑ ٣٢٢ سنة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤