اجتماعٌ للعمل

كان اجتماع الأصدقاء في صباح اليوم التالي هامًّا، وقد الْتقوا في منزل «تختخ» في غرفته الواسعة، حيث يضع كتبه، وأدوات تنكُّره، وعشرات من الأشياء الغريبة التي يستخدمها في مغامراته. وكان «تختخ» يجلس في مواجهة الأربعة الآخرين، وهو ينظر إليهم مفكِّرًا، وكأنه يتخذ قرارًا خطيرًا.

كانت «لوزة» أول المتحدثين فقالت: ماذا حدث أمس يا «تختخ»؟ هل وفت «سوسن» بوعدها، وأحضرت الخطابات؟ … وهل رأيت الخطابات؟ وهل لاحظت شيئًا يساعدنا؟ وهل … وقبل أن تستمر «لوزة» في أسئلتها رفع «تختخ» يده عاليًا وقال: لحظة واحدة أيتها المغامرة الصغيرة … سوف أروي لكم كل ما حدث، ولكن أرجوك لا تغرقيني بكل هذه الأسئلة.

وسكت «تختخ» قليلًا ثم عاود الحديث بعد فترة، فروى للأصدقاء كيف حصلت «سوسن» على الخطابات … وكيف أحضرها إلى البيت، ثم كيف أعادها إلى الشاويش دون أن يدري الأخير عن اختفائها شيئًا!

كان الأصدقاء يقاطعون «تختخ» بالأسئلة، والضحكات … ولكنهم كانوا منصتين في انتباهٍ شديد.

وأخيرًا قال «تختخ»: والآن، أيها المغامرون، وأنت أيها الكلب «زنجر» — وهنا قفز «زنجر» على أحد الكراسي وهو يهز ذيله علامة الموافقة — … إن أمامنا لغزًا معقدًا، وبعد أن تطَّلِعوا على نماذج الخط التي نقلتها، أريد أن أسمع آراءكم في اللغز … ومن أين نبدأ حله.

اطَّلع الأصدقاء على نموذج الخط المكتوب فقالت «لوزة»: إنه يشبه خطي، وأعتقد أنه خط مبتدئ، لم يكمل تعليمه بعد!

قال «تختخ»: هذا ممكن، ولكن ألا يمكن أيضًا أن يكون كاتبه قد استعمل يده اليسرى؛ حتى لا يعرف أحد خطه الحقيقي.

نوسة: هذا ممكن طبعًا.

تختخ: أرى أن يركز أولًا على تاريخ إرسال الخطابات؛ فهذا دليل يمكن أن يحصر شبهتنا في عددٍ محدود من الناس … أمَّا خط الكاتب نفسه فيكون مرحلةً تالية … فنحن لا نستطيع أن نستكتب كل الناس نماذج لخطوطهم حتى نعرف من الكاتب … ولكن إن استطعنا حصر شبهاتنا في سبعةٍ أو ثمانية أشخاص؛ أمكننا أن نعثر على نماذج لخطوطهم، وقد نستطيع في النهاية حل اللغز.

مُحب: لي وجهة نظر أن الذي كتب هذه الخطابات من سكان «المعادي»، فلا أحد يعرف أخبار وأسرار سكان «المعادي» إلا الذين يسكنون فيها. أمَّا أن الرسائل مرسلة من محطة «دار السلام»، فهذه محاولة من المرسِل لإبعاد الشبهات عنه، حتى يظن رجال الشرطة أنه من هناك، ويبعدون بحثهم عن «المعادي».

تختخ: هذا استنتاجٌ صحيح … من الممكن أن نضيف إليه استنتاجًا آخر؛ أن الشخص الذي يرسل الخطابات هو من الذين يسافرون كل يوم جمعة لحضور السوق التي تقام في «دار السلام»؛ لأن الرسائل كلها مرسلة بتاريخ أيام الجمع السابقة … مثلًا … الجمعة ٢٥ يوليو، والجمعة أول أغسطس، والجمعة ٨ أغسطس … فهو إذن يرسل خطاباته كل يوم جمعة، ومن حسن حظنا أنه يرسل يوم الجمعة، وليس أي يوم آخر؛ فيوم الجمعة إجازة، والموظفون لا يسافرون فيه إلى القاهرة، ومن الممكن معرفة الذين اعتادوا السفر يوم الجمعة أفضل من أي يومٍ آخر؛ لأن العدد سيكون قليلًا.

قالت «لوزة» مهتمة: رائعٌ جدًّا … لقد بدأنا نضع أيدينا على أدلةٍ حقيقية.

تختخ: فعلًا، وهذا هو أول الخيط … واليوم يوم الإثنين، وعلينا أن ننتظر حتى يوم الجمعة، ثم نذهب إلى محطة السكة الحديد، حيث نقطع تذاكر إلى «دار السلام» … ومن الممكن الوقوف بجوار شباك قطع التذاكر لنعرف من المسافر إلى «دار السلام» من سكان «المعادي».

عاطف: ولكن يا «تختخ» هذا يعني أن نقف طول النهار لنعرف من المسافر، ومن الضروري أن نحصر بحثنا قليلًا.

تختخ: لقد فكرت في هذه النقطة، ومن رأيي أن الذين يذهبون إلى السوق يذهبون عادةً مبكرين. وعلى كل حال، من اليوم وحتى يوم الجمعة، علينا أن نسأل في المحطة، ونسأل كلَّ من نعرف عن الذين اعتادوا السفر إلى «دار السلام» يوم الجمعة، ونحصر شبهتنا فيهم.

وهكذا انصرف الأصدقاء لجمع المعلومات عن الذين اعتادوا السفر يوم الجمعة إلى «دار السلام».

وعندما أتى صباح الجمعة، كان الجميع في غاية الانفعال؛ فاليوم سوف يُحدَّد المشتبه فيهم، وقد يصلون إلى حل اللغز.

قالت «نوسة»: ماذا سنفعل بالضبط عندما نركب القطار مع المسافرين؟

تختخ: سوف نوزع أنفسنا، فيجلس كل واحدٍ منا بجوار أحد المسافرين ويتحدث معه …

عاطف: ولكن قد يكون عدد المسافرين أكثر من عددنا!

مُحب: في هذه الحالة علينا أن نفرغ من الحديث مع كل واحدٍ بسرعة، ثم ننتقل إلى شخصٍ آخر، وهكذا حتى ننتهي منهم جميعًا.

نوسة: ولكن في أي شيء نتحدث معهم؟

تختخ: هذه مسألةٌ بسيطة … يمكن أن تسألي عن الساعة، تقولي إن هذا الصباح جميل … أو أن تسألي متى يصل القطار إلى الملك الصالح … هذه مسألةٌ سهلة جدًّا.

وهكذا اتجه المغامرون الخمسة إلى محطة «المعادي»، واختاروا القطار الذي يتحرَّك الساعة التاسعة والنصف ليركبوا فيه؛ فقد وجدوا بين ركابه عددًا يمكن الاشتباه فيهم، وقد كانت أكبر مفاجأة للأصدقاء أن وجدوا بين الركاب الشاويش «فرقع» شخصيًّا. وقد أشار «تختخ» إلى «نوسة» أن تجلس بجانبه … وقالت «نوسة» في نفسها: هل من الممكن أن يكون الشاويش «فرقع» هو كاتب هذه الخطابات؟ هذا جنون! ولكنه الشخص الوحيد في «المعادي» الذي يعرف أخطاء كل الناس! فهل هذا ممكن؟! ولكنها على كل حال ذهبت وجلست بجانب الشاويش.

أخذت «نوسة» تفكِّر كيف تبدأ الحديث مع الشاويش، ونظرت حولها، كان كل واحدٍ من المغامرين الخمسة قد اختار أحد المسافرين من سكان «المعادي» المعروفين وجلس بجانبه. كانت هناك السيدة «لطيفة» جارة منزل «عاطف»، وقد اختار أن يجلس بجانبها، فقالت «نوسة» في نفسها: لا يمكن أن تكون السيدة «لطيفة» هي مرسلة الخطابات المجهولة؛ فهي سيدةٌ طيبة ومشهورة في «المعادي»! وكان هناك رجلٌ يعرفون شكله ولا يعرفون اسمه، أسمر الوجه، بادي الحدة، يقرأ في جريدته ولا ينظر إلى أحد، وقد جلس بجواره «تختخ» منتظرًا فرصةً مناسبةً ليتحدث إليه. وكان هناك أيضًا فتاةٌ حلوة الوجه، مبتسمة، تحمل أدوات الرسم، وتنظر من النافذة، وقد جلست بجوارها «لوزة». أمَّا «مُحب» فكان يجلس بجوار رجل غريب المنظر، يحمل حقيبة أوراق صغيرة في يده، ويتلفَّت حوله طول الوقت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤