الفصل العاشر

السيَّارات السفلى

عطارد

عطارد أقرب السيَّارات المعروفة إلى الشمس وقد ظنَّ بعض العلماء أنَّ داخل فلكه سيَّارًا أقرب منه إلى الشمس أطلقوا عليه اسم فلكان وزعم بعضهم أنهم رأوه فعلًا ولكن الأرصاد الحديثة لم تثبت ذلك بل أثبتت أن هناك أجرامًا صغيرة جدًّا كثيرة العدد تدور حول الشمس، وقد ظنَّ البعض أنها هي التي تفعل ما كان يُنْسَب إلى السيَّار فلكان من الجذب ممَّا دعا إلى فرض وجودهِ، وهذه الأجرام الصغيرة هي سبب ما يسمَّى بالنور البرجي؛ لأنهُ يُرَى في دائرة البروج تابعًا للشمس بعد غروبها ومتقدِّمًا عليها قبل شروقها وهذا الأخير سمِّي بالشَّفَقِ الكاذب أو ذَنَب السرحان.

وعطارد أحمر اللون يُرى أحيانًا كنجم من القدر الأول وأحيانًا أصغر من ذلك، وهو أصغر السيَّارات كلها ما عدا النجيمات، قطرهُ ٢٩٧٦ ميلًا؛ أي نحو ثلث قُطْر الأرض وبُعْدُه عن الشمس يختلف حسب كونه في نقطة الرأس أو نقطة الذَّنَب فأبعدهُ نحو ٤٢٦٦٥٠٠٠ ميل وأقربهُ ٢٨١١٩٠٠٠ ميل ومتوسِّطه نحو ٣٦ مليون ميل؛ أي نحو ثلث بعد الأرض عن الشمس وكثافته ٣٫٥ أي؛ أكثر من نصف كثافة الأرض، ومدة دورانه على نفسه وحول الشمس نحو ٨٨ يومًا، ولما كان فلكهُ داخل فلك الأرض لأنهُ أقرب إلى الشمس منها نراه دائمًا إلى جهة الشمس إمَّا إلى الغرب منها فيُشرق قبلها ويكون نجم الصباح وإمَّا إلى الشرق منها ويغرب بعدها وهو نجم السماء وإمَّا على وجهها تمامًا كما يتَّضح من الشكل ١٠-١.
لنفرض أن الأرض أو الناظر إلى السماء واقف عند الحرف «ي» في الشكل ١٠-١، وأن الشمس عند الحرف «ش» والدائرة الصغيرة فلك عطارد حول الشمس والقوس العليا جانب من مقعر السماء الذي فيه النجوم، فالناظر عند «ي» يرى الشمس في مقعَّر السماء عند الحرف «ش »، وإذا كان عطارد عند الحرف «س» فإنه يراه شامة سوداء على وجه الشمس، إذا اتَّفق وكان هو والأرض والشمس في خطٍّ واحد.
fig30
شكل ١٠-١
وإذا وصل عطارد إلى الحرف «ب» فإنهُ يراه في مقعَّر السماء عند «ب » وقبلما يصل إلى «ب» يراه بين «ب» و«ش » وبعد ما يغادر «ب» إلى أن يصل إلى قرب «د» يراهُ بين «ب » و«ش » أيضًا، ولكنهُ إذا قرب من «د» تتعذَّر رؤيته لأنه يكون قريبًا من الجهة التي ترى فيها الشمس، ثم إذا اجتاز «د» ووصل إلى «أ» رآه بين «ش» و«أ»، وفي سيره من «أ» إلى «س» يراه أيضًا بين «أ» و«ش» فلا يبعد عن الشمس لا شرقًا ولا غربًا أكثر من المسافة بين «ب » و«أ ».
fig31
شكل ١٠-٢
fig32
شكل ١٠-٣: صورة عطارد من حين يكون بدرًا إلى أن يصير هلالًا ومن حين يكون هلالًا إلى أن يصير بدرًا مع حفظ النسبة في القرب والبعد.
فإذا كان عند «س»؛ أي في الاقتران الأسفل يكون في أقرب نقطة من فلكه إلى الأرض فيظهر كبيرًا كما ترى في الشكل ١٠-٢ ولكن وجهه المتَّجه إلينا يكون مظلمًا حينئذٍ؛ لأن نوره مستمدٌّ من الشمس والوجه المنار متَّجه إليها لا إلينا، وإذا كان عند «د»؛ أي في الاقتران الأعلى يكون في أبعد نقطة من فلكه عن الأرض فيظهر لنا صغيرًا ولكن وجهه المنار بنور الشمس يكون متَّجهًا إلينا كما ترى في الشكل ١٠-٢.
fig33
شكل ١٠-٤: صورة الزهرة هلالًا وفي التربيع وبدرًا مع حفظ النسبة في القرب والبعد.

ويتزايد بين الاقتران الأسفل والأعلى ويتناقص بين الاقتران الأعلى والأسفل كالقمر تمامًا؛ أي يكون هلالًا ثم يزيد الجزء الذي نراه من وجهه المنار رويدًا رويدًا إلى أن يصير بدرًا كاملًا ويتناقص بعد ذلك إلى أن يعود هلالًا لكن ذلك لا يُرَى بالعين المجرَّدة بل بالنظارات الفلكية، وما يصدق عليه من هذا القبيل يصدق على الزهرة أيضًا وقد كانت رؤيتهما كذلك بالنظارة أقوى مؤيِّد لصحة الرأي الجديد في النظام الشمسي الذي أساسه ثبوت الشمس ودوران السيارات حولها.

ترى في الشكل ١٠-٣ المقابل صور عطارد وتغيُّره من الاقتران الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى.

ودرس طبائع هذا السيَّار بالتلسكوب صعب جدًّا لقُرْبهِ من الشمس؛ ولذلك لا يُعْرَف من أمرهِ كما يُعْرَف من أمر غيره من السيَّارات، وقد قلنا سابقًا إنه يدور حول الشمس كل ٨٨ يومًا من أيامنا والمرجَّح أنه يدور على نفسه في هذه المدة عينها، وقد ظنَّ الفلكيون قبلًا أنه يدور على نفسه كل ٢٤ ساعة و٥٠ دقيقة؛ أي إنَّ يومه مثل يومنا تقريبًا ولكن ذلك كاد يُنفى الآن ويثبت أنه يدور على نفسه في المدة التي يدور فيها حول الشمس فنسبته إلى الشمس من هذا القبيل كنسبة القمر إلى الأرض.

الزهرة

والزهرة فلكها داخل فلك الأرض كعطارد فإذا كانت إلى الجهة الشرقية من الشمس فهي نجمة السماء وتغرب بعد الشمس، وإذا كانت في الجهة الغربية من الشمس فهي نجمة الصباح وتطلع قبل الشمس، وإذا كانت في الاقتران الأسفل فقد ترى شامة سوداء على وجه الشمس أو لا ترى مطلقًا ثم تصير هلالًا وتتزايد رويدًا رويدًا إلى أن تصير بدرًا كاملًا ولا تُرى كذلك إلَّا بالتلسكوب، ولكنها قد تُرى في النهار سائرة وراء الشمس أو أمامها لكبَرها وللفرق الكبير في بُعْدِها عنا بين كونها في اقترانها الأسفل أو الأعلى يختلف حجمها في نظرنا كثيرًا كما ترى في الشكل ١٠-٤ ومتى كانت في التربيع؛ أي متى اتجه إلينا نصف وجهها المنار بنور الشمس ظهرت بالتلسكوب كصفيحة صقيلة من الفضة خالية من كل شائبة، وقد ظنَّ راصدوها من عهد طويل أنهم رأوا في سطحها من الاختلاف ما يدلُّ على أنها تدور على محورها دورة كاملة كل ٢٣ ساعة أو ٢٤ ساعة ولكن شيابارلي الفلكي الإيطالي رصدها من سنة ١٨٨٨ إلى سنة ١٩٠٠ فوجد أنَّ أحد وجهيها يتَّجه إلى الشمس دائمًا كما يتجه القمر إلى الأرض فتكون مدة دورانها على نفسها هي مدة دورانها حول الشمس؛ أي ٢٤٤ يومًا وسبعة أعشار اليوم إلَّا أنَّ علماء الفلك لم يقطعوا بذلك حتى الآن ولكن يظهر من البحث بالسبكتروسكوب في صور صُوِّرَت منذ خمسة أعوام١ أن الزهرة تدور على نفسها كالأرض وأنَّ سرعتها مثل سرعة الأرض.

ويظهر من بعض الأرصاد أن لها جوًّا يحيط بها مملوءًا بالغيوم حتى تتعذَّر رؤية سطحها من ورائه، وقد ادَّعى البعض أنَّهم رأوا لها قمرًا يدور حولها ولكن الأرصاد الحديثة نفت ذلك أو لم تُثْبِته.

وقُطْرُ الزهرة ٧٦٢٩ ميلًا وكثافتها ٥٫٠٥؛ أي نحو كثافة الأرض ومتوسِّط بُعْدِها عن الشمس نحو ٦٧٠٠٠٠٠٠ ميل.

١  ناتشر، ٩ مايو سنة ١٩١٨، صفحة ١٩٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤