الفصل الأول

يمثل الملعب غابة

المشهد الأول

سغاناريل – مرتين
سغاناريل : قلت لكِ لا أريد أن أفعل شيئًا، وإن الحق في الكلام هو لي وحدي، فأنا السيد في هذا المكان.
مرتين : وأنا أقول لك إني أريد أن تعيش على هوى نفسي، وإني لم أتزوجك لأتحمل ترهاتك.
سغاناريل : أوه! إنه لمن التعب الشديد أن يكون للرجل زوجة! ولقد صدق أريسطو حين قال: إن المرأة شرٌّ من الشيطان.
مرتين : إنك رجل حاذق في استشهادك بأريسطو!
سغاناريل : نعم؛ حاذق! فأين تجدين رجلًا حطابًا يجيد مثلي تعليل المسائل، وقد صرف ست سنوات في خدمة طبيب عظيم؟!
مرتين : أخذ الطاعون المجانين!
سغاناريل : أخذ الطاعون المعتوهات!
مرتين : ملعون النهار والساعة اللذان قلت فيهما: نعم.
سغاناريل : ملعون هذا المنقار الأعكف في وجه كاتب العدل الذي جعلني أوقع إمضائي على خرابي!
مرتين : صحيح، يحق لك أن تأسف على ما فعلت، ولكن أتستطيع أن تبقى دقيقة من غير أن تشكر السماء التي وهبتك يدي؟! وهل تستحق أن تتزوج امرأة مثلي، أنت؟!
سغاناريل : الحق يُقال؛ إنك شرفتني كثيرًا، وإن العدل يقضي بأن أحمد ليلة زواجنا الأولى! أولى بكِ أن لا تدعيني أتكلم على هذا؛ لئلا أفضح أشياء كثيرة …
مرتين : ماذا؟! ماذا تفضح؟
سغاناريل : هس! لندع هذا الباب، يكفي أننا نعلم ما نعلم وأنكِ كنت سعيدة بوقوعك على شخص مثلي.
مرتين : ماذا تقصد بهذه السعادة؟! أبالوقوع على شخص مثلك يمرضني، على خائن يأكل كل ما عندي …!
سغاناريل : كذبت، بل أشرب جزءًا منه.
مرتين : يبيع كل ما في البيت قطعة قطعة.
سغاناريل : هذا يُسمَّى الحياة من نتاج البيت.
مرتين : وقد نزع عني حتى سريري!
سغاناريل : أجل! فستنهضين أبكر من العادة.
مرتين : على رجل مثلك لم يترك متعة في البيت …!
سغاناريل : أجل! فلن تتعبي من الآن فصاعدًا.
مرتين : على سكير يصرف يومه في اللعب والشرب …!
سغاناريل : وماذا تريدين أن أفعل لأطرد عني الضجر؟!
مرتين : ماذا تريد أنت أن أفعل بأولادي طول هذه المدة؟!
سغاناريل : افعلي ما تشائين.
مرتين : على ذراعيَّ أربعة أولاد صغار مساكين …
سغاناريل : ضعيهم على الأرض.
مرتين : يطلبون مني خبزًا كل ساعة.
سغاناريل : أعطيهم الكرباج أو العصا، فأنا عندما أكون شربت وأكلت أريد أن يسكر الجميع في بيتي.
مرتين : أوَتعتقد يا سكير أن هذه الحال تدوم؟!
سغاناريل : على مهلك يا زوجتي، على مهلك.
مرتين : وأني سأبقى إلى الأبد أتحمل وقاحتك؟!
سغاناريل : لا نستسلم للغضب يا امرأتي.
مرتين : وهل يُخيَّل لك أني لن أجد طريقة أردعك بها عن غيك؟!
سغاناريل : تعلمين يا زوجتي أن نفسي لا تتحمل أكثر من ذلك، ولا يخفى عنك أن ذراعي شديدة.
مرتين : أهزأ بكل تهديداتك!
سغاناريل : يا زوجتي، يا صديقتي الصغيرة، أرى أن جلدك يرعاك حسب عادته.
مرتين : سترى جيدًا أني لا أخافك.
سغاناريل : يا نصفي العزيز، سأفرك أذنيك!
مرتين : سكير!
سغاناريل : سأضربك!
مرتين : يا لك برميل نبيذ!
سغاناريل : سأعصرك!
مرتين : شرير!
سغاناريل : سأخنقك!
مرتين : خائن! وقح! خدَّاع! جبان! صعلوك! عفريت! متشرد! سخيف! لص!
سغاناريل : آه! تريدين من بضاعتي؟!

(يأخذ عصا ويضرب زوجته.)

مرتين (صارخة) : آه! آه! آه! آه!
سغاناريل : هذه أفضل وسيلة لتهدئة خاطرك.

المشهد الثاني

السيد روبير – سغاناريل – مرتين
روبير : هولا! هولا! هولا! ما هذا؟! ما هذه الوحشية؟! أخذ الطاعون من يضرب زوجته!
مرتين (لروبير) : أريد أن يضربني، أنا!
روبير : آه! أوافق على ذلك كل الموافقة!
مرتين : أيُّ شأن لك في هذه القضية؟!
روبير : لقد أخطأت.
مرتين : وهل هذا من تعلقاتك؟
روبير : الحقُّ في جانبك.
مرتين : إنك وقح حقًّا في محاولتك منع زوج من ضرب زوجته.
روبير : صدقت، صدقت!
مرتين : ما شأنك في هذه القضية؟!
روبير : لا شأن لي فيها.
مرتين : وهل من حقك أن تحشر أنفك فيها؟!
روبير : لا، لا!
مرتين : اهتم بما يعنيك!
روبير : عدلت عن الكلام.
مرتين : أنا ألتذ بالضرب.
روبير : اتفقنا.
مرتين : وهذا لا يعنيك.
روبير : صحيح.
مرتين : ولا أظنك إلا أحمق في تدخلك بما ليس في مصلحتك.

(تصفعه.)

روبير (لسغاناريل) : أستغفرك من كل قلبي يا أخي، اضرب امرأتك واعصرها كما تريد، وإذا شئت أن أساعدك فلن أتأخر.
سغاناريل : لا، لا أريد ذلك.
روبير : هذا شيء آخر …
سغاناريل : أريد أن أضربها ساعة أريد وأن لا أضربها ساعة لا أريد.
روبير : طيب!
سغاناريل : فهي زوجتي لا زوجتك.
روبير : بدون شك.
سغاناريل : وليس لك أن تأمر في القضية.
روبير : اتفقنا.
سغاناريل : لا حاجة لي بمساعدتك.
روبير : بطيبة خاطر!
سغاناريل : ولا أظنك إلا شديد الوقاحة في تدخلك بقضايا غيرك، فاعلم أن شيشرون قال: إنه لا ينبغي أن توضع القشرة بين الشجرة والإصبع.

(يضربه ويطرده.)

المشهد الثالث

سغاناريل – مرتين
سغاناريل : آه! تعالي نضع السلم بيننا، المسيني.
مرتين : أجل؛ بعد أن ضربتني؟!
سغاناريل : لا بأس عليك، المسيني.
مرتين : لا أريد.
سغاناريل : !
مرتين : لا.
سغاناريل : يا امرأتي الصغيرة!
مرتين : أبدًا!
سغاناريل : هيا، قلت لك هيا!
مرتين : لن أريد.
سغاناريل : تعالي، تعالي، تعالي!
مرتين : لا! أريد أن أبقى غاضبة.
سغاناريل : أفٍّ! سخيف ما تريدين، هيا، هيا!
مرتين : اتركني.
سغاناريل : قلت لكِ المسيني.
مرتين : أسأت التصرف معي كثيرًا.
سغاناريل : اعذريني، اغفري لي، ضعي يدك هنا.
مرتين : غفرت لك (على حدة) ولكن ستدفع ثمن عملك.
سغاناريل : مجنونة! تأبهين لكل هذا؟! أشياء صغيرة كثيرًا ما تكون ضرورية في الحب بين زوج وزوجته، فخمس ضربات أو ست عصي تشدِّد الميل وتُقوِّيه بين العشاق، هيا، أنا ذاهب إلى الغاب وأعدك بأن أحمل إليك لا أقل من مائة حملة حطب.

المشهد الرابع

مرتين
مرتين : اذهب، فمهما غيرت وجهي لن أنسى الانتقام، وسأجد ألف وسيلة لمعاقبتك على الضربات التي تلقيتها منك، فالمرأة على ما أعلم لا تعيا عن الانتقام من الزوج، ولكن انتقامها المتداول المعروف لا يُشبعني؛ فهو قليل عليك!

المشهد الخامس

فالير – لوكاس – مرتين
لوكاس (لفالير من غير أن يرى مرتين) : وحقك، لا أعلم ماذا جئنا نعمل هنا، وماذا نلتقط؟!
فالير (للوكاس من غير أن يرى مرتين) : ماذا تريد يا مرضعي المسكين؟! فينبغي لنا أن نطيع سيدنا، ثم لنا فائدة من وراء صحة سيدتنا؛ فزواجها الذي أوقفه المرض يدر علينا بعض المكافأة، وتعلم أن سيدتنا هذه بالرغم من ميلها إلى لياندر فوالدها يرفض أن يعطيه يدها ويجعله صهره.
مرتين (تظن نفسها وحدها) : ألا أجد وسيلة للانتقام؟
لوكاس (لفالير) : ولكن أين نجد الطبيب المطلوب وقد فقد جميع الأطباء فنَّهم تجاه هذا الداء؟!
فالير (للوكاس) : إن من يبحث يجد، وقد يجد في الأماكن البسيطة ما لا يجده في سواها.
مرتين (تظن نفسها وحدها) : نعم؛ يجب أن أنتقم مهما كلفني الأمر، فالضربات التي أطعمني إياها تصرخ في قلبي الانتقام، و… (ترى فالير ولوكاس) آه! أطلب المعذرة، فلم أبصركما في الأول؛ إذ كنت أبحث لي عن حلٍّ لأمر يزعجني.
فالير : كلٌّ يبحث في هذه الحياة عن أمر يهمه، ونحن أيضًا نبحث عن أمر نرغب في أن نجده.
مرتين : أتراني أستطيع أن أساعدكما على إيجاده؟
فالير : ربما كان ذلك، فنحن نبحث عن رجل حاذق، عن طبيب خاص يستطيع أن يشفي ابنة سيدنا من مرض أفقدها حاسة اللسان، فلقد أفرغ جمهور من الأطباء معارفهم كلها وراء هذا المرض دون أن يحصلوا على نتيجة، على أن في العالم أشخاصًا يملكون في غالب الأحيان أسرارًا مدهشة وعقاقير خاصة، كثيرًا ما يكون مفعولها حسنًا، وينجم عنها ما لا ينجم عن جميع العقاقير التي يعرفها الأطباء المشاهير، وهذا ما نبحث عنه.
مرتين (على حدة) : آه! لتلهمني السماء اختراعًا موفقًا أنتقم به من ذلك الشقي. (عاليًا) لن تقعا على أفضل مني للوصول إلى ما تبحثان عنه، فلدينا هنا رجل عجائبي، بل أعجب رجل في العالم للأمراض الميئوس منها.
فالير : بحقك، أين نستطيع أن نجده؟
مرتين : تجدانه الآن في هذا المكان يلهو بقطع الأخشاب.
لوكاس : طبيب يقطع الأخشاب!
فالير : تريدين أن تقولي إنه يلهو بقطف الأعشاب، أليس كذلك؟
مرتين : لا، لا، فهو رجل غريب الأطوار إلى درجة قصوى، حتى إنكما لا تستطيعان أن تتخذاه كما هو، يرتدي بشكل غريب ويتكلف أحيانًا الظهور بمظهر الجاهل، وهو يخفي معارفه ويعمل دائمًا على الهرب من معالجة المواهب التي أعطته إياها السماء.
فالير : عجيب غريب، لا أعلم لماذا يعتنق جميع عظماء الرجال أهواء خاصة تختلف عن أهواء سائر الناس؟! فهم دائمًا يمزجون شيئًا من الجنون بمعارفهم الواسعة.
مرتين : أما جنون هذا الرجل فهو أكبر من أي جنون كان، ونراه أحيانًا يمد جنونه إلى أبعد مما نتصور، فهو أحيانًا لا يعترف بجدارته إلا إذا ضُرب ضربًا مُبرحًا، وإني لأقول لكما: إنكما لن تبلغا الغاية ما لم يأخذ كل منكما عصًا ويتناوله بها، وهذه الطريقة هي التي نستعملها معه كلما احتجنا إليه.
فالير : هذا جنون غريب!
مرتين : صحيح، ولكن يتضح لكما بعد ذلك أنه يعمل عجائب.
فالير : ما اسمه؟
مرتين : اسمه سغاناريل، على أنكما ستُسَرَّان بالتعرف إليه؛ فهو رجل ذو لحية سوداء عريضة ويرتدي لباسًا أصفر أزرق.
لوكاس : لباس أصفر أزرق! فهو إذن طبيب الببغاوات.
فالير : ولكن أصحيح أنه حاذق في الدرجة التي تقولين؟
مرتين : كيف؟! إنه رجل عجائبي، فمنذ ستة أشهر يئس الأطباء من امرأة، وما لبثت هذه المرأة أن ماتت وفي حين كان أهلها على وشك أن يدفنوها جيء بهذا الطبيب بالرغم منه، فوضع في فمها — لا أعلم أية قطرة — وإذا بها تنهض من فراشها وتتمشى في الغرفة كأن لم يحدث لها شيء.
لوكاس : آه!
فالير : ربما كانت قطرة من ذهب يُؤكَل ويُشرَب.
مرتين : ربما كان ذلك، ومنذ ثلاثة أسابيع سقط ولد في الثانية عشرة من عمره من قمة جرس إلى الأرض، فتحطم رأسه وذراعاه وفخذاه، وما جاء صاحبنا حتى أخذ يفرك جسده بطريقة خاصة به، وإذا بالولد ينهض من فراشه وينطلق في اللعب.
لوكاس : آه!
فالير : لا شك أن هذا الرجل طبيب عالمي.
مرتين : من يشك في ذلك؟
لوكاس : وحق إبليس، هو الرجل الذي نبحث عنه، لنمضِ نجيء به.
فالير (لمرتين) : نشكرك على الخدمة التي أديتها لنا.
مرتين : ولكن لا تنسيا الملاحظة التي أعطيتكما إياها.
لوكاس : وحق إبليس! دَعِينا نفعل، فإذا كان الأمر متوقفًا على الضرب المبرح؛ فالنجاح مضمون لنا.
فالير (للوكاس) : نجحنا بهذه الصدفة، فهي — لعمري — خير الصدف.

المشهد السادس

سغاناريل – فالير – لوكاس
سغاناريل (يغني في الخارج) : لا، لا، لا …
فالير : أسمع أحدًا يغني ويقطع أخشابًا.
سغاناريل (يدخل مغنيًا وفي يده زجاجة ومن غير أن يرى فالير ولوكاس ينشد) : لا، لا، لا … وحق نفسي، لقد اشتغلت كثيرًا فلأشرب جرعة. (يشرب) أخشاب وسخة كالشيطان!

(يغني):

قنينتي لا تفرغي
وابقي عزاء الشاربين
ما ضرَّ يا قنينتي
لو لم تكوني تفرغين؟!
هيا هيا! لا ينبغي أن نخلق الحسرات والأحزان.
فالير (للوكاس بصوت منخفض) : هو بعينه.
لوكاس (لفالير بصوت منخفض) : أظنك لم تخطئ؛ فلقد وقعنا عليه.
فالير : لنقترب منه.
سغاناريل (معانقًا زجاجته) : آه، يا عفريتتي الصغيرة! كم أحبك يا زجاجتي!

(يغني، وإذ يرى فالير ولوكاس يتفحصانه يخفض صوته):

ما ضَرَّ يا … قنينتي
لو لم … تكوني …
(يرى أنهما يتفحصانه عن قرب) ماذا يريد هؤلاء الناس؟!
فالير (للوكاس) : لا شك أنه هو بعينه.
لوكاس (لفالير) : هو بعينه، كما سمعنا وصفه.

(يضع سغاناريل الزجاجة على الأرض، وإذ ينحني فالير ليحييه يُخيَّل إليه أنه يريد أخذها فينقلها إلى جهة أخرى، وينحني لوكاس ليحذو حذو فالير فيتناول سغاناريل الزجاجة عن الأرض ويضعها على بطنه.)

سغاناريل (على حدة) : أراهما يطيلان النظر إلى وجهي، فماذا تراهما يقصدان؟!
فالير : سيدي، أليس أنت سغاناريل؟
سغاناريل : ماذا تعني؟!
فالير : أسألك أأنت سغاناريل؟
سغاناريل (يلتفت إلى فالير ثم إلى لوكاس) : نعم ولا، بحسب ما تريدان مني …
فالير : لا نريد إلا أن نكرِّمك التكريم الذي نستطيعه.
سغاناريل : إذن سغاناريل هو أنا.
فالير : إن سرورنا برؤيتك لا يُوصَف، فلقد هُدِينا إليك لتخدمنا الخدمة التي نحتاج إليها، ونتوسل إليك لتمد إلينا يد المساعدة.
سغاناريل : إذا كان الأمر متوقفًا على عملي الصغير، فأنا مستعد للقيام بالخدمة المطلوبة.
فالير : شكرًا لك يا سيدي، ولكن البس قبعتك؛ فحرارة الشمس شديدة.
لوكاس : ضع قبعتك على رأسك يا سيدي.
سغاناريل (على حدة) : هذا قرم منتفخ بالرسميات!

(يضع قبعته على رأسه.)

فالير : لا ينبغي لك يا سيدي أن تستغرب مجيئنا إليك؛ فالحاذقون من الناس يجيء الناس إليهم، ولقد اتصل بنا خبر جدارتك ونبوغك.
سغاناريل : الحق يُقال يا سيدي، إني أول رجل في العالم في جمع حملات الحطب.
فالير : آه يا سيدي …!
سغاناريل : أجمعها بطرق لا يعرفها غيري.
فالير : لم نجئ إليك للبحث في هذا الموضوع.
سغاناريل : ولكنني أبيع المائة منها بمائة وعشر صلدات.
فالير : لا نتكلم عن هذا.
سغاناريل : وأعدك بأني لن أبيعها بأقل من هذه القيمة.
فالير : سيدي، نحن نعرف الأمور.
سغاناريل : إن كنت تعرف الأمور، فاعرف أني هكذا أبيعها.
فالير : سيدي، إنك تسخر …
سغاناريل : لا أسخر ولا أهزأ، بل أقول جادًّا، فلا أقدر أن أبيعها بأقل من ذلك.
فالير : أرجوك يا سيدي، لنتكلم بشكل آخر.
سغاناريل : ربما تجد أرخص من ذلك في مكان آخر، فهناك حملات وحملات، أما الحملات التي أجمعها أنا …
فالير : دعنا من هذا الحديث.
سغاناريل : أقسم لكما أني لا أبيعها بأقل مما قلت، فأنا رجل صادق ولست من هؤلاء المماطلين.
فالير : أيليق برجل مثلك أن يلهو بمثل هذا الكلام التافه؟! أيليق بعالم، بطبيب عظيم نظيرك، أن يتحجَّب عن عيون الناس ويدفن المعارف التي في دماغه؟!
سغاناريل (على حدة) : إنه مجنون.
فالير : نتوسل إليك يا سيدي أن لا تتحجب معنا كما تتحجب مع الغير.
سغاناريل : كيف؟
لوكاس : كل هذا لا يفيدك، فنحن نعرف ما نعرف.
سغاناريل : ماذا تعرف؟! ماذا تريد أن تقول؟! ومن تظنني؟!
فالير : نعرف من أنت؛ فأنت طبيب كبير.
سغاناريل : طبيب أنت وحدك! أنا لست طبيبًا ولم أكن طبيبًا في حياتي.
فالير (بصوت منخفض) : هو ذا جنونه يسطو عليه. (عاليًا) لا تحاول يا سيدي أن تنكر علينا معارفك ولا تحوجنا إلى معالجة الشدة.
سغاناريل : أي شدة؟!
فالير : شدة تعرفها أنت.
سغاناريل : افعلا ما تريدان، فلست طبيبًا ولا أعرف ماذا تبغيان.
فالير (بصوت منخفض) : أرى أن نعالج فيه الدواء اللازم. (عاليًا) نطلب منك للمرة الأخيرة أن تعترف لنا بالحقيقة.
لوكاس : يكفيك محاولة، فاعترف لنا بحقيقتك، وقُلْ لنا إنك طبيب.
سغاناريل (على حدة) : أختنق!
فالير : أية فائدة للرجل من نكرانه ما يعرف؟!
لوكاس : لماذا كل هذه المحاولات؟! وأية فائدة لك منها؟!
سغاناريل : أقول لكما كلمة تُغني عن ألف، وهي أني لست طبيبًا.
فالير : لستَ طبيبًا؟
سغاناريل : لا.
لوكاس : لستَ طبيبًا؟
سغاناريل : قلت لكما لا.
فالير : إذن؛ فلنبدأ بالعمل.

(يتناول كل منهما عصًا ويأخذان بضربه.)

سغاناريل : آه! آه! آه! أنا على ما تريدان.
فالير : لماذا تحوجنا إلى استعمال هذه الشدة؟!
لوكاس : أية فائدة لك من الضرب؟!
فالير : أؤكد لك أني استعملت هذه الشدة على رغم أنفي.
لوكاس : وأنا أقول لك بكل صراحة: إني تألمت جدًّا.
سغاناريل : ولكن قولا لي الحقيقة أيها السيدان، لماذا تريدان أن أكون طبيبًا؟! ألكي تضحكا؟!
فالير : ماذا؟! ألم تُسلِّم بعد، وتحاول أن تدافع عن نفسك؟!
سغاناريل : أخذني الشيطان إن كنت طبيبًا!
لوكاس : أليس حقيقيًّا أنك طبيب؟!
سغاناريل : خنقني الطاعون إن كنت كاذبًا (يعودان إلى ضربه) آه، آه! إذن، نعم أنا طبيب، أنا طبيب، وصيدلي أيضًا، أفضِّل أن أذعن لكل ما تريدان على أن أتوجع.
فالير : آه، مشى الحال يا سيدي، إني لمسرور جدًّا بعودتك إلى عقلك.
لوكاس : إنك تغرز الفرح في قلبي عندما أسمعك تتكلم بهذه اللهجة.
فالير : أستغفرك من كل نفسي.
لوكاس : وأنا أطلب منك أن تعذرنا على الحرية التي استعملناها معك.
سغاناريل (على حدة) : أتراني مخطئًا يا ترى؟! أيمكن أن أكون طبيبًا من غير أن أشعر؟!
فالير : لا نظنك تندم على مصارحتك إيانا بالحقيقة، فسترى أننا نكافئك مكافأة حسنة.
سغاناريل : ولكن، قولا لي، ألستما مخطئين؟! وهل أنتما متأكدان أني طبيب؟!
لوكاس : كل التأكيد!
سغاناريل : طبيب كبير؟!
فالير : بدون ريب!
سغاناريل : وحق إبليس لم أكن عارفًا ذلك.
فالير : كيف؟! إنك أحذق طبيب في العالم كله.
سغاناريل : آه، آه!
لوكاس : طبيب شفى لا أعلم كم مريضًا.
سغاناريل : وحق إبليس؟!
فالير : مرضت امرأة منذ ستة أشهر، وخُيِّل لأهلها أنها ماتت فراحوا يهيئون مدفنها، وإذا بك تضع في فمها قطرة من سائل غريب، فتنهض من فراشها وتمشي في الغرفة.
سغاناريل : طاعون!
لوكاس : ومنذ ثلاثة أسابيع سقط ولد في الثانية عشرة من عمره من قمة جرس، فتحطم رأسه وذراعاه وفخذاه، وجيء بك فرحت تمسد جسده تمسيدًا خاصًّا بك، وإذا به ينهض من فراشه وينطلق في اللعب!
سغاناريل : غريب عجيب!
فالير : وأخيرًا يا سيدي، فستكون مسرورًا جدًّا معنا، وستربح ما تريده إذا شئت أن تتبعنا إلى حيث نقودك.
سغاناريل : سأربح ما أريد؟!
فالير : نعم.
سغاناريل : آه، لا شك أني طبيب، كنت نسيت ذلك ولكني تذكرت الآن، ماذا يجب أن أفعل؟! وإلى أين ينبغي أن أذهب؟!
فالير : سنمضي بك إلى المكان المعين، فهناك بنت فقدت حاسة الكلام.
سغاناريل : وحق نفسي، لم أرَها بعد.
فالير (للوكاس بصوت منخفض) : يحب الضحك. (لسغاناريل): هيا بنا يا سيدي.
سغاناريل : بدون ثياب طبيب؟
فالير : سنأخذ ثوبًا.
سغاناريل (يعطي زجاجته لفالير) : أمسك هذه أنت، ففي هذه القنينة أدويتي العجيبة، (يلتفت إلى لوكاس ثم يبصق) امشِ أمامي أنت بأمر الطبيب.
لوكاس : وحق إبليس! هذا طبيب يعجبني، ولا شك أنه سينجح لأنه يجيد الهزل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤