فاطمة الطباخة تتحدث

وبينما كان «محب» و«تختخ» يستدرجان السائق للحصول على هذه المعلومات، كان «عاطف» و«نوسة» قد وصلا إلى الجانب الآخر من الحديقة لمقابلة الطبَّاخة «فاطمة». وأخذا يفكِّران في طريقةٍ لدخول المطبخ والحديث معها، عندما ارتفع مواء قطةٍ فوق شجرةٍ في الحديقة، ونظر الصديقان، فإذا قطة صغيرة تقف على غصن الشجرة حائرة لا تستطيع النزول. فأسرع «عاطف» بتسلُّق الشجرة، وأمسك بالقطة وناولها ﻟ «نوسة» التي قالت: أعتقد أنها قطة الطبَّاخة «فاطمة» وستكون سببًا معقولًا لدخول المطبخ والحديث معها.

وتقدَّما إلى باب المطبخ، فوجدا فتاةً تكنس، وصوت «فاطمة» الطبَّاخة يأتي من الداخل مدويًّا: لا تتركي ورقةً واحدةً في الصالة يا «عيوشة»، إنكِ دائمًا مهملة.

وعندما رأَتْ «عيوشة» الصديقين صاحَتْ: خالتي «فاطمة» لقد عادَت القطة!

وظهرت الطبَّاخة السمينة عند الباب، فمدَّ «عاطف» يده بالقطة قائلًا: هل هذه قطتك؟

وأسرعت الطباخة الطيبة تضم القطة إلى صدرها قائلة: أين كانت هذه العفريتة؟

ثم رفعت صوتها ونادَتْ: «بسبوسة» … «بسبوسة» … لقد عادت ابنتكِ الصغيرة.

وظهرت قطة ضخمة، وأخذَتْ تلحس القطة الصغيرة في شوق.

وشكرت «فاطمة» الصديقين، وقدمت لهما شراب «التمر هندي» البارد، وسألتهما عن سكنهما فقال «عاطف»: إننا نسكن في الشارع المجاور وقد شاهدنا الحريق الذي شبَّ هنا.

وتركت «فاطمة» الفطيرة التي كانت تعجنها وهزَّت رأسها في أسفٍ قائلة: لقد كانت صدمةً فظيعة، وساعتها أحسستُ أنني سأقع لو لمسني أحد.

ونظر الصديقان إلى الطبَّاخة السمينة، وكان واضحًا أنه ليست هناك قوة تستطيع إيقاع الطباخة التي تُشبه شجرة الجميز.

وانشغلت «نوسة» بملاعبة القطط، في حين وقف «عاطف» يستمع في اهتمام، ومضَت الطباخة في حديثها، وقد سرَّها وجود «سميعة»: عندما شممتُ رائحة الدخان، ظننتُ أن الطبيخ قد شاط، ولكن لم يكن هناك طبيخٌ في تلك الساعة، فنظرتُ من النافذة، ورأيت النار.

وعادَتْ تهزُّ رأسها، ثم استأنفت حديثها: لقد كان يومًا سيئًا من أوله؛ فقد تركنا الأستاذ «حامد» بعد خناقة، ثم قامت خناقة أخرى بين الأستاذ «حنبلي» والأستاذ «عتيق»، ثم طرد الأستاذ المتشرد الذي كان يحاول سرقة البيض، ثم تمَّت المصائب بذلك الحريق!

كانت «نوسة» قد تركت القطط، ووقفَتْ مع «عاطف» يستمعان إلى هذه المعلومات الهامة، وسأل «عاطف»: من هو الأستاذ «حامد»؟

وردَّت الطباخة: لقد كان سكرتيرًا للأستاذ «حنبلي»، وكان شخصًا سيئًا ولا أستبعد أن يكون له صلةٌ بالحريق!

وهنا، تدخَّلت «عيوشة» التي ظلَّتْ تستمع صامتةً طول الوقت قائلة: لقد كان الأستاذ «حامد» رجلًا طيبًا، ولا يمكن أن يرتكبَ مثل هذه الجريمة، ولو سألتموني رأيي، فأنا أعتقد أن الأستاذ «عتيق» هو الذي فعلها.

سأل «عاطف» مندهشًا: «عتيق»؟ اسمه «عتيق»؟

وردَّت «فاطمة»: نعم، وهو اسمٌ على مسمى؛ فهو يلبس ملابس قديمة، وحذاء باليًا، ولكنهم يقولون إنه عالم عظيم في المخطوطات والكتب القديمة.

عاطف: ولكن لماذا تشاجر مع الأستاذ «حنبلي»؟

فاطمة: الله أعلم، فهما صديقان، وعالمان، ولكنهما لا يتفقان على رأي، وقد تشاجرا في ذلك اليوم، وخرج الأستاذ «عتيق» غاضبًا وأغلق خلفه الباب بعنفٍ اهتزَّتْ له الأطباق في مطبخي، ولكن لا تُصدِّق ما قالته «عيوشة»؛ فهو لا يستطيع إشعال عود كبريت، إن الذي فعلها هو «حامد».

والتفتت «فاطمة» إلى «عيوشة» وطلبَتْ منها أن تستمرَّ في الكنس، عندما حاولَتْ «عيوشة» الدفاع عن «حامد»، وشعر الصديقان بالعطف على الفتاة المسكينة.

عاد «عاطف» إلى الحديث فسأل «فاطمة»: متى رأى الأستاذ «حنبلي» المتشرد وهو يسرق البيض؟

فاطمة: في الصباح، وكان المتشرد قد جاء إلى المطبخ، فطردته، وأظنه دار حول الحديقة، ثم دخل عشة الدجاج ليسرق البيض، حيث شاهده الأستاذ «حنبلي»، وطرده، وهدَّده بإحضار رجال الشرطة للقبض عليه.

عاطف: هل يمكن أن يكون المتشرد هو الذي أحرق الكوخ؟

فاطمة: ممكن، فكثيرًا ما سرق من مطبخي قطع اللحم، وأرغفة الخبز، ورجل له مثل هذه الأخلاق، يمكن أن يُقدم على مثل هذه الجريمة!

وارتفع صوت غاضب من مكانٍ ما من المنزل، ودخلت القطة «بسبوسة» منفوشة الشعر فقالت «فاطمة»: إنه الأستاذ «حنبلي»، ويبدو أن تعثَّر في «بسبوسة»، فثارت ثائرته كالمعتاد!

واقتحم الأستاذ «حنبلي» باب المطبخ، وأخذ يصيح في وجه الطباخة: لماذا تحتفظين بمثل هذه المخلوقات القذرة هنا؟ سوف أغرقها إذا بقيَتْ في منزلي.

فردَّت «فاطمة»: إذا أغرقتها تركت العمل فورًا.

وتنبَّه «حنبلي» إلى وجود «عاطف» و«نوسة»، فعاود الصياح قائلًا: من هذا الطفلان؟ اطلبي منهما الانصراف فورًا، ولا تملئي مطبخكِ بالأولاد المتعبين والقطط الشريرة.

ثم خرج كما دخل ثائرًا فتمتمت «فاطمة»: إنك تستحقُّ ما حدث لك، ولولا أن الكشك احترق، لأحرقته بيدي.

وقال «عاطف» وهو يستعدُّ للانصراف مع «نوسة»: شكرًا لكِ على ما قُلتِهِ لنا يا ست «فاطمة» … لقد كان مسليًا للغاية.

وودَّعت «فاطمة» الصديقين، بعد أن منحَتْ كلًّا منهما قطعةً من الفطير المشلتت الساخن. فلما أصبحا في الطريق قال «عاطف»: لقد حصلنا على معلوماتٍ هامة، ومن الواضح أن هناك ثلاثة أشخاص يمكن أن يكون أحدهم هو الذي أحرق الكوخ، وإذا كانت معاملة الأستاذ «حنبلي» للآخرين بهذه الطريقة الفظيعة، فلا شك أن هناك مائة شخصٍ على الأقل يتمنون الانتقام منه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤