الكاتب المجهول

عندما تجمَّع الأصدقاء في غرفة «عاطف» قال «تختخ» وهو يفكر بعمق: ما رأيكم؟ إن الترزي ليس له علاقة بالخطابات … و«فتنة» تسلَّمت خطابًا من الشخص المجهول … لم يبقَ إلا …

مُحب: لم يبقَ إلا «أبو مناخير». إنه بالتأكيد كاتب الخطابات … وعلينا أن نتصل فورًا بالمفتش «سامي»، ونطلب منه الحضور فورًا للقبض على الرجل قبل أن يحس بالخطر ويهرب.

تختخ: عليك يا «مُحب» أن تتصل بالمفتش «سامي» وتدعوه إلى الحضور، أمَّا أنا ففي حاجةٍ إلى نصف ساعة تفكير … فإن ذهني مرتبك جدًّا.

ذهب «مُحب» إلى الصالة، وطلب المفتش «سامي» وأخذ يحدثه، ولم يلتفت إلى دخول الشاويش الذي أخذ يستمع إلى المكالمة، وأحس أن المغامرين الخمسة سبقوه مرةً أخرى إلى حل اللغز، والوصول إلى كاتب الخطابات المجهول.

وبعد أن استمع إلى كل شيء، غادر الشاويش المنزل مسرعًا، وقد خطرت له فكرة مدهشة.

في هذه الأثناء كان «تختخ» قد فكر طويلًا، وأخرج نوتة مذكراته بضع مرات، وعندما دخل «عاطف» أخذه «تختخ» جانبًا، وأخذ يتحدَّث معه دون أن يسمع «مُحب» أو «نوسة» أو «لوزة» شيئًا ممَّا يقول؛ فقد عرف الثلاثة أن اللغز قد حُل، وأن القبض على «أبو مناخير» لن يأخذ وقتًا طويلًا.

وخرج «عاطف» و«تختخ» معًا فقالت «نوسة»: ما هي الحكاية؟ إن «تختخ» و«عاطف» يتصرفان بطريقةٍ غامضة.

دخل «عاطف» و«تختخ» إلى حيث كانت والدة «عاطف» جالسةً تقرأ الجرائد، فتحدَّث معها «تختخ» قليلًا، ثم عاد هو و«عاطف» إلى الغرفة التي بها الأصدقاء.

قالت «لوزة» بضيق: ماذا حدث يا «تختخ»؟ إنني أراك مشغول الفكر جدًّا … وكأنك عثرت على شيءٍ جديد.

تختخ: أعتقد أنني حللت اللغز، ولكن أريد أدلة … لا بد من أدلةٍ مادية لتثبت التهمة على كاتب الخطابات.

لوزة: ما معنى أدلة مادية يا «تختخ»؟

قال «تختخ» بلهجة العالم: إنها الأدلة المادية، أقصد الأدلة التي ليست مجرد كلام … أدلةٌ ملموسة … أي نستطيع لمسها بيدنا، مثل الأوراق والسجائر … وبقية الأدلة التي كنا نجدها في الألغاز السابقة … أمَّا هذه المرة فليس لدينا دليل مادي واحد … سوى الخطابات … ولكن أين القلم الذي كُتبت به هذه الخطابات …؟ أين الأوراق التي يكتب عليها الكاتب المجهول؟ هذه هي أدلة الإثبات … فأين نجدها؟

مُحب: ولكن يا «تختخ» الشرطة سوف تتولَّى هذه المسألة، فبعد القبض على «أبو مناخير» يمكن استجوابه، وتفتيش منزله، والعثور على الأدلة المطلوبة.

قال «تختخ» بغموض: «أبو مناخير» … «أبو مناخير» … اسمٌ مضحك، ولكنه ليس دليلًا يثبت تهمة …

وفي هذه اللحظة قفز «زنجر» على قدمي «تختخ» وأخذ يلاعبه، فاتسعت عينا «تختخ» وكأنه عثر على ما كان يبحث عنه، ثم قال: «لوزة»، مطلوبٌ منك أن تبعدي «فتنة» عن المطبخ لبضع دقائق … إنني في حاجةٍ إلى بضع دقائق فقط لا غير … هل هذا ممكن؟

لوزة: سأحاول …

تختخ: اذهب خلفها يا «مُحب»، فإذا وجدت «فتنة» قد غادرت المطبخ، فأطلق الصفارة المتفق عليها.

خرجت «لوزة» مع «مُحب»، ووقف «تختخ» و«عاطف» و«نوسة» و«زنجر» على استعداد، وبعد لحظاتٍ سمعوا الصفارة من الحديقة، فأسرع الثلاثة ومعهم «زنجر» إلى المطبخ الذي كان خاليًا.

قال «تختخ»: مطلوبٌ منكم العثور على حقيبة … أو كيس … أو ظرف كبير به بعض الأوراق والأقلام؛ إن هذه هي الأدلة المطلوبة.

لم يطل بحث الأصدقاء طويلًا؛ فقد استطاع «عاطف» العثور على كيسٍ من القماش الرخيص، مَخفيًّا داخل دولاب الأواني، ولم يكد «تختخ» يفتحه حتى صاح: لقد وجدتها … وجدتها … ثم خفض صوته حتى لا يسمعه أحد.

كانت الساعة قد قاربت الثالثة، فسمعوا صوت سيارة تقف بالباب، ثم سمعوا صوت المفتش «سامي» يسأل عنهم.

أسرع الأصدقاء إلى المفتش، فاستقبلهم بحماسةٍ وحرارة، خاصةً عندما دخلت «لوزة» صديقته المفضلة.

جلس الجميع في الصالون، ولم تمضِ لحظات، وقبل أن يتكلَّم أحدٌ، دخل الشاويش «فرقع» ومعه «أبو مناخير» كاتب المحكمة، حيَّا الشاويش المفتش تحيةً عسكرية ثم قال: تمام يا أفندم، هذا هو المتهم «جمعة» الشهير ﺑ «أبو مناخير»، وهناك أدلة على أنه الذي أرسل الخطابات المجهولة التي حيرتنا طويلًا.

قال المفتش: لقد سبقكم الشاويش هذه المرة يا «تختخ». لا بأس مرة لكم، ومرة عليكم.

قال «تختخ» بهدوء وهو يبتسم: آسف جدًّا يا سيدي المفتش، لقد وقع الشاويش في خطأ كبير، ويجب الاعتذار فورًا إلى الأستاذ «جمعة أبو مناخير» فهو لم يفعل شيئًا.

فتح الشاويش فمه كأن صاعقةً انقضَّت عليه، وقال متلعثمًا: غير … غير … غير معقول … لقد سمعت «مُحب» وهو يحدثك يا سيدي المفتش، ويقول لك اسم المتهم … وقد انتظرته على محطة القطار عند عودته من عمله، وقبضت عليه.

قال «تختخ»: هذا عقاب من يستمع إلى مكالمات الناس خلسة … ولكن يا سيادة الشاويش، إن مرسل الخطابات المجهولة يقف الآن في الحديقة يستمتع برائحة الورد … أرجو يا «عاطف» أن تستدعي الست «فتنة» من الحديقة.

بعد لحظاتٍ دخلت «فتنة»، وقد شحب وجهها، في حين كانت «أم عاطف» تنظر إليها في غضب. فقال «تختخ»: هذه هي كاتبة الخطابات المجهولة … الست «فتنة»، وهذه هي الأدلة.

ثم فتح كيس القماش، وأخرج منه كراسةً من كراريس تعليم الهجاء والخط. ما كادت «لوزة» تراها حتى صاحت: كراستي … كراستي الضائعة. قال «تختخ»: تمام، هذه كراستك التي سرقتها الست «فتنة»، لتتعلَّم فيها كيف تتهجَّى الكلمات التي ترسلها إلى الناس … وهذا هو القلم الذي كانت تكتب به، وهذه رزمة من الأظرف البيضاء التي تُرسل إلى الناس.

أخذت «فتنة» تحتج وتبكي، ولكن «تختخ» … لم يتوقف عن الكلام فقال: لقد نسينا جميعًا أن من يرتكب جريمةً لا بد أن يكون له فائدة أو مصلحة فيها … وهو أول مبدأ من مبادئ البحث عن المجرم … خطر لي أن أسأل نفسي عن صاحب المصلحة في إرسال الخطابات إلى فتاةٍ مسكينةٍ جاءت تساعد في العمل هنا بعد أن فقدت عملها وهي «سوسن». والخطاب الآخر أُرسل إلى الفتاة شقيقة «محفوظة» التي تعمل عند بعض الأغنياء. إن صاحب المصلحة يريد طرد الفتاتين من عملهما؛ ليعمل هو أو قريبٌ له مكانهما …

وقد سألت «أم عاطف» فقالت لي … وبدلًا من أن يكمل حديثه قالت «أم عاطف»: بعد أن تركتنا «سوسن» المسكينة عرضت عليَّ «فتنة» أن تحضر أختها لتعمل معها بدلًا من «سوسن» ولكني رفضت.

تختخ: وهناك مسألةٌ أخرى … فالخط المكتوب به الخطابات ليس خطًّا جيدًا، ولكنه على كل حال ليس خط طفل … فكاتبه كبيرٌ ولكنه لا يحسن الكتابة. أمَّا الأسلوب، فقد استطاعت «فتنة» أن تتعلَّم من قراءة المجلات والصحف كيف تكتب جملًا صحيحة … لكن هناك شيءٌ ثالث … أن «فتنة» كانت تعد خطابًا آخر ترسله إلى الأسرة التي تعمل عندها شقيقة «محفوظة» ليطردوها من العمل … ولكنها أحست أن الشرطة تدخلت في الأمر فخشيت أن ترسله … وهناك …

ولكن قبل أن يكمل «تختخ» كانت «فتنة» قد انهارت تمامًا، وأخذت تردِّد: سامحوني … إنني أخطأت … ولكن سامحوني … إني أريد أن أبقى معكم …

ولكن هذه الكلمات لم تكن كافيةً لإصلاح الخطأ الذي ارتكبته، فطلبت منها «أم عاطف» مغادرة المنزل فورًا، كما طلب منها الشاويش أن تصحبه لكتابة محضر في القسم عن الحادث.

•••

انتهت مغامرة الخطابات المجهولة بالاعتذار إلى «أبو مناخير»، وبدعوة للغداء عرضتها «أم عاطف» على المفتش، الذي وافق على إرسال سيارته لإحضار «سوسن» من «دار السلام»؛ لتحضر حفل الغداء الذي جلس فيه «تختخ» منتفخًا منتشيًا بالانتصار الذي حقَّقه المغامرون الخمسة للمرة السابعة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤