الفصل الرابع

في أعماله الإدارية والتنظيمية

اتسعت الدولة الإسلامية العمرية اتساعًا عظيمًا، ففُتِحَت في عهد عمر بلاد الشام ومصر والعراق وفارس، وعظُمَت موارد الدولة، وشيَّد المسلمون مدنًا ثلاثة، هي: الكوفة، والبصرة، والفسطاط، وكان الرأس المدبر والعقل المنظم لهذه الدولة العظمى هو رأس الخليفة العظيم وعقله الجبار، ويمكننا إجمال تلك الأعمال الإدارية في النقاط التالية:

(١) تنظيم الدواوين والعطايا والخراج والنفقات وتوسيعها عما كانت عليه أيام الرسول الأعظم والخليفة الصديق

وقد رأينا أن نواة ذلك كانت موجودة في عهد الرسول وخليفته الأول، فلما جاء عمر وسَّع ذلك، واستعان بالنظم الفارسية، وجعل لها الدفاتر العظام، سجل فيها أسماء المجاهدين، وأصحاب السابقة في الإسلام، وآل بيت الرسول، وكل صاحب حق في بيت المال، ونظَّم الجداول بالنفقات الشهرية من المال المتجمِّع لديه في الفتوحات من أموال الفيء والعشر والخراج والأخماس.

ومما عُني به تنظيم دواوين البريد؛ لشدة حاجته إلى الاتصال بعُمَّاله وتَعَرُّف أخبارهم وأحوالهم، والاطلاع على أحوال الجند الإسلامي وإيصال أخبارهم إلى أهلهم، وجعل في البلاد المفتوحة دواوين للقضاء والإحصاء والمحاسبة والبريد، وجعل ذلك بلغات أهل البلاد، وأقام عليها أناسًا من أمنائهم وثقاتهم؛ لأنهم أعرف بإدارة ذلك من العرب، ووضع الأنظمة في جمع الجزية والخراج والعشور.

وهذا ما جعل مؤرخي الإسلام يجعلون عمر هو واضع هذه الدواوين في الإسلام، مع أنها كانت موجودة قبله، ولكنه هو الذي أسبغ عليها الصفة الرسمية حتى اعتُبر أنه واضعها. يقول الماوردي: «والديوان موضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال»، ويقول أيضًا: «كان عمر أول من دوَّن الدواوين من العرب في الإسلام، وكان السبب في ذلك أن أبا هريرة قدم عليه من البحرين ومعه مال، فقال له عمر: ماذا جئت به؟ قال: خمسمائة ألف درهم، فقال عمر: أتدري ما تقول؟ قال: نعم، مائة ألف درهم، ومائة ألف درهم، ومائة ألف درهم، ومائة ألف درهم، ومائة ألف درهم، فقال عمر: أطيِّبٌ هو؟ قال: لا أدري، فصعد عمر المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، قد جاءنا مالٌ كثير، فإن شئتم كِلناه كيلًا، وإن شئتم نعدُّ عدًّا.» فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأيتُ هؤلاء الأعاجم يُدوِّنون ديوانًا لهم. فقال عمر: دوِّنوا الدواوين.»١

(٢) التنظيمات الإدارية للدولة في عهده

كانت رقعة الدولة في العهد العمري تشتمل على جزيرة العرب وبلاد الشام ومصر والعراق وإيران، وقد رأى عمر أن تُقسَّم هذه الدولة إلى عدة ولايات أو عمالات، وقد كانت الجزيرة العربية مُقسَّمة في عهد الصديق إلى:

(١) ولاية مكة. (٢) ولاية المدينة: وهي مقر الدولة. (٣) ولاية الطائف. (٤) ولاية صنعاء. (٥) ولاية حضرموت. (٦) ولاية خولان. (٧) ولاية زبيد. (٨) ولاية زمع. (٩) ولاية الجند. (١٠) ولاية نجران. (١١) ولاية جرش. (١٢) ولاية البحرين.

ولما وسعت الدولة في عهد عمر قسَّم بلاد إيران إلى ثلاث ولايات:

(١) ولاية الأهواز والبحرين. (٢) ولاية سجستان ومكران وكرمان. (٣) ولاية طبرستان وولاية خراسان.

وقسم بلاد العراق إلى قسمين:

(١) ولاية الكوفة. (٢) ولاية البصرة.

وقسم بلاد الشام إلى ثلاث ولايات:

(١) ولاية حمص. (٢) ولاية دمشق. (٣) ولاية فلسطين.

وقسم مصر إلى ثلاثة أقسام:

(١) مصر العليا. (٢) مصر السُّفلى. (٣) غرب مصر مع ليبيا.

وكانت لعمر سياسةٌ واحدة يأمر بتطبيقها في كافة ولايات الدولة الإسلامية، وغرضه إيجاد أمةٍ واحدةٍ موحدة الأنظمة، موحدة الأهداف والمقاصد، وكان حريصًا على أن يمتزج العرب امتزاجًا بالأمم المفتوحة، يحافظون معه على تقاليدهم وعاداتهم، وألا تفسد نفوسهم؛ ولهذا أمر بتخطيط مدينتَي البصرة والكوفة في العراق، والفسطاط في مصر، وكان عمر حريصًا كل الحرص على تقوية الأواصر بين العرب حيثما كانوا. يقول السيد أمير علي: «لو أن عمر عاش أطول مما عاش لاستطاع بما وهبه الله من قوة الشكيمة والشخصية البارزة القوية أن يُقوِّي من شأن الوحدة العربية ويحول دون وقوع الحروب الأهلية الطاحنة التي وقعت فيما بعدُ وهدمت كيان الوحدة الإسلامية.»٢

(٣) العمالات

جعل عمر على رأس كل ولاية واليًا أو عاملًا يقوم بالأمور الدينية والإدارية في بلاده، ولكنه لم يكن يطلِق السلطة لهؤلاء العمال يتصرفون كما يشاءون، بل إنهم كانوا يرجعون في المشاكل الكبرى إلى أمير المؤمنين نفسه، يستفتونه فيما يعرض لهم مما لم يتضمنه كتاب عهدهم، وكان من الأمور التي يجب على العامل أن يقوم بها: إقامة الصلاة، والفصل في الخصومات، وقيادة الحروب، وجمع الأموال من فيء وخمس وزكاة وصدقات وخراج وجزية، ولهذا الأمير العامل أن يولي بعض هذه المصالح من يشاء إذا سمح له الخليفة بذلك، وكان في كثير من الأحيان يجعل أمر الخراج والجبايات إلى رجلٍ آخر غير العامل.

وكان عمر لا يختار عماله إلا من كبار الصحابة العرب وفُضَلائهم، وهذه السُّنَّة كانت أيام الرسول وأبي بكر، وعمل بها عثمان ومن بعده خلائف بني أمية، وكان عمر إذا ولَّى عاملًا أوصاه بأن يعدل ويسير في الناس سيرةً طيبة، ومما قال لبعض عماله: إني لم أستعملكم على أمة محمد على أشعارهم وأبشارهم، وإنما استعملناكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بينهم بالعدل، ولا تجلدوا العرب فتذلوها، ولا تحجروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها، جوِّدوا القرآن، وأقلُّوا الرواية عن محمد ، وأنا شريككم.

وكان يقتصُّ من عماله، وإذا اشتُكِيَ إليه من عامل جمع بينه وبين من شكاه، فإذا صحَّ عليه أمر يجب به أخذه اقتصَّ منه، وكان في كثير من الأحوال إذا اشتُكِيَ من عامل لم يُبقِهِ بين ظهراني مرءوسيه ولو كان بريئًا؛ لأن فساد الصلات الودية بين الرئيس والمرءوس أمر يضر بالمصلحة العامة.

وكان عمر يُعنَى باستشارة كبار أهل الرأي من الصحابة في المسائل التي تعترضه، وفي إدارة شئون الدولة، وكان أبو بكر من قبله قد أوجد مجلسًا من كبار شيوخ الصحابة يسألهم رأيهم في القضايا العامة، فلما استُخلف عمر أقر ذلك، وكان يستشيرهم ولا يقطع بأمرٍ كبير إلا دعاهم وخطبهم واستطلع آراءهم، وكانوا يجتمعون في المسجد النبوي ويتداولون الأمور.

(٤) التنظيمات العسكرية

عُني عمر بالجيش والجهاد والتنظيمات العسكرية عنايةً شديدة، وجعل للجند امتيازات، وخصوصًا بعد أن تمت الفتوحات الكبرى وتواردت الأموال على بيت المال، فنظَّم ديوان الجند، ورتب الأموال لتزويدهم بالسلاح والخيل والميرة، وكان القتال في العهد النبوي والعهد الصديقي والعهد العمري معتمدًا على العواطف الدينية الصادقة، والرغبة الأكيدة في نشر الدين الحنيف ورفع راية الإسلام عالية، فاستطاعت الجيوش الإسلامية في فترة وجيزة أن تسيطر على العالم المتمدن المعروف آنئذٍ.

ولما تمكنت أقدام المسلمين في مصر والشام والعراق وإيران رأى عمر أن يقيم الجنود الإسلاميون في هاته البقاع في معسكراتٍ خاصة بهم، وأباح لهم امتلاك الأرضين، وتثمير الثروات، وشراء الأملاك، ولكن عمر ما لبث أن أحسَّ بأن ذلك العمل غير ناجح، فمنعهم من ذلك، وضمن لهم نفقاتهم وكل ما يحتاجون إليه هم وأولادهم وأسرهم. وإلى عمر يرجع الفضل في إقامة الحصون والقلاع الإسلامية، كما أنه أمر بإقامة المعسكرات والفساطيط الدائمة المتضمنة كل ما تحتاج إليه الجنود لراحتها.

وفي عهده وبمعونة كبار القادة أمثال: أبي عبيدة، وخالد، وعمرو بن العاص، تم تنظيم الجيش الإسلامي، وترتيب أحوال القيادة العسكرية، وتنظيم تعبئة الجيوش، وكانوا في القيادة يقسمون الجيش خمسة أقسام: مقدمة، وساقة، ومجنبتان، وقلب، وكانوا يجعلون لكل قسم أميرًا يصدر عن أمر قائد الجيش، وكانوا يقسمون الجيش بعد ذلك إلى كراديس (أي صفوف)، كل كردوس ألف رجل، وعلى كل كردوس رجل من أهل النجدة والفروسية يكون الأمير عليهم.

ثم يقسمون الكردوس إلى عشراتٍ عشراتٍ، على كل عشرة رئيس يُسمى عريفًا، وكانوا يقاتلون على أنواع، منها: «قتال الزحف»، الذي ذكره الله تعالى في قوله: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ، وهو قتال شديد على الأعداء؛ لأنه قتال يستميت فيه المسلمون، ومنها قتال «الكرِّ والفرِّ»، وهو القتال الذي كانوا يقاتلون عليه في الجاهلية.

أما الغنائم التي كانوا يربحونها في الحروب فكانوا يقسمونها أخماسًا، فأربعة أخماس منها تُعطَى للمجاهدين في سبيل الله، يأخذ الراجل ثلث الفارس، والخُمس الباقي يُقسَّم حسبما أمر الله في سورة الأنفال، أما الأسرى فحكمهم ما أمر الله به في قوله: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، والمن هو أن يعفو الخليفة عن الأسير فيطلقه من غير فداء، والفداء يختلف قلةً وكثرةً حسب حال الأسير من غِنًى وفقر.

أما سلب القتلى وأموالهم وسلاحهم فحق للقاتل لا يُنازَع في ذلك.

وأما عدد الجيش فلم يكن معلومًا في العصر النبوي، ولا العصر الراشدي، بل كل مسلم عاقل قوي قادر على حمل السلاح هو مدعو للقتال ملزم بالنفرة، فإذا تخلَّف ظُنَّ فيه النفاق، وعُوقب أشد العقاب. وكان كل مسلم يعتقد أن الجهاد أول واجب عليه حتى ينصر دين الله، ولم تكن النساء والشبان الأحداث أقل حماسة في الجهاد من الرجال، ولقد ظهر لبعض النساء من الجرأة والبطولة ما خلَّدهن في بطون التاريخ، وكان كثير من الصبيان والأحداث يتسابقون إلى تسجيل أسمائهم في جداول الغزاة، ويحزنهم أن يُردُّوا ويُكتَشَف أن أعمارهم لا تُخوِّل لهم الانخراط في سلك الغزاة المجاهدين.

أما الروح المعنوية للجيش الإسلامي فكانت عجيبة، وكان المسلمون إذا خفُّوا للجهاد لم يردهم عن هدفهم إلا الموت أو النصر، وليس لهم غرض إلا إعلاء كلمة الله ورفع راية الإسلام، وكان من عادة قادة الجيش أن يبثوا القُرَّاء والمحرِّضين والمنشدين والقُصَّاص يدعون الجنود إلى الاستماتة والاستشهاد في سبيل الله، وبذلك تمكن المسلمون بعددهم القليل وعدتهم المحدودة أن يفتكوا بتلك الدول العظمى التي تفوقهم عددًا وعدة ومالًا وسلطانًا ونفوذًا.

(٥) التنظيمات المالية

رأينا أن بيت المال كان موجودًا منذ عهد النبي والصديق، ولكن المشهور أن عمر هو أول من نظم بيت المال، ولا ريب في أن الأموال التي تقاطرت إلى المدينة في العهد العمري كانت جد كثيرة امتلأ بها بيت المال، من زكاة المسلمين، وجزية أهل الذمة، وخُمس الغنائم، ومواريث من لا وارث لهم، وقد عُني الخليفة الراشد الثاني بتنظيم مصارف هذه الأموال تنظيمًا صحيحًا لا يتطرق إليه الاضطراب أو الفساد.

أما مصارف الزكاة فهي كما أمر الله بتوزيعها عليهم في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، أما الفقراء والمساكين: فهم من لا يملكون قوت يومهم، وأما العاملون عليها: فهم العُمَّال الذين يسميهم الخليفة لقبض تلك الأموال من أصحابها الذين وجبت عليهم.

وأما المؤلَّفة قلوبهم: فهم قوم من الأشراف والكُبراء أسلموا، وفي إسلامهم ضعف، أو إنهم لم يُسلموا ولكنهم بعد هذا العطاء قد يسلمون.

وأما الرقاب: فيراد بها رقاب العبيد الذين كاتبهم أسيادهم على شيء من المال يُعطونه إياهم، فإذا أعطوهم إياه أعتقوهم، أو أن تُشترى الرقاب فتُعتق في سبيل الله.

وأما الغارمون: فهم الذين ركبتهم الديون الباهظة ولم يستطيعوا تسديدها.

وأما سبيل الله: فهو سبيل الجهاد لنصرة دين الله.

وأما ابن السبيل: فهو المرء الضائع المنقطع عن أهله وماله.

وأما أموال الجزية والأخماس فتُصرف في سبيل الله وتهيئة عدة الجيوش من سلاح وخيل وقوة، وأما مواريث الموتى فتُصرف فيما يراه الإمام، ولم يكن للجنود شيء مسمًّى من المال، وإنما كان النبي وأبو بكر يُعطيان ما يتيسر للمقاتلة، فلما جاء عمر ودوَّن الدواوين وكثُرت الأموال فرض للمقاتلين الأموال، فجعل للعباس خمسة وعشرين ألف درهم في السنة، وجعل لأزواج رسول الله عشرة آلاف عشرة آلاف، وجعل لأهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف، ولنسائهم خمسمائة خمسمائة، وألحق بأهل بدر أربعة ليسوا منهم، وهم: الحسن، والحسين، وأبو ذر، وسلمان الفارسي، ولمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف، ولنسائهم أربعمائة أربعمائة، ولمن بعد الحديبية إلى آخر عهد أبي بكر ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، ولنسائهم ثلاثمائة ثلاثمائة، ولمن شهد القادسية واليرموك ألفين ألفين، ولنسائهم مائتين مائتين، ولأهل البلاد النازع منهم ألف وخمسمائة، ولنسائهم مائتين مائتين، ولمن بعد القادسية واليرموك ألفًا ألفًا، ولنسائهم كمن قبلهم، وللروادف المثنى خمسمائة خمسمائة، ثم للروادف الثليث بعدهم ثلاثمائة ثلاثمائة، وفرض للروادف الربيع مائتين وخمسين، وفرض لمن بعدهم، وهم أهل هجر والعباد مائتين مائتين، سَوَّى كل طبقة في العطاء، قويهم وضعيفهم، عربهم وعجمهم، وللصبيان مائةً مائةً، وكل مسكين جريبتين في الشهر، وقال عمر لأهل الشورى: إني كنت امرأ تاجرًا يغني الله عيالي بتجارتي، وقد شغلتموني بأمركم هذا، فما ترون أنه يحل لي من هذا المال؟ فقال علي: لك ما أصلحك وعيالك بالمعروف، ليس لك غيره، فأخذ قُوتَه واشتدت بعد ذلك حاجاته، فاجتمع نفر من أهل الشورى فيهم عثمان وعلي وطلحة والزبير، وقالوا: لو قلنا لعمر في زيادة نزيده إيَّاها في رزقه، فقال عثمان: هلُمَّ بنا فلنعلم ما عنده من وراء وراء، فأتوا أم المؤمنين حفصة بنت عمر، فأعلموها الحال، وأوصوها ألا تخبر بهم، فلقيت حفصة عمر بذلك، فغضب وقال: من هؤلاء لأُسوِّأَنَّهُم؟ قالت: لا سبيل إلى علمهم، قال: أنت بيني وبينهم، ما أفضل ما اقتنى رسول الله في بيتكِ من الملبس؟ قالت: ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد والجمع، قال: فأيُّ الطعام ناله عندكِ أرفع؟ قالت: حرفًا من خبز شعير فصببنا عليه وهو حار أسفل عكة لنا فجعلها دسمة حلوة فأكل منها، قال: فأي مبسط يبسط عندكِ كان أوطأ؟ قالت: كساء ثخين كنا نربعه في الصيف، فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه وتدثَّرنا بنصفه، قال: يا حفصة، أخبريهم أن رسول الله قدَّر فوضع الفضول مواضعها وتبلغ بالترجية، فوالله لأضعنَّ الفضول مواضعها، ولأتبلغن بالترجية، وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة سلكوا طريقًا، فمضى الأول لسبيله وقد تزوَّد فبلغ المنزل، ثم اتبعه الآخر فسلك سبيله فأفضى إليه، ثم اتبعه الثالث، فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما، وإن سلك غير طريقهما لم يلقهما.

١  الوزراء والكُتَّاب، للجهشياري، ص١٠، ١٧، والأحكام السلطانية ص١٩١.
٢  A. Short Hist, of Soracens, p. 57.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤