المقدمة

يقول العبد الفقير إلى مولاه الغني سليمان بن خليل بن بطرس جاويش من مدينة دير القمر: إنني طالما صبوتُ إلى الاطلاع على تاريخ القسطنطينية المحروسة، وأصل الدولة العلية التي هي في بسطة العدالة والمرحمة مغروسة، وشاقني إدراك تواريخ الأقدمين من فتوحاتٍ واختراعاتٍ وفنونٍ وفوائد تاريخية نثرية ومسائل استطرادية، كيف وإن جاذب ومجد هذه الدولة قد جدَّ بتوقياتي وهيامي فيها، فطفقت أستعين بما أُلِّف بهذا الشأن في العربية والتركية والفرنساوية والإنكليزية؛ للتوصل إلى المقصود من طريق مختصرة، فأنهج بمشروعي هذا فيها بالإيجاز، فجمعت هذا الكتاب، وسميته: التحفة السنية في تاريخ القسطنطينية، وقسمته إلى ثلاثة أجزاء؛ الأول: يشتمل على تاريخ القسطنطينية وأصل الأتراك. والثاني: يشتمل على جدول السلاطين آل عثمان العظام والسلالة الطاهرة العثمانية من عهد نوح حتى عهد المرحوم السلطان عثمان الغازي بن أرطغرل. والثالث: يشتمل على فوائد تاريخية نثرية ومسائل استطرادية وفلكية وحوادث وفنون اختراعية. فجاء بعون الله كتابًا في إفادته كبيرًا، وإن كان في حجمه صغيرًا، ولا أقول مع ذلك أنه خليٌّ من الخلل، أو عريٌّ من الزلل؛ فإن ذلك لا يتبرأ منه إنسان، وهو محل الخطأ والنسيان، وأطلب ممن اطلع عليه أن يتجاوز عما طغى به القلم، وزلَّت به القدم، كما قال الشاعر:

إِنْ تَجد عيبًا فَسُدَّ الخَلَلَا
جَلَّ مَنْ لا عَيْبَ فيهِ وعلا

فإن العصمة والكمال لله وحده، وهو الكريم الغفار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤