لقاءٌ مع سوسن

أسرع الشقيقان إلى منزل «تختخ» حيث وجداه في انتظارهما ومعه «مُحب» و«نوسة»، فروت «لوزة» ما حدث وهي شديدة الخجل لفشلها، ولكن «تختخ» قال بهدوء: حظٌّ سيئ، لقد فعلت كل ما بوسعك. المهم الآن أن نعرف الشخص الذي سيذهب لمقابلة «سوسن»، ونتبعه فنعرف مكانها.

سألت «نوسة»: ولكن كيف سنعرفه؟

تختخ: المسألة في غاية البساطة، فهذا الشخص سوف يذهب حالًا إلى منزل «عاطف» لأخذ الكتاب معه، فإذا راقبنا منزل «عاطف» فسنرى هذا الشخص … ونتبعه.

صاحت «لوزة» بإعجاب: إنك مدهشٌ …! إنك أعظم مخبر سري في العالم.

وأسرع الاصدقاء الخمسة إلى دراجاتهم، وانطلقوا مسرعين حتى إذا اقتربوا من منزل «عاطف»، اختاروا مكانًا بعيدًا يمكن مراقبة المنزل منه دون أن يراهم أحد. وبعد لحظاتٍ شاهدوا الشاويش يتجه مسرعًا إلى منزل «عاطف» حيث دخل، فغاب قليلًا ثم خرج وهو يحمل الكتاب في يده.

كانت مفاجأةٌ للمغامرين الخمسة أن يجدوا أن الشاويش هو الشخص الذي سيذهب إلى «سوسن» … فقال «تختخ»: لا داعي لأن نذهب جميعًا خلفه، يكفي أنا و«لوزة» و«عاطف» فقط، وعلى «مُحب» و«نوسة» أن يبقيا هنا.

وأسرع الثلاثة إلى دراجاتهم، وتبعوا الشاويش على مبعدةٍ حتى لا يراهم.

مضى الشاويش مسرعًا في اتجاه شارع الكورنيش، ثم اتجه يسارًا في الطريق إلى القاهرة.

قالت «لوزة»: هل سيذهب الشاويش إلى القاهرة على دراجته؟ إنها مسافةٌ طويلة جدًّا!

رد «تختخ»: لا أظن أنه ذاهب إلى القاهرة، وإلا لاستعمل القطار أو الأوتوبيس. ولعل المكان بين «المعادي» و«دار السلام» على بعد عدة كيلومترات قليلة.

ظل الأصدقاء يتبعون الشاويش حتى رأوه يدخل أحد الشوارع المتفرعة من شارع الكورنيش، فانتظروا حتى مضى بعض الوقت ثم تبعوه في الشارع، ولكنهم للأسف لم يجدوا له أثرًا، فقد اختفى الشاويش كأنما ابتلعته الأرض.

قالت «لوزة»: ماذا حدث؟ … أين ذهب الشاويش؟ لقد أخطأنا بانتظارنا.

رد «تختخ»: لم نخطئ؛ لأننا لو دخلنا خلفه الشارع ورآنا فسوف تصبح كارثة … وسوف نعثر عليه بواسطة دراجته. أسرعوا.

أسرع الأصدقاء بدراجاتهم ينظرون هنا وهناك، وفجأةً قال «عاطف»: إنني أرى دراجته هناك، أمام أحد البيوت. كانت دراجة الشاويش فعلًا … فقال «تختخ» بسرعة: تعالَوا نبتعد الآن؛ فقد يخرج الشاويش فجأةً فيرانا. سنعود بعد فترة.

وانطلق الأصدقاء مبتعدين بعد أن عرفوا عنوان المنزل الذي تسكن به «سوسن».

دار الأصدقاء دورةً واسعة، ثم عادوا بعد فترة، فلم يجدوا دراجة الشاويش أمام المنزل، فأدركوا أنه غادره، وسرعان ما تقدموا ودقوا الباب … وكم كانت مفاجأةً أن تفتح الباب «سوسن» نفسها. أسرعت «لوزة» إليها، فاحتضنتها قائلة: «سوسن» … لماذا تركتينا؟ أرجوك أن تعودي معنا، لقد أحضرت لك هديةً بسيطة.

تأثرت «سوسن» للاستقبال الحار، ودعت الأصدقاء للدخول، فقابلوا في صالة البيت خالة «سوسن»، وهي سيدةٌ حادة الملامح قاسية المظهر، لم تلتفت إليهم بل قالت ﻟ «سوسن» في شدة: إنني خارجةٌ، سأذهب إلى السوق، وعندما أعود أريد أن يكون كل شيء في المنزل نظيفًا. ثم نظرت إلى الأصدقاء، وقالت: ولا تنسَي ما قاله لك الشاويش، لا تنسَي ما قاله.

ثم تركتهم جميعًا وخرجت وأغلقت الباب خلفها بعنف. قالت «سوسن» وهم يجلسون: معذرةً عن سلوك خالتي، إنها عصبية قليلًا اليوم … ومرحبًا بكم.

قدَّم الأصدقاء الثلاثة الهدايا الصغيرة التي أحضروها لها. ثم قال «عاطف»: «سوسن» … لقد علمنا أن أشياء غير سارة قد حدثت لك أخيرًا، وكانت سببًا في مغادرتك منزلنا، فماذا حدث يا «سوسن»؟ إننا نريد أن نساعدك.

بدا الحزن على وجه «سوسن»، وسكتت لحظات ثم قالت: إنه عطفٌ منكم لا ينسى … وأنا أحب كثيرًا أن أعود إلى «المعادي» … وإليكم … ولكني لا أستطيع، لا أستطيع حتى … حتى.

تختخ: حتى … ماذا يا «سوسن»؟

سوسن: لا أستطيع أن أقول … لا أستطيع.

تختخ: لماذا؟ إننا جميعًا نحبك ونريد أن نساعدك.

سوسن: لا يستطيع أحدٌ مساعدتي.

ونزلت دمعة مسرعة على خدها، وبدأت تفتح الهدايا الصغيرة التي أحضرها الأولاد وهي تقول: يا له من عطفٍ منكم … وأنا في أشد الحاجة إلى العطف الآن. شكرًا لكم … شكرًا لكم.

أمام دموع «سوسن» بكت «لوزة» أيضًا، وقالت: يجب أن تقولي لنا … يجب … إننا سنساعدك … إننا نستطيع … فنحن المغامرين الخمسة … نستطيع الكثير.

سوسن: لقد حذَّرني الشاويش … قال إنني يجب ألا أتكلم مع أي مخلوقٍ سواه.

عاطف: تأكدي أننا سنحفظ السر يا «سوسن»، ولن يعلم أحد مطلقًا أنك قلت لنا أي شيء، فقط أخبرينا.

سوسن: إنها … إنها … مسألةٌ تتعلَّق بعملي السابق. عندما كنت أعمل … و… ولكني لا أستطيع، إنني لا أريد أن أتذكر ما حدث!

تختخ: أرجوك أن تقولي، وتأكدي أننا سنساعدك.

نظرت «سوسن» إلى الأصدقاء الثلاثة، ثم وضعت يدها على رأس «لوزة» وبدأت تروي قصتها: كنت أعمل أمينة مكتبة … حيث يأتي الناس لاستعارة الكتب وقراءتها وإعادتها … وبعد فترةٍ اتضح أن عددًا كبيرًا من الكتب قد ضاع … فُقِد … لا أدري كيف، ولكنهم اتهموني … وطُردت من العمل … ولم أستطع الحصول على عملٍ آخر … فقد كانت هذه الجريمة تطاردني؛ فحضرت للعيش مع خالتي … ولكنها سيدةٌ فقيرة وقد عذَّبتني كثيرًا!

وسكتت «سوسن» قليلًا والأصدقاء ينظرون إليها في حزن، ثم عادت تقول: وكانت المرحومة والدتي صديقةً لوالدتك يا «لوزة»، فتحدثت مع والدتك، فرحبت بحضوري للحياة معكم ورعايتكم ومساعدتكم في واجباتكم المدرسية … وقد أخفيت عن أمك الطيبة ما حدث لي … فلم أخبرها بأمر الكتب الضائعة، وطردي من العمل؛ فقد كنت مظلومة … قضيت عندكم أسعد أيامي حتى فوجئت ذات يومٍ برسالة تصل إلى والدتك يا «لوزة» تقول إنني فتاةٌ سيئة ويجب ألا أبقى أمعكم، ولكن والدتك لم تهتم بها … وفي الأسبوع التالي وصلت رسالة أخرى تقول إني لصةٌ … وإنني سارقةٌ، وكانت والدتك الطيبة تريد أن تخفيها عني، ولكن الست «فتنة» قالت لي … فصمَّمت على ترك منزلكم فورًا … وحضرت إلى هنا.

عندما سكتت «سوسن» ظل الأصدقاء صامتين فترة، ثم قال «تختخ»: إن الذي أرسل هذا الخطاب شرير … وحقير … ولا بد أن تصل إليه يد العدالة.

سوسن: لقد علمت أن رسالةً أخرى — بدون توقيع — قد وصلت إلى فتاةٍ أخرى في «المعادي» … فتاة تسمَّى «كريمة» تعمل عند أسرة الأستاذ «الجندي»، وقد طردوها من العمل.

تختخ: نفس النوع من الرسائل … وبدون اسم المرسل؟!

سوسن: نعم … هكذا قال لي الشاويش … ويبدو أن هناك رسائلَ أخرى!

تختخ: شيءٌ مدهش …! وأين هذه الرسائل الآن؟

سوسن: عند الشاويش فقد قال إنه يحتاج إليها لمحاولة معرفة خط كاتبها … والوصول إليه.

تختخ: يا لسوء الحظ … فهذه الرسائل هي الدليل الوحيد الهام في الموضوع، ويجب أن نراها حتى يمكننا محاولة الوصول إلى كاتبها.

لوزة: أليست هناك طريقة للحصول عليها من الشاويش؟

سوسن: في إمكاني أن أطلبها من الشاويش للاطلاع عليها، ومحاولة التعرُّف على خط كاتبها.

تختخ: عظيم … لو استطعت الحصول عليها، ولو لمدةٍ قصيرة، فسوف يساعدنا هذا جدًّا.

واتفق الأصدقاء مع «سوسن» أن تحاول الحصول على الخطابات هذا المساء.

وبعد أن قضى الأصدقاء فترةً أخرى مع «سوسن» غادروا المنزل، وعادوا مسرعين إلى «المعادي»، حيث قابلوا «مُحب» و«نوسة»، وقصوا عليهما ما حدث في منزل «سوسن».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤