مِرآةُ الحَيَاةِ الجَاهِليَّةِ يَجِبُ أنْ تُلْتَمَسَ فِي القُرآنِ لا فِي الشِّعرِ الجَاهِلِيِّ١

قال الدكتور طه حُسين تحت هذا العنوان ما مُلَخَّصه:

«على أنِّي أحبُّ أن يطمئن الذين يَكْلَفون بالأدب العربي القديم ويجدون شيئًا من اللذة في أن يعتقدوا أنَّ هناك شعرًا جاهليًّا يُمثِّل حياةً جاهلية انقضى عصرها بظهور الإسلام. فلن يمحوَ هذا الكتابُ ما يعتقدون ويجدون في درسها ما يبتغون من لذة علمية وفنية، بل أنا أذهب إلى أبعد من هذا، فأزعم أنِّي سأكتشف لهم طريقًا جديدة واضحة قصيرة سهلة يصلون منها إلى هذه الحياة الجاهلية، أو بعبارةٍ أصح يصلون منها إلى حياة جاهلية لم يعرفوها، إلى حياةٍ جاهلية قَيِّمة مشرقة ممتعة مخالفة كل المخالفة لهذه الحياة التي يجدونها في المطوَّلات وغيرها مما يُنسب إلى الشعراء الجاهليين. ولكني لا أسلك إليها طريق امرئ القيس والنابغة والأعشى وزهير؛ لأنِّي لا أثق بما يُنسب إليهم، وإنَّما أسلك لها طريقًا أخرى وأدرسها٢ في نصٍّ لا سبيل إلى الشك في صحته، أدرسها في القرآن فالقرآن أصدق مرآة للعصر الجاهلي،٣ أدرسها في القرآن، وأدرسها في شعر الشعراء الآخرين الذين جاءوا بعده، ولم تكُن نفوسهم قد طابت عن الحياة والآراء التي أَلِفَها آباؤهم قبل ظهور الإسلام، بل أدرسها في الشعر الأموي نفسه،٤ فحياة العرب الجاهليين ظاهرة في شعر الفرزدق٥ وجرير٦ وذي الرُّمة٧ والأخطل٨ والراعي٩ أكثر من ظهورها في هذا الشعر الذي يُنسب إلى طرفة١٠ وعنترة١١ والشماخ١٢ وبشر١٣ بن أبي خازم.١٤
قلت: إنَّ القرآن أصدق مرآة للحياة الجاهلية. وهذه القضية غريبة ولكنها بَدَهية حين تُفكر فيها قليلًا، فليس من اليسير أنْ نفهم أنَّ النَّاس قد أعجبوا بالقرآن إلا أن تكون بينهم وبينه صلةٌ هي الصلة التي تُوجد بين الأثر الفَنِّي البديع وبين الذين يُعجبون به حين يسمعونه أو ينظرون إليه. وَلَيْس من اليسير أنْ نَفْهم أنَّ العرب قد قاوموا القرآن وجادلوا النبيَّ فيه إلا أنْ يكونوا قد فهموه ووقفوا على أسراره ودقائقه، وليس من الممكن أن نصدِّق أنَّ القرآن كان جديدًا كله على العرب، فلو كان كذلك لما فهموه ولا آمن به بعضهم، ولما جادل فيه بعضهم الآخر، إنَّما كان القرآن جديدًا في أسلوبه، جديدًا فيما يدعو إليه، جديدًا فيما شرع للناس من دين وقانون، وفي القرآن رَدٌّ على الوثنيين وعلى اليهود وعلى النصارى والصابئة والمجوس، وهو كان يقصد بالرد على هذه المِلل فرقًا من العرب كانت تمثل هذه الملل في البلاد العربية نفسها،١٥ هاجم الوثنية فعارضه الوثنيون، واليهود فعارضه اليهود، والنصارى فعارضه النصارى، ولم تكن هذه المعارضة هَيِّنة ولا لَيِّنة، وإنَّما كانت تُقدر بمقدار ما كان لأهلها من قوة ومَنَعَة،١٦ فأما وثنية قريش فَقَد أخرجت النبي من مكة ونصبت له الحرب، وأما يهودية اليهود فقد ألَّبَت عليه وجاهدته جهادًا عقليًّا، ثم انتهت إلى الحرب. وأما نصرانية النصارى فلم تكن معارضتها قويةً؛ لقلة أهلها في البيئة التي ظهر فيها النبي، والقرآن في كل ذلك إنَّما كان يتحدث عن العرب وعن نحلٍ ودياناتٍ ألفها العرب.١٧
فأمَّا هذا الشعر الجاهليُّ الذي يُضاف إلى الجاهليين فيُظهر لنا حياةً غامضةً جافةً بريئةً أو كالبريئة من الشعور الدينيِّ القويِّ والعاطفة الدينية المتسلطة على النفس والمسيطرة على الحياة العملية، أَوَلَيْس عجيبًا أن يعجز الشعر الجاهلي كله عن تصوير الحياة الدينية للجاهليين!١٨
أما القرآن فيمثل لنا شيئًا آخر؛ يُمثل لنا حياةً دينيةً قويةً تدعو أهلها للجدال عنها. فإذا رأوا أنَّ الجدال قد أصبح قليل الغناء لجئوا إلى الكيد ثم إلى الاضطهاد ثم إلى الحرب.١٩
أفتظن أنَّ قريشًا كانت تُذيق أبناءها ألوانَ العذابِ ثُم تنصب لهم الحرب وتُضحي في سبيلها بقوتها وحياتها لو لم يكن لها من الدِّين إلا ما يُمثِّله هذا الشعر الذي يُضاف إلى الجاهليين؟ كلا!٢٠
فالقرآن إذن أصدق تمثيلًا للحياة الدينية عند العرب من هذا الشعر الذي يُسمُّونه بالجاهلي. ولكنَّ القرآن لا يُمثل الحياة الدينية وحدها، وإنَّما يُمثِّل شيئًا آخر لا نجده في هذا الشعر، يمثل حياةً عقليةً قويةً، وقدرةً على الجدال والخصام، وقد وصفهم بها القرآن، وفيمَ كانوا يُجادلون؟ في الدِّين وما يتصل به من المسائل كالبعث والخلق والاتصال بالله، وفي المعجزة وما إلى ذلك.٢١
أفتظن أنَّ قومًا يُجادلون في هذه الأشياء جدالًا يصفه القرآن بالقوة يكونون من الجهل والغباوة والغِلظة بحيث يُمثلهم لنا هذا الشعر الذي يُضاف إلى الجاهليين؟ كلا، لم يكونوا جُهَّالًا وإنَّما كانوا أصحاب علمٍ وذكاءٍ وعواطف رقيقةٍ وعيشٍ فيه لين ونعمة.٢٢
والقرآن يُعطينا عن العرب صورة أخرى؛ فهو يُحدثنا بأنَّ العرب كانوا على اتصال قوي بمن حولهم من الأمم، قسمهم أحزابًا وفرقهم شيعًا، أليس القرآن يُحدِّثُنا عن الرُّوم وما كان بينهم وبين الفرس من حربٍ انقسمت فيها العرب إلى حزبين مختلفين؛ حزبٍ يُشايع أولئك وحزبٍ يُناصر هؤلاء؟ فأنت ترى أنَّ القرآن يصف عنايتهم بسياسة الفرس والروم، وهو يصف اتِّصالهم الاقتصادي بغيرهم من الأمم في السورة المعروفة: لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ [سورة قريش، آية ١، ٢].٢٣
وسيرة النبي تُحدِّثنا أنَّ العرب تَجَاوَزوا بُوغاز باب المندب إلى بلاد الحبشة، ألم يُهاجر المهاجرون الأولون إلى هذه البلاد؟ وهذه السيرة نفسها تُحدِّثنا بأنَّهم تجاوزوا الحِيرة إلى بلاد الفرس، وبأنَّهم تَجَاوَزوا الشَّام وفلسطين إلى مصر، فلم يكونوا إذن معتزلين ولا بِنَجْوةٍ من تأثير الفرس والروم والْحَبَش والهند وغيرهم من الأمم المجاورة لهم، ولم يَكُونوا على غير دينٍ، ولم يَكُونوا جُهَّالًا ولا غِلاظًا، وَلَم يكونوا في عُزلة سياسية أو اقتصادية، كذلك يُمثلهم القرآن.٢٤
وإذا كانوا أصحابَ علمٍ ودينٍ، وأصحابَ ثروةٍ وقوةٍ وبأسٍ، وأصحابَ سياسة متصلة بالسياسة العامة، متأثرة بها مؤثِّرة فيها، فما أخلقهم أن يكونوا أمةً متحضِّرة راقيةً لا أمة جاهلةً همجيةً، وكيف يستطيع رجل عاقل أنْ يُصدِّق أنَّ القرآن قد ظهر في أمة جاهلة همجية!»٢٥

(١) رأينا في هذا الكلام

(١-١) تَمهيدٌ

قبل أنْ نَنَاقش الدكتور طه حسين فيما أدلى به من الآراء في الفصل المتقدم رأينا أن نأتي على موجزٍ من تاريخ الأمة العربية؛ فنقول:

تاريخ العَرب في الجَاهِليَّة

لا يزال في تاريخ العرب في الجاهلية غموضٌ كبيرٌ على كثرة ما تكلم فيه المتكلمون، وكل ما كتب في الكتب العربية من تاريخ العرب يُراد به الوجهة الأدبية لا التاريخية غالبًا؛ فأين هو من الحقائق المؤيدة بالأساطير والنقوش التي لا مجال للشك فيها؟

يُوجد للتاريخ العربي مصادر غير عربية أقدمها التوارة؛ فإنَّ في سِفْر التكوين شيئًا من أخبار العرب، وفي أسفارٍ أخرى ذكر بعض قبائلهم وملوكهم.

وقد ألمَّ المؤرخ اليوناني هيرودوتس٢٦ المتوفَّى في أوائل القرن الخامس قبل الميلاد بشيء من ذكر العرب. وألمَّ غيره من المؤرخين بذكر أشياء عن العرب ليس فيها كبير فائدة، وإنَّما الفضل في الإفاضة في تاريخ العرب للمؤرخين: استرابون وبلينيوس٢٧ وبريبلوس وبطليموس؛٢٨ فإنَّهم ألموا بجميع ما قيل عن العرب وفصلوه تفصيلًا.

الآثار العربية والتاريخ

للآثار فائدةٌ كبيرةٌ جدًّا في كشف تواريخ الأمم؛ فقد كان تاريخ المصريين لا يزال غامضًا لولا ما دوَّنوه من أخبارهم على آثارهم ومعابدهم.

كذلك للعرب آثارٌ باليمن والحجاز وغيرها عليها نقوشٌ حميريةٌ بالقلم المسند أو نقوشٌ آراميةٌ بالقلم النبطي وغيره، فلما اهتدى بحَّاثو أوروبا إلى أماكنها قصدوها لحلِّ رموزها وكشف النقاب عن تاريخ العرب.

أول من تصدى لهذه المباحث العالم الألمانيُّ ميخايلس المتوفَّى سنة ١٨٩١م، ثُمَّ عثر الضابط الإنجليزي ولسند سنة ١٨٣٨م على نقوش حميريةٍ باليمن اهتم بها العلماء غاية الاهتمام ولم يستطيعوا حل رموزها إلا بعد سنين.

ووجد الضابط الإنجليزي كروتندن في صنعاء نقوشًا ظن أنَّها من خرائب مدينة مَأرِب.

أول من تصدى من الفرنسيين للبحث عن هذه النقوش كان المسيو (أرنو) فإنَّه اخترق اليمن سنة ١٨٤٣، وعاد ومعه ٥٦ نقشًا نقلها من صنعاء والخريبة وحرم بِلْقِيس.

ثم جاء المستعرب (أرسيا ندر) فَحَلَّ رموزَ الآثار التي وجدها أرنو، وذلك سنة ١٨٤٥.

ثم إنَّ وزارة المعارف في باريز أرسلت المستعرب يوسف هاليفي سنة ١٨٦٩ إلى اليمن، فسار حتي بلغ مَأرِب ورجع معه ٦٨٠ نقشًا.

ثم جاء إدورد غلازر الألماني فَسَاحَ في اليمن مِرارًا ونقل منها ألف نقشٍ بينها نقوشٌ غاية في القيمة التَّاريخيَّة.

ثُمَّ حاول الوصول إلى مَأرِبَ رجالٌ آخرون فهلكوا في الطريق.

وعثر الباحثون أيضًا في شمال بلاد العرب على آثار الأنباط؛ فوجدوا منها آثارًا كثيرة في مدينة بَطْرا ومدينة الحِجْر، واكتشفوا في حُوران والعُلَى نقوشًا بالخط المسند الحِمْيَري؛ فكشفت جميع هذه النقوش النقابَ عن جزء من التاريخ العربي القديم، وما بقي منه أكثر.

ثم إنَّ البَحَّاثين عثروا في آثار بابل وآشور ومصر وفِنيقيةَ على شيءٍ من تاريخ العرب، فوجدوا في بابل نقوشًا بالخط المسماري وقفوا منها على تاريخ العمالقة من العرب البائدة، واستدلوا من النقوش التي وجدوها في آشور وبابل على قيام دولة حمورابي٢٩ العربية [التي] استولت على بابل عدة قرون قبل الميلاد بأكثر من ألفي سنة.

من هم العرب؟

العرب من الساميين، والساميون هم الشعوب الذين يتكلمون بالعربية والعبرانية والسريانية والحبشية، ومنها الشعوب التي كانت تتكلم باللغة الفنيقية والآشورية والآرامية.

ومعنى ساميين أنَّهم منسوبون إلى سام بن نوح عليه السلام.

والناقد البصير يحكم لأول وهلة أنَّ هذه اللغات مشتقة كلها من أصلٍ واحد؛ لتشابهها لفظًا وتركيبًا.

وقد اصطلح مؤرخو العرب أن يُقسِّموا تاريخهم قبل الإسلام إلى قسمين:

العرب البائدة، والعرب الباقية؛ فالبائدة: عندهم التي بادت قبل الإسلام. والباقية قسمان: العرب القحطانية باليمن، والعرب العدنانية بالحجاز وما يليها.

العرب البائدة: هي قبائل عادٍ وثمود والعمالقة وطَسْمٍ وجديسٍ وأميم وجُرْهُم وحضرموت ومن يتصل بهم، ويُقال لهم: العرب العاربة.

وقد كان لهذه القبائل ملوكٌ ودولٌ، وقد امتد ملكهم إلى الشام ومصر.

وروى المؤرخون أنَّ هذه القبائل كانت تسكن أولًا في بابل من آسيا الصغرى ثُم هاجروا إلى جزيرة العرب، وقالوا: إنَّ بني عادٍ والعمالقة ملكوا العراق.

ثم إنَّ مؤرخي العرب يُقسِّمون القبائل البائدة إلى قسمين: العماليق وهم من نسل لاوَذَ بن سام، وسائر القبائل الأخرى من إِرَم بن سامٍ.

فالعمالقة في نظر مؤرخي العرب من نسل لاوذ بن سام، والعرب البائدة من نسل إرم؛ أي آراميين.

والعمالقة هم أهل شمال الحجاز مما يلي جزيرة سيناء، فتحوا مصر مدة الفراعنة، وأسسوا فيها أسرة ملكية.

قلنا: إنَّ العرب ملكوا العراق وأسسوا بها دولة، ونقول: إنَّ هذه الدولة سمَّاها المؤرخون المحدثون دولة حمورابي، وهو اسم أكبر ملوكها ومؤسس أقدم شريعة في العالم، وزعموا أنَّه كان من أهل القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، أغار على الدولة البابلية الأولى فاقتبس قومُه تقاليد البابليين ومدنيتهم، واستخدموا لغتهم، ثم فني المقهورون في القاهِرِين وصارت الدولة البابلية عربية بحتة.

أما دولة العمالقة في مصر فتبتدئ من سنة ٢٢١٣ إلى ١٧٠٣ قبل الميلاد، جاءوها من طريق برزخ السويس أو البحر الأحمر، فأقاموا بها، وكثر عددهم فيها، ثم لما سنحت لهم الفرصة وثبوا على ملوكها وملكوا البلاد دونهم. وكان أول ملوكهم سلاطيس، حكم بعده بنوه إلى سنة ١٧٠٣ فتمكن المصريون من انتزاع الملك من أيديهم وطردهم؛ فتفرقوا في جزيرة العرب قبائل وأفخاذًا، وأنشئوا دولًا في اليمن والحجاز وسائر جزيرة العرب.

أما عادٌ فهي من القبائل الآرامية؛ ولذلك سُمِّيَتْ أيضًا عاد إرم، والعرب يضربون المثل بهم في القِدَم.

أما ثمود فكان مقامها في الحِجْر المعروفة بمدائن صالح في وادي القُرَى بطريق الحاجِّ الشامي، وكان اليهود يسكنونها قبل الإسلام.

أما طسمٌ وجَدِيس فقد قال عنهما مؤرخو العرب إنَّهما من إرم مثل سائر العرب البائدة، وذكروا أنهما سكنتا اليمامة في شرق نجدٍ وقاعدتها الفرية. وكانت طسم صاحبة السيادة إلى أنْ تولاها رجلٌ ظلومٌ فأنفت جديسٌ من الخضوع له فقتلوه هو وخاصة قومه، فهرب رجلٌ إلى تُبَّع اليمن حسان بن أسعد فشكا إليه ما أتته طسمٌ واستنجده؛ فأرسل إلى طسم وجديس جيشًا فأفناهم معًا.

دولة الأنباط: ذكر العرب دولة الأنباط في كتبهم وأرادوا بهم أهل العراق، وقد تحقَّق المنقبون في الآثار والمتتبعون لتواريخ اليونان والرومان وما ذُكِرَ في التوراة أنَّ دولة الأنباط كانت عربيةً قامت بمشارف الشام في الجنوب الشرقي من فلسطين ممتدةً إلى رأس خليج العقبة، يحُدها من الجنوب باديةُ الحجاز، ومن الشمال فلسطينُ، ومن الشرق باديةُ الشام، وكان اليونان يُسمُّون هذه المملكة ببلاد العرب الحِجْرِيَّة، وكانت عاصمتها بَطرَا (الحِجْر).

كان أقدم سكان هذه الجهة الحَوْرِيِّين، وهم سكان الكهوف القدماء، وكانوا قبائل على كلٍّ منها رئيسٌ، غزاهم داود ملك اليهود وكانوا يسمونهم الأدوميين، وبقوا تحت سيادة اليهود إلى أن ضعف أمرهم، فاستقلوا، وكبر سلطانهم في عهد بَخْتَنَصَّرَ؛٣٠ إذ ساعدوه في حروبه لليهود، ثم دهمهم الأنباط من الشرق فملكوا مملكة أدوم قبل القرن الرابع للميلاد، وبقيت إلى أوائل القرن الثاني بعده حتي دخلت في حوزة الرومان سنة ١٠٦، وهم عربٌ على الأرجح.

أما مدينه بَطْرَا عاصمتهم فكانت قائمةٌ في مستوًى من الأرض تحيط به الصخور عند ملتقى طرق القوافل بين تدمُر وغزة وخليج فارس والبحر الأحمر واليمن، وكان العرب يُسمونها الرَّقِيم.

كان للنبطيين ملوكٌ ووزراء ونظامٌ سياسيٌّ واقتصاديٌّ، وكان الاسم الغالب على ملوكهم الحارثُ أو عبادة أو مالك، فكان الحارث الأول سنة ١٦٩ قبل الميلاد وهو أول ملوكهم.

أما مدينة تدمُر فهي الواقعة في طرف البادية التي تفصل الشام عن العراق، وتبعد نحو ١٥٠ ميلًا عن دمشق نحو الشمال الشرقي، تُحيط بها جبالٌ.

من أشهر ملوكها (زينوبياء)٣١ وهي امرأةُ أُذَيْنَةَ، وكانت وصيةً على ابنها القاصر، فملكت مصر والشام والعراق وما بين النهرين وآسيا الصغرى إلى أنقرة؛ فقاتلها القيصر الروماني أورليان٣٢ وهزمها.

كانت زينوبيا من أعجب النساء شجاعةً ودهاءً، وكانت تركب الخيل وتجالس قُوَّادَهَا.

وقد رجَّح بعضهم أنَّ زينوبيا هي التي يُسميها العرب الزَّبَّاء ملكة الجزيرة بعد أبيها عمرو بن الظَّرِب بن حسان العِمْليقي، ويذكرون أنَّها احتالت على جَذِيمة الأبرش٣٣ — ملك الحيرة الذي قتل أباها — حتى قتلته.

دول اليمن: اليمن هو الجزء الجنوبي الشرقي من جزيرة العرب، وكان ينقسم إلى ٨٤ مخلافًا، والمخلاف تحته مدنٌ ومحافد وقرى.

أما تاريخ اليمن فمن أشد التواريخ سَقَمًا واضطرابًا.

أول من ملك اليمن يعرُبُ بن قحطان٣٤ فإنَّه قهر قوم عادٍ باليمن والعمالقة بالحجاز، وولَّى إخوته على ما كان بأيديهم؛ فولَّى أخاه جُرْهمًا على الحجاز، وعاد بن قحطان على الشِّحْرِ، وحضرموت بن قحطان على جبال الشِّحر، وعُمَان بن قحطان على عمان.

ثم تولى بعده ابنه يَشْجُبُ بن يعرب، ثم ابنه عبد شمسٍ وهو سبأٌ الذي بنى سدَّ مأرب المشهور.

وقد أعقب سبأٌ هذا عدة أولاد أشهرهم حِمْيَرٌ وكهلان، ولما مات سبأٌ خلفه ابنه حمير وهو مؤسس الدولة الحميرية، وهي طبقتان: الملوك التَّبابعة، وملوك حمير. للمؤرخين اختلافاتٌ كبيرةٌ في عددهم وعصورهم وتتابعهم، ولكنهم اتفقوا بأنَّ آخر ملوك حمير وأول التبابعة هو الحارث الرائش.

أما التَّبابعة فأولهم الحارث الرائش المذكور، وآخرهم ذو جَدَنٍ٣٥ حكم بعد ذي نواس٣٦ الذي غلبه الأحباش وأخذوا اليمن منه، وقد بلغ عدد التبابعة ٢٦ تُبَّعًا.

ثم فتح الأحباش اليمن في آخر عهد التَّبابعة، وكان عليها التُّبَّعُ ذو نواس، فهرب وهلك في هروبه، فخلفه ذو جدن، فقهره الأحباش أيضًا، وأقاموا باليمن تلك الآثارَ التاريخية الدَّالَّة على قيام ثلاث دول في اليمن، وهي: الدولة المعينية، والدولة السبئية، والدولة الحميرية، ولا بد لنا من كلمة على كل منها.

(الدولة المعينية) لم يتنبه علماء التاريخ إلى هذه الدولة إلا حديثًا، ولم يكن لها ذكر في تواريخ العرب أنفسهم، وما نبههم إليها إلا ورود ذكرها في كلام المؤرخ اليوناني استرابون، وقد ذكرهم غيرُه من المؤرخين القدماء كبلينيوس وذيونيسيوس وبطليموس؛٣٧ فكان العلماء يظنون أنَّ المعينيِّين هم المنائيون نسبة إلى مِنى بقرب مكة، ولكن المستعرب هاليفي لما ارتاد بلاد الحوف في شرق صنعاء اكتشف أنقاض معينٍ، وقرأ اسمها عليه مكتوبًا بالقلم المسند، ووجد بجانبها براقش، ونقل معه ثلاثمائة وثلاثة نقوش منها ٧٩ وجدت بمعين، ١٥٤ وجدت ببراقش، و٧٠ وجدت بالسوداء، فقرأ المستعرب المذكور أسماء الكثيرين من ملوك الدولة المعينية، ووقف على كثير من نظامها. وقد بلغ عدد من عثر على أسمائهم من ملوك معين ٢٦ يشترك كلُّ عددٍ منهم في اسم ويتميزون بالألقاب؛ فمنهم (أب يدع) يثيع أي المنقذ، و(أب يدع) ريام أي السامي.

وقد ثبت أنَّ سلطان هذه الدولة امتد إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وشواطئ خليج العجم وبحر العرب؛ أي إنَّها استولت على جميع شبه جزيرة العرب، وكانت دولةَ تجارة وسلام لا فتح ولا حرب.

والظاهر أنَّ أصل هذه الدولة قبيلةٌ من عرب العراق الذين أسسوا دولة حمورابي في بابل، فلما بادت دولتهم هنالك نزحوا إلى اليمن وأسسوا فيها المعينية.

(الدولة السبئية) دولة سبأ قحطانيةٌ ويسمَّون بالعرب المتعرِّبة، ولكنَّ المؤرخين من العرب أغفلوا ذكر أصل هذه الدولة، والذي عُرِفَ الآن أنَّ هذه الدولة تأسَّسَت في القرن الثامن قبل الميلاد بعد الدولة المعينية، وقد بلغ عدد من عُرِفَتْ أسماؤهم من ملوك هذه الدولة أكثرَ من ثلاثين ملكًا استدلُّوا عليهم من النقوش الأثرية، وقد كانت دولةَ سلامٍ وتجارة، وقد دفعت الجزية للآشوريين. ويظهر من النقوش أنَّ هذه الدولة مرت على أربعة أدوار تتميز بألقاب ملوكها؛ فكان ملكهم في الدور الأول يلقب بلقب (مَكْرِب سبأ)، وكان في الدور الثاني يلقب (بملك سبأ)، وفي الدور الثالث (بمكرب سبأ وريدان)، وفي الدور الرابع (بمكرب سبأ وريدان وحضرموت وغيرها).

يُرجَّح أنَّ هذه الدولة وُجِدت سنة ٨٥٠ وزالت سنة ١١٥ قبل الميلاد.

(دولة حمير) الحميريون فرع من السبئيين، وحمير عند العرب هو ابن سبأ، ويظهر أنَّ الحميريين كانوا يقيمون في ريدان قبل توليتهم بمدة قرون، فلما سنحت لهم الفرصة أخضعوا إخوانهم السبئيين ثم أشركوهم معهم فصار ملكهم يُدعى (ملك سبأ وذو ريدان).

كان آخر ملوك حمير ذا نُواس سنة ٥٢٥ ميلادية؛ فكان مدة بقاء الدولة السَّبَئيّة ٦٤٠ سنة.

(فتح الأحباش لليمن) العلاقة بين اليمن والحبشة كانت موجودةً من القدم؛ لقرب البلدين. وقد طمع بعض ملوك الحبشة في الاستيلاء على اليمن؛ فرُوي أنَّ أحدهم حاول امتلاكها في أوائل القرن الثاني للميلاد، وأنَّ واحدًا آخرَ ملك بعض مدنها في أواخر القرن الثالث، فطرده الحميريون، ثُمَّ عاد الأحباش في منتصف القرن الرابع فاكتسحوا اليمن كلها؛ فحدثت بينهم وبين العرب وقائعُ كثيرة، ولا سيما بين ملك الحبشة العلي إسكندري وبين الهدهاد ملك حمير، ثم بين العلي عميدة وبين الهدهاد وبلقيس، ثُمَّ تَمَّ للأحباش فتح اليمن بمساعدة الرومان، ومكثوا بها إلى سنة ٣٧٤ ميلادية، ثم استردها الحميريون إلى سنة ٥٢٥؛ حيث أعاد الأحباش عليها الكَرَّةَ وملكوها ثانية؛ فحدث في هذه المدة ما حدث من أبرهة بن الأشرم٣٨ الذي تصدى لهدم الكعبة.
ثم مَلَّ الحميريون سلطة الأحباش؛ فذهب أحد أمرائهم — واسمه سيف بن ذي يَزَن٣٩ — إلى الفرس واستنجد بهم فأنجدوه بجيش قهر به الأحباش؛ فوقعت اليمن تحت سيادة الفرس إلى أن فتحها المسلمون في عصر النبي .

مدنية العرب في اليمن: تبين القارئ مما تقدم أنَّ أهل اليمن لم يَقِلُّوا عن أهل مصر وفِنيقية مدنيةً في العصور القديمة، إذ كان منهم الملوك الفاتحون والتجار المتنقلون وكان لديهم مدنٌ عامرةٌ وآثار جميلةٌ، ويظهر أنَّهم اقتبسوا ذلك من البابليين أولًا على عهد دولة حمورابي التي أغارت عليهم قبل نحو أربعة آلاف عام، وقد عثر البَحَّاثون على آثار قصورهم وأطلال معابدهم وقطع من سَكَّتِهم (أي نقودهم).

وقد عرف أيضًا أنَّه كانت لهم تجارة واسعة في أنواع البخور والطُّيوب والصُّموغ، وروي أنَّهم كانوا يَفْلحون الأرض ويستثمرونها، وكانوا يستخرجون المعادن من باطن الأرض كالذهب والفضة والأحجار الكريمة. وكانت لهم قصورٌ شاهقةٌ؛ كقصر غمدان، وقصر ناعط، وقصر ريدة، وقصر صرواح، هذا غير القلاع والسدود والجسور.

(الدول القَحطانية الأخرى) كان عرب اليمن كثيرًا ما ينزحون من بلادهم عند نزول الشدائد بهم، فينزلون الحجاز أو اليمامة أو البحرين أو عمان، وقد تيسَّر لبعضهم إنشاء دولٍ في بعض تلك الجهات. وقد عد العرب من دولهم الغساسنة بالشام، والمناذرة بالعراق، وكندة بنجد.

وقد اعتبر العربُ تسع عشرة قبيلةً خارج اليمن من بني قحطان؛ أي يمنية غير عدنانية، وهي: قبائل طيئ والأشعر وبجيلة وجذام والأزد وعاملة وكندة ولخم ومذحج وهمذان ومازن وغسَّان وعدنان ومزيقيا وأزد شنوءة والأوس والخزرج وخزاعة. ولكلٍّ من هذه القبائل بطونٌ وأفخاذٌ وعمائر وعشائر لا سبيل لحصرها هنا، وقد نشأت من بعضها — وهي غسَّانُ ولخم وكندة — دولٌ سيرد ذكرها.

وقد اتفق العلماء على أنَّ هذه القبائل كلها قحطانيةٌ، وأنَّهم خرجوا من اليمن بعد انهدام سد مأرب على أثر سيل العرم، وإنَّا لذاكرون موجزًا من تاريخ كل دولة من هذه الدول الثلاث المارِّ ذِكْرُها.

دولة الغَساسِنَة

قلنا: إنَّ بني غسان هاجروا من اليمن لتهدُّم سَدِّ مَأرِب بسيل العرم، فنزلوا مشارف الشام وحاربوا قومًا من قُضَاعَةَ يقال لهم الضَّجَاعِمَةُ، وأخذوا ما بأيديهم وأسَّسوا هنالك تحت حماية الرومان في الجهة التي تُعرف الآن باسم البلقاء وحُوران، فبلغوا درجة عالية من المدنية. يقول بحَّاثو الغرب: إنَّ عدد ملوك الغساسنة لا يتجاوز العشرة، وإنَّ أولهم جَبَلَة بن شمر، وآخرهم جَبَلَة بن الأيهم٤٠ الذي قهره المسلمون وأخذوا بلاده.

امتد مُلْكُ الغساسنة حتى عَمَّ مشارف الشام وتدمُر وفلسطين ولبنان، وبنى ملوكهم القصور الفخمة والقناطر الضخمة. من قصورهم المشهورة: القصر الأبيض، وقصر المشتى، وقصر الفضاء، وقصر السويداء، وقصر أبين، وغيرها.

دولة اللَّخْمِيِّينَ في العراق

أول من حكم العراق آل تَنُوخ ومنهم جَذِيمة الأبرش، ثم صار الحكم بعده إلى ابن أخته عمرو بن عَدِيٍّ وهو من آل نصر: فرع من لخمٍ. وقعت دولة اللخميين تحت سلطة الفرس، كما كانت قد وقعت دولة الغساسنة تحت سلطة الرومان، ويطلق العرب على ملوكهم اسم ملوك الحيرة.

كان أول ملوك الحيرة عمرو بن عديٍّ كما قدَّمنا وآخرهم المنذر المغرور. وكانت عاصمتهم مدينة الحِيرة وهي على نحو ثلاثة أميال من الكوفة في موضع يُقال له النَّجَف على الساحل الغربي للفرات، وكانت آهِلَةً بالقصور والمباني العظيمة والحدائق الغَنَّاء، وبقيت الحيرة عامرة في الإسلام بضعة قرونٍ، وكان بجوارها القصران المشهوران وهما: الخَوَرْنَقُ والسَّدِيرُ.٤١

دولة كندة

كندة بطن من كهلان، فهم قحطانيون، أصلهم من البحرين والمُشَقَّر، هاجروا إلى حضرموت فأقاموا ببلدة اسمها كندَة فكانوا هنالك موالين للحميريين.

فاتفِق أنَّ حُجْرَ بن عمرو آكِل المُرَار٤٢ سيد كندة كان أخا حسان بن تُبَّعٍ — ملك حمير — من أمه، فولاه قبائل معدٍّ كلها.
تأسست هذه الدولة في القرن الخامس، وانقرضت بوفاة امرئ القيس سنة ٥٦٠.٤٣

تاريخ العرب العدنانية

العرب العدنانية هم ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام؛ وذلك أنَّ إبراهيم هاجر بامرأته هاجر وابنها إسماعيل إلى بلاد العرب، فأسكنهما بمكة وبنى البيت الحرام، ثُمَّ عاد إلى الشام، فلما كبر إسماعيل تزوج بامرأة من بني جُرهم أصحاب مكة في ذلك العهد، قيل: فولدت له اثني عشر ولدًا، فتناسلوا حتى بلغ عددهم الملايين، وكانت العرب تُسمِّيهم الإسماعيلية والعدنانية أيضًا نسبة إلى عدنان جَدِّ ذُرِّيَّة إسماعيل.

والفرق بين العرب العدنانية والعرب القحطانية ينحصر في النظام الاجتماعي وفي الدين واللغة.

فمن الوجهة الاجتماعية يمتاز العرب العدنانية عن القحطانية بأنَّ جمهورهم أهل بداوةٍ يسكنون الخيام، ويربون الماشية، ويرحلون وراء المياه والأعشاب، فهم لا يبنون بيوتًا، ولا يؤسسون أمصارًا، إلا أهل مكة فإنهم تحضَّروا منهم.

ومن الوجهة الدينية يمتاز القحطانيون بأنَّ آلهتهم تقرُب من آلهة البابليين، منها عشتار وأيل وبعل … إلخ، ولكن آلهة العدنانيين كانت لا تشترك مع سواها، ولها أسماءٌ خاصة كاللَّاتِ والعُزَّى ومناة وهُبَل.

ومن الوجهة اللغوية يوجد بين الطائفتين خلافٌ جوهريٌّ، وإن كان الجميع يتكلمون العربية، والخلاف يتناول الإعراب والضمائر والاشتقاق والتصريف.

كان هؤلاء العرب العدنانية على حالة قبائل، وكان لهم ماشيةٌ كثيرةٌ وتجارةٌ.

وكان مقامهم في تهامة والحجاز ونجدٍ على حالة بداوةٍ، إلا قريشًا فقد تحضرت وسكنت مدينة مكة.

ثم إنَّ هذه القبائل نزحت من بلادها لطلب العيش؛ فأنشأ بعضها دولًا وضاع ذكر البعض الآخر.

فكان أول من نزح بني قضاعة، فتفرقت بطونها من جزيرة العرب في نجد والبحرين ومشارف الشام؛ فأنشأ بعضها دولًا بالعراق والشام، وكان نزوح هذه القبيلة حوالَي القرن الأول للميلاد.

دول قضاعة

من بطون قضاعة (جهينة) و(يليُّ) وكانت منازلهم بين ينبع ويثرب ومصر على شواطئ البحر الأحمر، ولم تكن لهم دولٌ ذات ملوك، ولكنهم غلبوا على بادية مصر وصعيدها أجيالًا.

ومن دول قضاعة (تَنُوخ) وهو فرعٌ كبيرٌ من قضاعة، وقال بعض المؤرخين: إنَّ تنوخًا كانت مزيجًا من قضاعة والأزد، وكانت دولتهم في أوائل ظهور النصرانية.

كان لتنوخ دول في مشارف الشام والعراق منها دولة جَذِيمة الأبرش، كانت عاصمتها في المضيرة بين بلاد الخانوفة وقرقيسيا، ويرى المؤرخون أنَّ هذه الدولة كانت في نحو القرن الثالث من الميلاد.

لم تطل أيام هذه الدولة، فحل محلَّها بطنٌ آخر من قضاعة اسمه سليحٌ.

دولة سليح

سليحٌ بطنٌ من قضاعة ملكوا مشارف الشام بعد تنوخ، وكان مقرهم في مواب من أرض البلقاء وفي سليمة وحوارين والزيتون، ومن ملوكها النعمان بن عمرو، ومالك بن النعمان، وعمرو ابنه، ثُمَّ خلفهم الغساسنة كما مَرَّ، والأولون هم الضجاعمة الذين ذكرنا أنَّ الغساسنة تغلبوا عليهم.

أنمار

أنمار بطنٌ من قضاعة رحلت إلى جبال السروات فملكوها، ثم تخاصمت هنالك القبيلتان المكوِّنتان لأنمار؛ وهما: بَجِيلَةُ وخَثْعَمُ، فحدثت بينهما حروب يطول بسطها.

إيادٌ

إياد بطن من قضاعة نازعتها مُضَر الحياة، فنزحت من تِهَامة إلى العراق قرب الكوفة، ثم إنَّهم شَنُّوا الغارة على الفرس فأوقع بهم كِسْرَى أنوشروان٤٤ وأجلاهم عن العراق؛ فنزلوا إلى تكريت والجزيرة والموصل، ثم نزحوا منها إلى بلاد الرومان والشام.

ربيعة

هاجرت ربيعة من تِهَامة، فنزحت قبيلة عبد القيس منها إلى البحرين وهجر، ونزلت قبائل أخرى منها إلى نجد والحجاز واليمن. وكانت القبائل التي نزلت الحجاز منها بكرٌ وتغلِب وعنزة وضُبَيْعَةُ، ثم حدثت بينهم حروبٌ فتغلبت بكر على تغلب؛ فتفرقت تغلب في البلاد، وانتشرت بكر بن وائل وعنزة وضبيعة باليمامة إلى سواد العراق، وانحازت النمر وغفيلة إلى أطراف الجزيرة وعانات. وكانت الزعامة لعنزة، ثم تحولت إلى عبد القيس، ثم إلى النمر بن قاسط، ثم إلى بكر بن وائل، ثم إلى تغلب؛ فتولى منها وائل بن ربيعة، وهو كُلَيبٌ المشهور.٤٥

مُضَرُ

استأثرت مُضَرُ بتهامة حتى كثر عددها، فوقعت بين بطونها الحروب، وأشهر تلك البطون قيس بن عيلان وخِنْدَف؛ فغلبت الثانية، فظعنت قيس بن عيلان إلى نجد إلا قبائل منها انحازت إلى أطراف الغور من تهامة؛ فنزلت هوازنُ ما بين غور تِهامة إلى ما والَى بِيشَة وبركا وناحية السَّراة والطائف وذي المجاز وحنينٍ وأوطاسٍ.

وكان بنو خِندف يتألفون من قبيلتي طابخة ومُدرِكَة، فنزلت طابخة بظواهر نجد والحجاز، وأوت مُزَيْنَةُ إلى جبال رَضْوَى وما والاها بالحجاز، ورحلت تميمٌ وضبَّة إلى منازل بكرٍ وتغلب. وهاجرت بنو سعد إلى يَبْرِين، ونزلت طائفة إلى عُمَان، وأخرى بين أطراف البحرين إلى ما يلي البصرة.

وأقامت قبيلة مُدرِكَة بتهامة، وكانت لهذيلٍ بنو فَهمٍ وعَدوان من قيس عَيْلان. وأقام بنو النضر بن كنانة حول مكة، أنزلهم قُصي بن كلابٍ الحرم وهم قريشٌ؛ فكان بالحجاز من العرب أسدٌ وعبسٌ وغَطَفان وفَزارة ومُزينة وسليم وفهمٌ وعَدوان وهُذَيْلٌ وخثعمٌ وسلول وهلال وكلابٍ وطَيِّئٌ وأسد وجهينة وغيرها.

ذكرنا عَرَضًا في هذه الفذلكة — عند ذكر استعمار الحبشة لليمن — ما حدث من اعتزام عامله أبرهة على صرف الناس عن حج البيت إلى حج كنيسةٍ بناها بصنعاء، وتفصيل هذا الإجمال هو أنَّ أبرهة لما هَمَّ بذلك وأخذ له أهبته، جاء رجلٌ من العرب فأهان تلك الكنيسة، فَهَاج ذلك غضب أبرهة؛ فعزم أن يثأر لِبيعَتِه بهدم الكعبة؛ فجهَّز لذلك جيشًا، وسار على رأسه قاصدًا مكة، وما زال يطوي المفاوز والموامي حتي وصل إلى ضواحي مكة واستاق من أموالها إبلًا لعبد المطلب جد النبي ، وكانت قريش قد أخلت البلدة ولجأت إلى الشعاب تاركةً البيت الحرام وما فيه من أصنامها ونُصُبها لرحمة المغير الحاقد. وهنالك أصاب جيشه حادثٌ اضطره للإسراع بالرجوع، فعاد وقد باد أكثر عسكره، ولم يقضِ ممَّا أراده وطرًا. في هذه السنة وُلِدَ النبي فكانت هذه الغارة قبل بعثته بأربعين سنة.

هذا موجزٌ من تاريخ العرب مُقتَبَس من أبحاث العلماء الغربيين الذين عنوا بدرس الآثار العربية، وأُغْرُوا بتحرير تاريخ هذه الأمة على نور ما هُدوا إليه من المعالم التَّاريخيَّة والآثار العمرانية.

(١-٢) مناقشة ما كتبه الدكتور طه حسين في العرب

يقول حضرته: «إنَّ الشعر المُسمَّى بالجاهليِّ لا يُمثِّل حياة الأمة العربية قبل البعثة المحمدية.» ونحن لا يسعنا إلا موافقة الأستاذ على ذلك، فإننا نرى كما رأى النَّقَدَةُ الأقدمون ونقلناه عنهم في الفصل الأول من هذا الكتاب، أنَّ هذا الشعر الذي بين أيدينا أكثره مختلقٌ وضعه الوضَّاعون في القرن الإسلامي الأول والثاني والثالث، كما وضعوا مئات الألوف من الأحاديث ونسبوها للنبي ، وكما وضعوا خُطبًا لا تُحصى وكلمات مأثورة لا تُحصر على كبار الصحابة والتابعين والملوك والقادة من جميع الأجناس والنِّحَل، ولئن كان الرواة الأولون قد حَفِظوا عن الجاهليين شعرًا صحيحًا، فإنَّما هم قد تحرَّوْا منه ما لا يُصادم الإسلام؛ تأثُّمًا من نقل أخبار المشرِكين وإذاعة ضلالاتهم الاعتقادية. وقد ثبت أنَّ العرب الإسلاميين في إبان نهضتهم قد تحرَّجوا من ترجمة الإلياذة المنسوبة لهوميروس٤٦ الشاعر اليوناني القديم، وكان ذلك كما يقول العلامة درابر Draper في كتابه «المنازعات بين العلم والدين» “Les conflits de la science et de la religion” تحرُّجًا من ذكر الآلهة اليونايين، وتعظيم أبطالهم الممتازين؛ فلا غرو أن يهمل الرواة حفظ القصائد الدينية التي قالها العرب وفيها ما فيها من ذكر الأصنام والخرافات التي لا تخفى على سمع من كانوا يعنون بالشعر في تلك الأيام.

•••

ويقول الدكتور طه حسين: «إنَّ القرآن أصدق مرآة للحياة الجاهلية، وأصح تمثيلًا لها من الشعر المسمى بالجاهلي.»

ونحن نوافقه على ذلك من وجهٍ، ونخالفه من وجهٍ آخر، أما أنَّ القرآن يُعتبر أصقل مرآة لما كان عليه عربُ الجاهلية من النقائض الخُلقية والعيوب الاجتماعية، والمنكَرات العادية، فنعم؛ لأنَّ القرآن قد عرض عقائدَ ودافع عنها، وعرض عقلية الجاهليين وسَخِرَ منها، وعرض اعتراضاتهم على دعوته ودحضها، وعرض تفصيلاتٍ جمة عن أحوالهم الاجتماعية وعاداتهم الزوجية، ومألوفاتهم البيتية، ومنازعاتهم السياسية والاقتصادية وشنَّع عليها وعابها، ولم يدع كبيرة ولا صغيرةً من أخلاقهم الرديئة ومعاملاتهم المَعِيبة إلا أتى عليها وأزرى عليها وتهكم بها، واستنزل سُخط العقلاء عليها، فهو يُمثل حياة الجاهليين من وجهة نقائصهم وسيئاتهم تمثيلًا لا يدانيه فيه شعرٌ ولا تاريخٌ.

وكيف لا يكون كذلك وهو إنَّما جاء لنقلهم ممَّا هم عليه إلى حالٍ أرقى منه درجاتٍ، وتهيئتهم لأن يَحْيَوْا حياةً صالحة تأخذ بهم إلى معارج الارتقاء، وتحفزهم إلى تخطِّي دوائر الجمود التي كانوا فيها ولا يبغون عنها تحوُّلًا، ولا يتخيلون وراءها مذهبًا. وهل يتأتى له ذلك إلا بالدخول في صميم شئونهم الحيوية، وحكاية ما هم عليه من المنكرات الاجتماعية، ثم الكَرِّ عليها بالتقبيح والتهجين، أو بالتعديل والتقويم.

ونخالف الدكتور طه حسين من وجهِ كفاية القرآن وَحْدَهُ في تَجْلِيَةِ ما كان عليه العرب من الصفات المحمودة، وليس له أن يعرض لذلك وهو في مقام دعوتهم إلى دين يقلب وجودَهم الاجتماعي رأسًا على عَقِبٍ، ويهدم ما هم عليه من أساسه، ويُقيم على أنقاضه صَرْحًا جديدًا لحياةٍ جديدة لم يعرفوها إلى ذلك الحين.

فتكون النتيجةُ اللازمةُ لمذهب الدكتور طه حُسين أننا نبقَى جاهلين بما كان عليه عربُ الجاهلية من الكرم الذي ضُربت به الأمثال وبلغ حدَّ التضحية بالنفس، وحفظ الجِوَارِ الذي لم يُؤثَر مثله عن غيرهم، والشجاعة وإباء الضَّيم، وحب الحرية، والصبر على المكاره، والنجدة، والصدق في القول، والذكاء، وهي الصفات التي يجلِّيها الشعر المدعوُّ بالجاهلي في حدودها البدوية كل التجلية، فهذا الشعر لا يمكن الاستغناء عنه في بناء تاريخ العرب الجاهليين، ولا يكفي القرآن وحده في ذلك.

وما دام الشعر المنسوب لهم — وفيه المختلَق والصحيح — قد أجمع على نسبة هذه الصفات لهم؛ فيمكن الاعتمادُ عليه في تكميل بناء تاريخهم، وإلا فنكون قد حكمنا بعدم إمكان الوصول إلى هذا التاريخ على الإطلاق.

•••

فلننظر الآن فيما يقوله الدكتور طه حسين من أنَّ القرآن يُمثِّل لنا في عرب الجاهلية حياةً دينية قوية، وقدرةً على الخصام والجدال، وأنَّهم كانوا أصحاب علمٍ وذكاءٍ وعواطفَ رقيقةٍ، وعيش فيه لينٌ ونعمةٌ، وأنَّهم كانوا على اتصال قوي بمن حولهم من الأمم، قسَّمهم أحزابًا وشيعًا، وكانوا يُعنَوْنَ بسياسة أُمَّتَيِ الفرس والروم، وعلى اتصالٍ اقتصاديٍّ بغيرهم من الأمم، وأنَّهم تجاوزوا باب المندب إلى بلاد الحبشة، وتجاوزوا الحِيرَةَ إلى بلاد الفرس، وتجاوزوا الشام وفلسطين إلى مصر، وأنَّهم كانوا متأثرين بالسياسة العامة ومؤثِّرين فيها؛ وبذلك فقد كانوا أمةً متحضرةً راقيةً لا أمةً جاهلهً همجيةً، ثُمَّ قال: وكيف يستطيع رجل عاقلٌ أن يُصدقَ أنَّ القرآن قد ظهر في أمة جاهلة همجية؟

نقول: إنَّنا لا نرى رأي الأستاذ في كل هذه الإطلاقات، ونوجز رأينا في الفصول الآتية:

هل كانَ للعربِ الجَاهليِّين حياةٌ دينيةٌ قويةٌ وحياةٌ عقليةٌ قويةٌ؟

لا جدالَ في أنَّ العرب كانوا قبل البَعثة المحمدية على دينٍ هو الوثنية على أخس أشكالها؛ لا كوثنية اليونان ذات الميتولوجيا المتأنِّقة في الخيال، ولا كوثنية المصريين والهنود والصينيين الثرية في الأصول الداعية إلى تطهير النفس، والتجردُّ من عالم المادة والتغلغل في الحياة الروحية بفرض الرياضات، وإيجاب العبادات. وقد دفعت الأديان الوثنية أصحابَها إلى كثير من العلوم والفنون، فعبادة الكواكب جعلت من الكَلْدانيين أول المستكشفين لمساتير القُبَّة الزرقاء،٤٧ وأول الضابطين لحركات الأجرام العُلْوِيَّة، وعبادة الطبيعة في قواها المتعددة حَفَزت اليونانيين للنظر في عوالمها وتقليد صنائعها؛ فوصلوا إلى غايات بعيدة في فنون النَّقش والنحت والتصوير، ودفعت بفريق آخر منها إلى باحات الفلسفة والعلوم، وقلَّ مثلُ ذلك عن الهنديين والصينيين والمصريين الأقدمين.

أما العرب فكانت وثنيتهم ساذجةً مبهمةً قليلة السلطان على عقولهم، لم تدفعهم لأيِّ صناعة من الصناعات التي يَدفع إليها التديُّن، ولولا أصنامٌ كانوا أقاموها في مكةَ يحجون إليها في كل عامٍ مرة، لَسَاغَ عدُّهم من الأمم المجرَّدة من العاطفة الدينية.

يقول الدكتور: إنَّ الأمة العربية كانت قويةً في دينها. ونحن نقول: أسمعت أنَّ أمة تكون قويةً في دينها، وليس لها هيئةٌ كهنوتيةٌ، ولا أساطير دينيةٌ، ولا معابد محليَّةٌ، ولا كتابٌ يُرجع إليه في شئونها العبادية، وتهتدي بهديه في أمورها التعاملية؟ أكانَ للعرب من مظاهر التدين إلا أنَّهم كانوا يحُجُّون البيت الحرام بمكة كل عام مرة ثم تعود كل قبيلة إلى مَحِلَّتِهَا لا تربطها مع جاراتها رابطةٌ مِلِّيَّةٌ، ولا تجمعها وإيَّاها عاطفةٌ رُوحيةٌ، حتي إنَّه لما اعتزم أبرهة عامل مَلِكِ الحبشة على اليمن هدم الكعبة وَصَمَد٤٨ إليها على رأس جيش لتنفيذ هذه العزيمة، كان كل ما عمله العرب لدرء الخطر عن البيت الذي يحترمونه أنْ لزمت كل قبيلة مكانها، ماضيةً في شأنها من الإغارة على جيرانها وسلب أموالها وسبي نسائها، وتركت جيش أبرهة يخترق صحاريها ومعاميها٤٩ آمنًا مطمئنًّا، وكان كل ما فعلته قريش التي كانت تتولى سدانة٥٠ الكعبة أن فرَّت من وجه المغير بنسائها وأولادها وماشيتها معتصمةً بشِعاب الجبال تاركةً تحت رحمته آلهتها وكعبتها يفعل بها ما يبدو له. فلو كان لهذه الأمة غَيْرَةٌ على دينها وهي أمة حربية بطبيعتها، أما كانت تداعت لحماية أصنامها وأنصابها، فتدفقت سيول فرسانها من كل حَدَبٍ والتفَّت حول حرمها تدافع عنه المعتدين عليه، وتستميت في الذِّياد٥١ عنه ولو فنيت دونه؟

أما ولم تفعل ما كانت تفعله كل أمة تغار على كرامتها الدينية، فلا نستطيع أنْ نُوافق الدكتور طه حسين على أنَّها كانت ذات نزعةٍ دينيةٍ قويةٍ، بل نستطيع أنْ نقول: إنَّها كانت قليلة الغَيْرَةِ على دينها إلى درجة مَعِيبة.

يعتمد الدكتور طه حسين على القرآن نفسه في التدليل على أنَّ العرب كانوا ذوي حياة دينية قوية، يستنتج ذلك من تشدُّدهم في رفض الدين الجديد وثباتهم على دينهم الموروث، وذهابهم في الاستعصاء على الدعوة كل مذهب حتى أداهم ذلك إلى الحرب الضَّرُوس،٥٢ ولو كان تأمَّل قليلًا في نفسية العرب الجاهليين لرأى هذا الاستعصاء منهم كان حالةً اشتركت في أحداثها بضعة عوامل تُعتبر من مميزات الأمة العربية في جاهليتها. وبما أنَّ الدكتور طه حسين لا يعتدُّ في بناء تاريخ الجاهلية إلا بالقرآن؛ فنحن سنسرد هذه العواملَ واحدًا واحدًا مستندين إلى نص القرآن نفسه، فإليك:
  • أولُ هذه العوامل: ضعفُ العاطفة الدينية عندهم. وأجلى مظهر لهذا الضعف أنَّهم لم يكونوا على أمرٍ جامع من عقائدهم شأن الذين لا عراقة لهم في الدين، فقد كان بعضهم دَهْرِيًّا لا يعتقد بوجود إله، وبعضهم لم يكونوا يعتقدون بالبَعث بعد الموت، ومنهم من كانوا يعبدون الكواكب، ومنهم من كانوا يعبدون الملائكة، ومنهم من كانوا يعبدون الأصنام ويعتقدون أنَّها شُفعاؤهم عند الله.

    فهل يُعقل أنْ تكون أمة على مثل هذا الخبط من أمر دينها، لا تجمعها جامعةٌ، ولا ترجع في عبادتها إلى أصلٍ مُدوَّن، وليس لها في تلك العصور هيئةٌ ممتازةٌ تُهيمن على عقائدها، وتكون مع هذا كله قوية في دينها؟ وإذا ثبت ضعف العاطفة الدينية عندها من هذا الطريق فلا عجب أن يُلاقي كلُّ دينٍ جديد من تَلَكُّئها في قبوله ما لاقى الإسلام في أول أمره منها.

  • ثاني هذه العوامل: إفراط العرب في الفخر بآبائهم، والتباهي بمناقبهم ومآثرهم؛ فقد لا تُصادف في أمم الأرض قديمًا وحديثًا من يُشاكلهم في هذه الخَصلة؛ فكان يصعب عليهم أن يُسجِّلوا على أولئك الآباء — بقبولهم الدين الجديد — أنَّهم كانوا على ضلال مبين.
  • ثالث هذه العوامل: جُمودهم على ما كان عليه آباؤهم بغير تعقل ولا اعتمال رَوِيَّة، وقد حكى عنهم القرآن ذلك فقال: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ [الصافات: ٦٩، ٧٠]، قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ [الزخرف: ٢٢]، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة: ١٧٠].
  • رابع هذه العوامل: مجيء الدين من طريق محمد بن عبد الله، هو وإنْ كان من ذُؤابة٥٣ قريش نسبًا وحسبًا إلا أنَّه لم يكن من الموسرين المستكثِرين، ولا من زعمائهم المتصدِرين، وقد أشار إلى ذلك القرآن في قوله تعالى: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣١] المراد بالقريتين: مكة والطائف. ومؤدَّى هذه الآية أنَّه لو كان قام بالدعوة إلى الإسلام أحد هؤلاء الزعماء لاتَّبعوه. وقد صرح القرآن بأنَّهم كانوا يقلِّدون رؤساءهم بلا روية ولا تفكير، ونعى ذلك عليهم في صورة حكاية ما سيقولونه يوم يُعرضون على العذاب في الحياة الآخرة: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب: ٦٧].

فاشتراك هذه العوامل الأربعة يكفي في تعليل استعصائهم على الدعوة الإسلامية بادئ ذي بدءٍ.

وعلى أنَّ القرآن قد صرح أنَّ العرب كانوا لا يعبئون بالدين لقولهم: أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النمل: ٦٧، ٦٨].

وقال: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال: ٣٥] أي: وما كانت عبادتهم في البيت الحرام إلا صفيرًا وتصفيقًا، وقال: وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ [الواقعة: ٤٧–٥٠].

ولو كان حقًّا ما يقوله الدكتور طه حسين من أنَّ ذلك الاستعصاء الذي قابل به العرب الدعوة الإسلامية كان ثمرة قوَّتهم في دينهم لكان جدالهم مع النبي أخذ شكلًا يشعر بأنَّهم على عقائد مقرَّرة، وأصول محددة على مثال الجدال الذي كان يقوم به اليهود؛ فقد كانوا يسألون النبي في أمور ويجيبهم عنها ويحاكمهم إلى كِتابهم إذا أنكروها، ولكن عرب الجاهلية قابلوا الدعوة الإسلامية بسلاح العاجز وهو قولهم إنَّهم لا يستطيعون أن يتخلوا عن دين آبائهم الأولين. وكل ما فعلوه بعد ذلك أنَّهم كانوا يتعجبون من التوحيد؛ فقالوا كما حكاه عنهم القرآن: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ [سورة ص: ٥–٧].

ولا يخفى أنَّ التعجب من وحدانية الله لا يدل على شيء من الذكاء، والتواصي بالصبر على آلهتهم لا يتجاوز المقاومة السلبية، مقاومة الجهلة الأغبياء، وتصريحهم بأنَّهم لم يسمعوا بهذا التوحيد في الملة الآخرة يدل على سذاجة لا يُعذرون عليها على أية حال.

وقد استنفد القرآن كُلَّ أنواع البيان في إقناعهم، فلم يظفر بطائل؛ فأخذ يسألهم: ألكم كتابٌ فيه تدرسون، أعندكم أثارةٌ٥٤ من علمٍ عنها تصدرون، ألكم عقولٌ بها تميزون وعلى حكمها تنزلون؟

فلما أعياهم أمره، واستعصى على علاجه جمودُهُم، قرر أنَّهم كالأنعام بل أحط من الأنعام؛ فقال: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: ٤٤]، وقال: لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف: ١٧٩].

فأين بعد هذا ما يستخرجه الدكتور طه حسين من القرآن من قوة حياتهم الدينية والعقلية، وسُمُوِّ قدرتهم الجدلية المنطقية، وعلو كعبهم في الشئون العلمية؟

لعله عرض ما ذكره القرآن من تعنُّتِهم في طلب الآيات فعَدَّه من فرط ذكائهم، وقوة إدراكهم! ونحن نعرض عليك ما ورد في القرآن من ذلك لنرى هل يدل على ذكاء أم غباء؛ فإليك: قال الله تعالى:

وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ [الإسراء: ٩٠–٩٣].

وقالوا: لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الحجر: ٧].

وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا [الفرقان: ٧، ٨].

وقالوا: هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ [الأنبياء: ٣].

بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [الأنبياء: ٥].

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ۖ وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [سبأ: ٤٣–٤٥].

وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ [الصافات: ٣٦].

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [الحج: ٤٧].

أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [المؤمنون: ٧٠].

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ [سبأ: ٧، ٨].

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان: ٣٢، ٣٣].

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى ۚ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ۖ وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [سبأ: ٤٣–٤٥].

وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ [الحجر: ٦–٨].

وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ [فصلت: ٥].

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ [المائدة: ١٠٤].

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: ٢٦].

أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ [القمر: ٤٤–٤٦].

هذه صورة كاملة من الآيات التي وردت في القرآن فيما يتصل بالجدال الذي وقع بين عرب الجاهلية ورسول الله ، لا يؤخذ منها أنَّهم كانوا على شيء من الذكاء والعلم والقدرة على الخصام، بل يتبين منها أنَّهم كانوا على نقيض ذلك كله. فإنَّ كلَّ ما طلبوه أن يخرق لهم النبي العادة بعين ماءٍ يفجرها، أو بجنة تكون له فيأكل منها، أو ببيتٍ يُعطاه من الذهب يأوي إليه، أو يطير إلى السماء، ويأتيهم بكتاب منها يقرءونه، أو يأتيهم بالله وملائكته ليروه بأعينهم، أو يسقط السماء عليهم قِطَعًا قِطَعًا فيهلكهم، وهذا كله بالهزل أشبه منه بالجد، ولا يدل على شيء من الفطنة والفهم، بل هو نوع من الهذيان (لا) يقدر عليه حتى الأطفال. أما الذي يدل على الصفات التي نحلهم إياها الدكتور طه حسين فهو قرع الحُجَّة بالحُجَّة، ومقابلة البيان بما يبطل سحره، ويلاشي خدعه، والاستشكال على أقوال النبي وأفعاله بِشُبَهٍ يحار فيها العقل، ويضيق عنها الوسع.

زعموا أنَّ القرآن مُفترًى، فتحداهم بأنْ يأتوا بسورة مفتراة من مثله فعجزوا: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة: ٢٣، ٢٤].

فما هي القيمة العلمية والجدلية لقومٍ يصيحون بأنَّ هذا القرآن مفترًى ثُمَّ يعجزون عن تأليف سورة من كلام يُشبهه؟

كان كل ما فعلوه إزاء هذا التحدي المخزي أن تداعَوْا إلى اللغو والتهويش حين يُتلى عليهم القرآن ليبطلوا تأثيره فيهم وفي غيرهم؛ فقال الله فيهم: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: ٢٦].

فهل هذا فعل قومٍ يُوصفون بالذكاء والعلم والقدرة على الجِدَال؟ وهل عُهِدَ في تاريخ المناظرات أن يستعين الخصم باللَّغَطِ والضوضاء حين يُدْلي الخصم بحجَّته ليبطلها بهذا النحو من العبث الذي لا يصدر إلا من الغوغاء؟

•••

هنا نسأل أنفسنا: إذا كانت الحالة العقلية والنفسية للعرب كانت على ما وصفه القرآن من الانحطاط والسقوط؛ فكيف يمكن تفسير إقامتهم لحكومةٍ عقب وفاة النبي مباشرةً أمكنها أن تلُمَّ شعثهم، وتجمع شتاتهم، وتحافظ على وَحدتهم، وتدفعهم لدَحْرِ الأمتين العظيمتين اللتين حملوا نِيرَهما قرونًا طويلةً، وهما الفرس والرومان؛ فسحقت الأولى ومثَّلت بجثمانها، وهزمت الثانية وامْتَلَخَتِ٥٥ الشَّام ومصر من براثنها؟ هل كانت تكفي المدة التي لبثها النبي بين ظهرانيهم — وهي ثلاث وعشرون سنة — لأنْ تخلقهم خلقًا جديدًا فيصبحوا قادرين على ما لم يكونوا يحلمون به أيام جاهليتهم؟ هَبْ أنَّه أوجد فيهم صلاحًا وورعًا وأدبًا؛ فهل أوجد فيهم عقلًا عمليًّا ومرانًا حكوميًّا، واستعدادًا للترقي وقدرةً على تصريف الأمور من قبيل الطفرة؟

يقول قائل: نعم إنَّ هذه المدة تكفي لأنْ تتمكن روح عاليةٌ كروح النبي من نقلهم من حالٍ إلى حالٍ يُناقضها، وتَعُدَّهُمْ لأن يقوموا بأعباء مملكة شاسعة لم تتسنَّ لهم في أي عهدٍ من عهودهم.

نقول: هذا سائغ من الوجهة الخيالية الشعرية، ولكنه من الوجهة العملية لا يَنْقَع غُلَّةَ المنقِّب عن العِلل الطبيعية، ولا ينطبق على السنن الاجتماعية، وحَلُّ هذه المشكلة في نظرنا هو ما سنجمله في الأسطر التالية:

عرب الجاهلية، وبخاصة في مكة والطائف ويثرب، كانوا — لاختلاط كثيرٍ منهم بالأمم المجاورة لهم، وترددهم على سورية ومصر وفارس، ولاشتغالهم بالتجارة والمعاوضات — على شيء من الحياة المدنية اقتبسوها اختلاسًا في رحلاتهم المتكررة، وبمزاولة مهنتهم المحلية، ولكنهم كانوا في هذه المدن مقيمين على النظام البدوي المحض من الانقسام إلى قبائل وبطون وأفخاذ وفصائِلَ وأسر، فلم تكن لهم حكومةٌ مركزيةٌ، ولا رئيسٌ محدودُ السلطة، ولا شرطةٌ، ولا محاكمُ، ولا شيءٌ ممَّا يميز الحكومة النظامية، وكانوا يُغِيرُونَ على جيرانهم ويُغَار عليهم كسائر العرب، وكما سنتبين ذلك في هذا الكتاب. فلم يكن من فارق بينهم وبين أهل البادية إلا أنَّ هؤلاء كانوا يُقيمون في دورٍ مبنية بدل الخيام، وكان مُرْتَزَقُهم من الاتِّجار وتربية الأنعام. فلما ظهر النبي ، ودعا النَّاس سرًّا إلى الإسلام تسارعت إليه العناصر الصالحة من هؤلاء الناس وقبلوا دعوته، وكتموا أمرهم عن الدهماء. فلما أُمِرَ النبي بإعلان الدعوة، وأخذ المشركون يضطهدونهم لصُبوئهم عن دين آبائهم صبروا معه صبرًا استنفد كل ما في وسعهم من احتمال، ثُمَّ قرروا — وقد بلغ السيل الزُّبَى٥٦ — أن يُهاجروا إلى حيث يأمنون على أنفسهم ودينهم من عنت المشركين، فاختاروا أن تكون دار هجرتهم الحبشة، ولمَّا شدَّد الكافرون النكير على رسول الله ومن بقي معه قرروا الهجرة إلى المدينة بعد الاتفاق مع أهلها سرًّا على ذلك، فتسللوا إليها تحت جُنْحِ الظلام، ثم لحق بهم من كان قد ذهب إلى الحبشة منهم، فكان هؤلاء المهاجرون الأوَّلون — وهم صفوة قريش والعناصر الصالحة فيهم، ومن انضمَّ إليهم من أهل يثرب (المدينة) — نواة لدولة جديدة كُتِبَ لها أن تنمو وتمتد وتحدث في العالم الإنساني حدثًا جللًا له نور يتألق إلى اليوم.

واتفق في ذلك الحين أنَّ الدولتين اللتين كانتا تتنازعان السلطان في الأرض — وهما دولتا الفرس والرومان — كانتا آخذتين في الانحلال؛ فبعد أنْ تحققت للعرب وَحْدَةٌ دينية وسياسية، ودفعتها طبيعة الاجتماع المنظم للتبسُّط في الأرض انتزعت سورية ومصر من الرومانيين، وكان أهلوهما ينتظرون فَرَجًا من عسف المستعمرين، ثم وجهوا شطر فارس، وكانت في حالة النزع؛ فما هي إلا ضربتان حتى تفككت أوصالُها، وضاع وجودها، وتبادر عقلاؤها لقبول الدين الجديد، فانضم إلى العرب بذلك عنصرٌ عريقٌ في المدنية كان له أثر كبيرٌ في حفظ وجود الدولة الإسلامية.

•••

هذا، ولسنا ممن يذهبون مذهب الذين يعدُّون عرب الجاهلية همجًا متوحشين، عارين من كل فضيلة، وكاسين بكل رذيلة، بل نعتقد كما يعتقده الدكتور طه حسين بأنَّه كانت لهم حياة دينية وعقلية، وأنَّهم كانوا أذكياءَ بفطرتهم، وبأنَّه كانت لهم عواطف، وكان لبعضهم عيشٌ فيه لينٌ ونعمةٌ، وأنَّهم كانوا على اتِّصالٍ سياسي واقتصادي بمن حولهم من الأمم جَنَى على الملاصقين منهم للأمم المتمدنة الوقوعَ تحت نيرها، وأنَّ أهل المدن منهم كانوا على شيء من الحضارة.

كل هذا صحيحٌ من بعض الوجوه، ولكنهم كانوا قُبَيْلَ البعثة المحمدية وفي إبَّانها في دَور تدهورٍ وانحلالٍ، عقب دورٍ أخذوا فيه حظهم من الحضارة والغَلَب والاستقلال، ولا أدل على ما نقول من أنَّ جميع بلادهم المجاورة لدولتي الفرس والرومان والحبشة وقعت تحت نير هذه الأمم؛ حتى إنَّ القبائل العدنانية الوسطى سكان الحجاز ونجد لم تنجُ من الخضوع لسلطان الأجنبي؛ فقد كانوا تابعين لعرب اليمن إلى أواخر القرن الخامس، وكان عرب اليمن تابعين إذ ذاك للأحباش. وأدل من هذا على أنَّهم كانوا في دور تدهورٍ وانحلال أنَّ دولتي الفرس والرومان كانتا إبَّان البعثة المحمدية وقبلها في دور انحطاطٍ مريعٍ، فاستمرار الأقاليم العربية المجاورة لهما على حمل نيرهما٥٧ — وهما في هذا الدور — من الدلائل المحسوسة على أنَّ أهلها كانوا في حالة نفسية يقبلون معها كل إذلال يُفرض عليهم.
وليس أدل على تدهور وانحلال القبائل العدنانية في نجد والحجاز أيضًا من تركهم جيش أَبْرَهَة عامل الحبشة يتوغل في بلادهم على عَزْمِ هدم الكعبة دون أن يُلاقي أية مقاومة. أين هذا من غَيْرَةِ اليونان حين اعتزم (الملك إكسيركسيس) ملك الفرس في القرن الخامس قبل ميلاد المسيح على اكتساح بلادهم فقاوموه شبرًا شبرًا حتى أَصْلَوه في مضايق الترموبيل٥٨ نار حربٍ طاحنة لم يجد معها مناصًا من الارتداد على عقبه رغمًا عمَّا كان معه من الجيوش الجرَّارة والعدد المجتاحة.

وإنْ تذكَّرتَ أنَّ جواب قريش نفسها على تلك الغارة الحبشية كان تَرْكَها الكعبة وما فيها من آلهتها تحت رحمته، ولياذها بالشِّعاب دون أن يُراق من رجالها قطرة دم؛ علمت أنَّ داء الانحلال كان قد سرى في جسد الأمة العربية متحضِّرها ومتبدِّيها سريانًا لم تعُدْ معه تصلح لحماية حَوْزةٍ، ولا للدِّفاع عن كرامة.

نَعم قد كان لبعض العرب ذكاءٌ وفهمٌ، وعيشٌ فيه لينٌ ونعمةٌ، وسكان المدن منهم كانوا على شيء من الحضارة، ولكنهم كانوا على حالٍ من الانحلال الأدبي والاجتماعي لا يُرجى لهم معه قيامٌ، فكانوا من الدين على وثنيةٍ منحطةٍ خاليةٍ مما يموِّهها من المعابد الفخمة، والهياكل الضخمة، والسَّدَنة الراقين، والمرشدين الروحيين، وكانت عبادتهم تنحصر في حج البيت والتصفيق والصفير فيه. وكان لديهم السِّفاح ذائعًا، وشرب الخمر شائعًا، ولعب الميسر مباحًا، وتعدد الزوجات إلى ما لا حد له سائغًا، وحرمان النساء من الميراث بل وراثتهنَّ كما تُورَث الأنعام والتحكم فيهن حقًّا مقررًا، وإجبار فتياتهن على البغاء طمعًا في أجورهن عملًا محللًا، وكانوا مع ذلك يَدُعُّون اليتيم٥٩ ولا يتحاضون على طعام المسكين، ويأكلون التراث أكلًا لمَّا، ويُحبون المال حبًّا جمًّا.٦٠
كل هذا صرح به القرآن، وشهد به عليهم، وَجَبَهَهُم به على رءوس الأشهاد، وهو ليس بشيء في جانب داء دويٍّ سرى في دمائهم، واختلط بكيانهم، وأصبح عنصرًا من عناصر وجودهم، وأصلًا من أصول طبيعتهم، ألا وهو داء الفُرقة مع كل ما يستتبعه من تناحُرٍ وتنازع، وما يقتضيه من تناكر وتقاطع، فكانت سيوفهم لا تجف من دمائهم، ورماحهم لا تطهر من أشلائهم، لا يجمعهم دينٌ جامعٌ، ولا يلم شعثهم٦١ غرضٌ واحدٌ؛ قال تعالى: لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال: ٦٣].
فإذا كان لا يجوز لنا أن نعتمد على أقوال المؤرخين الإسلاميين فيما رووه عن عسف ملوك العرب المجاورين للفرس بالعراق، وللرومان في حدود الشام، وعن انهماك النَّاس هنالك على السَّفاسف والدنيئات من الأمور، والقعود عن استرداد استقلالهم، وقناعتهم بحياة العبودية والذل، وفيما رووه عن تناحر الأوس والخزرج بيثرب، وشغل أهل مكة بالقيان،٦٢ والعزف بالعيدان، والفسوق والعصيان، قلنا: إذا كان لا يجوز لنا الاعتمادُ على أقوال المؤرخين في ذلك لاتهامهم بتحقير الجاهلية والجاهليين، وترويجهم دعوة الإسلام والمسلمين، فإنَّ الحوادث تشهد عليهم بذلك؛ فإنَّ هذه القبائل الكثيرة منهم قد لَبِثَتْ قرونًا قبل البعثة المحمدية في حالة جمود وخمود لم ينبُغ فيهم داعٍ إلى هداية، ولا رادع عن غواية، ولا مصلحٌ يحاول لَمَّ شعثهم، وجمع متفرقهم، وتوحيد كلمتهم، ولا مُشْتَرِعٌ٦٣ يجهد أن يضع لهم نظامًا، أو يطلب لهم وئامًا، ولا فيلسوفٌ ينظر في الحقائق، ويحاول إدراك الدقائق، ولا طامعٌ في ملكٍ يُعالج من أمرهم ما عالجه الطامعون في الأمم، ويُعاني ما عاناه الساعون في بَعثِ الهمم، وإحياء الرمم، ولا صانعٌ حتى في عواصمهم المتحضرة يُحسن نَحْتَ أصنامهم، أو بناء معابدهم. هذا والأمم المتمدينة تُحيط بهم من كل مكان، والاتصال بينهم حاصلٌ في كل آنٍ، فماذا تستنتج من هذه الحالة الراكدة، والحياة الهامدة، إلا أنَّهم كانوا قد استنفدوا كل ما في قدرتهم من أسباب البقاء، ولم يبقَ لهم منها ما يبعثهم على الارتقاء لمباراة الأحياء؟
يقولون: قد بُعث النبي في عهدٍ كان العرب فيه يتحفزون للنهوض، ويتهيئون للوثوب. وقد بحثنا في مبلغ هذا القول من الصحة فلم نجد له أثرًا يدل عليه، بل وجدنا أنَّ الجمود، والتمسُّك بالقديم، والاستنامة إلى المألوف العتيق، كان قد بلغ منهم حَدًّا يكاد لا يوجد له شبيهٌ في تاريخ الأمم، فقد دعاهم رسول الله إلى توحيد الله وتنزيهه، وترك ما هم عليه من الوثنية السافلة، والعادات الساقطة، ولم يترك وجهًا من وجوه التأثير عليهم إلا أتى به على أكمل ما يكون، فلم يُلَبِّه من أهل مكة إلا عشراتٌ من أهل الفهم والفِطنة؛ فرماهم مواطنوهم عن قوسٍ، وأذاقوهم جميع ألوان الأذى، فصبروا على هذا الاضطهاد صبر الكرام، فلما فاض الإناء، وطفح الكيل، فرُّوا بدينهم حيث يأمنون عليه في بلاد الحبشة، وقضى رسول الله فيهم ثلاث عشرة سنةً يدعوهم إلى الخروج من الظلمات إلى النور، فلم يُزحزحهم ذلك عمَّا هم فيه قِيدَ٦٤ شعرة، بل ظلوا يتهمونه بالكهانة تارةً، وبالسحر أخرى، وبالشعر حينًا، وبالجنون حينًا آخر، حتى قيض الله له أهل المدينة، وهم بنو الأوس وبنو الخزرج، هاجروا إلى يثرب بعد سيل العَرِم في القرن الثاني بعد الميلاد، وكان يُحيط بالمدينة يهودٌ كثيرون، فرُّوا بدينهم من بطش الرومانيين، فوقف منهم أولئك القحطانيون على ماهية الدين والتوحيد والنبوَّة، فصاروا يعرفون عن كل هذه الأمور شيئًا، ويميلون أن ينالوا منها حظًّا؛ محاكاةً لليهود، وتخلصًا من تعييرهم إياهم بالوثنية التي كانوا عليها، فاستعدوا أن لا ينفروا من التحوُّل عن باطل إلى حق يُدْعَوْنَ إليه، ولا عن قبيحٍ إلى حَسَنٍ يُعْرَضُ عليهم، ولا عن ركود إلى حركة يُندبون إليها، فلمَّا دعاهم رسول الله إلى الإسلام، وقرأ عليهم شيئًا من القرآن، وآنسوا من ذلك حقًّا ساطعًا، وجمالًا رائعًا، لبَّوْا نداءه ووعدوه بحماية دعوته ضد كل من يتصدى له ما دامت فيهم بقيةٌ من حياة.

فكانت هذه الطائفة ومن انضَمَّ إليهم من مهاجِرَةِ مكة حجر الزاوية في صرح الدولة الإسلامية التي ندبتها العناية الإلهية لإحداث أكبر الحوادث العالمية وقلب الشئون الأرضية من حالٍ إلى حالٍ آخر.

وإني أميل أيضًا لأن أجعل لطول الخصومة والحرب بين الأوس والخزرج دخلًا أيضًا في تراميهم على الإسلام ليكون وسيلة سلامٍ بين الفريقين دون أن يشعر طرفٌ منهما بذِلَّةِ المقهور، وأن يتحمل غطرسة الغالب الفخور.

هذا إن أبينا أن نعتدَّ في بحثنا هذا بغير العوامل الطبيعية والسنن الاجتماعية، ولكنَّا إن وسَّعنا قليلًا من دائرة التعليل حتى شملت القوة المدبِّرة للأفراد والجماعات، والمهيمنة على نظام الوجود والموجودات، ساغ لنا أن نقول: إنَّ دخول الأوس والخزرج في الإسلام لأول دعوة من رسول الله، وتحمسهم له إلى حد التضحية بالنفس دون تأميلٍ في أجرٍ دنيويٍّ؛ يمكن أن يعتبر من الاستحالات الاجتماعية الفُجائية، على نحو الاستحالات الفجائية الحيوية التي أثبت العالم الألماني دوفريس De Vries حصولها بالتجربة في عالم النباتات والحيوانات، ودحض بها مذهب دارون القائم على النشوء الطبيعي، والتطور التدريجي، حتى قال العلامة البيولوجي لودانتك Le Dantec:٦٥ «لا أقول [السلام] على مذهب دارون فحسب، ولكن أقول على مذهب التطور السلام.»
نعم يمكن أن تُعتبر الاستحالة الفجائية التي دخل فيها الأوس والخزرج من ناحية الدّين من قبيل التدبير الإلهي٦٦ لإحداث ما يبتني عليه من التطورات العالمية العظيمة، ولكنَّا نغفل هذا الاعتبار ما دام يُمكننا التعليل بالعوامل الاجتماعية حتى لا ندخل في العلم المتفق على حدوده أصولًا من طبيعة علويةٍ لم تبلغها وسائله بعد.
يلوح من هذا لأول وهلة أنَّ العرب لو كانوا على وشك نهضة لما صادفت دعوة النبي منهم كل هذا النفور، ولما كانت حجَّتهم المُثلى في رفض الدين الجديد قولهم: قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ [الزخرف: ٢٣] وقَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة: ١٧٠]، فإنَّ الأمم المتحفزة للنهوض لا تدفع المجدِّدين بمثل هذا الأصل الدالِّ على أقصى درجات الجمود، بل عهدناها تكتسب شعورًا حادًّا يسوقها لكراهية ما كان عليه آباؤها الأولون، وقد تغلو فتنسلخ من حقِّهم وباطلهم، وحسنهم وقبيحهم على السواء، وتترامى في أحضان كل جديدٍ حتى ما كان منه ضارًّا بها؛ كما يشاهد في تركيا ومصر اليوم،٦٧ فالفضل في التطور العظيم الذي دخلت فيه الأمة العربية — فأصبحت به منقذة العالم من براثن الجهالة والهمجية — يرجع إلى الروح المحمدية التي بثت الحياة في هذه الأشباح الجامدة فحركتها لطلب الحياة الصحيحة من كل مظانِّها، وَبَثَّت هذا الشعور فيمن حولها من الجماعات حتى استحقت خِلافة الله في الأرض كما استحقتها قبلها أممٌ لا صلة بينها وبين العرب في شيء: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: ٥٥].

مَبْلَغُ اتصال العرب بالأمم الأجنبية من الوجهة السياسية والاقتصادية وتأثيرهم في السياسة العامة

يقول الدكتور طه حسين: «إنَّ عرب الجاهلية كانوا على اتصالٍ قويِّ بمن حولهم من الأمم قسَّمهم أحزابًا وشيعًا، وإنَّهم كانوا يُعْنَوْنَ بسياسة الفرس والروم، وعلى اتصال اقتصادي بغيرهم من الشعوب، وإنَّهم تجاوزوا باب المندب إلى بلاد الحبشة، وتجاوزوا الحِيرَةَ إلى بلاد الفرس، وتجاوزوا الشام وفلسطين إلى مصر، وإنَّهم كانوا أمةً متحضرة راقية لا أمةً جاهلةً همجيةً.»

نقول — قبل نقد هذا الكلام: إنَّه يجب على القارئ أنْ يذكر أنَّ العرب كانوا فريقين: فريق يجاور الفرس في العراق والشام والأحباش في اليمن، وفريق في نجدٍ والحجاز بعيد عن مطامع الأمم الأجنبية؛ لصعوبة الوصول إليهم من جهة، ولجدوبة أرضهم من جهة أخرى، فأمَّا الفريق الأول فكان واقعًا تحت سلطان الأمم الأجنبية منذ قرونٍ قبل البَعثة المحمدية. وقد استنام لذلك السلطان حتى صار لا يُحَدِّثُ نفسه بالانفصال عنها، فكان أفرادٌ من هذا الفريق يجاوزون حدود بلادهم فيجوبون بلاد الفرس والرومان والحُبشان طلبًا للعيش. ونحن مع اقتناعنا بأنَّ عرب تلك البلاد كانوا على شيء من الحضارة إلا أنَّ شخوصهم إلى تلك الأقطار لا يصح الاستدلال به على رُقِيِّهِمُ الأدبي والاجتماعي؛ فإنَّ كثيرين من بدو طُور سيناء وطرابلس وبورنو وغيرها يحضرون إلى مصر ويعودون إلى بلادهم وهم على ما هم عليه من شظف العيش والجمود على المألوف.

وهذه الأقطار العربية التي كانت خاضعةً لأجانب لم تَرفع بالإسلام رأسًا عند ظهور النبي ، بل بقيت مخلصةً لساداتها الأجانب، وساعدت جيوشهم لصد العرب المسلمين عن بلادها وبلادهم. وقد أرسل الرسول جيشًا فخلص اليمن من مخالب الفرس وغزا بنفسه شمال بلاد العرب؛ فدفعت له بعضُ قبائلها الجزية. ثم خَلَفه أبو بكر فلم تَطُل مدته لعمل شيء أكثر من إرجاع القبائل العربية التي ارتدَّت بعد وفاة النبي إلى حظيرة الإسلام ومن فتح بعض سورية. ثُم لما خَلَفه عمر فتح بعض بلاد العراق والفرس ومصر وألحقها ببلاد المسلمين.

وكان تحضُّر هذا الفريق ورُقِيُّه ينحصران في أنَّ الطوائف المجاورة للفرس اقتبست بعض عاداتهم في الملبس والمأكل والمسكن، والمجاورة للرومان دانت لمِلَّتِهِم وأخذت إخْذَهم في حياتهم، ولكنهم لم يبلغوا قطُّ مبلغ قاهِرِيهم في علومهم وصنائعهم، ولم يدركوا شأوهم٦٨ في مدنيتهم وترفهم. فلم يترك لنا المجاورون للفرس مثل ما تركه سادتهم في ذلك العهد من طبِّهم وفلسفتهم وآدابهم، ولا المجاورون للرومان مثل ما أبقوْه من شرائعهم ونظمهم وعلومهم. والحكم للشعوب بالرُّقِي والمدنية لا يكفي فيها مجرَّد الادِّعاء؛ فإنَّ للمدنية آثارًا تبقى، وللرقيِّ معالمَ يقف عليها الأخلاف فيعرفون منها مبلغ ما وصل إليه أسلافهم. فإن قلنا: إنَّ المصريين كانوا متمدِّنين راقين منذ خمسة آلاف عام فإنَّما نستدل على ذلك بما تركوه لنا من الأهرام والأَنْصاب٦٩ والتماثيل والنقوش والمصنوعات. فهل لمن جاور الفرس والرومان من العرب شيءٌ من هذه المتروكات لنستدل بها على أنَّهم كانوا راقين متمدِّنين وعلى مبلغ ما وصلوا إليه من الرُّقِيِّ والمدنية، اللهم إلا أطلالَ قصورٍ كانوا يستأجرون البَنَّائين الأجانب لإقامتها لهم كما يستأجر القَرَويُّ الثريُّ بعض البنَّائين من القاهرة ليبنوا لهم دورًا فخمةً لا تقل عن أحسن قصور العاصمة، بينما جمهور أهل القرية يسكنون الأكواخ المُتَّخَذَة من الطين.

أما الفريق الثاني من العرب — وهم من أهل نجد والحجاز — فقد كانوا دون الأوَّلين في كل ناحية من نواحي الترقِّي الأدبيِّ والماديِّ؛ لاشتغالهم بالغارات، وبُعدِهِم عن مراكز الحركة المدنية. فلم يكونوا على اتصال قويٍّ بمن حولهم، قسَّمهم أحزابًا وشيعًا كما يقول الدكتور طه حسين، وما كانوا يُعنَوْنَ بسياسة الفرس والروم، ولا كانوا متأثرين بالسياسة العامة ولا مؤثِّرين فيها.

قد يكون حدثَ أنَّ بعضهم تقلَّب في بعض بلاد الفرس والرومان طلبًا للعيش بنَقل البضائع وبيعها هنالك. ولكن لا يصح تسمية هذه الانتقالات الفردية، والمعاوضات التافهة اتصالًا قويًّا في العُرف السياسي. فلدينا هنا اليوم رجالٌ من بورنو وشِنقيط والصُّومال يتعلمون العلم في مدارسنا ويوردون إلينا شيئًا من مصنوعاتهم ومحصولاتهم، وينقُلون لبلادهم شيئًا من مصنوعاتنا ومحصولاتنا، ومع ذلك فلا يقال: إنَّ بيننا وبينهم اتصالًا قويًّا. ويتبع هذا أنَّهم لا يُعقل أن ينقسموا إلى أحزابٍ وشِيَعٍ بسبب هذا الاتصال الذي لا يُذكر، وإلا لظهر تأثيره فيهم، ولانتقل خبره إلينا في شيء من الشعر أو التاريخ على علَّاتهما، وقد ذكر في أشعارهم أنَّهم اتصلوا بالجن والأغْوال والسَّعالي، وورد في تاريخهم أخبارٌ عن هذه الكائنات، ولم يصلنا عن اتصالهم بالفرس والروم شيءٌ غير ما ذكرنا.

أما ما استند إليه الدكتور طه حسين في هذا الصدد من قوله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ للهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ [الروم: ٢–٥] فإنَّ له سببًا: وذلك أنَّه لمَّا وردت أخبار الرُّكبان بأنَّ الفرس غلبوا الرومان في حربٍ — كما يرد إلى نيجيريا أو ليبريا أو السنغال أخبارٌ عن مصر وتركيا والصين والسويد — فرح المشركون لانتصار الفرس، لا لأنَّ ذلك الانتصار سيكون له تأثيرٌ في نجد والحجاز، ولكنهم تفاءلوا منه لأنفسهم؛ إذ قالوا: إنَّ الروم أهل كتاب مثلكم، والفرس لا كتابَ لهم مثلنا، وقد انتصر الأخيرون على الأوَّلين، فسننتصر عليكم نحن كذلك. فنزلت هذه الآية تنبئهم بأنَّ النصر سيكون للروم في بضع سنين ويومئذٍ يفرح المؤمنون بانتصار أهل الكتاب على من لا كتاب لهم. فراهن أبو بكر بعض المشركين على أنَّ ذلك سيقع بعد ثلاث سنين، وأخبر النبي بما فعل؛ فقال له: إنَّ البضع تمتد إلى التِّسع فمُدَّ في الأجل إلى تِسع وزده في الرِّهان. ففعل، ولم تمضِ هذه المدة حتى كَرَّ الروم على الفرس فهزموهم.٧٠

هذه حقيقة تلك الآية وهي لا تعدو التفاؤل كما تفاءل المصريون بانتصار اليابانيين على الروس باعتبار أنهم شرقيون مثلهم، وكما فرحوا بانتصار الأحباش على إيطاليا لكراهتهم لمبدأ الاستعمار لا لتأثُّرهم من انتصار إحداهما على الأخرى في أي ناحية من نواحي شئونهم الأدبية أو الاقتصادية.

وإلا فماذا كان تأثير الفُرس غير الكتابيين في الدعوة الإسلامية، وقد لبث أَمَدُ انتصارهم تسع سنين؟ أقلَّل من نشاط النبي ؟ أَصَدَّ النَّاس عن الدخول في الإسلام؟ أأمَدَّ المشركين بما يمكنهم من إبادة الذين آمنوا بالقرآن؟

ثم ماذا كان من تأثير كَرَّة الروم على الفرس؟ أفَتَّ في عضد المشركين فحملهم على الدخول في دين الله أفواجًا؟ أهالهم أمرُه فسلموا مكة لرسول الله بلا حرب؟ أَسْتَوجَبَ أن يُمِدَّ الرومُ المسلمين بالسلاح والمال ليتقوَّوْا بهما على المشركين؟

شيءٌ من ذلك لم يكن، وهو أولُ دليل على أنَّ ما ورد في القرآن مما يتصل بهذا النزاع بين الروم والفرس كان الداعي إليه ما ذكرناه من نفي تفاؤل المشركين، لا أنَّهم كانوا مؤثِّرين في السياسة العامَّة، ولا متأثِّرين بها.

أما اتصالهم الاقتصاديُّ (أي أهل نجد والحجاز) بغيرهم من الشعوب فكان على أدنى ما يمكن أن يتصوَّره العقلُ. وكل ما في هذه المسألة أنَّ سُكَّان مكة كان لهم رحلتان إحداهما في الصيف إلى الشام، والأخرى في الشتاء إلى اليمن، وكان غرضهم من ذلك مبادلة أشياء من محصولاتهم ومصنوعاتهم بأشياء من محصولات ومصنوعات ذَيْنِك القطرين. ومثل هاتين الرحلتين لا تسميان اتصالًا اقتصاديًّا بالمعنى المعروف عند علماء الاقتصاد؛ فإنَّ كل ما فيها أنَّ أهل مكة والمدينة كانوا يُسافرون مَرَّةً إلى الشمال ومرة إلى الجنوب لاستيراد بعض ما هم في حاجة إليه من الأقمشة والآنية والأسلحة كما يحصل بين كل بلدين متجاورين، وما كان أهل مكة والمدينة في حاجةٍ إلى شيء يعتد به يصح تسميته اتصالًا اقتصاديًّا.

فإن كان لا بد من الاستدلال بالأرقام، فإليك ما جاء في السيرة النبوية عند الكلام على غزوة العُشَيْرَة، وذلك أنَّ النبي خرج في نحو مائتين من أصحابه يريد عير قريش التي صَدَرت من مكة إلى الشام بالتجارة، وكانت قريشٌ جمعت أموالها في تلك العِير، ويُقال: إنَّ فيها خمسين ألف دينار وألف بعيرٍ، وكان قائد تلك العير أبو سفيان بن حرب ومعه سبعةٌ وعشرون، وقيل: تسعةٌ وثلاثون رجلًا، منهم مَخْرمة بن نوفلٍ، وعمرو بن العاص، فوجدها قد مضت قبل ذلك بأيام. وهذه العير هي التي خرج إليها لمَّا عادت من الشام فأفلتت منه، وحدثت بسببها وقعة بدر.٧١

فثروةٌ تقدر بخمسين ألف أو مائة ألف دينار ليست بشيء يُذكر، ولا يخفى أنَّ مؤلفي المسلمين لا يُتَّهمون في بخس ثروة قريش.

وماذا يُرجى أن يكون من الاتصالات الاقتصادية بالخارج في مدينةٍ يسكنها زهرة العرب وليس فيهم من يعرف القراءة والكتابة غير رجلين اثنين، حتى إنَّه لما نشأت الدولة الإسلامية واحتاج الأمر لتدوين الدواوين وإحصاء الجنود وأصحاب الحقوق؛ اضطروا لاستخدام الكَتَبَة من غير العرب، فكانت اللغات الرسمية في الولايات هي لغات أهل تلك الولايات؛ لعدم وجود من يصلح من العرب لذلك. فلمَّا وُجِدَ في العرب متعلمون في خلافة عمر أبدل هؤلاء بأولئك.

فنحن وافقنا الدكتور طه حسين في أنَّ عرب الجاهلية كانوا على اتصال بمن حولهم من الأمم، وعلى أنَّ بعضهم كان على شيء من الحضارة، ولكن في الحدود التي رسمناها هنا بشهادة الواقع نفسه، وإلا فأيُّ سِحْرِ بيانٍ في العالم يستطيع أن يُقْنِعَ الناس بأنَّ أمة يُقال إنَّها كانت متحضرةً وراقيةً ومتصلةً اتصالًا اقتصاديًّا قويًّا بالأمم المجاورة لها وكانت مؤثِّرة في السياسة العامَّة، ومع هذا كله لم يوجد فيها — بعد أن صارت دولة رجالٍ — من أبنائها ممن يعرفون القراءة والكتابة من يستطيعون أن يتولَّوا العمل!

لا نقول في وزاراتٍ ومصالح، ولكن في بضعة سجلات يحصرون فيها أسماء الجند وأصحاب المرتبات؟

إنَّ كُلَّ من يتعمَّق في دراسة تاريخ عرب الجاهلية ويستبطن ما كانوا عليه من عوامل التقهقر التي أوقعتهم تحت نير الأمم المجاورة لهم، وقضت على البعيدين منهم عن تلك الأمم في حالة بداوةٍ وتناحُر آمادًا طويلة؛ يدهش من عِظَم تأثير الروح المحمدية التي أذابت هذه الكُتَل المتحجِّرة من الطوائف المتعادية ذات التقاليد والعادات الموبقة،٧٢ وكونت منهم أمة ذات أصول ومبادئ عالية دفعتها في سنين معدودة إلى بلوغ غاية من العلم والمدنية لم تبلغها أمة قبلها، ولا يزال العالم يتأثر بروحٍ منها إلى اليوم!
١  شغل مضمون هذا العنوان في كتاب الدكتور طه حسين من ص١٥ حتى ص٢٣.
٢  ينظر: في الشعر الجاهلي، ص١٥.
٣  السابق، ص١٦.
٤  السابق، ص١٦.
٥  همام بن غالب بن صعصعة التميمي، أبو فراس، الشهير بالفرزدق، توفي سنة ١١٠ﻫ.
٦  جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي [٢٨–١١٠ﻫ].
٧  غيلان بن عقبة [٧٧–١١٧ﻫ].
٨  غياث بن غوث [١٩–٩٠ﻫ].
٩  عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل النميري توفي سنة ٩٠ﻫ.
١٠  طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد البكري الوائلي (نحو ٨٦–٦٠ق.ﻫ).
١١  عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية، توفي نحو سنة ٢٢ق.ﻫ.
١٢  الشماح بن ضرار بن حرملة بن سنان: شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، توفي سنة ٢٢ﻫ.
١٣  بشر بن (أبي خازم) عمرو بن عوف الأسدي، شاعر جاهليٌ فحلٌ، توفي نحو سنة ٢٢ق.ﻫ.
١٤  ينظر: في الشعر الجاهلي، ص١٦.
١٥  السابق ص١٧.
١٦  السابق ص١٧، ١٨.
١٧  ينظر في الشعر الجاهلي، ص١٨.
١٨  السابق ص١٨، ١٩.
١٩  السابق، ص١٩.
٢٠  السابق نفسه.
٢١  السابق ص١٩، ٢٠.
٢٢  السابق ص٢٠.
٢٣  ينظر: في الشعر الجاهلي ص٢١، ٢٢.
٢٤  السابق ص٢٢.
٢٥  السابق ص٢٣.
٢٦  مؤرخ ورحالة يوناني، ملقب بأبي التاريخ [٤٨٤–٤٢٥ق.م] ينظر المنجد في الأدب والعلوم فردينان توتل، ص٥٥٩.
٢٧  ينظر المصدر السابق ص٨٤.
٢٨  ينظر المصدر السابق ص٧٨.
٢٩  سادس ملوك السلالة الأولى في بابل، ومؤسس إمبراطوريتها، وضع مجموعة شرائع تعتبر أقدم ما بلغ إلينا من أمثالها عن الأقدمين. أيام ملكه بين ١٧٢٨ و١٦٨٦ق.م ينظر المنجد في الأدب والعلوم، فردينان توتل ص١٦٧.
٣٠  ملك الكلدانيين [٦٠٤–٥٦١ق.م] المنجد في الأدب والعلوم ص٦٦.
٣١  ينظر المنجد في الأدب والعلوم ص٢٤٠.
٣٢  أوريليانوس: إمبراطور روماني [٢٧٠–٢٧٥] انتصر على زينب ملكة تدمر وجاء بها أسيرة إلى روما. ينظر: المنجد في الأدب والعلوم ص٤٧.
٣٣  ينظر: المنجد في الأدب والعلوم ص١٣٤.
٣٤  يعرب بن قحطان بن هود، قيل إنَّه كان سلطانًا من سلاطين اليمن، وجَدَّ ملوكِ حمير. وقيل إنَّه أول من تكلم باللغة العربية فسُمِّيَ يعرب. المنجد في الأدب والعلوم ص٥٧٤.
٣٥  ينظر: القاموس المحيط [مادة: ج د ن].
٣٦  ينظر: القاموس المحيط [مادة: ن و س].
٣٧  ينظر: المنجد في الأدب والعلوم ص٧٨.
٣٨  ينظر: المنجد في الأدب والعلوم ص٤.
٣٩  ينظر: الأعلام للزركلي ج٣ ص١٤٩.
٤٠  ينظر: الأعلام للزركلي ج٢ ص١١١.
٤١  ينظر القاموس المحيط مادتا [خ ر ن ق، س د ر].
٤٢  ينظر: الأعلام للزركلي ج٢، ص١٦٩، والقاموس المحيط مادة [م ر ر].
٤٣  ينظر: الأعلام للزركلي ج٢ ص١١.
٤٤  ينظر: المنجد في الأدب والعلوم ص٤٣٨.
٤٥  [نحو ١٨٥–١٣٥ق.م] ينظر: الأعلام للزركلي ج٥، ص٢٣٢.
٤٦  عاش في القرن التاسع قبل الميلاد. ينظر: المنجد في الأدب والعلوم ص٥٥٨.
٤٧  القبة الزرقاء: السماء.
٤٨  صمد الشيء، وله، وإليه صَمْدًا: قصده.
٤٩  مجاهلها.
٥٠  أي: خدمة الكعبة.
٥١  أى: الدفاع.
٥٢  أي: الشديدة المهلكة.
٥٣  الذؤابة من كل شيء: أعلاه.
٥٤  الأثارة: بقية الشيء.
٥٥  امتلخ الشيء: استله أو اجتذبه.
٥٦  مثلٌ يضرب للأمر إذا اشتد حتى جاوز الحد.
٥٧  النَّير: الخشبة المعترضة فوق عنق الثورين لجر المحراث. المعجم الوسيط [ن ي ر] والمراد هنا الخضوع والذل.
٥٨  ينظر: المنجد في الأدب والعلوم ص١٠٧.
٥٩  تنظر سورة الماعون الآية ٢.
٦٠  تنظر سورة الفجر الآيات ١٨–٢٠.
٦١  الشَّعث: ما تفرَّق من الأمور.
٦٢  جمع قينةٍ، وهي المغنية.
٦٣  اشترع الشريعة: سنها.
٦٤  القيد: المقدار.
٦٥  (١٨٦٩–١٩١٧). ينظر: المنجد في الأدب والعلوم ص٤٦٤.
٦٦  بل هي من قبيل التدبير الإلهي لا محالة؛ فلا يقع شيء في هذا الكون الإ بتدبير إلهي.
٦٧  ١٩٢٦م.
٦٨  الشأو: الأمد والغاية.
٦٩  الأنصاب: جمع النُّصب [بضم فسكون، وبضمتين]؛ وهو ما نُصِبَ وعُبِدَ من دون الله، وما يقام من بناءٍ؛ ذكرى لشخص أو حادثة.
٧٠  ينظر تفسير القرطبي — رحمه الله — سورة الروم؛ ففيه حديث طويل عمَّا ورد هنا.
٧١  السيرة النبوية والآثار لزيني دحلان ص١٨٨ من المجلد الأول (هامش المؤلف).
٧٢  الموبقة: المهلكة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤