ملاحظاتٌ هامة

عاد «تختخ» إلى منزله، وجلس قريبًا من التليفون؛ فقد اتفق مع «سوسن» أن تحدثه تليفونيًّا بمجرد الحصول على الخطابات من الشاويش. كان «تختخ» يخشى أن يرفض الشاويش إعطاءها الخطابات حتى لا تريها لأحد، أو يطلب منها التعرُّف على الخط وهي في منزله، حيث يحتفظ بالخطابات كما قال ﻟ «سوسن».

وظل «تختخ» بجوار التليفون منتظرًا، والوقت يمضي بطيئًا وثقيلًا.

وعندما دقت الساعة الثامنة مساءً، أحس «تختخ» باليأس وقرَّر أن يقوم بعد أن سألته والدته عدة مرات عن سبب جلوسه قرب التليفون، وبعد أن رد على عدة مكالماتٍ عادية من أقاربهم أو معارفهم.

ولم يكد «تختخ» يبتعد حتى دق جرس التليفون، وكانت المتحدثة هي «سوسن» التي قالت له في صوتٍ متقطع الأنفاس: لقد أحضرت الخطابات … وأنا خائفةٌ جدًّا … فلم يكن الشاويش في المنزل، وقد سمحت لي «محفوظة» بانتظاره في الصالة، حيث لمحت رزمة الخطابات على المكتب في غرفته فأخذتها وخرجت …

رد «تختخ» بانفعال: لا تخافي … أين أنت الآن؟

ردت «سوسن» في صوتٍ مضطرب: إنني خائفة، سوف أُتهم بالسرقة مرةً أخرى …

وقبل أن تضيف كلمةً أخرى قال «تختخ» يطمئنها: لا تخافي … اهدئي قليلًا … قولي لي أين أنت لألحق بك فورًا.

وحدَّدت «سوسن» ﻟ «تختخ» مكانها فقفز خارجًا، ثم قفز مرةً أخرى على دراجته، وانطلق مسرعًا إليها.

في الظلام، كانت «سوسن» تقف وحدها وهي ترتجف في انتظار «تختخ» كما اتفقا، فلم تكد تراه حتى صاحت في صوتٍ مكتوم: «تختخ» … «تختخ».

سمع «تختخ» النداء فأسرع إليها قائلًا: لقد قمت بعملٍ عظيم … وهذا هو الحل الوحيد لإمكان معرفة هذا المجرم الذي يرسل الخطابات إلى الناس، ويهدِّد أمنهم ومستقبلهم.

مدَّت «سوسن» يدها برزمة الخطابات إلى «تختخ» قائلة: إنني شديدة الخوف، فسوف يكتشف الشاويش «فرقع» أن الخطابات قد ضاعت، وسوف تخبره «محفوظة» أنني زرته وبقيت في المنزل وحدي فترة، وسوف يستنتج فورًا أنني أنا السارقة.

تختخ: لا تخافي وسوف أعيد الخطابات الليلة إلى منزل الشاويش بأي طريقة … أو أوصلها له شخصيًّا، وما عليك الآن سوى العودة مسرعةً إلى منزلك.

تبادل «تختخ» مع «سوسن» تحيةً مسرعة، ثم قفز على دراجته، وانطلق إلى منزله ودخل غرفته وأغلق الباب عليه، ثم فتح رزمة الخطابات وأخذ ينظر إليها مدققًا.

كانت كل الخطابات داخل مظاريفَ بيضاء مربعة، وعليها العناوين بخطٍّ كبير الأحرف يشبه خط النسخ … لم يجد «تختخ» شيئًا هامًّا يمكن أن يدله على شيء، فأخذ يدقِّق النظر مرةً أخرى في أختام البريد التي على المظاريف، فحصل على أول دليلٍ هام … لقد كانت كل الخطابات مُرسلةً من محطة «دار السلام»، وهي المحطة السابقة على «المعادي». ثم حصل عى دليلٍ آخر؛ فقد لاحظ أن الأختام كلها تدل على أن الرسائل أُرسلت يوم الجمعة، ووصلت إلى «المعادي» يوم السبت. أخرج «تختخ» النوتة التي يكتب فيها كل ملاحظاته في حل الألغاز، وكتب التواريخ والأيام التي أُرسلت فيها الخطابات، ثم قلَّد نموذجًا متقنًا للخط المكتوب به الخطابات، ثم أعاد ربطها كما كانت، وجلس يفكر في طريقةٍ لإعادة الخطابات إلى منزل الشاويش.

أخذ «تختخ» يفكر طويلًا دون أن يصل إلى حل، وأخيرًا خطرت له فكرة فقام إلى التليفون، واتصل بقسم الشرطة، وطلب أن يكلمه الشاويش «علي»، وعندما سمع صوت الشاويش أسرع إلى تغيير صوته وقال: إنني أريد أن أقابلك في منزلك بعد نصف ساعة يا سيدي؛ فعندي معلومات هامة عن الخطابات المجهولة.

رد الشاويش باهتمام: ومن أنت يا سيدي؟

قال «تختخ» بصوته المتغيِّر: لا داعي لمعرفة اسمي الآن، وسوف تراني بعد نصف ساعة في منزلك.

أعاد «تختخ» السماعة إلى مكانها، ثم أسرع إلى غرفته مرةً أخرى، وفكَّر قليلًا، ثم لبس ملابس صبي البريد التنكرية، ووضع طاقية الشعر الأصفر على رأسه، وأخذ رزمة الخطابات في يده، وتسلَّل خارجًا في الظلام.

كانت الساعة قد بلغت التاسعة والربع، وأقام «تختخ» ربع ساعة قضى دقائق منها متسكعًا بدراجته مفكرًا في خطته القادمة، وقبل الموعد اتجه إلى منزل الشاويش ووقف بعيدًا في الظلام.

لم يمضِ وقت طويل حتى شاهد «تختخ» الشاويش «فرقع» يقترب بهدوء على دراجته، فخرج «تختخ» مسرعًا من مكانه، ثم اتجه إلى الشاويش … وقبل أن يدرك الشاويش ما حدث، وجد نفسه يصطدم بدراجةٍ أخرى … كانت بالطبع دراجة «تختخ» الذي صاح: ما هذا يا سيادة الشاويش …؟! هل أنت سارح، أم أنك لا ترى في الظلام؟! قال الشاويش الذي أخذته المفاجأة: من أنت …؟ فرقع من هنا واذهب في ستين داهية.

قال «تختخ»: لا داعي للسباب يا سيادة الشاويش … أمسك أعصابك قليلًا حتى نتفاهم.

رد الشاويش بضيق: من أنت حتى أتفاهم معك … فرقع قلت لك ولا تُضيِّع وقتي فورائي ما هو أهم!

وركب الشاويش دراجته، وبدأ يبتعد وهو ينظر إلى «تختخ» في غيظ. وبعد أن قطع مسافةً طويلةً سمع «تختخ» يصيح: انتظر قليلًا يا حضرة الشاويش؛ فقد وقع منك شيء.

ثم أسرع «تختخ» إلى الشاويش، وناوله رزمة الخطابات قائلًا: لقد وقعت منك هذه الرزمة عندما اصطدمت بي.

مد الشاويش يده، فأخذ الرزمة، دون أن يوجه كلمة شكر إلى «تختخ» الذي أسرع يختفي في الظلام، وقد علت وجهه ابتسامة واسعة. لم يكد الشاويش يصل إلى منزله، حتى مد الرزمة في الضوء ليراها، وكم كانت دهشته عندما وجدها رزمة الرسائل الغامضة التي لا يعرف صاحبها. دُهش الشاويش؛ فهو يتذكَّر أنه تركها في البيت … فاتجه إلى حيث يتذكَّر أنه تركها، ولكنه لم يجدها في مكانها … قال الشاويش في نفسه: الحمد لله أن هذا الولد رآها وهي تسقط مني … وإلا كانت مصيبة … ولعلني أخذتها معي إلى المكتب دون أن أدري. وكما ابتسم «تختخ»، ابتسم الشاويش أيضًا ابتسامةً واسعة … ثم خلع ثيابه، وجلس ينتظر الزائر الهام الذي حدَّثه تليفونيًّا، وقال إن عنده معلومات هامة عن الرسائل، وبالطبع فقد انتظر الشاويش طويلًا دون أن يحضر أحد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤