برهان آخر

استمر الأستاذ «عتيق» يشرح تفاصيل زيارته لمنزل «حنبلي» ليلة الحريق، وكان واضحًا من حديثه أنه لم يُشعل شيئًا … فقال «محب» خجلًا: معذرة يا أستاذ «عتيق» … وبالمناسبة لقد أخذنا فردة حذائك هذا الصباح لنقارنها بالآثار التي كانت في الحديقة، وقد انتهت الحكاية بوصول الفردة إلى الشاويش.

عتيق: يا للمصيبة، هل وصل حذائي للشرطة! لقد أدركت الآن لماذا ظل الشاويش طول النهار يدور حول مسكني.

انصرف «محب» و«تختخ» وذهب كلٌّ منهما إلى مسكنه؛ فقد كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة ليلًا.

وفي الصباح التقى الأصدقاء الخمسة مرةً أخرى، فشرح «محب» ما حدث ثم قال: لقد اتضح الآن أن أي واحدٍ ممن اشتبهنا فيهم لم يُشعل الحريق، لا «حامد» ولا المتشرد، ولا «عتيق» ولا «فاطمة» ولا «عيوشة»، ولكن لا بد أن هناك من أشعله … فمن هو؟

تختخ: أقترح أن نعود مرةً أخرى إلى الحديقة، لعلنا نعثر على أدلَّةٍ أخرى.

انطلق الأصدقاء إلى الحديقة، ووقفوا حول الحفرة، وكانت آثار نعل الحذاء المنقوشة ما زالت موجودةً، فأخذوا ينظرون إليها، وفجأةً قالت «لوزة»: هل لاحظتم ما لاحظت؟ إن آثار الأقدام تُبيِّن أن من كان في الحفرة قد جاء من المنزل أولًا ثم نزل في الحفرة، ثم خرج منها، واتجه إلى الحقول.

تختخ: إنها ملاحظةٌ ذكية، ولكني تعبت من هذا اللغز، ومن الأفضل أن نُريح أدمغتنا قليلًا، ونخرج في نزهة.

ووافق الأصدقاء، وذهبوا لإحضار دراجاتهم، عدا «لوزة» التي فضَّلت أن تخرج مع «زنجر» في نزهةٍ وحدهما وكانت السماء قد أمطرت ليلًا، وهو شيء نادر الحدوث في شهر سبتمبر، وخرجت «لوزة» إلى الحقول المحيطة «بالمعادي» ومعها كرة، أخذت تُطوِّح بها بعيدًا، فيذهب «زنجر» لإحضارها. وذات مرة وهي تنحني لإحضار الكرة كان في انتظارها مفاجأة … لقد رأتْ آثار نعلٍ من المطاط المنقوشة تنطبق تمامًا على الآثار التي في الحفرة في حديقة الأستاذ «حنبلي» … الآثار التي تعبوا كثيرًا لمعرفة صاحبها؛ فخفق قلبها بشدةٍ وأخذت «لوزة» تتحدث إلى «زنجر» وهي منفعلة: هل ترى يا «زنجر»؟ إنها الآثار التي نبحث عن صاحبها منذ أيام، لقد أمطرت السماء أمس ليلًا ومعنى هذا أن هذه الآثار جديدة … فماذا نفعل؟

نظر «زنجر» إلى «لوزة» وهز ذيله ثم تقدم يشمُّ الآثار، وينطلق ليتتبعها فقالت «لوزة»: فكرة طيبة يا «زنجر» سنتبع الآثار.

كانت رائحة الآثار قد علقت تمامًا بأنف «زنجر» فلم يجد صعوبةً في تتبُّعها بسرعةٍ حتى في الأماكن الجافَّة التي كانت تختفي فيها. لقد سار صاحب الآثار فترةً طويلةً حتى اقترب من شريط السكة الحديد، ثم عاد مرة أخرى … إلى منزل الأستاذ «حنبلي».

كانت مفاجأة للفتاة الصغيرة، فوقفَتْ حائرة أمام باب الأستاذ «حنبلي» تسأل نفسها: لماذا دخل هنا؟ وفجأةً فُتح الباب وظهر الأستاذ «حنبلي» فبدَتْ عليه الدهشة لوجود «لوزة» أمام بابه؛ فسألها في خشونة: ماذا تفعلين هنا؟

ردَّت «لوزة» مرتبكة: معذرة يا سيدي … لقد كنت أتبع هذه الآثار فقادتني إلى باب منزلك، إنها مهمة لنا جدًّا!

حنبلي: أنتم، من أنتم؟ وما أهمية هذه الآثار لكم؟

لوزة: نحن المغامرون الخمسة، وهذه الآثار لحذاء الشخص الذي أحرق الكشك في تلك الليلة، وسوف نُمسكه.

قال «حنبلي» وهو يتظاهر بالظرف: من الأفضل أن تدخلي، ولكن اتركي هذا الكلب خارجًا.

لوزة: لا أستطيع، وإذا تركناه، فلن يكفَّ عن ضرب الباب بقدميه.

ودخلت «لوزة» ودخل الكلب خلفها، وجلس الجميع فقال «حنبلي» بصوتٍ حاول أن يجعله مرحًا: والآن أيتها الفتاة الظريفة أخبريني ما هي الحكاية بالضبط؟

وروَتْ «لوزة» للأستاذ «حنبلي» كل شيءٍ عن المغامرين الخمسة، «والأذلة» والآثار، ولم تنسَ شيئًا مطلقًا، ثم سألته في النهاية: والآن قل لي أين الرجل الذي دخل مسكنك هذا الصباح، ويلبس حذاء من المطاط؟

رد «حنبلي» ببطء: لقد زارني شخصان اليوم، الأستاذ «عتيق» لاستعارة كتب، و«حامد» يرجوني لأعيده إلى عمله.

لوزة: إذن فواحد منهما هو الذي أحرق الكشك، وأرجو ألَّا تخبر أحدًا بما قلت لك يا أستاذ «حنبلي» أبدًا.

حنبلي: أعدكِ بذلك، وأتمنى أن تنجحوا في معرفة الفاعل، حتى أستطيع الانتقام منه.

خرجَتْ «لوزة» فنظرت إلى الآثار مرة أخرى، ثم أسرعت إلى الحديقة تنتظر عودة الأصدقاء وهي تفكر: هل كان من الخطأ أن تخبر «حنبلي» بكل ما حدث؟

ولم يكد الأصدقاء يَصِلون حتى أسرعت «لوزة» تروي لهم ما فعلته، وهم يستمعون إليها في دهشةٍ وإعجاب، ولم تكد تنتهي من حديثها حتى ظهر أمامهم في الحديقة شخصان، والدة «عاطف» والشاويش «فرقع».

وتقدمت والدة «عاطف» من الأولاد وقالت في صوتٍ غاضب: ما هذا الذي أسمعه عنكم، ماذا كنتم تفعلون في منزل الأستاذ «عتيق» ليلًا؟! وأنتِ يا «لوزة» ما لكِ أنت والآثار … والأستاذ «حنبلي»، وكل هذه الأشياء التي سمعتها؟

تساقطت دموع «لوزة» وهي تسمع والدتها وقالت: من الذي قال لكِ؟ لا أحد يعرف كل هذا إلا نحن والأستاذ «حنبلي»، إذن فهو الذي قال للشاويش.

وانتفخ الشاويش وهو يقول: نعم، لقد حدثني تليفونيًّا، وروى لي ما قلتِه له.

وزاد بكاء «لوزة» وهي تقول: إذن فقد انتشر السرُّ، لقد وعدني ولم يحافظ على وعده، إنه رجلٌ شرير … شرير.

وأخذ الشاويش يؤنِّب الأطفال على تدخُّلهم في أعماله، ثم أنهى حديثه قائلًا: إن هذا عملي وحدي … وحدي … وأي تدخُّلٍ منكم في المستقبل سيعرِّضكم لمتاعب ضخمة … جدًّا … جدًّا.

وانصرف الشاويش والسيدة، وتركا الأطفال في ذهول. ثم انطلقت عاصفةٌ من اللوم منهم، انصبَّت على رأس «لوزة» المسكينة، واتهمها الجميع بأنها ضيَّعَت جهودهم، لكن «تختخ» الذي كان صامتًا أخذ يطيب خاطرها قائلًا: لا تحزني يا «لوزة» فكل إنسانٍ يخطئ.

وعادَت أم «عاطف» بعد أن أوصلت الشاويش، وطلبت من الأطفال أن يذهبوا فورًا للاعتذار للأستاذ «حنبلي»، وحاول الأصدقاء الرفض، ولكن السيدة أصرَّت على ما طلبت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤