الفصل الثالث عشر

النجوم الثوابت

أبعادها

إنَّ ما ذكرناه حتى الآن في هذه البسائط اقتصرنا فيه على الشمس وسياراتها وأقمار هذه السيَّارات وعلى ذوات الأذناب والشهب والنيازك المعدودة من النظام الشمس؛ أي اقتصرنا على شمسنا وتوابعها، أمَّا سائر النجوم فكلُّ نجم منها شمس كبيرة مثل شمسنا أو أكبر منها مِرارًا، فالنجم المُسمَّى بالنسر الواقع لو اقترب منا حتى صار على بعد شمسنا لكان نوره أسطع من نورها مائة مرة، ولو بعدت هي عنا حتى صار بعدها مثل بعده لرأينا نورها أقل من نوره مائة مرة ولكن لبعده الشاسع نراه كما نراه الآن، وقِسْ عليه سائر النجوم.

وقد عَرَفَ علماء الفلك أبعاد مئات من هذه النجوم بما يمكن من الدقَّة، فإن الأرض تدور حول الشمس كل سنة في فلك قطره نحو ١٨٦٠٠٠٠٠٠ ميل كما تقدَّم، فإذا رصدنا نجمًا من النجوم اليوم وعيَّنا موقعه في السماء ثم رصدناه بعد ستة أشهر نكون كالمهندس الذي يقيس بُعد جبل من مكانين؛ ليرسم مثلثًا يعرف به بُعد ذلك الجبل من معرفته البعد بين المكانين، والزاوية التي بين خطَّي النظر، وعرف الفلكيون أيضًا أنَّ النظام الشمسي سائر نحو نجم في السماء سيرًا سرعته نحو ١٢ ميلًا في الثانية من الزمان، فالمقرُّ الذي تكون فيه أرضنا اليوم مع النظام الشمسي هو غير المقرِّ الذي تكون فيه غدًا، فإذا رُصد نجم من هذين المقرين وظهر اختلاف في موقعه عُرف منه مقدار بُعْدِه عنا.

والنجوم تُعَدُّ بالملايين، لكن علماء الفلك لم يتمكَّنوا حتى الآن إلا من معرفة أبعاد المئات منها؛ لأن سائرها أبعد من أن يُرى اختلاف في مواقعه والذي عُرِفَ بُعده منها جرت العادة ألا يحسب بُعده بالأميال بل بالمسافة التي يقطعها النور في سنة من الزمان، فإن النور يسير ١٨٦٠٠٠ ميل في الثانية فيقطع في السنة نحو ٦٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ ميل، وقد وُجِدَ بالرصد أن أقرب النجوم منا لا يصل نوره إلينا إلا في أربع سنوات ونحو نصف سنة، فيُقال إنَّ بعده عنا أربع سنوات ونصف سنة نورية، ومن النجوم ما لا يصل النور منه إلينا إلا في ألف سنة أو أكثر، فالنجم المسمَّى بالنسر الطائر يصل النور منه إلينا في أربع عشرة سنة ونصف سنة؛ لأن بُعْدَه ٨٧٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ ميل، والنجم المُسمَّى بالنسر الواقع يصل النور منه إلينا في نحو ثلاثين سنة؛ لأن بُعْدَه عنا نحو ١٨٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠، والنجم المُسمى بالسماك الرامح يصل النور منه إلينا في نحو خمسين سنة؛ لأن بعده عنا ٣٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠، وأمَّا الشِّعْرَى العبور وهي أسطع النجوم نورًا فبُعْدُها عنا نحو تسع سنوات نورية، والعيوق بُعْدُه عنا نحو ٣٢ سنة نورية.

وأول مَنْ قاس أبعاد النجوم بالضبط الفلكي ستروف، فإنه قاس بُعد النسر الواقع سنة ١٨٣٥ إلى سنة ١٨٣٨ فجاءت نتيجة قياسه مطابقة لنتيجة القياسات الحديثة، مع أنَّ الفلكيين يستخدمون الآن من الوسائل ما لم يكن معروفًا في عصره.

عددها

لمَّا قال الشاعر العربي: «وفي السماءِ نجوم لا عديد لها» لم يبالغ ولا غالى، ولو كان قصده المبالغة فإن النجوم التي نراها بالعين قليلة تُعَدُّ بسهولة، وقد عدَّها كثيرون وقسَّموها إلى مجاميع من قديم الزمان وذكروا عدد ما في كل مجموع منها، ولكن إذا نظرنا إلى السماء بنظارة مُقرِّبة ولو من النظَّارات الصغيرة التي تُسْتَعمل في مشاهد التمثيل رأينا فيها نجومًا لا نراها بالعين المجرَّدة يتعذَّر إحصاؤها لكثرتها.

ولا يخفى أننا نرى المرئيات بالنور الذي يدخل بؤبؤ العين، فإذا كان قليلًا جدًّا لم يؤثِّر في عصب البصر فلا نرى شيئًا، ولكن إذا وقع النور الضئيل على بلورة واسعة أو مرآة مقعرة فجمعته قرب محترقها ودخل حينئذٍ بؤبؤ العين أثَّر في عصب البصر؛ ولذلك استعملت النظارات الفلكية لرصد الأفلاك وتبارى أهل الرصد في تكبيرها حتى يجمعوا بها المقدار الأكبر من النور، ولم يكتفوا بذلك بل استعانوا بآلات التصوير التي تدور مع النجوم حتى تبقى متَّجهة إليها ساعة أو ساعتين فترتسم فيها صورة النجم ولو كان نوره ضئيلًا جدًّا لا يُرى بالتلسكوب.

وقد صار اعتماد أهل الرصد الآن على تصوير النجوم بآلات من هذا القبيل لأجل إحصائها ومعرفة أبعادها وحركاتها ونسبة بعضها إلى بعض.

وكان القدماء في عهد هبرخس وبطليموس قد قسَّموا النجوم التي رأوها إلى ستة أقدار حسبما رأوا بعيونهم من كبَرها وصغرها أو كثرة إشراقها وقلَّته، فقالوا: إن الشِّعْرَى العبور والنسر الواقع والنسر الطائر ومنكب الجوزاء والعيوق والدبران والسماك الرامح من القدر الأول، وإن السماك الأعزل وبطن الحوت وجناح الفرس وسعد السعود من القدر الثاني، وسعد الملك وسعد الذابح والفرقدين من القدر الثالث وهلَّم جرًّا، وجرى أهل الرصد في هذا العصر مجراهم ووصلوا في رصد النجوم التي من القدر الأول وما فوقه١ ١١ نجمًا والتي من القدر الثاني ١٧ نجمًا والتي من القدر الثالث ٧٣ نجمًا، والتي من القدر الرابع ١٨٩ نجمًا ومن القدر الخامس ٦٥٠ ومن القدر السادس ٢٢٠٠ ومن السابع ٦٦٦٠، وإذا أحصيت النجوم كذلك إلى القدر العشرين بلغ عدد ما هو من القدر العشرين منها ٧٦ مليونًا، ومجموع أقدارها كلها من الأول إلى العشرين ٢٢٤ مليون نجم.

وبين الأقدار التي تُرَى بالعين والتي تُرَى بالتصوير شيء من الفرق؛ فمجموع الأقدار الستة الأولى بالتصوير ٣١٥٠ نجمًا، وأمَّا العين فترى إلى القدر السادس نحو ٦٠٠٠ نجم؛ أي إنَّها ترى إلى ما بين القدر السادس والسابع، ولكن اتَّفق الأقدمون على جعل الأقدار كلها التي تُرى بالعين ستة كما تقدَّم.

والنجوم التي ترى بنظارة قطر بلورتها من بوصتين إلى ثلاث لا يزيد عددها على ١٠٠٠٠٠ نجم؛ أي إلى ما بين القدر التاسع والعاشر، ثم إذا زادت سعة البلورة زاد عدد النجوم التي تُرَى بها ولكن الزيادة لا تستمرُّ على نسبة واحدة بل تكون كثيرة جدًّا إلى أن تبلغ القدر العاشر ثم تقلُّ رويدًا كما ترى في الجدول التالي:

النور عدد نجومه نسبتها إلى القدر الأول
١ ١٤ ١٤
٢ ٢٧ ١٧
٣ ٧٣ ١٨
٤ ١٨٩ ١٩
٥ ٦٥٠ ٢٦
٦ ٢٢٠٠ ٣٥
٧ ٦٦٦٠ ٤٢
٨ ٢٢٥٥٠ ٥٦
٩ ٦٥٠٠٠ ٦٥
١٠ ١٧٤٠٠٠ ٦٩
١١ ٤٢٦٠٠٠ ٦٨
١٢ ٩٦١٠٠٠ ٦٠
١٣ ٢٠٢٠٠٠٠ ٥١
١٤ ٣٩٦٠٠٠٠ ٤٠
١٥ ٧٨٢٠٠٠٠ ٣١
١٦ ١٤٠٤٠٠٠٠ ٢٢
١٧ ٢٥٤٠٠٠٠٠ ١٦
١٨ ٣٨٤٠٠٠٠٠ ١٠
١٩ ٥٤٦٠٠٠٠٠ ٦
٢٠ ٧٦٠٠٠٠٠٠ ٣

وواضح من هذا الجدول أنَّ عدد النجوم كلها إلى القدر السادس نحو مضاعف عددها إلى القدر الخامس، ثم تزيد هذه النسبة حتى القدر العاشر، فإن عددها هناك يكاد يكون ثلاثة أضعاف عددها حتى القدر التاسع ثم تقل الزيادة بعد ذلك رويدًا رويدًا دلالة على أنها تنتهي بعد ذلك، ويؤيِّد هذه النتيجة أنَّ مجموع نور النجوم التي من القدر الأول يساوي نور ١٤ نجمًا من متوسِّط القدر الأول، ومجموع نور النجوم التي من القدر الثاني يساوي نور ١٧ نجمًا من متوسط القدر الأول، وتبقى الزيادة تتضاءل إلى أن تبلغ القدر العاشر، ونجومه ١٧٤ ألفًا يبلغ نورها نور ٦٩ نجمًا فقط من القدر الأول، ثم يقلُّ مجموع نور الأقدار العليا حتى تبلغ القدر العشرين ومجموع نجومه ٧٦ مليونًا، ولكن مجموع نورها قدر نور ثلاثة نجوم من القدر الأول، وتقلُّ النجوم بعد ذلك، ويقل نورها؛ دلالة على أن لها حدًّا لا تتجاوزه، فتنتهي عنده.

١  لأن الشِّعْرَى العبور أسطع من غيره من نجوم القدر الأول كثيرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤