عودة المتشرد

وصل الأصدقاء إلى حديقة منزل «عاطف» — حيث اعتادوا أن يلتقوا — في السابعة مساء. والتقوا ﺑ «لوزة» التي كانت قلقة عليهم، أما «تختخ» فكان يجلس وحده يتأوه وقد شغلَتْه إصاباته البسيطة عن كل شيء.

وروى الأصدقاء ما تم في منزل «حامد»، وجاء الدور على «لوزة» فقالت: لقد عثرت على عنوان الأستاذ «عتيق»، كانت مسألة بسيطة فقد وجدته في دفتر التليفون، وذهبت فقابلت شقيقته التي ترعى منزله، فقالت لي إنه عالم عظيم في المخطوطات القديمة، خاصة أوراق البردي التي تركها الفراعنة.

قال «محب»: إن الأدلة التي عثرنا عليها، وهي قطعة القماش الرمادية، وآثار الحذاء لم تساعدنا كثيرًا، ويجب أن نجد وسيلةً لمعرفة صاحب الحذاء ذي النعل المطاط، وهو إما «حامد» أو «عتيق» بعد أن استبعدنا «المتشرد» و«فاطمة» الطباخة من قائمة المشتبه فيهم.

وبينما هم يتحدثون صفر المتشرد، ودخل متسللًا من باب الحديقة فرآه «عاطف» وناداه، فقال «المتشرد»: أبعدوا الكلب عني، هل أحضرتم الحذاء؟

أشار «عاطف» إلى الحذاء الذي أحضره بعد استئذان والدته، فمدَّ المتشرد يده ليأخذ الحذاء قائلًا: حذاء غالٍ سوف يناسبني بكل تأكيد.

وقبل أن تصل يد المتشرد للحذاء قال «عاطف»: انتظر لحظة، أريدك أن تجيب عن بعض الأسئلة، هل رأيت أحدًا يختبئ في حديقة الأستاذ «حنبلي» ليلة الحريق؟

المتشرد: نعم رأيت شخصًا مختفيًا بين الشجيرات.

محب: هل تعرفه؟

المتشرد بعد تردد: نعم، إنه الأستاذ «حامد»، وكان يهمس لشخص آخر مختبئ معه، ولم أتبينه.

وقبل أن يوجه الأصدقاء إلى المتشرد أسئلة أخرى، كان قد ارتدى الحذاء الجديد مسرورًا، وانطلق مسرعًا، وبرغم أن الحذاء كان واسعًا قليلًا فإنه كان مريحًا. وقد حاول «زنجر» أن يتبع المتشرد، ولكن «تختخ» أمسكه بشدة، فأخذ ينبح في ضيق.

قال «محب» بعد فترة صمت: إن الشبهات تحيط ﺑ «حامد» تمامًا، ولكن من هو الشخص الذي كان معه في الحديقة؟ هل كان الأستاذ «عتيق»؟ على كل حال سوف أذهب أنا و«نوسة» لمقابلته.

وكان منزل الأستاذ «عتيق» قريبًا، فوصل «محب» و«نوسة» بعد دقائق قليلة، وقذف «محب» بكرته داخل حديقة «عتيق»، ثم دخل هو و«نوسة» متظاهرين بالبحث عنها.

ولحسن الحظ، كان «عتيق» يقف في نافذة مكتبته غاضبًا، فقد طارت إحدى أوراقه الثمينة من النافذة إلى الحديقة، وكانت فرصة؛ فقد أمسك «محب» بالورقة، وحملها إليه قائلًا: هل هي ورقة هامة يا أستاذ؟

عتيق: هامة جدًّا؛ لأنها قديمة جدًّا، ولكن عندي أقدم منها.

محب: وهل نستطيع مشاهدتها يا أستاذ؟

عتيق: تفضلا، ويسرني أن أجد من يهتم بهذه المخطوطات مثلي.

وأسرع «محب» و«نوسة» بالدخول، ولكنهما التقيا في الصالة بالسيدة العجوز «مبروكة» أخت الأستاذ «عتيق» فكادت تمنعهما ولكن «محب» قال لها: لقد دعانا الأستاذ «عتيق».

قالت «مبروكة» في دهشة: مدهش، لقد قاطع الناس جميعًا؛ فقد تشاجر مع الأستاذ «حنبلي» … مسكين «عتيق»، إنه كثير النسيان، وعصبي أحيانًا، ولكنه لا يؤذي أحدًا أبدًا.

نوسة: هل شاهد الأستاذ «عتيق» الحريق الذي شبَّ في كشك الأستاذ «حنبلي»؟

مبروكة: لقد خرج لنزهته المعتادة في المساء، ولكنه عاد قبل اكتشاف الحريق.

ونظر «محب» إلى «نوسة»، وفكر كلاهما في نفس الفكرة؛ فقد خرج «عتيق» وأشعل النار ثم عاد قبل أن يكتشفها أحد.

ودخل «محب» إلى مكتبة الأستاذ «عتيق»، الذي رحَّب به، وأخذ يُلقي عليه محاضرةً في أهمية المخطوطات، وظل «محب» يستمع في صبرٍ ثم قال: ولكن لماذا يا أستاذ تشاجرْتَ مع الأستاذ «حنبلي»، وهو عالمٌ مثلك؟

عتيق: إنه رجل شديد الذكاء، ولكنه سريع الغضب، ولا يحب أن يعارضه أحد.

أما «نوسة» فقد وجدت نفسها وحيدةً في الصالة، وأمامها الدولاب الذي يضع فيه الأستاذ «عتيق» أحذيته، فوجدتها فرصةً مناسبةً للبحث في الدولاب، لعلها تجد الحذاء ذا النعل المطاط المنقوشة.

وفتحت «نوسة» الدولاب، وأخذت تبحث بسرعة، ولكنها لم تجد أي حذاء له نعل مطاط، وكادت أن تَيْئس ولكنها أخيرًا وجدت حذاء له نعل مطاط، وأسرعت تنظر إلى النقوش التي في النعل … هل هي نفس النقوش التي كانت في الحفرة، والتي رسمها «تختخ»؟ … ولم تستطع «نوسة» التأكد، وكان الوقت يمضي سريعًا، وخشيت أن يراها أحد، فلم تجد حلًّا إلا أن تضع الحذاء في صدرها تحت «البلوزة»، ثم لحقت ﺑ «محب» حيث وجدت الأستاذ «عتيق» ما زال يُلقي محاضرته، ونظر «محب» إلى صدر «نوسة» وكاد يسألها عن سبب هذا الانتفاخ المفاجئ، ولكن نظرة منها أسكتته.

وأنهى الأستاذ «عتيق» محاضرته قائلًا: إن المخطوطات التي ضاعَتْ في الحريق نادرة، صحيح أن «حنبلي» قد أمَّن عليها، وسوف يحصل على آلاف الجنيهات قيمة التأمين، ولكن ما قيمة النقود بجانب المخطوطات؟

وأنهى الصديقان المقابلة، وخرجا إلى الطريق، فأخرجت «نوسة» فردة الحذاء وناولتها ﻟ «محب» الذي صاح: مدهش علينا أن نُسرع بالعودة لمقارنتها بالرسم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤