الفصل الأول

السِّنْجَابُ الْأَحْمَرُ ثرثار يَنْجُو بِحَيَاتِهِ

كَانَ السِّنْجَابُ الْأَحْمَرُ ثرثار مُسْتَاءً مِنْ غِيَابِ الْإِثَارَةِ، حَتَّى إِنَّهُ حَاوَلَ خَلْقَ بَعْضِ الْإِثَارَةِ بِإِيقَاظِ الرَّاكُونِ بوبي وَإِثَارَةِ غَضَبِهِ الشَّدِيدِ حَتَّى هَدَّدَهُ بوبي بِأَكْلِهِ حَيًّا. اسْتَمْتَعَ كَثِيرًا بِالرَّقْصِ فِي أَرْجَاءِ الْمَكَانِ وَإِهَانَةِ بوبي وَالسُّخْرِيَةِ مِنْهُ. أَجَلْ، كَانَ ذَلِكَ مُمْتِعًا بِحَقٍّ؛ فَقَدْ كَانَ يَعْلَمُ طَوَالَ الْوَقْتِ أَنَّ بوبي لَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِمْسَاكِ بِهِ وَإِنْ حَاوَلَ. وَلَكِنَّ الْوَضْعَ مُخْتَلِفٌ الْآنَ؛ فَقَدْ تَحَقَّقَ لِثرثار كُلُّ مَا تَمَنَّاهُ مِنْ إِثَارَةٍ، بَلْ أَكْثَرُ مِمَّا تَمَنَّاهُ. فَالْحَقِيقَةُ أَنَّهُ كَانَ يَفِرُّ لِيَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ، وَكَانَ يُدْرِكُ الْخَطَرَ الْمُحْدِقَ بِهِ.

إِنَّهُ لَأَمْرٌ مُفْزِعٌ جِدًّا أَنْ يُضْطَرَّ الْمَرْءُ إِلَى الْفِرَارِ لِيَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ. وَالْأَرْنَبُ بيتر خَيْرُ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ؛ فَكَثِيرًا مَا فَرَّ لِيَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ؛ فَأَحْيَانًا كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي يُطَارِدُهُ، وَأَحْيَانًا أُخْرَى كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر، وَمَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ. وَكَانَ بيتر يَعْلَمُ أَنَّ حَيَاتَهُ تَعْتَمِدُ عَلَى سَاقَيْهِ الطَّوِيلَتَيْنِ، وَكَمْ مِنْ مَرَّةٍ تَمَلَّكَ قَلْبَهُ الْخَوْفُ الشَّدِيدُ. وَلَكِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّهُ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ بُلُوغِ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ أَوِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ أَوَّلًا، فَسَيَكُونُ فِي مَأْمَنٍ، وَكَانَ دَائِمًا مَا يَبْلُغُهُ. لِذَا عِنْدَمَا كَانَ يَرْكُضُ مُسْتَشْعِرًا ذَاكَ الْخَوْفَ الشَّدِيدَ، دَائِمًا مَا كَانَ يَشْعُرُ بِالْأَمَلِ أَيْضًا.

وَلَكِنَّ السِّنْجَابَ الْأَحْمَرَ ثرثار كَانَ يَرْكُضُ بِلَا أَمَلٍ. لَمْ يَشْعُرْ إِلَّا بِخَوْفٍ شَدِيدٍ فِي قَلْبِهِ؛ إِذْ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَيْنَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ؛ فَالشَّجَرَةُ الْمُجَوَّفَةُ وَالْفُتْحَاتُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ؛ حَيْثُ مِنَ الْمُمْكِنِ لَهُ أَنْ يَحْتَمِيَ دَاخِلَهَا مِنَ الْآخَرِينَ جَمِيعًا — حَتَّى ابْنِ الْمُزَارِعِ براون — لَنْ تُوَفِّرَ لَهُ الْأَمَانَ الْآنَ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ يَرْكُضُ فِي إِثْرِهِ وَقَدْ لَاحَ الْجُوعُ فِي عَيْنَيْهِ الْمُحْمَرَّتَيْنِ غَضَبًا يَسْتَطِيعُ الْوُصُولَ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ يَصِلُ إِلَيْهِ ثرثار، وَيُمْكِنُهُ الْوُلُوجُ إِلَى أَيَّةِ فُتْحَةٍ يُمْكِنُ لِثرثار أَنْ يَحْشُرَ نَفْسَهُ فِيهَا. فَقَدْ كَانَ ابْنُ عِرْسٍ شادو مَنْ يُطَارِدُ ثرثار، وَشادو رَشِيقٌ جِدًّا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ إِلَى أَمَاكِنَ حَتَّى ثرثار نَفْسُهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُرُورُ عَبْرَهَا.

وَكَانَ ثرثار يَعْرِفُ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ وَنَظَرًا لِعَدَمِ جَدْوَى الرَّكْضِ إِلَى مَخَابِئِهِ الْآمِنَةِ الْمُعْتَادَةِ، رَكَضَ فِي الِاتِّجَاهِ الْعَكْسِيِّ تَمَامًا. لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ إِلَى أَيْنَ هُوَ ذَاهِبٌ، وَلَمْ تَشْغَلْ بَالَهُ سِوَى فِكْرَةٍ وَاحِدَةٍ: أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي الرَّكْضِ قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهِ، ثُمَّ يُحَاوِلَ أَنْ يُقَاتِلَ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ قِتَالَهُ سَيَكُونُ بِلَا جَدْوَى.

وَبَكَى، بَيْنَمَا كَانَ يَرْكُضُ أَعْلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ وَيَثِبُ مِنْهُ إِلَى الشَّجَرَةِ الْمُقَابِلَةِ، وَقَالَ: «يَا لَلْهَوْلِ! يَا لَلْهَوْلِ! لَيْتَنِي لَمْ أَتَدَخَّلْ فِيمَا لَا يَعْنِينِي! لَيْتَنِي أَمْسَكْتُ لِسَانِي. لَمْ يَكُنْ شادو لِيَعْرِفَ مَكَانِي لَوْ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتِي. يَا لَلْهَوْلِ! يَا لَلْهَوْلِ! مَاذَا أَفْعَلُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ؟»

وَفِي ذَلِكَ الْحِينِ كَانَ ثرثار مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِ قَدْ رَكَضَ وَقَفَزَ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ حَتَّى بَدَأَ يَسْتَبِدُّ بِهِ التَّعَبُ. اكْتَشَفَ تَوًّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْفِزَ قَفْزَةً طَوِيلَةً جِدًّا كَيْ يَبْلُغَ الشَّجَرَةَ التَّالِيَةَ. وَكَثِيرًا مَا قَفَزَ قَفَزَاتٍ بِالطُّولِ نَفْسِهِ دُونَ أَنْ يَشْعُرَ بِذَرَّةِ قَلَقٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتْعَبًا لِلْغَايَةِ حِينَذَاكَ بِحَيْثُ بَدَتْ لَهُ الْمَسَافَةُ ضِعْفَ طُولِهَا الْحَقِيقِيِّ. وَلَمْ يَجْرُؤْ عَلَى التَّوَقُّفِ حَتَّى يَنْزِلَ مِنْ عَلَى الشَّجَرَةِ وَيَلُوذَ بِالْفِرَارِ؛ لِذَا أَخَذَ نَفَسًا عَمِيقًا وَرَكَضَ سَرِيعًا عَلَى غُصْنِ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ وَثَبَ. لَامَسَتْ يَدَاهُ طَرَفَ الْغُصْنِ الْأَقْرَبِ إِلَيْهِ بِالشَّجَرَةِ الْمُقَابِلَةِ، فَبَذَلَ قُصَارَى جُهْدِهِ لِلتَّشَبُّثِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَسَقَطَ إِلَى أَسْفَلَ، وَرَاحَ يَتَهَاوَى إِلَى الْأَسْفَلِ، لَكِنَّهُ شَدَّ نَفْسَهُ قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ، وَهُوَ مَا أَنْقَذَ حَيَاتَهُ إِلَى حَدٍّ مَا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ سَقْطَةً مُرَوِّعَةً، وَعِنْدَمَا ارْتَطَمَ بِالْأَرْضِ بَدَا لَهُ الْأَمْرُ لِدَقِيقَةٍ وَكَأَنَّ رُوحَهُ قَدْ فَارَقَتْهُ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحْدُثْ، وَبَعْدَ دَقِيقَةٍ رَاحَ يَتَسَلَّقُ الشَّجَرَةَ مَرَّةً أُخْرَى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤