رسالة بلا رد

من «محب» إلى «تختخ»

اتصلت ﺑ «جلال» وطلبت منه أن يحاول الحصول على معلومات من عمه الشاويش، وقد زارنا «جلال» أمس الأول وقال لي إن عمه لم يصل إلى شيء على الإطلاق، فما زال «الطيب» مختفيًا، وما زالت الطوابع ضائعة، ولم يتقدم الشاويش خطوةً واحدة.

راقبت السيارة خلال اليومَيْن الماضيَيْن، ولكنها لم تحضر … ما زلت أتودَّد إلى الكلاب حتى تظل على علاقتها الطيبة بي … وقد حدث شيء عجيب أمس … فقد حضرَت سيارة بها بعض الضيوف إلى قصر الصبار … وقد لاحظت أنهم جميعًا من الأجانب، وتأكدت من ذلك عندما تسكعت قربهم وسمعتهم يتحدثون جميعًا باللغة الإنجليزية … ولا بد أنهم من أصدقاء «سيف» الذين تعرَّف بهم في الخارج … وعندما فتحوا باب الحديقة لدخول السيارة، انتهز أحد الكلاب الفرصة وانطلق خارجًا … وكنت قد ابتعدت عن القصر بمسافة فجرى خلفي، وأخذ يدور حول الدراجة وينبح في فرح، وخرج خلفه المدرب وأخذ يستدعيه ولكن الكلب ظل يدور حولي … وعدت بالدراجة مقتربًا من القصر ومعي الكلب، فإذا بالمدرب ينهال عليه ضربًا بحزامٍ من الجلد بقسوة، فتضايقت وقلت له إن من الظلم أن يضرب الكلب، ولكنه نهرني بشدة، وأمرني بعدم الاقتراب من القصر مرة أخرى … وفجأة سألني عن سبب معرفة الكلب بي … ولكني لم أرد عليه فقد احتقرته لقسوته الشديدة في معاملة الكلب الذي أسرع صارخًا داخل القصر وانضم إلى بقية الكلاب.

وقد بقي الضيوف الأجانب في القصر حتى ساعة متأخرة من النهار، ثم انصرفوا، ولاحظت أن «سيف» — وهو كما سمعت يلبس نظارة سوداء بشكلٍ دائم — قد وقف معهم يتحدث بعض الوقت على السلم الخارجي للقصر … هذه أول مرةٍ أرى فيها «سيف» … ومن الغريب أنني عندما رأيته تذكَّرت الشبح الذي رأيتُه في حديقة القصر عندما دخلته … طبعًا لست متأكدًا … ولكن القوام واحد … والحجم واحد … ولكن شبح الحديقة كان يتصرَّف كرجلٍ مبصر … ونحن نعرف أن «سيف» أعمى، وقد كان واضحًا أنه أعمى وهو يمسك عصاه، ويقف مع الضيوف على السلم يتحدث وهو ينظر في اتجاهٍ واحدٍ كعادة العميان.

شغلني القصر وسكانه عن الحديث إليكم عن حديقتنا … إنها ما زالت جرداء، برغم أننا زرعنا بها عددًا من الشتلات التي أحضرناها من مشتلٍ قريب. وقد ظهرت أول زهرة في حديقتنا هذا الصباح … زهرة صغيرة صفراء اسمها زهرة «الزينيا» ولا تتصور سعادتنا بها … لقد نزلت أنا ووالدي ووالدتي و«نوسة» للاحتفال بظهورها … وأعطتنا والدتي كوبًا إضافيًّا من الليمونادة المثلجة بهذه المناسبة السعيدة.

بدأ النجيل يغزو الحديقة … وعندما تعودون سوف تجدون حول الفيلا بساطًا أخضر … وبهذا لا يصبح «عاطف» صاحب أكبر مساحة من النجيل الأخضر بيننا … فحديقتنا أكبر من حديقتهم.

«محب»

من «تختخ» إلى «محب»

مبروك زهرة «الزينيا» الصفراء الجميلة … إنني أعرف معنى ظهور أول زهرة في الحديقة … إنه يمنح الإنسان شعورًا بجمال الحياة وتجدُّدها … وأرجو أن تُصبح حياتك مملوءةً بالجمال مثل حديقتك.

من الأفضل أن تكون على حذرٍ من «سيف» ومدرب الكلاب، فإنني أتصور أن خروج الكلب من باب الحديقة كان تجربة لمعرفة مدى علاقته بك … ولا بد أن أحد سكان القصر لاحظك وأنت تُقدم الطعام للكلاب كل يوم فشكَّ فيك … وكان إطلاق الكلب تجربةً لمعرفة مدى اتصالها بك … ستقول إنه استنتاج بعيد … ولكن صدقني أنني أصبحت أشكُّ كثيرًا في سكان هذا القصر خاصة هذه السيارة الكبيرة التي لا تأتي إلا ليلًا … إن من يفعل شيئًا مشروعًا لا يخفيه في الظلام … لهذا فإنني أتصور أن هذه السيارة خلفها حكاية كبيرة سوف نكشف عنها إذا استطعنا حل هذا اللغز … المهم أن تكون على حذر!

ما زال المفتش «سامي» في الإسكندرية وقد حدثته تليفونيًّا اليوم وقرأت عليه خطابك ولكنه مشغول تمامًا ولا يملك وقتًا لقصر الصبار.

قرأت «لوزة» خطابك … ومن رأيها أن شبح الحديقة الذي رأيته و«سيف» هما شخص واحد برغم أن أحدهما مبصر والآخر أعمى! طبعًا هذه شطحة من شطحات «لوزة»، وهي تتصور أن رحلة الشبح الليلية ستتكرر، وترى أن عليك مراقبته كل ليلة فقد تستطيع اكتشاف شيء وراء هذه الرحلة.

«تختخ»

من «محب» إلى «تختخ»

استمعت إلى نصيحة «لوزة» وكانت النتيجة مدهشة … إن رحلة الشبح الليلية تتكرَّر فعلًا … وأمس ليلًا قمت بتجربة هائلة … لقد ذهبت وتسلَّقت غصن الشجرة الكبيرة التي حدثتكم عنها قبلًا … وربضت هناك قرب منتصف الليل، وبقيت على الغصن أنتظر … وفي الثانية صباحًا — وهو نفس موعد ظهور الشبح في المرة الأولى — ظهر مرة أخرى … وسار حتى رقعة الأرض بين الصبار ووقف هناك … كان كالمرة الأولى يحمل بطارية وعصًا … وأخذ يدق بعصاه الأرض في مختلف الزوايا … إنه بالتأكيد يبحث عن فتحة أو شيء من هذا القبيل في الأرض … وظللت رابضًا أتنفَّس بهدوءٍ خشية افتضاح أمري … كان تحتي مباشرة، ولو أنه رفع رأسه لرآني … ولكنه طبعًا لم يتصوَّر مطلقًا أني هناك فوق الشجرة … ظل فترة ينكش الأرض بعصاه، ثم انحنى وأخذ يفحص ويزيل الحشائش بأصابعه، ظل هكذا نحو نصف ساعة … ثم غادر المكان عائدًا إلى القصر … وانتظرت حتى اختفى ثم زحفت على الأغصان حتى نزلت على الأرض وأخذت أبحث في نفس المكان … من الواضح أن الأرض في هذا المكان ليست طبيعية، وقد سألت نفسي … إذا كان سكان القصر يشكون في وجود شيء ما تحت هذه الأرض فلماذا لا يحفرونها ويجدون ما يبحثون عنه؟ إنها مسألة محيرة فعلًا، وقد فشلت في معرفة ماذا تخبئ هذه الأرض … ولكني لاحظت شيئًا يا «تختخ» قد يكون له دلالةٌ … في وسط قطعة الأرض المربعة وسط الصبار، إذا تحسست الأرض جيدًا أحسست أن هناك ثلاثة أماكن متقاربة أكثر صلابة من بقية الأرض … ثلاثة أماكن تشبه ثلاثة أصابع مرفوعة في كف … أو تشبه كما تصورت ثلاث صبارات تلتصق عند القاعدة وتتفرَّع من فوق … هذا ما خيل إليَّ … ولعل هذا مجرد خيال.

وبعد فترة سمعت الكلاب تتجه ناحيتي، وبرغم أنني لم أعد أخافها فقد خشيت أن تحدث صوتًا يلفت الأنظار إليَّ … وهكذا غادرت المكان وتسلَّقت الشجرة ونزلت إلى الشارع ثم توجهت إلى الفيلا … وبمناسبة الصبارات الثلاث … لقد لاحظت أن هذا هو شعار أسرة «سيف»؛ فعلى الباب الخارجي للقصر … وعلى جميع الأبواب تجد هذا الشعار من النحاس … فهل هناك صلة بين الشعار وبين ما تحسسته على الأرض بين الصبار؟

إنني أترك لك فرصة التفكير … وسوف أحاول مرة أخرى الذهاب إلى المكان والبحث جديًّا عمَّا يوجد في هذه الأرض من أسرار.

لم يظهر بعدُ «الطيب»، ولم يتقدَّم الشاويش في قضية البحث عن طوابع البريد … وسأكتب لك عن أي شيءٍ جديد يظهر في القضية.

«محب»

من «تختخ» إلى «محب»

إنك مخبر ممتاز … ولكني ما زلت أنصح بألَّا تغامر وحدك وتدخل القصر ليلًا؛ فقد تقع في أيديهم … صحيح أننا حتى الآن لا نجد ما يدل على وقوع أشياء مخالفة للقانون، ولكن تصرفات سكان القصر تؤكد أن شيئًا مريبًا يحدث داخل قصر الصبار … وأن سكان القصر يهمهم ألَّا يعرف أحدٌ ماذا يفعلون، فإذا اكتشفوا أنك تتجسس عليهم فلن يترددوا في البطش بك …

أما بالنسبة لشعار الأسرة، وما وجدته بين الصبار … فإنني متأكد أن هناك علاقة أكيدة بينهما … وقد يكون الشعار المرسوم على الأرض … إشارة إلى وجود شيء هام تحت الأرض في هذا المكان … أو ربما هو مفتاح لغرفة تحت الأرض أو سرداب أو شيء من هذا القبيل … على كل حال انتظر قليلًا فسوف أحاول الحضور؛ فقد شوَّقتني هذه الأسرار كثيرًا … كما أن «لوزة» تكاد تجنُّ لأن هناك مغامرة وهي ليست مشتركة فيها … ما هي أخبار الحديقة؟ هل ظهرت الوردة الثانية؟

«تختح»

من «تختخ» إلى «محب»

لم تكتب لي منذ ثلاثة أيام … هل حدث شيء جديد! اكتب لي سريعًا فقد أحضر بعد يومٍ أو اثنين أنا و«لوزة» و«عاطف» في سيارة خالي.

«تختخ»

من «تختخ» إلى «محب»

إنني قلقٌ عليك جدًّا … لماذا لم تكتب لي؟

«تختخ»

برقية
من «تختخ» إلى «نوسة»

لماذا لم يكتب إليَّ «محب»؟ هل هو مريض؟

«تختخ»

برقية
من «نوسة» إلى «تختخ»

خرج «محب» منذ يومَيْن ولم يعُد … احضر بسرعة!

«نوسة»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤