الفصل العاشر

الثقافة العربية

للثقافة العربية ناحيتان هامتان

  • (١)

    ناحية دينية من دراسة للقرآن الكريم وحديث وفقه، ومن انتشار للثقافة الإسلامية بين أهل المملكة، وأثرها في عقولهم وأرواحهم. وهذا كله سنعرض له في مواضع متفرقة من الكتاب.

  • (٢)

    وناحية لغوية أدبية، وهي ما سنتكلم فيه الآن، ذلك أن جزيرة العرب منبع اللغة العربية، ومولد الإسلام، والعرب هم الذين حملوا لغتهم معهم حيث يسكنون، وحيث يفتحون، ومحمد رسول الله عربي، والقرآن عربي، ودعاة الأمم الأولون إلى الإسلام عرب، فمن الواضح بعد أن يُنْسَب الدين واللغة وما لهما من فضل إلى العرب أن نسمي ما نتج عنهما ثقافة عربية.

اللغة

في الحق إن اللغة العربية أرقى اللغات السامية، كما يقرر دارسو تلك اللغات، فلا تعادلها اللغة الآرامية ولا العبرية، ولا غيرهما من هذا الفرع السامي، وهي كذلك من أرقى لغات العالم؛ فهي تمتاز حتى عن اللغات الآرية بكثرة مرونتها، وسعة اشتقاقها. فإذا قيس ما يشتق من كلمة عربية من صيغ متعددة، لكل صيغة دلالة على معنى خاص بما يقابلها من كلمة أفرنجية، وما يشتق منها، كانت اللغة العربية في ذلك غالبًا أوفر وأغنى، فمثلا اشتقوا من الضرب: ضَرَبَ، ويَضْرب، واضْربْ، وضارِب، ومضروب. وسموا آلة الضرب مِضربًا، ومِضرابًا، وقالوا: ضارَبه اي جالده، وتَضَرَّبَ الشيء، واضطرب: تحرك وماج، وحديث مضطَرب، وأمر مضطرب، والضريبة: ماضربته بالسيف، وضارَبه في المال من المضاربة (وهي أن تعطي إنسانًا من مالك ما يتَّجر فيه على أن يكون له سهم معلوم من الربح)، واشتقوا منه مُضاربًا، ومُضارَبًا … إلخ.. إلخ.

هذا إلى المعاني المجازية التي يستعملون فيها الكلمة، فيقولون: ضرب الدراهم والدنانير: (أي صكَّها)، واضطَرب خاتمًا من ذهب: (أي أمر أن يصاغ له) وضرب في الأرض: إذا سار فيها مسافرًا، وضربت الطير: ذهبت. وضرب في سبيل الله: نهض، وضرب على يده: كّفه عن الشيء ومنَعه. وأضرب عن العمل: كف. وأضرب البرد النبات، وضربه: إذا اشتد عليه البرد حتى يبِس، والضريبة: الصوف أو القطن يضرب بالمِطرقة، والضريب من اللَّبن: الذي يحلَب من عدة لقح في إناء واحد، فيضرب بعضه ببعض، ثم أخذوا منه فلان ضَرب فلان أي نظيره (والضُّرَباء: الأمثال والنظراء)، والضرائب: الأشكال، وضرب المثل ذِكره وقوله.. إلخ.. هذا قليل من كثير مما يدل على غنى اللغة العربية، غنى تامًّا في الاشتقاق والمجاز، قلّ أن تجاريها فيهما لغة أخرى. وكذلك ما لها من طرق متعددة في القلب والإبدال والنَّحت مما يطول شرحه. وقد أبنَّا في «فجر الإسلام» ما كان للعرب من ملاحظات دقيقة فيما يقع عليه حسهم؛ فالإبل والخيل والأرض لكل شيء منها اسم، فإذا طرأ أي تغيير وضعوا له اسمًا خاصًّا، فإذا قصرت اللغة في شيء ففي ما لم يكن يقع تحت حسهم كمستخرجات البحار، وأنواع النباتات والحيوانات التي تنتج في غير إقليمهم.١ هذه المرونة التامة، وهذا الاشتقاق والمجاز والقلب والإبدال والنحت هو الذي جعل اللغة العربية تستطيع أن تكون لغة القرآن الكريم والحديث، وما فيهما من معان في منتهى السمو والرفعة، وما فيهما من تعبيرات دينية واجتماعية وتشريعية، لا عهد للعرب بها في جاهليتهم، كما استطاعت بعد أن تكون أداة لكل ما نقل من علوم الفرس، والهند واليونان وغيرهم. وفي نحو ثمانين سنة من بدء العهد العباسي كانت خلاصة كل هذه الثقافات مدونة باللغة العربية، والعرب الذين لم يكونوا يعلمون شيئًا من مصطلحات الحساب والهندسة والطب، ولا شيئًا من منطق أرسطو وفلسفته؛ أصبحوا في قليل من الزمن يعبرون بالعربية عن أدق نظريات إقليدس، وحساب الجيب الهندي، وما وراء المادة لأرسطو، ونظريات الهيئة لبطليموس، وطب جالينوس، وحكم بزرجمهر، وسياسة كسرى. وما كانت تستطيع ذلك كله لولا ما بها من حياة ومرونة ورقي.

واجه العرب في العصر العباسي صعوبة شديدة في نقل هذه الذخيرة العلمية الأجنبية إلى اللغة العربية، بل في وضع مصطلحات لعلومها كالنحو والفقه، ورأوا أنهم أمام علوم جديدة وأفكار جديدة، وأن رقعة المملكة الإسلامية قد اتسعت، واختلفت أقاليمها. ولكل إقليم نباتات، وحيوانات لم تكن تعرفها، ورأوا أنها قدمت على أنماط من النظم الاجتماعية لم تكن تألفها؛ فقد أُنشئت دواوين لم تنشأ في العهد الأموي، واخْتُرعَت في الأغاني نغمات لا تعرف لها اسمًا عربيًّا، وآلات الموسيقى فارسية ورومية، ولكلٍّ اسمه. وملابس مختلفة الأنواع، لأمم مختلفة. ومآكل ومشارب كذلك. وعلى الجملة فقد واجه العرب الحضارة العباسية كما يواجه اليوم العرب الحضارَة الغربية، وهكذا. فماذا تصنع أمام هذا السيل الجارف؟ أتنطق بكل هذه الأسماء كما ينطق أهلها؟ وفي ذلك إهدار لشخصيتها، أو تضع لها أسماء عربية من عندها؟ وفي تعميم هذا صعوبة شاقة؛ لقد تغلبت على ذلك كله في دقة ومهارة، وفي الحق إن معجم اللغة العربية تضخَّم في العصر العباسي من طريقين:

  • الأول: وهو الأكثر، التوسع في مدلول الكلمات العربية، فالعربي لم يكن يعرف الفاعل، والمفعول بالمعنى الذي يفهمه النحوي، ولا يعرف القضية ولا الموضوع والمحمول بالمعنى الذي يعرفه المنطقي. ولا يعرف الطويل والخفيف والمديد بالمعنى الذي يفهمه العروضي، وهكذا. وقد ملئت الكتب بحكايات ظريفة كانت تجري بين النحويين والأعراب الوافدين، فلا يستطيع الأعرابي أن يفهم النحوي؛ لأنه يكلمه بمصطلحات لا علم له بها،٢ وكان علماء اللغة يعملون جهدهم في الأخذ عن الأعراب، ويجتهدون في وضع الصيغة التي يفهمها الأعرابي، فإذا قيل له صغ من وَفى على وزن مَفعل لم يفهم؛ لأنه مصطلح علمي.

    بهذا كثرت معاني الكلمات العربية، فلو عمل معجم لغوي في العهد الأموي ما وجدنا للطويل معنى أنه بحر من بحور الشعر، ولا وجدنا فيه فاعلًا وظرفًا بمعناهما النحوي، وهكذا. وقد سد هذا الباب أكثر الحاجات العلمية؛ فإنك تقرأ النحو والصرف والفقه، فلا تجد فيها لفظًا أعجميًّا، بل تقرأ المنطق كله (وهو يوناني الأصل) فلا تكاد تجد فيه كلمة أجنبية إلا مثل سفسطة، وكذلك الشأن في الفلسفة والرياضة، فاستعملوا كلمة كيفية وكمية وجوهر وعرض، والمثلث والمربع والزاوية … إلخ، ولم ينقلوا الكلمات الأعجمية إلى اللغة العربية.

  • والثاني: نقل الكلمات الأعجمية نفسها إلى العربية، وأكثر ما كان ذلك في أسماء البلدان والنباتات والحيوانات، والآلات والأمراض والمآكل التي لم يكونوا يعرفونها من قبل، وفي هذا تصرفوا تصرفات مختلفة طوعًا للسانهم، ولم يجروا في ذلك على سنن واحد، قال الجواليقي: «إن العرب كثيرًا ما يجترئون على الأسماء الأعجمية فيغيرونها بالإبدال، قالوا: إسماعيل وأصله إسمائيل فأبدلوا لقرب المخرج، وقد يبدلون مع البعد من المخرج، وقد ينقلونها إلى أبنيتهم ويزيدون وينقصون.»٣ وفي الواقع لو قارنا بين أصل الكلمات الأعجمية وما عُرِّبت به وجدنا أنهم لم يتبعوا قواعد ثابتة، فتارة يبدلون الشين سينًا وأحيانًا يبقونها، وأحيانًا يقلبون الثاء تاء، وأحيانًا يبقونها، وتارة يغيرون تغييرًا خفيفًا، وتارة تغيرًا كبيرًا٤ والذي نلاحظه في ذلك أن النقل كان من مصدرين؛ مصدر العلماء الذين واجهوا كتب اليونان فعربوا بعض أسماء النبات والحيوان، وهؤلاء تعريبهم أقرب إلى الأصل، وأقرب أن يكون على نمط واحد. ونقل لم يكن من عمل العلماء، ولكن كان العرب الأميون وأمثالهم متروكين فيه لسليقتهم؛ فالعربي يسمع اسم بلدة فارسية أو شيء يوناني فينطقه كما يسهل عليه حسبما اتفق له. وقد يسمع عربي آخر اسمًا آخر في ناحية أخرى، فينطقه نطقًا ليس على نمط الأول، بل إن الكلمة الواحدة قد ينطقها قوم من العرب نطقًا خاصًّا، وينطقها آخرون نطقًا مخالفًا، فيكون في الكلمة لغتان أو أكثر. ومن أجل هذا صعب على الباحث أن يضع قواعد ثابتة لما تبعه العرب في نقل الكلمات مما ليس من موضوعنا.

•••

خرجت اللغة العربية من هذا المأزق سليمة قوية واسعة؛ هي لغة الدين، ولغة العلم والفلسفة، ولغة الأدب، واضمحلت بجانبها كل لغات البلاد المفتوحة؛ فاللغة السريانية التي ترجمت إليها الكتب اليونانية أخذت تتدهور بعد أن نُقل ما فيها إلى اللغة العربية. والفرس في ذلك العصر أصبحت لغتهم العلمية والأدبية هي اللغة العربية، إن أّلفوا أو شعروا أو كتبوا فبالعربية، وحياة اللغة الفارسية إنما كانت عند التكلم العادي، أو في أوساط الديانة المجوسية، وكذلك اللغات الأخرى من رومانية وقبطية في الشام ومصر. وكسبت اللغة العربية من ذلك أنها أصبحت في تآليفها وأدبها وعلومها نتاج كل هذه الأمم، تلبس كل أفكارهم، وتعبر عن قرائحهم، وكسبوا هم منها ما لها من ثقافة إسلامية وأدبية.

ولئن أغنى الأعاجم اللغة العربية التحريرية فقد أفسدوا اللغة اللسانية بما أدخلوا من لَحن. كانت جزيرة العرب سليمة المنطق قبل الفتح، وقبل دخول الأعاجم في الإسلام، ثم بدأ اللحن يفشو فيها، وللَّحن تاريخ من عهد النبي والخلفاء الراشدين والأمويين؛ لا نعرض له الآن، وإنما نريد أن نذكر كلمة عن اللحن في عصرنا؛ فقد زاد بغلبة الأعاجم سياسيًّا، وأصبحنا نرى بدء تكون لغتين: لغة الكتابة، والأعراب الفصحاء، ومن جرى مجراهم، ولغةٍ يسميها الجاحظ لغة المولَّدين والبلدِيين، يقول: ومتى سمعت بنادرة من كلام الأعراب، فإياك وأن تحكيها إلا مع إعرابها، ومخارج ألفاظها، فإنك إن غيرتها بأن تلحن في إعرابها، وأخرجتها مخرج كلام المولدين والبلديين خرجت من تلك الحكاية، وعليك فصل كبير. وكذلك إذا سمعت بنادرة من نوادر العوام، وملحة من ملح الحشوة والطَّغَام، فإياك وأن تستعمل فيها الإعراب، أو أن تتخير لها لفظًا حسنًا، أو أن تجعل لها من فيك مخرجًا سرِيًّا.» ويقول: «ولأهل المدينة ألسنة ذَلْقة وألفاظ حسنة، وعبارة جيدة، واللحن في عوامهم فاش، وعلى من لم ينظر في النحو منهم غالب.»٥ ويقول: واللحن من الجواري الظُّراف، ومن الكواعب النواهد، ومن الشواب الملاح، ومن ذوات الخدور الغرائر أيسر، وربما استملح الرجل ذلك منهن، ما لم تكن الجارية صاحبة تكلف.»٦

وقال في موضع آخر: «وزعم أبو العاصي أنه لم ير قرويًّا قط لا يلحن في حديثه، وفيما يجري بينه وبين الناس؛ إلا ما تفقَّده من أبي زيد النحوي، ومن أبي سعيد المعلم.»

وذكر ابن قتيبة أن أعرابيًّا دخل السوق، فسمعهم يلحنون، فقال: «سبحان الله! يلحنون ويربحون، ونحن لا نلحن ولا نربح!»٧
كان هذا اللحن أنواعًا؛ فلحن في الإعراب فلا يصححون آخر الكلمات كما تقتضيه قواعد النحو، كالذي رووا أن رجلًا قال لآخر: أحضرنيه. قال: قد دعوته لكلُّ ذلك يأبى (برفع كل).٨ ولحن في بناء الكلمة؛ كالذي قيل: إن َنبطيًّا سئل: لم اشتريت هذه الأتان؟ قال: أركبها، وَتَلَد لي (بفتح اللام).٩ ولحن في تركيب الجمل كالذي حكى الجاحظ: قلت لخدام لي: في أي صناعة أُسلِم هذا الغلام؟ قال: أصحاب سند، نِعالٍ، يريد في أصحاب النعال السندية.١٠ وأحيانًا يلجأ الرجل منهم إلى إسكان آخر الكلمات، وترك الإعراب خوفًا من اللحن، كان مهدي بن مهلهل يقول: حدثنا هشام بن حسان، ويجزم ذلك كله؛ لأنه حين لم يكن نحويًّا رأى أن السلامة في الوقف.١١ وكان هذا اللحن فاشيا حتى في العلماء؛ فقد لحن أبو حنيفة، ولحن عمرو بن عبِيد، وبشر المريسي.١٢ وهذا لا يطعن في علمهم، فهناك فرق بين معرفة اللغة علمًا والنطق بها كلامًا؛ فقد يجيد الرجل معرفة قواعد لغة وضبطها وفهمها، ثم هو لا يحسن التكلم بها، كالذي حُكِيَ عن بعض أئمة النحو.١٣ نستنتج من هذا كله أن فساد اللغة من الناحية اللسانية كثر في ذلك العصر، وأنه قد بدأ يكون للناس لغتان؛ لغة عامية هي التي يسميها الجاحظ لغة المولَّدين والبلديين، وهذه لها ألفاظ غير منتقاة، وتتسامح في الإعراب، وتميل إلى إسكان أواخر الكلمات.١٤ ولغة الطبقة الراقية والمتعلمة، وهذه لغة معربة متخيرة، وإن كان اللحن يصدر منهم، وهذه اللغة الأخيرة هي لغة الكتابة.

•••

ومن ثم لم يكن علماء اللغة والنحو يأخذون إلا عن سكان البادية؛ لأنهم رأوا الحضر قد فسد بالاختلاط، بل كانوا لا يأخذون عن البدوي إلا إذا لم يفسده الحضر، فكانوا لا يأخذون عن الأعرابي إذا فهم القول الملحون، «ومتى وجد النحويون أعرابيًّا يفهم هذا اللحن وأشباهه بهرجوه (زيفوه)، ولم يسمعوا منه؛ لأن تلك اللغة إنما انقادت واستوت واطَّردت، وتكاملت بالخصال التي اجتمعت لها في تلك الجزيرة، وفي تلك الجيرة.» ويقول الجاحظ: «ولقد كان بين زيد بن كثوة يوم قدم علينا البصرة، وبينه يوم مات بون بعيد، على أنه كان قد وضع منزله في آخر موضع الفصاحة، وأول موضع العجمة، وكان لا ينْفَك من رواة ومذاكرين».١٥ وكان البصريون يفتخرون على الكوفيين فيقولون: نحن نأخذ اللغة عن حرشة١٦ الضبابِ، وأكلَة اليرابيع، وأنتم تأخذونها عن أكلةِ الشواريزِ، وباعة الكواميخ.»١٧ وكان العلماء يمتحنون الأعرابي قبل أن يأخذوا عنه، من ذلك: أن أبا عمرو بن العلاء ارتاب في فصاحة أبي خيرة الأعرابي، فسأله: كيف تقول حفرت الإران؟ قال: حفرت إرانًا. قال. أبو عمرو: «لان جِلْدك يا أبا خيرة!»١٨ كان كثير من الأعراب يفِدون على مدن العراق، فيأخذ العلماء عنهم اللغة، وقد عد ابن النديم في الفهرست عددًا، منهم؛ أبو زِيادٍ الكِلابي، وأبو سوار الغَنوِي، وقد أخذ عنه أبو عبيدة، وثور بن يزيد، وقد أخذ عنه ابن المقفع، وأبو خيرة العدوِي، وأبو مهدِية، وأبو مِسحل، وأبو ضمضم الكلابي.١٩ وقد اتصل بهم علماء اللغة يأخذون عنهم. ومن هؤلاء الأعراب من كان يكتب ويؤلف كتبًا؛ كأبي زياد الكلابي، ألف كتاب النوادر، وكتاب الفَرْق، وكتاب الإبل، وكتاب خَلْق الإنسان، ومنهم من كان يعلِّم اللغة ويتعلم النحو على علمائه، كأبي مِسحل؛ فقد أخذ النحو عن الكسائي، ومنهم من كان يميل إلى الغريب النادر، ويتقعر في كلامه، ويغلِّظ طبعه ليبرهن على إمعانه في البداوة، كأبي محلم الشيباني، وكانوا يتكسبون بذلك، فمنهم من كان يعلم الصبيان بأجرة كأبي البيداء الرباحي، ومنهم من كان يفد على الأمراء كأبي ضمضم الذي وفَد على الحسن بن سهل، وكثير من الأعراب كانوا يفدون على إسحاق الموصلي.٢٠
وكما كا نت الأعراب ترحل إلى الحضر للكسب أو طلب العلم كان العلماء والأدباء يرحلون إلى البادية في طلب اللغة والأدب، فيحدثنا الأغاني أن بشارًا «قيل له ليس لأحد من شعراء العرب شعر إلا وقد قال فيه شيئًا استنكرته العرب من ألفاظهم، وشك فيه، وإنه ليس في شعرك ما يشك فيه. قال: ومن أين يأتيني الخطأ؛ ولدت ها هنا وَنشأت في حجور ثمانين شيخًا من فصحاء بني عقِيل، ما فيهم أحد يعرف كلمة من الخطأ، وإن دخلت إلى نسائهم، فنساؤهم أفصح منهم، وأيفعت فأبديت إلى أن أدركت، فمن أين يأتيني الخطأ!»٢١ ويقول: نزل في ظاهر البصرة قوم من أعراب قيس عيلان، وكان فيهم بيان وفصاحة، فكان بشار يأتيهم (وكان يأتيهم أبان اللاحقي).٢٢ وكان علماء اللغة من بصريين وكوفيين يتسابقون في الرحلة إلى البادية، والأخذ عن العرب، وقد اشتهر في عصرنا بهذه الرحلة أبو زيد الأنصاري، وأبو عمرو بن العلاء، والأصمعي والكسائي، فأبو زيد يقول في أول كتابه النوادر: «ما كان فيه من شعر القصيد فهو سماعي من المفضل بن محمد الضبي، وما كان من اللغات، وأبواب الرجز فذلك سماعي من العرب.» وسأل الكسائي الخليلَ بن أحمد: من أين علمك هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز، ونجد وتِهامة، فخرج الكسائي، وأنفذ خمس عشرة قنينة حبرًا في الكتابة عن العرب سوى ما حفظه.٢٣ وأما أبو عمرو بن العلاء؛ فقد رووا أن كتبه عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتًا له إلى قريب من السقف.»٢٤ وتاريخ الأصمعي مملوء بالقصص عن الأعراب في البادية، وما سمع منهم من لغة وشعر وقصص.

ولم يكن عمل علماء اللغة في ذلك العصر إلا نقل ما يسمعون من العرب مشافهة إلى التقييد بالكتابة، فأكثر اللغة كتبت في العصر العباسي الأول لا قبله، وكانت أهم وسائل النقل هي ما ذكرنا من رِحلة العرب إلى العراق، ورِحلة علماء العراق إلى البادية، وتحرير اللغويين لِما سمعوا من العرب مباشرة أو بواسطة.

وبعد، فهل كان كل الذي دونوه صحيحًا؟ وهل كان الآخذون (وهم علماء اللغة)، والمأخوذ عنهم (وهم العرب) كلهم ثقة؟ الحق أن لا! وأن بعض العرب كانوا يخطئون أحيانًا، ويكذبون أحيانًا، وأن بعض علماء اللغة كانوا يخطئون أحيانًا ويكذبون أحيانًا، كان العلماء شغوفين بأن يقفوا على جديد لم يعرفوه، وكانت المنافسة بينهم شديدة، وحب الفخر والتظاهر شديدًا، خصوصًا في مجالس الخلفاء والأمراء. وكان يقضى على العالم في جهله بكلمة أو خطئه في كلمة، فدعا ذلك بعضهم لأن يتزيدوا ويختلقوا إذا أُحرجوا، وأحس بعض الأعراب بهذه النفسية فكانوا يعرِبون أحيانًا، ويختلقون أحيانًا. وسبب آخر، وهو أن العداء بين البصريين والكوفيين بلغ مبلغًا عظيمًا، فكان علماء كلتا المدينتين يتشيعون لمذهبهم، ويبرهنون عليه بالمصنوع أحيانًا، وكتب النحو واللغة مملوءة بالأدلة على ما نقول.

أما خطأ العربي؛ فقد يكون من عدم فهمه لمعنى الكلمة، كقول عربي يصف امرأة بالغفلة:

لَمْ تَدْرِ مَا نَسْجُ اليَرنْدَجِ قَبْلَهَا
ودِرَاسُ أعْوَصَ دَارِسٍ متَخَددِ
ظن أن اليرندج يُنْسَجُ،
وإنما هو جلد يصبغ٢٥

وقال عمرو بن كلثوم:

علينا البَيْضُ واليَلَبُ اليَمَاني
وأسياف يَقُمْنَ ويَنْحَنينا
قال ابن السِّكِّيت. سمعه بعض الأعراب، فظن أن اليلب أجود الحديد، فقال: «ومِحورٍ أُخْلص مِن ماءِ اليَلب»، وهو خطأ؛ وإنما هو جلود تُنْسج.٢٦ وأحيانًا يكون خطأ العربي ناشئًا من عدم فهم طبائع الأشياء، كقول عربي يصف درة:
فجاء بها ما شئت من لَطَمِيَّة
يَدُومُ الُفراتُ فوقها ويموج

فجعل الدر من الماء العذب، وإنما يكون في الماء الملح. وقد يكون خطأ في الحوادث التاريخية، فقد قال الكميت:

كأنَّ الغُطَامطَ من غَلْيها
أراجيزُ أسْلَمَ تهجو غِفَارا٢٧

فقال نصيب: ما هجت أسلم غفارًا قط! وقد يكون من سوء تصريف العربي، فقد قال عربي، وكانت قد ماتت زوجاته تباعًا:

غَدَا مَالِكٌ يرْمي نسائي كأنما
نِسَائي لِسَهْمَيْ مالك غَرَضانِ
فيا ربِّ فاترك لي جُهَيْمَة أعصُرا
فمالِكُ مَوْتٍ بالقضاء دهاني!

ذلك أن هذا الأعرابي لما سمعهم يقولون «مَلَك الموت»، سبق إليه أن هذه اللفظة على زنة فَعَل (كفَلَك) فاشتق منها كلمة على وزن «فاعِل»، مع أن مَلك على وزن مَفل؛ لأن أصله ملأَك فالاشتقاق خطأ. وكهمزهم مصائب، قياسًا على صحائف، وهو غلط لأن ياء مصيبة أصلية، وياء صحيفة زائدة … إلخ.

وأما أكاذيبهم فقد عقد المبرد بابًا في كتابه الكامل، سماه «أكاذيب العرب»؛ هذا شأن العرب.

وأما خطأ العلماء فنروي منه ما روى ابن الأعرابي، قال: لقيني أبو محلم، ومعه أعرابي، فقال: جئتكم بهذا الأعرابي لتعرفوا منه كذب الأصمعي، أليس كان يقول في بيت عنترة:

شَرِبَتْ بماء الدُّحْرُضَيْنِ فأصبحتْ
زَوْرَاءَ تضنْفِرُ عنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمَ

إن الديلم الأعداءُ لأنهم أعاجم، والعرب كانوا يعدون جميع الأعاجم أعداءهم، فسلوا هذا الأعرابي، ما معنى الديلم؟ فسألناه فقال: الديلم حياض بالغور أوردُتها إبلي غير مرة!

والظاهر أن معاجم اللغة بعد ذلك جمعت كلَّ ما روي وتأولت الخطأ، وصححت الغلط، وأخَذت آراء العلماء على اختلافهم من غير تدقيق، فقد تأولوا كلمة «مالك» الواردة في البيت السابق، وقالوا في اليلب إنَّه الحديد أو الجلد، وصححوا الشطر الذي رويناه «يدوم الفرات فوقها ويموج» بقولهم تدوم البحار فوقها وتموج، وفسروا الديلم بأنها الأعداء أو حياض بالغور، وأسبغوا على العرب نوعًا من العصمة ليس بصحيح، حتى زعموا أن العربي لا يطاوعه لسانه في الخطأ ولو تعمد، ورووا لذلك الحكاية المشهورة التي كانت بين سيبويه والكسائي، والحق إن العربي الصميم مثله كمثل الإنجليزي الصميم، والفرنسي الصميم. ولو أراد الفرنسي مثلًا أن يحور لسانه لينطق بالخطأ عمدًا لاستطاع ذلك في يسر، وهو كذلك يخطئ في استعمال بعض الكلمات والتراكيب، ونحو ذلك، فالعربي مثال ذلك. ولكن مهما قلنا في الخطأ أحيانًا، وفي الكذب أحيانًا فهو صفة عارضة ونادرة، وكان الأغلب فيما نقل من اللغة الصدق والصواب.

وقد جد العلماء الأولون في تمحيص ما جمع من ألفاظ اللغة؛ فقد رأوا أن هناك كلمات كثيرة أُخذت عن قبائل مختلفة، لكل قبيلة لفظ أو لهجة، وبعضها أفصح من بعض، ورأوا ألفاظًا لم يستوثق من صحتها، والذي جاء بها لا يوثق به، ورأوا كلمات اختلف في تحديد معانيها؛ لأنها رويت في جمل، واللفظ فيها يحتمل أكثر من معنى واحد. ورأوا ألفاظًا صُحِّفَتْ، وألفاظًا كان ينطق بها عربي أْلثغ؛ فيظنها الآخذ عنه لغة، وهكذا. فاضطروا أن يحرروا ذلك كله ويمحصوه، فبذلوا من الجهد ما يستدعي الإعجاب، وبينوا من اللغة ما هو صحيح وفصيح، وضعيف منكر، ورديء مذموم فقالوا مثلًا: ثبطت شفة الإنسان ورمت، وليس بَِثبت. أرض حثواء كثيرة التراب، وليس بثبت، وهكذا. وأّلف ابن خالويه كتابًا سماه «ليس في كلام العرب»، بين فيه ألفاظًا تُستعمل ولم يصح سماعها عن العرب، وقالوا: قال الأصمعي ما سمعنا العام قابة؛ أي صوت رعد، ولم يروِه أحد غير الأصمعي، وإنما روى العلماء ما أصابتنا العام قابة؛ أي قطرة، وقالوا الغرز لغة أهل البحرين، والغرز اللغة العليا، وهكذا. وقد تكون الكلمة واحدة، ويختلف العرب في النطق بها، فقبيلة تقول الطَّبء في الطَّبعِ، وأما والله، وهما والله، وحما والله، والأباب والعباب، وأن له وعن له، والإعاء والوعاء، وهضم عليهم وهجم عليهم، إلى مئات من مثل ذلك. وليس لاختلافها من سبب إلا اختلاف القبائل العربية في النطق، وأحيانًا يكون الخطأ من العلماء في الكتابة، وهو ما يسمى بالتصحيف، فقالوا: وبها سؤدة من شباب؛ أي بقية من شباب، ثم قالوا وبها سؤرة من شباب أي بقية، وليست الأولى إلا تصحيفًا للثانية. وأحيانًا يكون العربي ألثغ، فيقول في الشابة الثابة، وفي الديك الديش. وقد تعرض العلماء لشيء من ذلك ولم يستوفوه، ولكن المتأخرين، وبخاصة صاحب القاموس المحيط، كدسوا ذلك كله من غير تمحيص، وفخروا بأنهم زادوا مواد كثيرة عمن قبلهم، وكان الأولى أن تستبعد اللثغات، ويحقق التصحيف، ونترك اللهجات. وإذن لا تتضخم هذه المعاجم، وتملأ فراغًا كبيرًا نحن أحوج إليه في ألوف الأشياء التي ليس لها اسم واحد.

•••

وكان المدونون الأولون للغة في هذا العصر يدونون المفردات حيثما اتفق، وكما يتيسر لهم سماعها، فقد يسمعون كلمة في الفرس، وأخرى في الغيث، وثالثة في الرجل القصير، وهكذا، فكانوا يقيدون ما سمعوا من غير ترتيب. وكانت الخطوة الثانية أن جمعوا الكلمات الخاصة بموضوع واحد، وأظهر ما كان ذلك في كتب الأصمعي، فله كتاب الأنواء، وكتاب الميسِر والقِداح، وكتاب خَلق الفرس، وكتاب الإبل، وكتاب الشاء، وهكذا يجمع ما ورد من الألفاظ اللغوية في موضع واحد، ويسميه كتابًا، وقد يكون الكتاب بضع ورقات، ثم كانت الخطوة الثالثة عمل المعاجم.

هذا موجز في القول من الناحية اللغوية للثقافة العربية، وهناك ناحية أخرى هي الناحية الأدبية؛ فقد كان للعرب أدب غزير ممتع، وكان بجانب رواية اللغة رواية الأدب، بل كثيرًا ما تكون رواية اللغة في ثنايا رواية الأدب، وكان عرب البادية في ذلك العصر مصدرًا للغة والأدب معًا.

كان الناس إذ ذاك يتلذذون من سماع حديث الأعراب، لخفة روحهم وعذوبة نطقهم وبساطتهم، قال الجاحظ: «ليس في الأرض كلام هو أمْتع ولا أنفع، ولا آنق ولا ألذ في الأسماع، ولا أشد اتصالًا بالعقول السليمة، ولا أْفتق للِّسان، ولا أجود تقويمًا للبيان؛ من طول استماع حديث الأعراب الفصحاء العقلاء، والعلماء البلغاء.»٢٨ وقال ابن عبد ربه في كلام الأعراب: «هو أشرف الكلام حسبًا، وأكثره رونقًا. وأحسنه ديباجًا، وأقله كلفة، وأوضحه طريقة؛ إذ كان مدار الكلام كله عليه، ومنتسبه إليه.»٢٩ وقد عقد فصلًا طويلًا، نقل فيه شيئًا من كلام الأعراب في الزهد والمدح والذم والغزل والخيل والغيث، والنوادر والمِلح، والطعام … إلخ.٣٠ وعقد الحصري فصلًا ممتعًا عنوانه: «فِقر من كلام الأعراب في ضروب مختلفة».٣١ وفي الحق إنك تقرأ هذه الفصول فتؤمن بأن أدبهم جيد اللفظ، قريب المعنى، قليل الكلفة.

يقول أعرابي في امرأة يحبها: «لقد نَعِمت عين نظرت إليها، وشقي قلب تفجع عليها، ولقد كنت أزورها عند أهلها فيرحب بي طرفها، ويتجه مني لسانها.»

وكره أعرابي البصرة وأهلها؛ فقال: «دخلت البصرة، فرأيت ثياب أحرار على أجساد عبِيد، إقبال حظهم إدبار حظ الكرام، شجر أصله عند فروعه، شغلهم عن المعروف رغبتُهم في المنكر.» ووصف أعرابي أميرًا، فقال: «إذا ولى لم يطابق بين جفونه، وأرسل العيون على عيونه، فهو غائب عنهم، ساهد معهم، فالمحسِن راج والمسيء خائف.»

وقدم أعرابي البادية وقد نال خيرًا من البرامكة، فقيل: كيف رأيتهم؟ قال: «رأيتهم وقد أنِستْ بهم نعمة كأنها من ثيابهم.» إلى كثير من أمثال ذلك.

ولهم النادرة الحلوة، والفكاهة العذبة يتفكه بها الخلفاء في مجالسهم، والخاصة في أحاديثهم، والأدباء في سمرهم، وروى الأصمعي مَثلًا في ذلك الشيء الكثير، يفرج به هم الولاة، ويضحك به السمار.

سافر أعرابي إلى رجل فحرمه، فقال لما سئل: «ما ربحنا في سفرنا إلا ما قصرنا من صلاتنا، فأما الذي لقيناه من الهواجر، ولَقيت منا الأباعر، فعقوبة لنا فيما أفسدنا من حسن ظننا!» وقيل لأعرابي: ما عندكم في البادية طبيب؟ قال: حمر الوحش لا تحتاج إلى بيطار! وسأل أعرابي رجلًا فاعتل عليه فقال: إن كنت كاذبًا فجعلك الله صادقًا. وقال الأصمعي: أصابت الأعراب مجاعة، فمررت برجل منهم قاعد مع زوجته بقارعة الطريق، وهو يقول:

يا رَبّ إني قاعد كما تَرَى
وزوجتي قاعدة كما ترى
والبطن مني جائع كما ترى
فما ترى يا ربنا فيما ترى؟

.. إلخ.

ثم لهم الحكمة الرائعة يجرون فيه على سَننِ حِكم أكثم بن صيفي، والأحنفِ بن قيس؛ هي أشبه ما يكون بالأمثال، قال أعرابي: «الدنيا تنطق بغير لسان، فتخبر عما يكون بما قد كان.» «لم أر صاحبًا أغر من الدنيا، ولا ظالمًا أغشم من الموت، ومن عصف عليه الليل والنهار أردياه، ومن وكَّلَ به الموت أفناه!» وقال أعرابي: «الدراهم مياسم، تسِم حمدًا وذمًّا؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كل من أعطى مالًا أُعْطِيَ حمدًا، ولا كل عديم ذميم!» وقال أعرابي: «إذا كان الرأي عند من لا يقبل منه، والسلاح عند من لا يستعمله، والمال عند من لا يتفقه؛ ضاعت الأمور!» وقيل لأعرابي: لم لا تطيل الهجاء؟ قال: «يكفيك من القِلادة ما أحاط بالعُنق» … إلخ.

ولهم الشعر الرقيق العذب، كالأعرابي يقول في رثاء ولده:

دَفْنتُ بنفسي بعضَ نفسي فأصبحَتْ
وللنفس منها دافن ودفينُ

وكالأعرابي يقول في سوداء:

كأنها والكُحْل في مِرْوَدِها
تَكْحَل عينيها ببعض جلدها

وأنشد الرياشي لأعرابي:

ما كنتِ للقلب إلّا فتنةعَرَضَتْ
يَا حبّذا أنْتِ من مَعْرُوضةِ الفتنِ
تسيء سَلْمى وَأجْزِيها بِه حَسَنًا
فمنْ سِواي يجَازِي السَّوْء بالحَسَنِ

وقال أعرابي قتل أخوه ابنًا له، فُقدم إليه أخوه ليقتاد منه فرمى السيف من يده، وقال:

أقولُ للِنَّفْسِ َتأسَاءً وَتعْزِيةً
إحْدَى يَدَيَّ أصابتني ولم ُترِدِ
كلاهما خَلَفٌ مِن فقْدِ صاحبه
هذا أخي حين أدْعوهُ وذا ولَدِي

ولهم القصص عن حروبهم وأيامهم؛ فكانوا يروون أيام العرب في جاهليتها وإسلامها، وما كان فيها من أحداث، فيتحدثون بيوم الفِجار، ويوم ذِي َقار، وحروب قيس في الجاهلية، وحرب داحِسٍ والغبراء، ومقتل كليب بن وائل. كما يتحدثون بسيرة النبي وغزواته، والصحابة وما كان بينهم، ويروون شعر الشعراء من جاهليين وإسلاميين، وخطب الخطباء، وأمثال الحكماء، ونوادر الظرفاء.

كل هذا كان في البادية؛ فهم رواة الأدب القديم، ولهم إنشاء في الأدب الحديث، لذلك قصدهم العلماء يأخذون عنهم كل ذلك.

وفي الحق كانت سكناهم في البادية، وقلة امتزاجهم بغيرهم من الأمم أدعى لأن يسلكوا سبيل الأولين، ويتذوقوا ذوقهم، ويعجبوا بمآثرهم، ويسيروا في الأدب على منهاجهم، فإن تأثر شعراء العراق وأدباؤهم بالفرس ومن إليهم فإن هؤلاء تأثروا بآبائهم في الجاهلية وآبائهم في الإسلام، وكان أدبهم صورة حية للأدب القديم، وصدورهم واعية لآثار الأقدمين، ونوع معيشتهم أشبه بمعيشة الأولين. قال عمر بن عبد العزيز: «ما قوم أشبه بالسلف من الأعراب، لولا جفاء فيهم!».٣٢

فمما لا شك فيه، أنه كان في هذا العصر أدبان؛ أدب عربي صرف ليس فيه كبير أثر من حضارة، ولا من ثقافات الأمم المختلفة. وهذا أدب — كما قلنا — خفيف الروح، رشيق اللفظ، لا ترى فيه خمرًا كثيرًا، ولا ترى فيه تشبيبًا بغلمان، ولا ترى فيه غزلًا بقيان، ولا ترى فيه فجرًا فاجرًا، ولا فحشًا داعرًا، كما لا ترى فيه عمقًا في تفكير، ولا إمعانًا وفلسفة في تعبير. يعجبني في ذلك قول النَّمِرِي؛ فقد قال: مما يدل على أن قصيدة

إنَّ بالشّعْبِ الذي دون سَلْعِ
لقتيلًا دمه ما يُطَلُّ

ليست لتأبط شرًّا وإنما هي لخَلَف الأحمر؛ قوله فيها:

خَبرٌ ما نابَنَا مُصْمَئلُّ
جَلَّ حتى دقَّ فيه الأجَلُّ

فإن الأعرابي لا يكاد يتغلغل إلى مثل هذا.

وأدب آخر حضري، كالذي تراه في كتابة عمرو بن مسعدة، وابن المقفَّع، وقد تأثر بالفرس أثرًا كبيرًا. وفي ذوقي إنه ليس في خفة روح الأول ولا رقته وعذوبته، يحتاج الذهن فيه إلى أن ينحرف بعض الانحراف ليفهمه، وكالذي تراه في شعر بشار، وأبي نواس؛ فيه العمق وفيه الفُجر. والقصيدة التي كان يغنِّي بها العربي ليعبر عن عاطفة قوية بسيطة أصبحت في الحضر مُمِلّة، يتصنع صاحبها العاطفة ويغلو فيها، والأدب الذي كان يشرح حياة البادية وما فيها من بطولة وشجاعة وقوة؛ أخذ يعبر عن حياة المدن وما فيها من نعومة ولين، وانتقل النثر من جمل صغيرة مفصولة مقطعة، أو خطبة قوية تقال شِفاهًا، إلى كتابة يتنوع موضوعها بتنوع مرافق الحضارة، ويفصل فيها الكلام ويربط. وقد كان العربي الذي يعبر بلسانه خريج الطبيعة والبيئة، فأصبح الذي يكتب بقلمه وليد التربية العلمية، وخريج الكتب والدفاتر والمحابر. وعلى الجملة فكلا النوعين من الأدب ظِلٌ لحياته الاجتماعية، هذا في حضره وذاك في باديته. وإذ كانت البادية لم تتغير، وكانت في العهد العباسي مثلها في العهد الأموي كان أدبهم كذلك يجري في وادٍ واحد، وإذا كان الحضر متغيرًا (فالعراق العباسي غير العراق الأموي)؛ كان الأدب الحضري مختلفًا عما قبله، فكتابة في أنواع جديدة، وغزل جديد، والكتب المؤلفة في الأدب تصف حياة اجتماعية جديدة، وهكذا.

•••

وكما كان هناك خطأ ووضع في اللغة كان كذلك في الأدب، بل الباعث في الثاني أقوى منه في الأول، فالولاة الأمراء يعجبهم الشعر اللطيف، والقصص الغريب أكثر مما يعجبهم اللفظ، والتزيد من القصائد لفخر قبيلة أو ذمها، والنوادر في القصص تسترعي الأسماع، والحكايات لإعلاء شأن فرد أو قبيلة، والتوسع في المثالب والمناقب؛ كل هذا يجد مجالًا في الأدب أكثر مما يجد في اللغة. وقد كان هؤلاء الوضاع من العرب أحيانًا ومن العلماء أحيانًا: «تكاذب أعرابيان؛ فقال أحدهما: خرجت مرة على فرسٍ لي، فإذا أنا بظلمة شديدة، فيممتها حتى وصلت إليها، فإذا قِطعة من اللَّيل لم تَنْتبه، فما زلت أحمل عليها بفرسي حتى َنبهتها فانجابت! فقال الآخر: لقد رميت ظبيًا مرة بسهم، فعدل الظبي يمنَة فعدل السهم خلفه، فتياسر الظبي فتياسر السهم، ثم علا الظبي فعلا السهم، ثم انحدر فانحدر حتى أخذه!» قال التوزي: سألت أبا عبيدة عن مثل هذه الأخبار من أخبار العرب، فقال: إن العجم تكذب أيضًا، فتقول: كان رجل نصفه من نحاس، ونصفه من رصاص! فتعارضها العرب بهذا وما أشبهه.٣٣
وقد عقد الثعالبي في كتابه فقه اللغة فصلًا في خرافات العرب، فوضعوا اسم الخس لمن يتولد بين الإنس والجنية، والغُملوق بين الآدمي والسعلاة، والعِلبان بين الآدمي والملك. ومن ذلك ما زعموا أن جرهمًا كانوا من نتاج حدث بين الملائكة والإنس، وأن بِلقيس ملكة سبأ كانت من مثل ذلك النجل، وأن يأجوج ومأجوج هم نتاج ما بين النبات وبعض الحيوان … إلخ.٣٤ واشتهر بالوضع من العلماء؛ حماد الراوية، وخَلف الأحمر، وهِشام بن الكَلْبِي النسابة، وغيرهم، فهؤلاء ملئوا كتب الأدب العربي قصصًا، وقصائد وأخبارًا وأنسابًا لم يتحروا فيها الحق والصدق، فحماد روى كثيرًا من أخبار الجاهلية وشعر الإسلاميين، وحروب القبائل، وروى المعلقات السبع، وكان له من المقدرة ما يستطيع بها أن يقلد الشعراء الأولين، ويعمي بها على الناس. روى الأغاني: «أنه اجتمع في دار المهدي بعيساباذ، وقد اجتمع فيها عدة من الرواة والعلماء بأيام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها، إذ خرج بعض أصحاب الحاجب، فدعا بالمفَضل الضبي الراوية، فدخل فمكث ملِيًّا، ثم خرج إلينا ومعه حماد والمفضل جميعًا، وقد بان في وجه حماد الانكسار والغم، وفي وجه المفضل السرور والنشاط، ثم خرج حسين الخادم معهما، فقال: يا معشر من حضر من أهل العلم؛ إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حمادًا الشاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره، وأبطل روايته لزيادته في أشعار الناس ما ليس منها، ووصل المفضل بخمسين ألفًا لصدقه وصحة روايته؛ فمن أراد أن يسمع شعرًا جيدًا محدثًا فليسمع من حماد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضل.»٣٥
وخلف الأحمر يقول: «أتيت الكوفة لأكتب عنهم الشعر فبخِلوا علي به فكنت أعطيهم المنحول، وآخذ الصحيح، ثم مرضت فقلت لهم: ويلكم! أنا تائب إلى الله، هذا الشعر لي، فلم يقبلوا مني، فبقي منسوبًا إلى العرب لهذا السبب.»٣٦
وابن الكلبي كان عالمًا بالنَّسب، وأخبار العرب وأيامه ووقائعها، مكثرًا في التصانيف، تزيد تآليفه على مائة وخمسين مصنفًا، عدها ابن النديم في الفهرست. وقد قال فيه أحمد بن حنبل: كان صاحب سير ونسب، ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه.» وقال الدارقطني: «هشام متروك وقال غيره ليس بثقة.»٣٧

هؤلاء الوضاعون أفسدوا العلم والرواية، وأجهدوا الثقات من العلماء بنقد ما رووا؛ يتبينون صحيحه من فاسده، فوفِّقُوا أحيانًا، ولم يوفقوا أحيانًا، لأن قولهم فشا في الناس، وتفرق في البلاد، وتساهل الناس في الأدب والأخبار ما لم يتساهلوا في الحديث.

•••

كان نتاج الأمة العربية اللغوي والأدبي في هذه القرون الثلاثة (أعني قرنًا ونصفًا قبل البعثة وقرنًا ونصفًا بعدها) نتاجًا عظيمًا، ولكن نتاجها لا في فلسفة ولا في علوم رياضية ونحوها، بل نتاج أدبي، وليس محررًا في كتب كالتي دونها الفرس واليونان، وإنما هو شفوي إلا في القليل النادر، يتناقله جيل عن جيل، والذاكرة لا تعي كما يعي الكتاب، فدخل على هذه الثروة نقص وتزيد وتغيير وتبديل. ولكنها على العموم ثروة كبيرة وقيمة إذا قورنت بثروة أمة أخرى في مثل هذا الزمن، وفي موقف كموقف الأمة العربية.

وهذه الثروة متعددة النواحي؛ فشعر تدهشك كثرته حتى ليخيل إليك أن كل عربي شاعر، وأن لسانه ينطق بالشعر كما ينطق بالكلام، ثم هو متنوع الأغراض، متنوع الوزن، متنوع المعاني، فكان لنا من امرئ القيس، إلى بشَّار بن برد دواوين ضخمة لا تجمع كل ما قالوا، ولكن تجمع أقله، أودعوا فيه فخرهم وهجاءهم، وَتغنَّوا فيه بعواطفهم وشعورهم، ووصفوا فيه لوعتهم وحنينهم إلى وطن، ووفاءهم لميت، ووصفوا طبيعة أرضهم، ونباتهم وحيوانهم.

وثروة من الخطب لا تقل شَأْنًا عن الشعر، يستعينون بها في تهييج القبائل في الجاهلية، وفي تنظيم الأحزاب السياسية في الإسلام، ويصلون بها في الجاهلية والإسلام إلى تحقيق أغراضهم، وبث أفكارهم في السلم والحرب، وجمع الكلمة وتفريقها، ولهم الأمثال والحكم، وقد برعوا فيها وأكثروا منها، وقامت لهم مقام الفلسفة لليونان، أمدهم بها كثرة تجاربهم ودقة ملاحظتهم وحسن صياغتهم.

ولهم الأخبار الكثيرة عن أبطالهم في الكرم، وأبطالهم في الحرب، وأبطالهم في الوفاء، وأبطالهم في القيافة والكَهانة … إلخ.

ولهم القصص عن وفودهم وأسواقهم، وحكامهم وفرسانهم، وعدائيهم ولصوصهم، ولهم أساطيرهم وخرافاتهم، وتفاؤلهم وتشاؤمهم وتخيلاتهم.

ولهم الأخبار الطويلة عن أيامهم، وأصنامهم وعباداتهم، وحنفائهم ويهودهم ونصاراهم.

•••

ولما جاء الإسلام اتصلت به الثقافة العربية اتصالًا وثيًقا، حتى كان من الدين التثقف بها، والعلم بلغتها وأخبارها، بل عمل الإسلام عملًا كبيرًا في رقيها وتقنينها؛ ذلك أن القرآن الكريم والحديث عربيان، ومن حسن الإسلام تعلم لغته، فكان الإسلام أكبر البواعث على نشر هذه الثقافة والعناية بها. دخل اللحن في العربية، فخاف المسلمون على القرآن أن يتسرب إليه لحن فوضعوا النحو، وحملهم وضع النحو على مشافهة الأعراب، والأخذ عنهم، حتى يصلوا إلى قاعدة في الرفع والنصب والجر والجزم يضعونها، وكانت حركة عنيفة ومجهودًا كبيرًا تُوِّجَ بكتاب سيبويه، وما كان يكون لولا القرآن،٣٨ ووردت في القرآن والحديث ألفاظ لغوية، فضربوا أكباد الإبل إلى البادية يستفسرون عن لفظ، أو يقفون على تعبير، ودعاهم ذلك إلى حفظ الأشعار، ففيها أحيانًا ما يفسر لفظًا قرآنيًّا، أو يساعد على فهم تعبير قرآني، فأكثروا من رواية اللغة والأشعار لذلك، ودققوا فيها وتحروا الموضوع من الصحيح، وما كان يبذل هذا الجهد، وذلك التحري لولا ما وراءه من باعث ديني.٣٩

وعُنوا بلهجات العرب، وكيف تنطق تميم وقريش، ومن الذي يُميل ومن لا يميل، ومن يبدل ومن لا يبدل؛ لتفهم قراءات القرآن، كما عُنوا بالْمُعَرَّب والأصيل لما في القرآن من معرب وأصيل.

بل جَدَّ بعضُ العلماء بَعْدُ في البلاغة، يضعون لها القواعد، ويستنتجون القوانين تفهمًا لمواضع الإعجاز في القرآن، وتذوقًا لبلاغته.٤٠

وهكذا كان القرآن منبعًا لثقافة روحية وعقلية، سنبينها بعد. وكان منبعًا لثقافة عربية وعلمية، أشرنا إليها الآن.

•••

وغنيت الثقافة العربية في الإسلام بما كان فيه من أحداث، فسيرة رسول الله وأخبار الخلفاء، والغزوات والفتوح، وما تخللها من شعر وأدب وقصص، وما كان يفد على الخلفاء والولاة من شعراء، وما كانوا يقولون، وما تكون من مذاهب دينية من خوارج وشيعة ومرجئة ومعتزلة، وما كان لذلك من أدب، وما كان من أحزاب سياسية وانحياز الشعراء والخطباء إلى هذه الأحزاب.

كل هذا كان ثقافة عربية، يَتَثَقَّف بها من كانوا عربًا في أصلهم، ومن كانوا فرسًا أو رومًا أو يونانيين، وعلى الجملة من كانوا في المملكة الإسلامية، وخاصة من أسلموا وتعلموا، وما كان ينبغ النابغ إلا إذا عرفها، وأحاط بطرف منها، فكانت بذلك عنصرًا من عناصر الثقافة العامة في ذلك العصر.

•••

هجم العلماء — في عصرنا الذي نؤرخه — من عرب وموالٍ على هذه الثقافة يبحثون عنها من نواحيها المتعددة، ويرحلون إلى البادية أحيانًا، وإلى الأمصار أحيانًا، ويسمعون للرجال والنساء والصبيان، والخاصة والعامة، حتى اختلفوا؛ هل يأخذون اللغة عن المجنون أو لا، يدخلون على المرأة في خبائها، وعلى راعي الإبل في مرعاه، أبو حاتم يسأل أم الهيثم، والأصمعِي يقول: سمعت سِبية يتراجزون، والجاحظ يروي عن عبد أسود لبني أسد. والواقدي يروي عن فاطمة بنت المنذر زوجة هشام بن عروة. وكان أهم عمل لهؤلاء تحويل الثقافة العربية من ثقافة لسانية شفهية في الغالب إلى ثقافة كتابية تحريرية، وكانت هذه هي الخطوة الأولى ليتناول العلماء بعدُ ما جُمِع ينقحونه، ويميزون خطأه من صوابه، ويضعون له القواعد.

وكان هؤلاء العلماء فِرقًا، كل فرقة يغلِب عليها الميل إلى ناحية من نواحي هذه الثقافة؛ فالخليل بن أحمد وأبو زيد الأنصاري والأصمعي وأمثالهم غلب عليهم مفردات اللغة وجمعها والبدء بتبويبها. والمفضل الضبي وخَلف الأحمر وحماد الراوية وغيرهم غلب عليهم جمع القصائد والأشعار والأمثال، وما إلى ذلك. ومحمد بن إسحاق والواقدي وأبو مِحَنف والهيثم بن عدي والمدائني مالوا إلى تدوين الروايات عن الأحداث التاريخية؛ كفتوح الشام، وفتوح العراق، ووقعة الجمل، ووقعة صفين، ونحو ذلك، وفي أخبار النبي وكتبه إلى الملوك والمغازي، وأسماء المنافقين، والوفود. وابن الكلبي وأمثاله عنوا بالأنساب وما يتبعها من بيوتات ومنافرات وموءودات، وفي أخبار الأوائل من عاد الأولى والآخرة، والمعمرين والأصنام والقِداح، وأيام العرب وأسمارهم … إلخ.

•••

وبعد، فإذا حاولنا أن نختار من يمثل هذه الثقافة العربية بفروعها، فلسنا نختار الأصمعي وما بين أيدينا من كتبه؛ فليست تمثل إلا الناحية اللغوية، ولا المفضل الضبي وكتابيه المفضليات والأمثال؛ فهما لا يمثلان إلا الناحية الأدبية، ولا كتب الجاحظ وابن قتيبة؛ فإنها تمثل نوعًا آخر من الثقافة سيأتي بيانه، إنما الذي يمثل الثقافة العربية هو «المبرد» وكتابه الكامل أولًا، ثم أمالي القالي ثانيًا. وليست الأمالي مما أُلف في عصرنا، فلندعها الآن ونجتزئ بالمبرد والكامل، وإن كان قد عاش زمنًا في عصرنا، وزمنًا في العصر الذي بعده، وقد اخترنا الكامل لأنه خير كتاب وصل إلينا من تراث ذلك العصر، يمثل شيئين هامين؛ يمثل الثقافة العربية في عناصرها المختلفة، ويمثل طريقة تعلم المعلمين في ذلك العصر لتلك الثقافة ومنهج التأليف فيها.

المبرد والكامل

كذلك لا نطيل في ترجمة المبرد، فالذي يهمنا كتابه.

هو محمد بن يزيد، عربي الأصل من قبيلة ثمالة، وثمالة من الأزد، والأزد من قحطان؛ فهو من عرب اليمن. وكان للأزديين أثر كبير في الدولة الأموية،أعانوا زياد بن أبيه وابنه من بعده، وتحالفوا مع ربيعة يناهضون حلفًا آخر هو حلف تميم وقيس، ووقفوا بجانب المهلَّب بن أبي صفرة، وهو أزدي كذلك، يحاربون الخوارج.

ولد المبرد بالبصرة سنة ٢١٠، وأخذ العلم عن الجرمي والمازِني، «وكان إمام العربية ببغداد، وإليه انتهى علمها، وكان حسن المحاضرة فصيحًا بليغًا مليح الأخبار، ثقة فيما يرويه كثيرًا لنوادر، فيه ظرافة ولباقة.»٤١ وكان يتنازع رياسة العلم في بغداد هو وثعلب، ومن أسباب نزاعهما اختلاف مدرستهما، فالمبرد بصري تعلم على المذهب البصري وطريقته، وثعلب كوفي تعلم على المذهب الكوفي وطريقته، وبينهما اختلاف كبير في النحو والصرف واللغة، وما يقاس عليه وما لايقاس … إلخ. وقد ظفر المبرد بثعلب؛ لأن المبرد كان حسن العبارة حُلْو الإشارة، فصيح اللسان، ظاهر البيان، وثعلب متحفظ منكمش ليس في لباقة المبرد وفصاحته، وكان المبرد يحب الاجتماع بثعلب للمناظرة، وثعلب يراوغ.
كان يحفظ كثيرًا من اللغة وغريبها، وأحفظ الناس في عصره للأخبار، واسع الاطلاع في النحو، وكان لا يُعْنى بالأسانيد فيما يروي من لغة وأدب كما يُعْنى غيره من علماء عصره. وقد ألف كتبًا كثيرة في فروع الثقافة العربية المختلفة. ألف في النحو «المقتضب» وغيره، وألف في إعراب القرآن، وفي قواعد الشعر وضروب الشعر، وشرح كلام العرب وتخليص ألفاظها، وفي قحطان وعدنان … إلخ.٤٢ وأهم كتبه الكامل، وقد مات ببغداد سنة ٢٨٥ في خلافة المعتضد.

كتاب الكامل

المبرد مسلم عربي، أزدي يماني، وهو لغوي نحوي، وهو لبق ظريف، وهو لم يثقف بغير الثقافة العربية على ما يظهر. كان لكل كلمة من هذه الكلمات لون في كتابه الكامل؛ فهو صورة تامة لكل ما ذكرنا.

قال في صدر الكتاب: «هذا كتاب ألَّفناه يجمع ضروبًا من الآداب؛ ما بين كلام منثور، وشعر مرصوف، ومَثل سائر، وموعظة بالغة، واختيار من خطبة شريفة، ورسالة بليغة، والنية فيه أن نفسر كل ما وقع في هذا الكتاب من كلام غريب أو معنى مُسْتَغْلَق، وأن نشرح ما يعرض فيه من الإعراب شرحًا شافيًا، حتى يكون هذا الكتاب بنفسه مكتفيًا، وعن أن يرجع إلى أحد في تفسيره مستغنيًا.» ويقول في صدر باب من أبوابه: «نذكر في هذا الباب من كل شيء؛ لتكون فيه استراحة للقارئ، وانتقال ينفي المَللَ، لحسن موقع الاستطراف، ونخلط ما فيه من الجد بشيء يسير من الهزل ليستريح إليه القلب وتسكن إليه النفس.»٤٣ فالكاتب تغلب في مختاراته الناحية التي تبعث السرور والفرح والضحك، إلا قليلًا من ذكر الموت والرثاء.

اختار فيه من أحاديث رسول الله ومن أقوال الصحابة، والتابعين؛ مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعمر بن عبد العزيز، ومن أمثال الحكماء كأكثم بن صيفِي في الجاهلية، والأحنف بن قيس في الإسلام، وشعرًا كثيرًا من الشعر الجاهلي وصدر الإسلام، وقليلًا من شعر المحدثين، وأدبًا لحوادث تاريخية ومذاهب دينية كأدب الخوارج، والكتب التي دارت بين أبي جعفر المنصور، ومحمد بن عبد الله بن حسن العلوي.

أكثر ما يعجبه ما جمع بين الأشياء ثلاثة؛ معنى جيد، في التعبير عنه شيء من غريب اللغة، وشيء من مسائل النحو أو مشكلاته. يورد ما اختار، ثم يُعنى بشرح ما فيه من لغة ونحو. ويورد قول رسول الله يمدح الأنصار: «إنكم لَتكثرون عند الفزع وتقلِّون عند الطمع.» فلا يتعرض إلا لكلمة الفزع ومعانيها المختلفة، ويستشهد على كل معنى، وإذا ورد في الاستشهاد كلمة لغوية أو نحوية شرحها.

يُعنوِن كل بضع مختارات بكلمة «باب»، ومن العسير في كثير من الأحيان أن نفرق بين باب وآخر، وتدرك أن هذا الباب وحدة مستقلة تجمع مختارات ذات صبغة خاصة، تخالف ما في الباب الآخر، اللهم إلا في القليل النادر كباب الخوارج، حتى ليخيل إلينا أن كلمة «باب» يستعملها في معنى «درس»؛ فكأنه يعنون كل درس أو جملة دروس بباب، والدرس أو الدرس تكون حيثما اتفق له، لا يتقيد فيها إلا بأنها مختار فيه أدب، وفيه لغة وفيه نحو.

والكتاب يمثل الثقافة العربية في جميع نواحيها؛ فهو يختار من الحديث ومن أقوال الصحابة، مثل كلمة أبي بكر في مرض موته، ورسالة عمر في القضاء إلى أبي موسى الأشعري، وكتاب عثمان إلى علي بن أبي طالب حين أُحيط به، وكلمة علي حين بلغه أن خيلًا لمعاوية وردت الأنْبار، وقتلوا عامله حسان بن حسان، ثم يذكر بابًا يُعنى فيه بما كان من كلام العرب مختصرًا مفهمًا، بين اللفظ حسن الوصف، جميل الرصف كقول الحطيئة:

وذاكَ فتًى إن تأتِهِ في صنيعَة
إلى مالِهِ لا تأته بشفيعِ

وقول عنترة:

يخبِرْكِ من شَهِدَ الوقيعَة أنَّني
أغْشى الوَغَى وأعَفُّ عِنْدَ المَغْنَم

ويقارن بين ما ورد لبعض العرب؛ من ضرورة قبيحة، وألفاظ مستهجنة، وبين ما هو أوضح لفظًا وأبين معنى، ثم ينتقل إلى نبذة من كلام الحكماء فينقل عن ابن عمر أنه كان يقول: «إنا كنا معشر قريش نعد الجود والحلم السؤدد، ونعد العفاف وإصلاح المال المروءة. وينقل عن الأحنف بن قيس قوله: كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزح تذهب المروءة، ومن لزم شيئًا عرف به.» ثم يسترسل في ذلك فينتقل عن عبد الملك بن مروان، و أبى سفيان ومعاوية، ثم ينتقل إلى شعر لرجل يهجو بلال بن البعِيرِ المحاربي، ولأبي الطَّمحان يمدح بجير بن إياس، وآخر ينفي نسب آخرين … إلخ. ويعقد بابًا ثالثًا، يذكر فيه نبذًا من حكم العرب لمعاوية والأحنف بن قيس، ثم بابًا رابعًا يذكر فيه مختارًا لرجل من بني سعد يرثي رجلًا، ولحضرمِي ابن عامر، وقد غبِط بميراث ورثه من أحد أهله، وانتقل فجأة إلى قول جميل يُشَبِّب فيه ببُثَينة، ثم لأمية بن أبي الصَّلْت في الغناء، ثم للهيثم بن الربيع في الغزل، ويأتي بعد ذلك باب خامس فيه نبذ من كلام حكماء العرب.

وعلى هذا النحو كل الكتاب؛ يتعرض في بعض فصوله لما قال العرب في الخمر، وما قالوه في السؤدد، وما قال جرير والفرزدق في الفخر، ووعظ الوعاظ أمثال عمر بن عبد العزيز وعلي بن أبي طالب، وينقل مختارًا في مجالس العرب؛ فينقل عن الأحنف بن قيس وقد سئل: أي المجالس أطيب؟ وعن المهلب بن أبي صفرة، وقد قيل له: ما خير المجالس؟ وعن ابن عباس في الجليس، ويذكر نبذة من أمثال العرب؛ مثل: لم يذهب من مالك ما وعظك، ورب عجلة تهب ريثًا، وأن تَرِد الماء بماءِ أكيس. ويذكر ما قاله بعض العرب في الرثاء، وما قالوه في اللغة والعيش الرغد، ويعرض لطرف مما دار من الكلام الحسن في الحروب الإسلامية الأولى كوقعة الجمل، وما كان بين الحكمين، ويذكر طرفًا من الخطب المختارة؛ كخطبة زِياد والحجاج، ثم الغزل وطرائفه، فأعرابي يشكو حبيبته، وعمر بن أبي ربيعة في النحافة، وأقوال في دهاء العرب وحلمهم وكرمهم وشجاعتهم، وما بينهم من مدح وهجاء، وعدائيهم ولصوصهم وتكاذيبهم، ونوادر الأعراب في زواجهم وطلاقهم، وطول لحية وقصرها، وبعض طرائف العشاق، وتهاجي القبائل. ثم ما ورد من العرب في الوصف؛ في وصف جمل وحمار وحمامة وحادٍ، ثم باب طويل في أخبار الخوارج، وحروبهم وعقائدهم وخطبهم وأشعارهم ونوادرهم. وبين هذا وذاك أبواب علمية، بعضها نحوي؛ مثل «باب ما يجوز فيه يفعل فيما ماضيه فعل مفتوح العين»، وبعضها بلاغي؛ مثل باب في التشبيه.

هذه نظرة الطائر إلى كتاب الكامل، أردنا بها أن نستدل على أن الكتاب يمثل الثقافة العربية، ونتبين منها الاتجاهات المختلفة التي اتجهتها هذه الثقافة، وعلى أن أنظار المعلمين في ذلك العصر كانت أنظارًا فردية لمسائل فردية، فالموضوع الواحد كالسؤدد عند العرب، مفرق في ثنايا الكتاب من أوله إلى آخره، لا يجمع الباب ولا الكتاب، إلا أنه مختار فيه معنى جميل أيًّا كان، وفيه لغة ونحو، فأما أن تكون أبيات المديح في جانب، والذم والرثاء ونحو ذلك في موضع واحد؛ فليس هذا شأن الكتاب، ولا شأن معلمي ذلك العصر.

قلنا إن المبرد على ما يظهر لم يثقف الا الثقافة العربية، وذلك واضح في كتابه، فلم يتعرض لغيرهم إلا قليلًا نادرًا، لقد نقل عن بزرجِمِهر وأردشير ولكن في مواطن معدودة، وورد فيه كلام عن الموالي ولكن نظره إليهم نظر عربي، وقص ما كان بين عبد الله بن عبد الأعلى وأليون ملك الروم، وقد أرسل عمر بن عبد العزيز إليه يدعوه إلى الإسلام. وقص ما كان بين الشعبي وملك الروم، وقص ما كان من استئذان ملك الروم معاوية في أن يغالبه، فبعث إليه ملك الروم برجلين أحدهما طويل، والآخر قوي جسيم … إلخ، ولكن هذه أمور لا تدل على ثقافة أجنبية لأنها حوادث متصلة بالمسلمين العرب، وقد رواها المبرد ما نقلت إليه عن العرب.

وقلنا إن المبرد عربي أزدِي يماني، وكتاب الكامل يمثل هذا النوع من العصبية القبلية تمثيلًا صحيحًا، فهو يتعصب للأزد ولليمانيين، ويروي الكثير من الصحيح والسقيم لإعلاء شأنهم، فهو يعقد بابًا يعنونه «باب ذكر الأذواء من اليمن في الإسلام»، فيذكر فيه الأذواء في الجاهلية، كذي كَلاع وذي نواس وذي رعين، وفي الإسلام كخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، ويذكر خبرًا عمن كان بينه وبين الملائكة سبب من اليمانية، فسعد بن معاذ الأنصاري هبط لموته سبعون ألف ملك لم يهبطوا إلى الأرض قبلها. وحنظلة بن أبي عامر الأنصاري غسلته الملائكة … إلخ. هذا في آخر الكتاب وأما في أوله فيختار قول رسول الله في الأنصار: «إنكم لتَكْثرُون عند الفزع وتقلون عند الطمع»، والأنصار من الأوس والخزرج (وهما قبيلتان يمانيتان أزديتان) في قول النسابين، ويختار قول أبي بكر في المهاجرين: «ولَمَا لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد علي من وجعي، إني وَلَّيت أموركم خيركم فكلكم ورِم أنفه أن يكون له الأمر من دونه.» ويختار الكلام في الخوارج ويطيل لسببين على ما يظهر:
  • (١)

    فهو يعارض الجاحظ، وقد ذكر في كتابه الشعوبية. والشعوبية حركة أعجمية تناهض العرب، والخوارج أكثرهم عرب خلَّص، لهم أدب عربي.

  • (٢)

    والذي قاتل الخوارج المهلب بن أبي صفرة وبنوه، وهو أزدي كالمبرد، وكان يعاونه الأزديون؛ قبيلة المبرد، فالإشادة بالتنكيل بالخوارج إشادة بقبيلته. وهو في كتاب الكامل يعلي شأن المهلب ويتأول له: «لقد رمي المهلب بالكذب حتى في حديث رسول الله» فهو يذكر أنه إنما كذب في الحرب، والحرب خدعة، والكذب في الحرب جائز. والكتاب مملوء بالأخبار التي تعظم آل المهلب وترفع من شأنهم، ويروي في أخبار الخوارج قول أعشى همدان:

    إنَّ المكارم أُكْمِلَتْ أسبابُها
    لابْنِ الليوثِ الغُرِّ من قَحْطانِ
    للفارسِ الحامي الحقيقةَ مُعلِما
    زاد َالرِّفاق إلى قرى نَجْرَان
    الحارثِ بن عُمَيْرَةَ الليثِ الذي
    يحمي العراقَ إلى قرى كِوْمان
    ودّ الأزارِقُ لو يُصاب بطعنَةٍ
    ويموت من فرسانهم مائتان٤٤
    ويروي المبرد عن علي أنه قال: «للأزد أربع ليست لحي؛ بذلٌ لما ملكت أيديهم، ومنع لحوزتهم، وحي عِمارة لا يحتاجون إلى غيرهم، وشجعان لا يجبنُون.»٤٥

•••

وبعد، فإن كانت الثقافة الفارسية تمثل حياة كِسروية فيها مدينة معقدة ونظم مركبة، وفيها مرافق المدنية الممعنة في الحضارة، وفيها محاسن المدنية ومساويها. فالثقافة العربية تمثل حياة بسيطة سهلة لا تركب فيها ولا التواء، فيها بساطة العيش، وفيها بساطة القول. وفيها محاسن البادية ومساوئها، كما تمثل قومًا عاشوا في جاهليتهم في نزاع قبلي، يفخرون ويمدحون ويهجون، ويدينون بالأصنام، ثم يجمعهم دين واحد هو الإسلام فيرفع من نفسيتهم وعقليتهم، ويأخذون في حياة فيها أثر للقديم، من عصبية قبلية ونحوها، وفيها كثير من جديد؛ فتوحيد وتقوى، وخوف من الله وعذابه ورغبة في ثوابه، وفيها شعور بعزة الفاتح وسلطان الحاكم، وفيها اعتداد بأنفسهم، وخاصة من ناحيتين: لسانهم وسيفهم، واعتماد على غيرهم في مرافق مدنية دربوها ومرنوا عليها.

ولئن كانت الثقافة الفارسية دونت من قديم وتعاورها التلف والتجديد، وادخرت في كتب سلم منها شيء إلى العهد الإسلامي، فالثقافة العربية كانت كلها في جاهليتها ثقافة شفوية تعتمد على الذاكرة والرواية، وفي الإسلام إنما عني بتدوين القرآن وبعض الحديث. فأما الأدب واللغة فظل أغلبهما كما كان الحال في الشعر الجاهلي والأدب الجاهلي، يتناقل من طريق الحفظ والرواية، حتى كان آخر الدولة الأموية وأول العباسية فأخذ العلماء في تدوينه.

ولئن كانت الثقافة اليونانية قد مرت بالأدوار الطبيعية للعلم؛ من بحثٍ في مسائل متفرقة، فتنظيم وتبويب، وجمع للمسائل المتشابهة وقواعدها في باب واحد، ووصلت إلى المسلمين بعد أن هذبها المنطق، ورتبتها الأجيال المتعاقبة من فلاسفة اليونان، فالثقافة العربية في عصرنا الذي نؤرخه من لغة وأدب وتاريخ ونحوها كانت في أول دورها من حيث الترتيب والتبويب؛ فنرى الفوضى في كتب اللغة المؤلفة في ذلك العصر، كما رأينا في كتاب الكامل، ولم تجتز الثقافة العربية هذا الدور إلا بعد أن انتهى عصرنا أو كاد.

ومهما يكن من شيء فالثقافة العربية كانت ركنًا من أركان الثقافات في ذلك العصر، وعنصرًا هامًّا من عناصرها، لا تقلُّ عن غيرها من العناصر، إن لم تزد عليها، لأن لسانها لسان الحاكمين، ولغتها لغة الدين.

١  انظر فجر الإسلام، ص ٦٢ وما بعدها.
٢  مثال ذلك ما حكى الربيع بن عبد الرحمن السلمي قال: قلت لأعرابي: أتهمز إسرائيل؟ قال: إني إذن لرجل سوء! قال فتجر فلسطين؟ قال: إني إذن لقوي! وقال خلف: قلت لأعرابي: ألقي عليك بيت ساكن؟ قال: على نفسك فألقه!
٣  المزهر ١: ١٣٣.
٤  للأمثلة على ذلك انظر كتاب الفروق للامانس، وكتاب الألفاظ الفارسية والمزهر للسيوطي، وفقه اللغة للثعالبي.
٥  البيان والتبيين ١: ١١١.
٦  البيان ١: ١٢٣.
٧  عيون الأخبار ٢: ١٥٩.
٨  المصدر نفسه.
٩  البيان ١: ١٢١.
١٠  البيان ١: ١٢٢.
١١  البيان ٢: ١٦٢.
١٢  البيان ٢: ١٥٦، والعقد الفريد ١: ٢٩٦، وطبقات الأدباء، ص ١٧٩.
١٣  كان الشلويين إمامًا في النحو، وكان لا يحسن الكلام.
١٤  ذكر الأغاني أن الرشيد كان مما يعجبه غناء الملاحين في الزلالات إذا ركبها، وكان يتأذى بفساد كلامهم ولحنهم، فقال: قولوا لمن معنا من الشعراء يعلموا هؤلاء شعرًا يغنون فيه، فقيل له: ليس أحد أقدر على هذا من أبي العتاهية. فعمل قصيدته «خانك الطرف الطموح»، الأغاني ٣: ١٧٧.
١٥  البيان ١: ١٢٢.
١٦  حرش الضب: صاده.
١٧  الشوابرز، جمع شيراز: اللبن الرائب المستخرج ماؤه، والكواميخ جمع كامخ نوع من الإدام.
١٨  يريد أنه تحضر ففسدت لغته؛ لأنه جمع «إرة» فكان الواجب أن يقول حفرت الإرين كعزة وعزين.
١٩  الفهرست: ٤٣، وما بعدها.
٢٠  الأغاني ٥: ٧٧،١٢٠،٩٠،٨١.
٢١  الأغاني ٣: ٢٦، وأبدى أقام بالبادية.
٢٢  الأغاني ٣: ٥٢.
٢٣  طبقات الأدباء لابن الأنباري، ص ٨٤.
٢٤  ابن خلكان ١: ٥٥٠.
٢٥  المزهر ١: ٢٤٨.
٢٦  لسان العرب ٢: ٣٠٦.
٢٧  الغطمطة: صوت القدر.
٢٨  البيان والتبيين ١: ١١٠.
٢٩  العقد ٢: ٩٢.
٣٠  المصدر نفسه، ٩٢–١٣٢.
٣١  زهر الآداب هامش العقد ٢: ٢.
٣٢  النقد ٢: ٩٣.
٣٣  المزهر ٢: ٢٥٣ نقلا عن الكامل.
٣٤  ص ١١٧، فقه اللغة، طبعة مصر. وقد حذف هذا الفصل من الآباء اليسوعيين.
٣٥  الأغاني ٥: ١٧٢ وانظر بقية الحكاية وسبب هذا التشهير.
٣٦  ابن خلكان ١: ٢٩٣.
٣٧  ياقوت ٧: ٢٥٠.
٣٨  قال ابن خلدون: «لما فسدت اللغة بما أُلقي إليها مما يغايرها، وخشي أهل العلوم أن تفسد تلك الملكة رأسًا، ويطول العهد بها، فينغلق القرآن والحديث عن المفهوم استنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة، شبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ويلحقون الأشباه بالأشباه، مثل أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب …» إلخ. مقدمة ٤٨٠.
٣٩  قال الثعالبي في أول كتابه فقه اللغة: «أما بعد فإن من أحب الله أحب رسوله المصطفى ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن، أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحب العربية عُنِيَ بها وثابر عليها وصرف همته إليها.» ويقول: «والعربية خير اللغات والألسنة والإقبال على تفهمها من الديانة؛ إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين …» إلخ.
وقال ابن عباس: الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه، وسئل عن قول الله تعالى عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ قال: عزين الحلق الرقاق؛ قال عَبِيد بن الأَبرص:
فجاءوا يهرعون إليه حتى
يكونوا حول منبره عزينا
انظر الإتقان ١: ١٤٩ وما بعدها.
٤٠  يقول عبد القاهر في البلاغة: «وهو باب من العلم إذا أنت فتحته اطلعت منه على فوائد جليلة، ومعانٍ شريفة، ورأيت له أثرًا في الدين عظيمًا وفائدة جسيمة، ووجدته سببًا إلى حسم كثير من الفساد فيما يعود إلى التنزيل، وإصلاح أنواع من الخلل فيما يتعلق بالتأويل.» دلائل الإعجاز، ص٣٣.
٤١  معجم الأدباء ٧: ١٣٧.
٤٢  تجد أسماء الكتب التي ألفها في الفهرست ومعجم الأدباء.
٤٣  الكامل ٢: ٢.
٤٤  الكامل ٢: ٢١٠.
٤٥  الكامل ١: ٣٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤