مغامرة تحت الأرض

استسلم «محب» لنومٍ متقطعٍ خلال الساعات التالية … واستيقظ في النهاية على صوت «سيف» وهو يدق الجدار وينادي عليه … لم يكن في استطاعته أن يعرف كم ساعة مضت … أو كم الساعة في ذلك الوقت … فقد كان السرداب مضاءً بالضوء الخفيف المعتاد … ولا علامات تدل على النهار أو الليل.

قال «سيف»: لقد فكَّرت طويلًا، واستقر رأيي على أن نحاول الفرار … ولكن هذا لا يمكن إلا إذا كان الوقت ليلًا … ونحن الآن قرب منتصف النهار … فحاول أن تُماطلهم ليتركوك الليلة أيضًا … فإذا استطعتَ هذا فسوف نفر حوالي منتصف الليل!

محب: سأحاول!

سيف: لقد أبقيت لك شيئًا من إفطاري … فخذه. وناولَه خلال الفتحة بعض الطعام قائلًا: تظاهر بالإعياء الشديد أمام المدرب حتى لا يشك فيك … ويتصور أنك قضيت يومين بلا طعام.

محب: سوف أفعل اللازم.

سيف: إني أتوقع أن يتركوك ليلةً أخرى … فهم كثيرًا ما يهدِّدون ولكنهم لا ينفذون تهديداتهم خوفًا من الشرطة … ولولا خوفهم لقضوا عليك من أول دقيقة.

تناول «محب» الطعام الذي أعطاه له «سيف»، وشرب بعض الماء من زجاجة «سيف» أيضًا وأحس أنه أحسن حالًا … وأخذ يفكِّر في الأصدقاء … ماذا سيفعلون؟ ماذا ستفعل «نوسة» أولًا، ثم ماذا سيفعل «تختخ» و«عاطف» و«لوزة»؟

وقال في نفسه إن تأخير خطاباته عن «تختخ» … سيجعله يقلق عليه وقد يسافر من الإسكندرية إلى القاهرة … خاصة وليس في الفيلا تليفون حتى يتصل ﺑ «نوسة» … ويطمئن عليه … ولكن متى يسافر؟

أخذت الخواطر والأسئلة تلف وتدور في رأس «محب» والساعات تمر ثقيلة في أحاديث مع «سيف»، ثم سمع صوت أقدام تقترب … فأدرك أن المساء قد هبط وقد جاء المدرب … وفعلًا فتح الباب وسمع المدرب يقترب منه فتظاهر بالإعياء والتعب وقال المدرب: كيف حالك الآن؟ أظن من الأفضل لك أن تتكلم وإلا …

لم يرد «محب» فقال الرجل: هل تتكلَّم أو أجبرك على الكلام؟!

قال «محب» في صوتٍ واهن: إنني لا أستطيع … لا أستطيع الكلام … إنني جائع … جائع … وعطشان …

المدرب: وإذا أحضرت لك طعامًا وشرابًا هل تتكلم؟

محب: إنني … إنني متعب!

المدرب: سأحضر لك ما تأكله وتشربه ونرى … ولعلك تكون قد أخذت درسًا فلا تخفي من الذي أرسلك … وكيف دخلت.

لم يرد «محب» ولم يكد المدرب يخرج حتى دق «محب» الجدار.

قال «لسيف»: سيحضر لي طعامًا وماء الآن لأتكلم فماذا أفعل؟

سيف: تظاهر بالنوم بعد ذلك … فسوف يظنون أنك نمت من التعب بعد الأكل.

محب: هذا ما فكرت فيه.

سيف: بعد أن يخرج المدرب مباشرة اتجه إلى آخر السرداب، ستجد على الحائط شارة الأسرة وهي الصبارات الثلاث … إن من يراها يظنُّ أنها منحوتةٌ في الحجر، ولكن الحقيقة أنها تدور … عليك بإدارة الصبارة الأولى دورة كاملة حول نفسها … والثانية دورتين والثالثة ثلاث دورات … وستجد بابًا ينفتح على سرداب … وبعد أن تخرج من هذا السرداب سأشرح لك كيف تخرج من الباب الرئيسي للسراديب، وهو الباب الموجود في أرض الصبار والذي يحاول «سيف» أن يفتحه دون فائدة.

لم يكد «سيف» يغلق الحجر … حتى سمع «محب» صوت أقدام المدرب الذي دخل ثم ألقى أمامه برغيف وقطعة جبن، وزجاجة ماء قائلًا: بعد أن تأكل سأعود إليك … فكن مستعدًّا للإجابة وإلا …

خرج المدرب وأقبل «محب» على الطعام يلتهمه، وشرب نصف زجاجة الماء ليؤكد أنه كان عطشان … ثم استلقى على الأرض … وتظاهر بالنوم.

بعد فترة عاد المدرب وفتح الباب وألقى نظرة على «محب» ثم هزه بقدمه قائلًا: ماذا حدث لك … ألا تتحدث؟

وظل «محب» متظاهرًا بالنوم يصدر من فمه أصواتًا مختلطة كأنه يحلم فقال المدرب: مجرد طفل … نم الآن وسنرى ما سيحدث لك.

لم يكد المدرب يخرج حتى دقَّ «محب» الجدار وانزاح الحجر وقال «محب»: لقد خرج حالًا … هل نبدأ؟

سيف: فورًا … اتجه إلى آخر السرداب، وابحث عن الصبارات الثلاث وحركها كما قلت لك … الأولى لفة كاملة والثانية لفتان والثالثة ثلاث لفات … وستجد بابَ سرداب إلى اليمين … وهو مغلق بالترباس من الخارج.

أسرع «محب» إلى آخر السرداب، وأضاء البطارية ووجد الشعار تمامًا كما قال «سيف» … وقد خُيل إليه أنه منحوت في الجدار … ووضع يده على الصبارة الأولى وأخذ يُديرها … ولكن عبثًا حاول … وأحس بقلبه يسقط بين قدمَيْه … وحاول مرة أخرى … وكان من الواضح أن هذا القفل العجيب لم يستخدم منذ فترة طويلة … وأسرع «محب» إلى الفتحة وتحدث إلى «سيف» فقال له: اضغط إلى أسفل بشدة … لا بد أن هناك بعض الصدأ.

وعاد «محب» إلى الصبارة وأخذ يضغط ويدير … وأحس بأن الصبارة تتحرَّك … ببطء … ولكن تتحرَّك … وأخذ نفسًا عميقًا، واستجمع كل ما في ذراعَيْه من قوةٍ وأدار الصبارة الأولى … ودارَتْ معه دورة كاملة فعلًا … ثم أمسك الثانية فكانت أسهل من الأولى كثيرًا … فقد دارت بسهولةٍ دورتَيْن … ثم أدار الثالثة. ولم يكد ينتهي من إدارتها الدورة الثالثة حتى سمع تكة عالية خشي معها أن يسمعه أحد … ثم وجد الجدار ينفتح عن باب نفذ منه سريعًا، ووجد على يمينه بابًا لم يشك أنه باب السرداب الذي به «سيف» … وكان مغلقًا بترباس كما قال «سيف» بالضبط، فشد الترباس، وفتح الباب، ووجده يقف في انتظاره!

كان طويل القامة … شاحبًا ولكن قويًّا … وكان به شبه قوي من «سيف» الآخر … «سيف» المزيف … حتى كأنهما توءمان وُلدا في ساعةٍ واحدة.

مد يده إلى «سيف» فضغط عليها هو الآخر قائلًا: سأدلُّك على ما تفعله … إن أمامنا ثلاثة أبوابٍ حتى نصل إلى الباب الرئيسي الذي تحت أرض الصبار … وكل باب يفتح بطريقةٍ مختلفة.

ومشى «محب» ويده في يد «سيف» … وبعد عشر خطوات قال «سيف»: انحرف يسارًا … على بعد أربعة أمتار … ستجد شعار الأسرة مرة أخرى … وسأقول لك ماذا تفعل.

ونفَّذ «محب» تعليمات «سيف» الذي كان يُساعده، ففتح الباب سريعًا … ودخلا معًا سردابًا واسعًا … صفت على جانبَيْه تماثيل رائعة من مختلف الأحجام … ولوحات … وأنواع من الأثاث النادر … فقال «سيف»: هذا أحد السراديب الرئيسية التي لا يعلمون عنها شيئًا … هل بها اللوحات والتماثيل؟

محب: نعم … عدد كبير منها.

سيف: إنها تساوي ثروة طائلة … وقد جمعتها أسرتي على مر الأجيال. وفي تلك اللحظة خيل إليهما أنهما سمعا صوتًا فوقفا في مكانهما لا يتحركان … ثم تكرر الصوت وقال «سيف»: إنه يأتي من سرداب مجاور ولعلهم اكتشفوا فرارنا فبدءوا يُطاردوننا.

محب: وماذا نفعل الآن؟

سيف: لا تخف إن الأبواب تغلق من تلقاء نفسها وراءنا … فهي تفتح وتغلق بزنبرك قوي …

وقفا فترة … وظل الصوت يتكرر … فقال «محب»: إن مصدر الصوت لا يتحرك من مكانه. إنه يبدو كدق على جدار السرداب.

واقتربا معًا من مصدر الصوت … كان من الواضح أن شخصًا يدق جدار السرداب. وفجأة تذكر «محب» الجنايني «الطيب» فقال: لعله «الطيب» … وأعتقد أنه مسجون مثلنا في سردابٍ من السراديب الفرعية التي يعرفون طريقها … ولعله سمع خطواتنا!

سيف: معقول جدًّا … ﻓ «الطيب» يعرف بعض أسرار السراديب ولعله أدرك أن من في هذا السرداب غرباء وليسوا من العصابة.

محب: هل يمكن فتح سردابه؟

سيف: ممكن جدًّا … هل هناك لوحة قريبة منك تمثل فارسًا مملوكيًّا يركب جوادًا أبيض؟

أطلق «محب» ضوء بطاريته على الجدار فشاهد اللوحة وقال: نعم هنا لوحة للفارس.

سيف: قربني منها.

واقترب «سيف» من اللوحة ومدَّ يدَيْه فرفعها ووضعها على الأرض وظهر خلفها شعار الأسرة … الصبارات الثلاث … وبدأ «سيف» يحرِّك الصبارات الثلاث بطريقةٍ خاصة، وسرعان ما انفتح باب … وظهر «الطيب» جالسًا على الأرض وقد بدا عليه الهزال والإعياء الشديد.

أسرع «محب» إليه وساعده في الوقوف على قدميه، ثم أسنداه معًا وأخذ الثلاثة يخرجون من دهليز إلى دهليز … وبعد فترة قال «سيف»: نحن نقترب الآن من الباب الرئيسي للدهاليز كلها … الباب الذي يفتح على حديقة الصبار، فماذا نفعل يا «محب»؟

فكر «محب» قليلًا ثم قال: إنني صغير الحجم وسريع الحركة أكثر منكما وأقترح أن أخرج أنا من الباب، وأسرع في طلب نجدةٍ من الخارج … وفي الأغلب سأتصل بصديقي المفتش «سامي».

سيف: على كل حال … تعالوا نقف تحت الباب أولًا، ونستمع إذا كانت هناك أصوات بقينا في أماكننا فترة أخرى … وإذا لم يكن تحركنا إلى فوق.

محب: هذا معقول جدًّا.

تقدموا حتى وقفوا تحت الباب مباشرة. وأخذوا يتصنتون … وكم كانت مفاجأة قاسية لهم أن سمعوا صوت أقدام تتحرك فوقهم فقال «محب» هامسًا: للأسف … إنهم هنا.

سيف: هذه مشكلة خطيرة، خاصة وأنهم إذا كانوا قد اكتشفوا غيابنا فلن نستطيع العودة إلى أماكننا مرة أخرى وإلا تعرَّضنا لمصيرٍ مظلم.

وعادوا إلى التصنت مرة أخرى، وفجأة قال «محب»: غير معقول … إنني أسمع صوت «تختح»!

سيف: من هو «تختخ»؟

محب: إنه صديقي «توفيق» ونحن ندعوه بهذا الاسم!

سيف: وكيف وصل إلى هنا؟

محب: لقد كتبت له قبلًا.

سيف: إذن يمكن أن نفتح الباب ونغامر!

محب: افتح الباب قليلًا حتى نتأكد!

وأخذ «سيف» يحرك الصبارات الثلاث الكبيرة، وأخذ الباب يتحرك تدريجيًّا … وقال «محب» هامسًا وهو يقرب فمه من الباب: «تختخ» … «تختخ» … هل أنت هنا؟

وسمع «محب» صوتًا رقص قلبه به طربًا … صوت «تختخ» وهو يقول: «محب»! «محب»!

صاح «محب» بفرح: «تختخ» هل أنت وحدك؟

تختخ: إن المفتش «سامي» ورجاله يحيطون بالقصر … وقد رأينا أن نتأكد أولًا من وجودك … وكنت أحاول فتح الباب.

محب: قل للمفتش «سامي» أن يهاجم القصر … إن هناك عصابة خطيرة يجب القبض عليها … أسرع وسوف نلحق بك!

وبعد لحظات دوى في صمت الليل صوت صفارات رجال الشرطة … وأسرع «محب» و«سيف» و«الطيب» يصعدون إلى فوق … ولم تمضِ دقائق حتى كانت العصابة قد سقطَت في أيدي رجال الشرطة.

في اليوم التالي … وفي مكتب «سيف» اجتمع المغامرون الخمسة والمفتش «سامي» و«الطيب» مع «سيف» الذي كان سعيدًا بعودته إلى مكانه … وقال «الطيب»: لقد شككت في «سيف» المزيف، ولكني لم أكن أقابله لأتأكد. لقد كنت أراه من بعيد فقط. ولما أحس بشكوكي نحوه، دبَّر هذه السرقة الوهمية … وأخذ محفظتي ووضعها في مكان السرقة المزعومة لتثبيتها عليَّ ولكن الله فوق كل شيء.

وروى «تختخ» كيف عاد مع «عاطف» و«لوزة» بعد انقطاع خطابات «محب» وكيف اتصل بالمفتش «سامي» وروى له شكوكه حول اختفاء «محب» داخل القصر …

وقال المفتش معلقًا: إنني أكرر تهانئي للمغامرين الخمسة … خاصة «محب» الذكي الذي اقتحم قصر الصبار وحده وخاطر بحياته من أجل نصرة الحق والعدالة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤