الفصل الثالث عشر

ثرثار يُزَجُّ بِهِ فِي السِّجْنِ

مَنِ اقْتَرَفَ إِثْمًا يَعْرِفُ بِلَا رَيْبٍ يَوْمًا،
أَنَّ ذَاكَ الْأَذَى يَدْفَعُ لَهُ بِلَا رَيْبٍ ثَمَنًا.

كَانَ ذَلِكَ حَالَ ثرثار. فَطَبْعًا لَمْ يَكُنْ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ الذُّرَةَ مِنْ صَوْمَعَةِ الْمُزَارِعِ براون. وَالْحَقِيقَةُ أَنَّهُ كَانَ يَشْعُرُ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ تَمَامًا مِثْلَمَا هِيَ مِلْكُ الْمُزَارِعِ براون. فَقَدْ كَانَ سُكَّانُ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارُ يَشْعُرُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَنْمُو هُوَ مِلْكٌ لَهُمْ إِذَا رَغِبُوا فِيهِ، وَكَانُوا أَذْكِيَاءَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ لِكَيْ يَحْصُلُوا عَلَيْهِ قَبْلَ غَيْرِهِمْ. وَلَكِنْ هُنَا أَخْطَأَ ثرثار. كَانَ الْمُزَارِعُ براون قَدْ حَصَدَ الذُّرَةَ وَخَزَّنَهَا فِي صَوْمَعَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ بِالتَّأْكِيدِ حَقٌّ فِيهَا. وَكَانَ ثرثار يَعْلَمُ ذَلِكَ فِي أَعْمَاقِهِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، لَمَا أَخَذَهَا خِلْسَةً كَمَا كَانَ يَفْعَلُ. فَقَدْ عَلِمَ طَوَالَ الْوَقْتِ أَنَّهُ يَسْرِقُ، وَلَكِنَّهُ حَاوَلَ أَنْ يُقْنِعَ نَفْسَهُ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ. فَظَلَّ يَسْرِقُ وَيَسْرِقُ حَتَّى وَقَعَ فِي الْمِصْيَدَةِ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ، وَالْآنَ صَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَ خَطَئِهِ.

وَكَانَ ثرثار تَعِيسًا، وَقَدْ أَعْجَزَتْهُ شِدَّةُ التَّعَاسَةُ وَالْخَوْفُ عَنْ فِعْلِ أَيِّ شَيْءٍ سِوَى أَنْ يَجْلِسَ مُنْزَوِيًا عَلَى نَفْسِهِ كَكُرَةٍ صَغِيرَةٍ مُرْتَعِشَةٍ. وَلَمْ يُخَالِجْهُ أَدْنَى شَكٍّ فِي أَنَّ ذَلِكَ هُوَ آخِرُ يَوْمٍ فِي حَيَاتِهِ، وَأَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون سَيُسَلِّمُهُ إِلَى بوسي السَّوْدَاءِ الْقَاسِيَةِ عَلَى الْفَطُورِ. وَكَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَدْ تَرَكَهُ دَاخِلَ الْمِصْيَدَةِ فِي الْمَنْزِلِ وَخَرَجَ. وَلِوَقْتٍ طَوِيلٍ سَمِعَ ثرثار دَقًّا فِي مَخْزَنِ الْحَطَبِ بِالْخَارِجِ، وَكَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُصَفِّرُ أَثْنَاءَ الدَّقِّ. فَتَعَجَّبَ ثرثار مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يُصَفِّرَ وَيَبْدُوَ بِمِثْلِ هَذِهِ السَّعَادَةِ فِي حِينِ أَنَّهُ يَنْتَوِي ارْتِكَابَ فَعْلَةٍ شَنْعَاءَ مِثْلَ أَنْ يُقَدِّمَهُ إِلَى بوسي السَّوْدَاءِ. وَعَقِبَ مَا بَدَا لَهُ فَتْرَةً طَوِيلَةً جِدًّا — دُهُورًا مِنَ الزَّمَانِ — عَادَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، حَامِلًا صُنْدُوقًا عَجِيبًا.

ثُمَّ قَالَ: «هَا هُوَ بَيْتُكَ الْجَدِيدُ أَيُّهَا الْعِفْرِيتُ الْأَحْمَرُ الصَّغِيرُ! أَظُنُّهُ سَيُبْقِيكَ بِمَنْأًى عَنِ الْمَتَاعِبِ بَعْضَ الْوَقْتِ.»

وَفَتَحَ بَابًا صَغِيرًا أَعْلَى الصُّنْدُوقِ، ثُمَّ إِنَّهُ — بَعْدَ أَنِ ارْتَدَى قُفَّازًا مَتِينًا وَفَتَحَ بَابًا صَغِيرًا فِي الْمِصْيَدَةِ — أَدْخَلَ يَدَهُ الْكَبِيرَةَ وَأَطْبَقَهَا عَلَى ثرثار.

وَيَا لَثرثار الْمِسْكِينِ! كَانَ وَقْتَهَا مُوقِنًا مِنْ أَنَّهَا النِّهَايَةُ، وَأَنَّهُ سَيُمْنَحُ إِلَى بوسي السَّوْدَاءِ، الَّتِي كَانَتْ تَتَطَلَّعُ بِعَيْنَيْنِ صَفْرَاوَيْنِ مُتَلَهِّفَتَيْنِ. فَقَاوَمَ وَبَذَلَ قُصَارَى جُهْدِهِ فِي الْعَضِّ، وَلَكِنَّ الْقُفَّازَ السَّمِيكَ لَمْ يُتِحْ لِأَسْنَانِهِ الصَّغِيرَةِ الْحَادَّةِ أَنْ تُؤْذِيَ الْيَدَ الْمُمْسِكَةَ بِهِ. وَحَتَّى فِي رُعْبِهِ، لَاحَظَ أَنَّ الْيَدَ الْكَبِيرَةَ حَاوَلَتْ أَنْ تَتَرَفَّقَ بِهِ وَلَا تُمْسِكَ بِهِ بِإِحْكَامٍ أَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ. ثُمَّ رُفِعَ مِنَ الْمِصْيَدَةِ وَأُسْقِطَ عَبْرَ الْمَدْخَلِ الصَّغِيرِ بِأَعْلَى الصُّنْدُوقِ الْغَرِيبِ الشَّكْلِ، وَأُوصِدَ الْبَابُ. وَلَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ مُفْزِعٌ فِي نِهَايَةِ الْأَمْرِ.

وَفِي الْبِدَايَةِ، اكْتَفَى ثرثار بِالْجُلُوسِ عَابِسًا فِي أَحَدِ الْأَرْكَانِ. وَكَانَ وَاثِقًا مِنْ أَنَّ شَيْئًا فَظِيعًا سَيَحْدُثُ. ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون الصُّنْدُوقَ إِلَى الْمَخْزَنِ وَوَضَعَهُ فِي مَكَانٍ تَدَفَّقَتْ مِنْهُ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ إِلَى دَاخِلِ الصُّنْدُوقِ. وَبَقِيَ يُرَاقِبُهُ بُرْهَةً، وَلَكِنَّ ثرثار ظَلَّ عَابِسًا. وَفِي النِّهَايَةِ، رَحَلَ مُصْطَحِبًا بوسي السَّوْدَاءَ، وَصَارَ ثرثار وَحْدَهُ.

فَعِنْدَمَا تَأَكَّدَ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ أَحَدٍ حَوْلَهُ، بَدَأَ ثرثار يَتَسَاءَلُ عَنْ نَوْعِ الْمَكَانِ الَّذِي وُضِعَ فِيهِ، وَعَمَّا إِذَا كَانَ ثَمَّةَ سَبِيلٌ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ. فَوَجَدَ أَنَّ جَانِبًا مِنْهُ، فَضْلًا عَنْ سَقْفِهِ، كَانَ مَصْنُوعًا مِنْ سِلْكٍ قَوِيٍّ مَتِينٍ، يُمْكِنُهُ النَّظَرُ عَبْرَهُ، وَأَنَّ جَوَانِبَهُ الْأُخْرَى، إِضَافَةً إِلَى قَاعِدَتِهِ، كَانَتْ مَصْنُوعَةً مِنْ خَشَبٍ مُغَطًّى بِأَسْلَاكٍ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ لِأَسْنَانِهِ الْحَادَّةِ أَنْ تَقْضَمَ الْخَشَبَ لِتَصْنَعَ مَخْرَجًا. وَفِي أَحَدِ الْأَرْكَانِ، كَانَ ثَمَّةَ قِطْعَةٌ سَمِيكَةٌ مِنْ شَجَرَةِ تُفَّاحٍ، ذَاتُ غُصْنَيْنِ صَغِيرَيْنِ سَمِيكَيْنِ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهِمَا، وَفِي مُنْتَصَفِ الْمَسَافَةِ إِلَى السَّقْفِ فُتْحَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ صَغِيرَةٌ. فَاسْتَرَقَ ثرثار النَّظَرَ دَاخِلَ الْفُتْحَةِ بِحَذَرٍ بَالِغٍ. وَوَجَدَ دَاخِلَهَا فَرَاغًا رَائِعًا. وَعَلَى أَرْضِيَّةِ الصُّنْدُوقِ كَانَتْ ثَمَّةَ كَوْمَةٌ صَغِيرَةٌ مِنْ نُشَارَةِ خَشَبٍ وَقِطَعٍ صَغِيرَةٍ مِنَ الْقُمَاشِ. وثَمَّةَ كَوْمَةٌ صَغِيرَةٌ مِنَ الذُّرَةِ الصَّفْرَاءِ. وَكَمْ كَرِهَ ثرثار رُؤْيَةَ تِلْكَ الذُّرَةِ! فَالذُّرَةُ هِيَ الَّتِي أَوْقَعَتْهُ فِي كُلِّ تِلْكَ الْمَتَاعِبِ. عَلَى الْأَقَلِّ كَانَ ذَلِكَ هُوَ شُعُورَ ثرثار. وَعِنْدَمَا فَحَصَ كُلَّ شَيْءٍ، أَدْرَكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَبِيلٍ لِلْخُرُوجِ؛ فَقَدْ كَانَ ثرثار فِي السِّجْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هُوَ الِاسْمَ الَّذِي أَطْلَقَهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون عَلَيْهِ؛ فَقَدْ قَالَ إِنَّهُ قَفَصٌ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤