صورة قديمة

لم يكن صعبًا العثور على العمارة الكبيرة في شارع الأزهار حيث يسكن «حسن أبو المجد»، وتبادل «تختخ» وبوَّاب المنزل حديثًا سريعًا، عرف منه «تختخ» أن الأستاذ «حسن» محامٍ معروف، وأنه صاحب العمارة، ومكتبه في شارع قصر النيل، ولكنه لا يعود إلى مسكنه قبل الثالثة بعد الظهر، ثم يُغادره إلى مكتبه مرةً أخرى في السابعة مساء.

قال «تختخ» للبواب: أرجو أن تخبره أنني سأزوره الساعة السادسة والنصف بعد الظهر لحديث هام معه …

وبعد أن انصرف قال «محب»: لماذا لا نذهب إليه في المكتب بدلًا من العودة بعد الظهر …

تختخ: لأنَّ ما أبحث عنه ليس موجودًا في مكتبه … إنه في الغالب في منزله!

محب: تبحث عن ماذا؟

تختخ: عن صورةٍ تضمُّ هؤلاء الأصدقاء جميعًا معًا!

محب: صورة؟

تختخ: نعم … إنَّ من التقاليد المدرسية القديمة أن يجتمع زملاء الفصل الواحد في صورةٍ تذكاريةٍ … وبخاصة إذا كانوا في الشهادة الابتدائية، وعن طريق هذه الصورة سوف نرى زعيم العصابة وعمره بين ١٤ سنة و١٦ سنة وهو متوسِّط العمر لطلبة تلك الأيام في الشهادة الابتدائية …

محب: إنني أتذكَّر لغزًا آخر استفدنا فيه من صورةٍ قديمة!

تختخ: نعم … أظن أنه كان لغز التسعة!

وعادوا إلى «المعادي» … حيث التقيا ببقية المُغامرين الخمسة، ورويا لهم الخطوات التي تمَّت!

قالت «لوزة» معلِّقة: إنه لغز سخيف. وثقيل الظل!

نوسة: لماذا؟

لوزة: لأنه استنتاجات فقط، ليس فيه حركة ولا مغامرة!

تختخ: على كل حالٍ هناك كثير من الألغاز كانت هكذا … ثم انقلبت إلى مغامراتٍ عنيفةٍ … ومن الأفضل لنا ألَّا تكون هناك مغامرات، فنحن نتعرَّض فيها لأخطار لا نعرف نهايتها …

لوزة: إنَّ الحياة بدون أخطارٍ لا معنى لها!

عاطف: فلسفة طفلةٍ صغيرة تُريد أن تشعر بأهميتها …

تختخ: ليس أمامنا يا «لوزة» … إلا هذه الخطة … وإلا فاقترحي أنت خطة أخرى!

صمتت «لوزة» وأضاف «تختخ»: وقد يَنكشِف لنا شيءٌ عند لقاء الأستاذ «حسن أبو المجد» فإلى اللقاء في الثامنة هذا المساء …

وفي السادسة والنصف تمامًا كان «تختخ» و«محب» يَطرُقان باب مسكن الأستاذ «حسن» الذي كان في انتظارهما …

كان «تختخ» قد أعدَّ خطة معقولة للحديث مع الأستاذ «حسن» فقال: إننا طالبان بإحدى المدارس، ونقوم بدراسة صحفية عن الطلبة أيام زمان، وقد وقع اختيارنا على تلاميذ مدرسة «السيدة حنيفة» عام ١٩٤٢م للحديث معهم …

قال الأستاذ «حسن»: إنَّ ذلك تاريخٌ قديمٌ حقًّا … ولكن سأحاول أن أتذكر!

تختخ: هل تَذكُر أسماء زملائك التلاميذ الذين كانوا في الفصل؟

حسن: لا أذكرهم كلهم … لقد كنَّا حوالي عشرين تلميذًا!

تختخ: لقد قال لنا بواب المدرسة إن خمسة منكم كانوا يُكوِّنُون «شلة» صغيرةً تأتي إلى المدرسة معًا … وتلعب معًا … فهل تذكر هؤلاء الخمسة؟

حسن: نعم … هؤلاء أذكرهم جميعًا … «كمال السيد» وهو يَملك مطبعةً في شارع محمد علي … «وعزيز سيدهم» طبيب … و«علي بدر» صاحب مكتب استيراد وتصدير … و«صبحي عبد المنعم»…

وسكَت الأستاذ «حسن» قليلًا ثم قال: وقد تُوفيَ منذ فترة قصيرة … وأنا!

تختخ: هل أجد عندك صورة لكم معًا؟

حسن: أعتقد أن عندي بعض الصور!

وقام الأستاذ «حسن» ففتح دولابًا قديمًا … وأخرج «ألبومًا» للصور، ثم فتح الألبوم، وأخذ يقلِّب فيه، ثم توقَّف عند صفحة ونزع منها صورة قدَّمها لهما قائلًا: هذه صورةٌ لنا نحن الخمسة معًا في رحلة بالقناطر الخيرية … كُنَّا وحدنا.

وأخذ الصديقان ينظران في الصورة جيدًا … كانا يدركان أن واحدًا من هؤلاء الخمسة هو زعيم عصابة … ولكن من هو؟

قال «تختخ»: هل تستطيع أن تعطينا هذه الصورة لمدة أسبوع فقط!

ردَّ الأستاذ «حسن»: طبعًا!

تختخ: أرجو أن تكتب لنا على ظهر الصورة أسماءهم!

حسن: الأسماء موجودة … وتاريخ التقاط الصورة أيضًا … فقد اعتدت أن أسجِّل على كل صورة اسم من فيها وتاريخ التصوير حتى لا أنسى!

وأخذ الصديقان الصورة وشكرا الأستاذ «حسن» … ثم خرجا وهما في غاية السعادة … فقد حصلا على أول دليل في اللغز … فإذا استطاعا استغلاله جيدًا … فسوف يصلان إلى الزعيم الغامض … الزئبقي الذي لا يعرفه أحد …

وعندما وصلا إلى المعادي كانت الساعة قد أشرفت على الثامنة، فاتجها فورًا إلى حديقة منزل «عاطف» حيث يَجتمِع بقية الأصدقاء … وأخرج «تختخ» الصورة من جيبه ووضعها أمام الأصدقاء في حركةٍ مسرحيةٍ قائلًا: أيها المغامرون … هذا هو زعيم العصابة!

قالت «لوزة» مبهورةً: أين هو؟

قال «تختخ»: واحد من هؤلاء الخمسة … أو هؤلاء الأربعة بعد وفاة «صبحي عبد المنعم»!

ونظر «عاطف» باهتمامٍ إلى الصورة ثم زوى حاجبَيه قائلًا: زعيم العصابة واحد من هؤلاء؟ لا بدَّ أنه زعيم عصابة لسرقة اللبِّ والحمص وكيزان الذرة المشويِّ.

وانحنى «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» على الصورة ثم رفعوا عيونهم في دهشةٍ إلى «تختخ» الذي قال: أقصد أنها صورته من حوالَي ثلاثين عامًا تقريبًا!

عاطف: ياه … وكيف نعرفُه الآن … هل نضع له شاربًا ونخلع بعض شعر رأسه … ونضيف كمية مناسبة من التجاعيد إلى وجهه؟

تختخ: أرجو أن تكون مُتغابيًا فقط لا غبيًّا يا «عاطف»، إننا نبحث عن هؤلاء الخمسة واحدًا واحدًا … وكلٌّ منهم لا بدَّ أن عنده ذكريات عن الآخر … عن هذا الطريق سنصل إلى الزعيم الزئبقي!

محب: وقد عرفنا أسماء الخمسة، وأين يعملون الآن … أولًا «صبحي عبد المنعم» وقد مات … «حسن أبو المجد» المحامي الذي زُرناه، ونحن نَستبعِد أن يكون هو الزعيم … ثم «عزيز سيدهم» وهو طبيب … قد نستطيع استبعاده أيضًا!

رفع «تختخ» يده مُحذِّرًا قال: لن نستبعدَه إلَّا بعد جمع كل المعلومات اللازمة عنه …

محب: وعندنا «علي بدر» وهو يَملك مكتبًا للاستيراد والتصدير، و«كمال السيد» وهو صاحب مطبعة!

صاحت «لوزة»: مطبعة!

محب: نعم. قد فكَّرتُ مثلما تُفكِّرين!

نوسة: إنه فعلًا المرشَّح رقم واحد ليكون زعيم عصابة تزييف!

تختخ: معكم حق … ولكن يجب ألا نؤسِّس شبهاتنا عليه لمجرد أنه صاحب مطبعة. فقد يكون بريئًا!

لوزة: ما هي خطوتنا التالية؟

تختخ: ستقوم «لوزة» … بجمع المعلومات عن الدكتور «عزيز»؛ فخالها الدكتور «مختار» لا بدَّ يعرفه … وإذا لم يكن يعرفه، فسيُساعدها في جمع المعلومات عنه!

وسكت «تختخ» قليلًا ثم قال: ويقوم «عاطف» بجمع المعلومات عن «علي بدر» صاحب مكتب الاستيراد والتصدير … ولا تنسوا أن هذه المهنة فيها أسفار كثيرة. وقد أشار «صبحي عبد المنعم» إلى أنَّ زعيم العصابة يسافر بالقطارات والطائرات … فلعله هو!

محب: وأنا؟

تختخ: تجمع المعلومات عن المحامي، فليس معنى أننا التقَينا به أنه بعيد عن الشبهات!

نوسة: وأنا؟

تختخ: ستتجمَّع عندك كل المعلومات … ستفحصينها جيدًا، وأنت قارئةٌ ممتازةٌ … وقد تستطيعين بالقراءة الدقيقة والاستنتاجات أن تَصلي إلى ما لم نَصِل إليه بالجري هنا وهناك!

وهنا هزَّ «زنجر» ذيله وكأنه يقول: وأنا أيضًا!

فربت «تختخ» على شعره الأسود اللامع وقال: وسيأتي دورك بالتأكيد يا «زنجر» أما أنا فسأتابع «كمال» صاحب المطبعة!

ونبح «زنجر» وكأنه متضايق من أنهم لم يسندوا إليه دوره فورًا …

وانفض الاجتماع … وأسرع كل منهم إلى دليل التليفونات ليعرف المعلومات الأولية … العنوان ورقم التليفون …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤