موقف مثير

التقى الأصدقاء الأربعة في حديقة منزل «عاطف»، ولم تكن «لوزة» قد عادت هي والكلب «زنجر». وتبادل الأصدقاء المعلومات، فاتضح أن عندهم أربعة أشخاص يمكن أن يكون أي واحدٍ منهم هو الذي أحرق الكشك. وهؤلاء الأربعة هم: «المتشرد» و«حامد» و«عتيق» و«فاطمة» الطباخة.

قال «محب»: إن المشكلة معقدة، واللغز غامض، ولا أدري كيف نحلُّه، وهناك أشخاص آخرون يمكن اتهامهم.

تختخ: أقترح أن نتتبع تحركات كلٍّ من الأربعة المشتبه فيهم، ونستبعد من نتأكد أنه لم يكن في مكان الحادث ساعة وقوعه.

عاطف: وأنا أقترح أن نبدأ بالمتشرد، فلنبحث عنه، ونعرف إذا كان يرتدي حذاء من المطاط ذا نعل منقوشة أم لا.

محب: ولكن كيف نعثر عليه؟

ولم يكد «محب» ينتهي من جملته، حتى سمعوا نباح الكلب «زنجر» فأدركوا أن «لوزة» قد عادَتْ. وعندما أصبحت بينهم بدأ «محب» يروي لها ما حدث، ويشرح ما حصلوا عليه من معلومات، ولكن «لوزة» لم تكن تستمع إليهم، كانت عيناها تلمعان، وخداها أحمرين من الجري، فقاطعت «محب» قائلة بانفعال: لقد عثرت على «ذليل» … «ذليل».

محب: أي «ذليل»، أقصد أي دليل؟

لوزة: لقد وجدت المتشرد … أليس ذلك أكبر «ذليل»؟

صاح الأصدقاء في نفس واحد: صحيح يا «لوزة»! وجدت المتشرد؟

لوزة: نعم وجدته.

تختخ: وكيف عرفت أنه المتشرد المقصود؟

لوزة: إن الأوصاف التي قلتها لنا، تنطبق عليه؛ فهو يرتدي معطفًا أصفر قديمًا، وطاقية ممزقة.

تختخ: بالضبط، هذا هو المتشرِّد الذي نبحث عنه.

ووصفت «لوزة» للأصدقاء كيف وجدت المتشرد، وأين، وقالت إن «زنجر» هو الذي وجده.

وأثنى الأصدقاء على «لوزة» ووصفوها بأنها مغامرةٌ عظيمة، وقرروا أن يتجهوا فورًا إلى مكانه.

وبعد أن غادروا المساكن، ووصلوا إلى آخر «المعادي»، قادتهم «لوزة» إلى تلٍّ من الرمال كان المتشرِّد ينام بجواره فتسلَّل «تختخ» على أطراف أصابعه، واقترب من المتشرد، وتفحصه جيدًا، ثم عاد إلى الأصدقاء مسرعًا وقال: إنه فعلًا المتشرد الذي رأيته في الحديقة تلك الليلة، ولكنه يطوي قدميه تحته، ولا يمكننا أن نعرف نوع حذائه إلا إذا دفعناه إلى المشي.

وقرر «محب» أن يقوم بهذه المحاولة. فأخذ يزحف حتى اقترب من المتشرد تمامًا، ثم انحنى على الأرض، وقرَّب وجهه من قدمي المتشرد ليرى الحذاء، وفي تلك اللحظة فتح المتشرد عينيه، ونظر إلى «محب» في دهشة قائلًا: ماذا حدث لك؟ هل عضك ثعبان؟

وقفز «محب» واقفًا، فاستمر المتشرد يقول: هل ظننت أنني رجل من العالم الآخر؟ ابتعد عني فإنني أكره أمثالك ممن يتدخلون في حياة الناس.

وعاد المتشرد إلى نومه كأن شيئًا لم يحدث، وكاد «محب» أن ينحني مرةً أخرى ليرى الحذاء، عندما سمع صفيرًا خافتًا، فأدرك أن شخصًا قادمًا، فعاد مسرعًا إلى أصدقائه فقال له «تختخ»: الشاويش «فرقع» قادم.

وأسرع الأصدقاء يختبئون في الناحية الأخرى من التل، يراقبون الشاويش الذي اتجه رأسًا إلى المتشرد، وأخرج رسمًا من جيبه لنعل الحذاء فقال «تختخ» بصوت هامس: إن مع الشاويش رسمًا مثل رسمي، إنه أذكى مما كنا نتصور.

وانحنى «فرقع» كما فعل «محب» ليشاهد نعل حذاء المتشرد، وكانت مفاجأة ثانية للمتشرد الذي فتح عينيه أن يجد الشاويش منحنيًا أمامه، فقفز في رعب صائحًا: ماذا حدث في هذه الدنيا، ماذا تفعل يا سيدي الشاويش؟

وردَّ «فرقع» في ضيق: أريد أن أرى نعل حذائك …

فأسرع المتشرد يحاول خلع حذائه، وقال للشاويش في دهشة: تفضل، تفرج على كل شيء فيه، وإذا أعجبك فخذه لأنه ضيقٌ عليَّ.

وشعر الشاويش بالخجل، فوضع الرسم في جيبه، وقال: لا داعي لذلك، ومن الأفضل أن تأتي معي.

وشعر المتشرد بالخوف، وبدلًا من أن ينطلق مع الشاويش، أطلق ساقيه للريح جاريًا بسرعة لم تكن متوقعةً من عجوزٍ مثله، فأسرع «فرقع» يُطارده. وفي هذه اللحظة سقطت طوبة كان «تختخ» يقف عليها فوقع على الأرض محدثًا صوتًا عاليًا، فتوقَّف «فرقع» عن الجري، ونظر حوله فرأى الأولاد جميعًا فصاح: ماذا تفعلون هنا؟ هل تتجسَّسون عليَّ؟

وكان الأولاد قد أسرعوا يُحيطون ﺑ «تختخ» الذي أخذ يتأوَّه، فأسرع الشاويش إليه، ولم يكد يمد يده عليه حتى قال «تختخ» متألمًا: لا تلمسني، لقد كُسرت ساقي اليسرى، وذراعي اليمنى، وانخلعت أكتافي …

صرخت «لوزة» في فزع، وأسرع «زنجر» يُهاجم الشاويش الذي صاح في جنون: هرب المتشرد بسببكم، ثم يهاجمني هذا الكلب الشرس، ماذا أفعل الآن بكم؟

وانحنى الشاويش على «تختخ» فتأكد أن إصاباته كلها بعض خدوشٍ بسيطة، فصاح بالأولاد: هيا فرقعوا من هنا، لقد أضعتم جهدي وتعبي.

ثم انصرف متضايقًا غاضبًا، بعد أن فقد الأمل في مطاردة المتشرد.

أخذ «تختخ» يتأوَّه من جديدٍ قائلًا في مسْكَنة: اذهبوا بي إلى البيت، لقد أُصبْتُ بإصاباتٍ فظيعة.

وأسرعت «نوسة» و«لوزة» بمساعدته على الوقوف، وانطلق «محب» و«عاطف» مسرعين في الاتجاه الذي اختفى فيه المتشرد لعلهما يعثران عليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤