بعض الاستنتاجات

من «تختخ» إلى «محب»

هل تقول طوابع بريد؟ هذا أغرب ما سمعت … وقد اجتمعنا … «لوزة» و«عاطف» وأنا حول خطابك وأخذنا ندرسه … إن به قدرًا لا بأس به من المعلومات … ولكن أغرب ما فيه حكاية طوابع البريد هذه … فليس من المعقول أن يسرق جنايني طوابع بريد … فمن أين له أن يعرف قيمتها؟ إن سرقة طوابع البريد تحتاج إلى قدر من الثقافة أو المعرفة … وهذه أول مرة أسمع فيها أن جنايني يسرق مجموعة طوابع … وصدقني أن هذه هي بداية اللغز حقًّا … فلا بد أن وراء هذا الجنايني عصابة تفهم قيمة طوابع البريد النادرة حتى تدفعه إلى سرقتها … أو أن هناك سرًّا خطيرًا وراء اختفاء هذه المجموعة من الطوابع … واختفاء «الطيب» أيضًا.

إن التهمة ثابتةٌ على حسب المعلومات التي قالها الشاويش ﻟ «جلال» فهناك بصمات الجنايني التي قارنوها طبعًا ببصمته على بطاقته الشخصية التي وجدوها بالمحفظة … فليس هناك شكٌّ إذن في أن «الطيب» هو لص طوابع البريد … ولكن هل يستطيع هذا الجنايني العجوز أن يعرف قيمتها؟! ولماذا يسرق وهو في هذه السن؟

إن معلوماتك الأخيرة تجعلني أعيد النظر في سر اختفاء «الطيب» ويصبح الهدف هو العثور عليه … إن «الطيب» وحده هو الذي يمكن أن يحل هذا اللغز … ولكن ما هي الطريقة التي نبدأ بها البحث؟ إننا لا ندري … خاصة أن سكان القصر يرفضون الحديث.

تقترح «لوزة» أن تبحث عن أقارب ﻟ «الطيب» في المعادي … ويمكنك سؤال زملائه من الجناينية لعلهم يعرفون شيئًا عنه … إن المطلوب منك أن تجمع أكبر قدرٍ من المعلومات عن حياته … حتى يمكن البدء في البحث عنه … واكتب لنا سريعًا بكل المعلومات التي تحصل عليها … فقد بدأ اللغز يستهوينا … ولكني أحذِّرك من دخول القصر … وكما قلت لك في خطابي السابق، إنها مغامرةٌ ليست مأمونة.

«تختخ»

من «محب» إلى «تختخ»

مرة أخرى تخدمنا الظروف ونحصل على معلومات جديدة. لقد بحثت عن أصدقاء «الطيب» فلم أجد له أصدقاء؛ فالشارع الذي نسكن فيه كله مساكن جديدة … وكل من يعملون به من الجناينية لم يروا «الطيب» فعلًا ولا يعرفون شيئًا عنه.

ولكن الظروف خدمتنا جدًّا … قد ظللت أراقب القصر خلال الأيام التالية مراقبة دقيقة أنا و«نوسة» التي انتهت من ترتيب «الفيلا» مع والدتي … وأخذت تتفرَّغ للمغامرة.

و«نوسة» هي التي حصلَت على المعلومات الجديدة، فبينما هي تراقب القصر شاهدَت سيدةً عجوزًا تخرج منه … فلاحة تلبس السواد مثل كل الفلاحات … وكانت تبكي … وأسرعت «نوسة» إليها ودَعَتْها إلى «الفيلا» … وكانت مفاجأة لنا حقًّا … فهذه السيدة العجوز شقيقة «الطيب» … وقد رَوَت لنا الكثير عنه … وهذه هي المعلومات:

«الطيب» من قريةٍ صغيرةٍ تُدعى «الكردي» محافظة الدقهلية، وهو لم يتزوَّج من أجل أخته هذه؛ فقد مات زوجُها وترك لها عددًا من الأولاد الصغار. وكان «الطيب» يُرسل لها كل شهرٍ مبلغًا من المال تستعين به على الحياة هي وأولادها … وقد كان أصحاب «قصر الصبار» كرماء معه … ويحبونه جدًّا … وقد تربَّى عندهم ويعرفهم جميعًا معرفة طيبة … وقد كان على علاقةٍ وثيقةٍ ﺑ «سيف» وارث القصر الحالي … وكثيرًا ما كانت «أم السعد» — شقيقة «الطيب» — تحضر من قريتها وتقابل «سيف» الذي كان يدفع بين حين وحين مبلغًا إضافيًّا من المال من أجل أولادها.

وعندما جاء أول هذا الشهر ولم يرسل لها «الطيب» المبلغ المعتاد، كما سأل عنه رجال الشرطة، حضرت وطلبت مقابلة «سيف» ولكنه رفض مقابلتها باعتبار أن شقيقها لص وهارب من وجه العدالة … وقد تحدث إليها مدرب الكلاب الذي قالت لنا إن اسمه «رياض»، وقال لها إن شقيقها لص، وطردها من القصر … وقد بكت السيدة المسكينة كثيرًا … ولم يكن معها حتى أجرة العودة إلى قريتها … وقد قمت أنا و«نوسة» بفتح حصالتَيْنا وأعطينا لها كل ما بهما … كما أخذنا من أبي وأمي بعض النقود لها أيضًا … وقد شكرتنا كثيرًا … ودعت لنا بعض الدعوات الطيبة.

ولما سألناها عن رأيها في السرقة التي قام بها شقيقها «الطيب» أكدت أنه لا يمكن أن يسرق شيئًا … وأنها تشك في هذه التهمة، وفي مصير شقيقها العجوز المسكين.

وقد علمنا منها أن الشرطة قد حضرت إلى قريتها وسألت عن «الطيب» وفتَّشَت المنزل وسألتها عنه دون أن يذكروا لها السبب … ومن الواضح أن رجال الشرطة يبذلون جهدًا كبيرًا للقبض على اللص.

هذه هي كل المعلومات التي حصلنا عليها من السيدة، وقد أخذنا عنوانها وطلبنا منها أن تلجأ إلينا كلما احتاجت إلى شيء …

ما رأيك يا «تختخ»؟ هل تجد في هذه المعلومات ما يهدينا إلى حل اللغز؟

«محب»

من «تختخ» إلى «محب»

تأثَّرنا جدًّا بموقف «الطيب» من شقيقته وأولادها، وأحب أن أؤكد لك أن مثل هذا الرجل لا يمكن أن يتحوَّل إلى لصٍّ ببساطة … إنني أشك أنه ضحية عصابة دفعته إلى ارتكاب هذه السرقة — إذا كانت الأدلة متوافرة على إدانته — وسوف تتضح هذه الحقيقة عند حلِّ لغز اختفاء الجنايني العجوز.

إن ما نطلبه منك أنت و«نوسة» أن تجمعا أكبر قدرٍ من المعلومات عن «سيف» هذا؛ فالمعلومات التي حصلنا عليها حتى الآن قليلة … نريد — «لوزة» و«عاطف» وأنا — أن نعرف متى سافر إلى الخارج … ومتى عاد … وما هو نوع الحياة التي يحياها …؟ ومن الممكن أن تقابله ما دام من هواة الطوابع؛ فأنت أيضًا من الهواة، ويمكنك أن تحمل إليه مجموعتك … ونحن نعرف بالطبع أنه أعمى … ولكن من الممكن أن تصف له الطوابع … ويستطيع أن يتحسَّسها بأصابعه … فإن الأعمى يتميز عادة بالقدرة على اللمس والسمع أكثر من البصير … وأعتقد أنه سيرحب بحضورك. فإذا دخلت القصر فراقب كل شيء حولك … وحاول أن تعرف جغرافية القصر … وعدد الذين يعملون فيه … ومداخل ومخارج الغرف … على الجملة حاول أن تطبع صورة من القصر في ذهنك … فقد نحاول الدخول معًا.

واكتب لي سريعًا بما حدث.

«تختخ»

من «محب» إلى «تختخ»

عملت بنصيحتك … وليتني ما عملت بها. إن مدرب الكلاب لم يكتفِ برفض طلبي مقابلة «سيف» … ولكنه طردني أيضًا … وطلب مني عدم الاقتراب من قصر الصبار مطلقًا … وقال لي إن «سيف» ليس عنده وقت يضيعه في مقابلة الأطفال … كانت إهانة لي رفض طلبي بهذا الشكل المزري … وإنني أتمنَّى اليوم الذي يأتي وأستطيع فيه رد الإهانة إلى هذا «البغل» … وإن كنت متأكدًا أنني لن أستطيع ضربه … فهو قوي جدًّا.

أما المعلومات التي طلبتها عن «سيف» فمن الصعب جدًّا الحصول على معلوماتٍ عنه؛ فهو شخص غامض يعيش خلف أسوار قصره الكبير ولا يقابل أحدًا مطلقًا … وطبعًا من الواضح أن سبب هذا الانطواء هو عاهته … برغم أن هناك عددًا كبيرًا من العميان يتمتعون بعلاقات طيبة مع الناس!

أما سكان الشارع فكلهم تقريبًا لا يعرفون شيئًا عن «سيف»، وكما قلت لك قبلًا إن الشارع جديد كله وجميع العمارات والفيلات التي فيه يعود تاريخ بنائها إلى خمس أو ست سنوات … بينما قصر الصبار قد بني منذ خمسين أو سبعين عامًا، لا أحد يدري بالضبط … وبالنسبة لسفره إلى الخارج وعودته فإن بعض الباعة القدماء في المنطقة والذين يُموِّنون القصر باللحم والخضراوات والفاكهة قالوا إنهم ظلوا أربعة أعوامٍ لا يقدمون شيئًا للقصر … ثم عادوا إلى توريد اللحم والخضراوات والفاكهة منذ نحو ثلاثة شهور فقط. ومعنى هذا أن ساكن القصر أو سكانه تركوه لمدة أربع سنوات قضاها «سيف» في الخارج ثم عاد …

وبمراقبة القصر اتضح أن عند «سيف» ثلاث سيارات، منها سيارة «رولزرويس» سوداء ذات زجاج ملون هي التي يستعملها في تنقلاته، وهو لم يخرج خلال الأيام التسعة الماضية سوى مرة واحدة، ومدرب الكلاب هو سائقه أيضًا.

حديقة القصر نحو خمسة آلاف متر مربع … ويقع القصر في وسطها تمامًا، والجزء الذي نبت فيه الصبار في الجهة اليمنى من القصر وتبلغ مساحته نحو ألف متر … ويحوي مجموعة من أغرب وأندر أنواع الصبار كما قال أبي. وأنت تعلم أنه من هُواة زرع الحدائق.

لقد بدأت هواية جديدة قد تعجبك … هي أنني أحاول الآن مصاحبة كلاب القصر … فأقوم يوميًّا بالاقتراب من السور في غياب المدرب … فإذا حضرت الكلاب قدمت لها بعض الطعام، فتسكت. واستطعت خلال الأيام الثلاثة الماضية أن أجعلها تألفني إلى حدٍّ ما … وأعتقد أنني خلال أسبوعَيْن على الأكثر سأصبح صديقها!

هل فهمت لماذا أفعل هذا؟ بالطبع حتى إذا حاولت دخول القصر يومًا ضمنت أنها لن تهاجمني … ما رأيك؟! أليست خطة معقولة؟!

بقيت ملاحظة أخيرة لا أدري مدى أهميتها … لقد أصيبت «نوسة» بالأرق أمس ليلًا وقضَت وقتًا طويلًا في الهواء محاولة منها للتغلب على موجة الحر القاتلة التي هبطت على المعادي في اليومَيْن الماضيَيْن … ونحو الثانية صباحًا لاحظت «نوسة» أن سيارة نقلٍ كبيرة قد وصلت إلى القصر ودخلت ثم أغلقت الأبواب … ولم تخرج السيارة بعد ساعةٍ تقريبًا من الانتظار، وكان النوم قد هبط على «نوسة» فلم تستطع المقاومة ودخلت لتنام، وفي الصباح لم يكن هناك أثر للسيارة في الحديقة …

هذا كل ما استطعت أنا و«نوسة» الحصول عليه من معلوماتٍ … وإلى اللقاء في رسالة أخرى.

«محب»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤