قائمة الاتهام

في صباح اليوم التالي اجتمع الأصدقاء في منزل «عاطف»، وكلٌّ منهم يحمل في رأسه بعض الأفكار حول اللغز.

قال «تختخ»: سنرتب الحقائق مرةً أخرى، ونحاول أن نضع قائمةً بالمتهمين، ثم نفرزهم لنقرِّر من يبقى في القائمة، ومن نخرجه منها، وأرجوكم انتبهوا جيدًا، فعلى ما نقرِّره سوف نتصرَّف في الأيام القادمة.

أنصت الجميع إلى «تختخ» وهو يرتب الحقائق قائلًا: أولًا في كل يوم سبت، خلال الأسابيع الماضية، كان هناك خطابٌ يصل إلى «المعادي» عليه ختم «دار السلام»، وهذا يعني في الغالب أن الخطاب يرسل يوم الجمعة … ثانيًا نحن نرى أن كاتب أو كاتبة هذه الخطابات، يسكن أو تسكن في «المعادي»، فلا أحد يعرف أسرار الناس في «المعادي» إلا شخصٌ يسكن فيها … ثالثًا رأينا أن مرسل الخطابات في الغالب يسافر يوم الجمعة، ليلقي الخطاب هناك، وهكذا اخترنا موعدًا مناسبًا لسفر كاتب الخطابات، وركبنا نفس القطار، وتحدثنا مع المسافرين من «المعادي» إلى «دار السلام»، وهم عددٌ قليل، وكانوا: الشاويش … السيدة «لطيفة» … الرجل الأسمر … الرجل اللص الذي هرب من الشاويش … الرسامة الشابة … وهكذا كل ما عندنا.

قالت «لوزة» مفكرة: ولكن يا «تختخ»، أليس من الممكن أن يكون مُرسل الخطابات لم يسافر اليوم؟

تختخ: هذه فكرةٌ معقولة، ويستطيع «عاطف» أن يذهب لمقابلة السيدة «لطيفة»، ويعرف منها اسم بقية المجموعة التي تسافر كل يوم جمعة إلى «دار السلام»، فتكون عندنا قائمة كاملة بهم جميعًا.

وقف «عاطف» ليخرج، ولكن دخلت الست «فتنة» في هذه اللحظة وهي ترتدي ملابس الخروج، وقالت: إنني خارجةٌ يا أستاذ «عاطف»، وقد خرجت والدتك أيضًا، فأرجو أن ترد على التليفون؛ لأنني في انتظار مكالمة من الست «محفوظة»، التي كانت ستحضر لمساعدتي اليوم في أعمال البيت، ولكنها لم تحضر في موعدها، ولعلها تعتذر تليفونيًّا. خرجت الست «فتنة» فقال «عاطف»: أرجو أن تردي يا «لوزة» على التليفونات، وسأخرج أنا.

وخرج «عاطف» ليقابل الست «لطيفة»، وعاد الأصدقاء للحديث فقال «تختخ»: لقد نسينا شيئًا هامًّا، فاليوم السبت، ويمكن أن تصل رسالة من الشخص المجهول إلى ضحيةٍ جديدة، فكيف يمكن أن نعرف؟

وقبل أن يجيب أي واحد دق جرس التليفون، وكان «تختخ» قريبًا من الصالة، فأسرع يرد … كانت المتحدثة هي الست «محفوظة»، فقال لها «تختخ»: إنني «توفيق» … هل هناك شيء يمكن أن نقوله للست «فتنة» عندما تعود؟

قالت «محفوظة»: أرجو أن تخبرها أنني لن أحضر اليوم، فقد وصلت رسالةٌ جديدة، هذه المرة إلى أختي.

أحس «تختخ» بالدم يندفع إلى رأسه، هل هي رسالة من الشخص المجهول، وسرعان ما رد في التليفون قائلًا: رسالةٌ مجهولة؟

قالت «محفوظة»: نعم يا أستاذ «توفيق» إنها من تلك الرسائل القذرة التي تصل إلى الناس محملةً بالشتائم. هل عندك فكرة عنها؟

رد «تختخ» بثقة: نعم، مثل تلك الرسائل التي وصلت إلى «سوسن»!

محفوظة: بالضبط. وأختي المسكينة لم تفعل شيئًا في حياتها، ولكن هذا الشخص المجهول يهدِّدها بفضح أسرارها، ويطلب منها أن تغادر «المعادي» فورًا.

تختخ: هل أستطيع مشاهدة هذا الخطاب، إنني كما تعرفين أجيد حل الألغاز، ويمكنني أن أساعد أختك.

محفوظة: من الممكن طبعًا، وقد سمعت الكثير عن ذكائك، وقدرتك على حل الألغاز الصعبة.

وضع «تختخ» سماعة التليفون، واندفع جريًا إلى الغرفة قائلًا للأصدقاء: خطابٌ جديد … خطابٌ جديد … لقد عاود الشخص المجهول نشاطه، وأرسل خطابًا جديدًا إلى «حسنية» شقيقة الست «محفوظة»، وسأذهب للاطلاع عليه، فابقوا هنا في انتظار «عاطف» حتى أعود.

وفي لحظات كان «تختخ» يركب دراجته، وينطلق مسرعًا إلى منزل الست «حسنية» الذي كان يعرفه.

وجد «تختخ» الأختان تجلسان في الصالة، وكانت الست «حسنية» تبكي في حين كانت أختها تحاول التخفيف عنها.

قال «تختخ»: لا داعي للبكاء يا ست «حسنية»، فهذا الشخص المجرم لا يستحق أن تلتفتي لكلامه، أرجوك فقط أن تعطيني الخطاب لأراه.

قالت «حسنية» وهي ما زالت تبكي: لا … إنني لا أريدك أن تطلع عليه، إنه كلامٌ حقير وقذر، ولا يصح لولدٍ مؤدب مثلك أن يقرأه.

قال «تختخ»: لا تخافي عليَّ، لقد رأيت كل الخطابات التي أرسلها المجهول قبلًا.

رفضت «حسنية» قائلة: قد تُصدِّق الكلام الذي فيه، وتظل تذكره بعد ذلك!

تختخ: إذن، لا داعي للخطاب نفسه، فقط أعطيني المظروف لأراه!

حسنية: لا مانع … هذا هو المظروف.

ومدت يدها بالمظروف إلى «تختخ» الذي كان متشوِّقًا لرؤية تاريخ الإرسال، ومكان الإرسال، ولكن … كم كانت مفاجأةً له أن يجد المظروف أبيض، وليس عيله طابع بريد، ولا أختام، ليس عليه إلا العنوان.

قال «تختخ» مندهشًا: ما هذا؟ هل أنت متأكدة أنه المظروف الذي وصلك؟ من الواضح أنه لم يصل بالبريد.

حسنية: من الذي قال إنه وصل بالبريد!

تختخ: كيف وصل إذن؟

حسنية: استيقظت في الساعة الخامسة صباحًا تقريبًا، وهذا هو الموعد الذي أستيقظ فيه عادة، وسمعت أقدامًا قرب الباب الخارجي، ثم سمعت صوت شيء يقذف من تحت عقب الباب، لم يكن النور كافيًا لأرى ما هو فأضأت النور، وذهبت إلى الباب حيث وجدت المظروف، وفتحته، وقرأت فيه هذه الشتائم القذرة.

وعادت «حسنية» إلى البكاء من جديد، في حين كان رأس «تختخ» يدور بعشرات الأفكار وقد تحفَّز للمغامرة. أخرج «تختخ» نوتة المذكرات من جيبه، وقارن بين الخط الذي على المظروف ونموذج الخط الذي يحتفظ به، فوجدهما متطابقين تقريبًا، وقال في نفسه: إذن فإن الدائرة تقترب، فسوف يكون عندنا عملٌ كثير في الأيام القادمة.

قام «تختخ» ليخرج، وهو يواسي «حسنية» وفي هذه اللحظة دخل الشاويش «فرقع» وهو ينفخ، فلم يكد يرى «تختخ» حتى بدأ الغضب على وجهه وصاح: ماذا تفعل هنا؟

قال «تختخ» بهدوء: هذه مسألة تخصني، ولست في حاجةٍ إلى استئذان الشرطة لأزور من أعرف.

رد الشاويش بعنف: لا داعي لهذه الأحاديث السخيفة، وقل لي هل رأيت الخطاب؟

رد «تختخ» بأدب: طبعًا، وقد رأيت الخطابات الأخرى أيضًا.

الشاويش: الخطابات الأخرى! لقد كانت طول الوقت في بيتي، فكيف شاهدتها؟

تختخ: هذا ما حدث على كل حال يا سيادة الشاويش.

وأخذ الشاويش يتذكر، ثم قال فجأة: هل تعرف ولدًا أصفر الشعر يعمل في توزيع البريد؟

تختخ: لا أصفر … ولا أحمر، لماذا؟

الشاويش: لا تسألني … إني فقط الذي أسأل. ثم الْتفت إلى الست «حسنية» فصاح: كيف سمحت لهذا الولد بالاطلاع على الخطاب، ألا تعرفين أن هذا من شأن الشرطة وحدها … إن هذا الولد الشيطان يوجد في كل مكان فيه خطابات … وقد رأيته أمس عند صندوق الخطابات في «دار السلام».

وقبل أن يسمع «تختخ» أي حديث آخر، انتهز فرصة التفات الشاويش إلى الست «حسنية»، فغادر المنزل مسرعًا عائدًا إلى الأصدقاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤