تحديدات منهجية

فِكر الآباءِ المؤسسين لعلم الاقتصاد السياسي هو محل نقدنا في هذا الباب. ولن ننشغل بحالٍ أو بآخر بتحليل الفكر الاقتصادي للمفكر وفقًا للمنهج المدرسي ابتداءً من استعراض الوسط التاريخي وانتهاءً بالأفكار نتاج المرحلة التاريخية التي عاشها ذلك المفكر؛ وإن بدت هذه الإشارة أو تلك، وفقًا لمقتضى الحال، بهذا القدر أو ذاك؛ فليس مسعانا هنا الكتابة في تاريخ علم الاقتصاد السياسي، ولا في تاريخ الفكر الاقتصادي؛ لأننا لا نعتبر، ابتداءً من رفضنا التاريخَوية في هذا الشأن، نظريات وتصوُّرات هؤلاء المفكرين، على وجه التحديد الكلاسيك وماركس، ماضيًا يُدرَس في مباحث التاريخ، كما يفعلون في المؤسسات التعليمية الرسمية، إنما نعتبر ما أنتجوه من نظريات وأدوات فكرية علمًا نابضًا بالحياة، مفعمًا بالإيجابية والإمكانية، ولكنه بات مهجورًا، وقد تعيَّن إرساله تارةً أخرى إلى واقع الفكر الاقتصادي، وإعادة النظر فيه، واستكمال ما يمكن استكماله منه؛ في سبيل استخدامه على نحوٍ ناقد يحقق الوعي، الناقد، بطبيعة التنظيم الاجتماعي الرأسمالي والقوانين الموضوعية التي تحكم حركته، بصفةٍ خاصة في الأجزاء المتخلفة من النظام العالمي المعاصر؛ وعليه، يجب أن نتعرف، في مرحلةٍ أولى، إلى مجمل البناء النظري للكلاسيك، بوجهٍ خاص: آدم سميث ودافيد ريكاردو؛ لأنه البناء الذي سوف يُخضعه ماركس، بشكل مركزي، للمراجعة والنقد. ثم، في مرحلةٍ ثانية، نتعرف إلى مساهمة ماركس الناقدة للاقتصاد السياسي الكلاسيكي.

فلنتعرف إذن في هذا الباب، وعلى نحوٍ ناقد، إلى مبادئ الاقتصاد السياسي عند كلٍّ من: آدم سميث، في الفصل الأول، ودافيد ريكاردو، في الفصل الثاني، وكارل ماركس، في الفصل الثالث. وسوف يكون انشغالنا محددًا بالتعرف إلى:
  • (١)

    وعي كل مفكر بموضوع العلم محل انشغاله؛ بعبارة أدق: التعرف إلى الزاوية التي ينظر منها المفكر إلى الاقتصاد السياسي، كعلم ينشغل بدراسة ظواهر نمط الإنتاج الرأسمالي. الظواهر المتمفصلة حول قانون القيمة.

  • (٢)

    المنهج الذي يستخدمه.

  • (٣)
    موقفه من مشكلة القيمة.١
  • (٤)
    نظريته في انقسام الرأسمال إلى رأسمالٍ أساسي ورأسمالٍ دائر، أو إلى رأسمالٍ ثابت ورأسمالٍ متغير.٢
  • (٥)

    وابتداءً من نظريته في انقسام الرأسمال نتعرف إلى نظريته في التوزيع؛ أي توزيع الفائض الاجتماعي.

  • (٦)

    نظريته في التبادُل على الصعيد العالمي.

    وبعدما ننتهي، في الفصول الثلاثة الأولى، من تحليل الجهاز الفكري لكل مؤسس من كبار مؤسسي علم الاقتصاد السياسي وفقًا للمنهج أعلاه، استخلاصًا لمبادئ الاقتصاد السياسي كما تَبلْوَرَت عَبْر مساهماتهم الفكرية، فسوف نعيد، في الفصلَين الرابع والخامس، معالجة أهم إشكاليات الاقتصاد السياسي المتعلقة بالقيمة الزائدة على وجه التحديد، والتي لم نتمكن من طرحها في سياق الفصول المتعلقة بمبادئ الاقتصاد السياسي، كما تبدَّت على يد الآباء المؤسسين، لاحتياجها إلى مجموعة من المصطلحات الفنية والتي لم يكن من الممكن الإحاطة بها إحاطةً ناقدة إلا بعد الفراغ من الإلمام بهذه المبادئ كما طُرحت في الفصول الأولى. على أن نُبرز، في الفصل السادس، تصوُّرَنا عن خط سير القيمة الزائدة (بمفهومها الذي سوف يتحدد من خلال أبحاثنا في هذا الباب) المنتَجة بفضل قوة العمل، بصفةٍ خاصة داخل الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي.

١  بالقدر الذي يأخذ في اعتباره ما أبرزناه من أفكارٍ في الفصل السادس من الباب الأول.
٢  آثرنا، تجاوزًا، ترجمة كلمة Fixed ثابت/راسخ/غير متحرك [Fixws Kapital] بمعنَى أساسيٍّ، في مقابل كلمة Circulating أيْ رأسمال دائر/متداول [Zirkulierendes oder Flussiges Kapital] تمييزًا عن كلمة [konstante] Constant التي ترجمناها بمعنى ثابت، أيْ رأسمال «ذي قيمةٍ ثابتة» في مقابل كلمة Variable أيْ متغير، بمعنَى رأسمال «ذي قيمةٍ متغيرة».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤