الفصل الخامس عشر

ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُحَاوِلُ عَقْدَ الصَّدَاقَاتِ

لَا أَحَدَ كُلُّهُ شَرٌّ؛ فَكُلُّ قَلْبٍ بِهِ خَيْرٌ،
وَسَيَصِيرُ عَدُوُّكَ صَدِيقًا، إِذَا قُمْتَ بِمَا عَلَيْكَ.

كَانَ السِّنْجَابُ الْأَحْمَرُ ثرثار طَوَالَ حَيَاتِهِ يَعْتَبِرُ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون عَدُوًّا لَهُ، كَحَالِ كُلِّ سُكَّانِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ الصِّغَارِ. فَقَدْ كَانُوا يَخْشَوْنَهُ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْشَوْنَهُ، كَرِهُوهُ؛ فَكَانُوا كُلَّمَا اقْتَرَبَ، يُوَلُّونَ مُبْتَعِدِينَ. وَفِي الْبِدَايَةِ، كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَرْكُضُ فِي إِثْرِهِمْ لِغَرَضٍ وَاحِدٍ فَحَسْبُ، هُوَ رَغْبَتُهُ فِي مُصَادَقَتِهِمْ، وَلَمْ يَعْرِفْ كَيْفَ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُمْسِكْ بِهِمْ. وَبَعْدَ حِينٍ — عِنْدَمَا عَرَفَ أَنَّهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ الْإِمْسَاكَ بِهِمْ عَنْ طَرِيقِ مُطَارَدَتِهِمْ — قَرَّرَ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ مُصَادَقَتَهُ؛ وَلِذَا بَدَأَ يَصْطَادُهُمْ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مِنَ الْمُمْتِعِ أَنْ يَغْلِبَهُمْ بِالْحِيلَةِ. وَبِالطَّبْعِ فَإِنَّهُ عِنْدَمَا أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ، كَرِهُوهُ وَخَافُوا مِنْهُ أَكْثَرَ؛ فَهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا أَنَّهُ كَانَ يَتَمَتَّعُ عَنْ حَقٍّ بِأَحَدِ أَطْيَبِ الْقُلُوبِ فِي الْعَالَمِ. أَمَّا هُوَ فَلَمْ يُدْرِكْ أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَهُ فَقَطْ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ.

لِذَا فَعِنْدَمَا وَقَعَ ثرثار فِي الْمِصْيَدَةِ فِي صَوْمَعَةِ الذُّرَةِ لَدَى الْمُزَارِعِ براون، لَمْ يُدَاخِلْهُ أَدْنَى شَكٍّ فِي أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون سَيُسَلِّمُهُ إِلَى بوسي السَّوْدَاءِ أَوْ يَفْعَلُ بِهِ شَيْئًا يُعَادِلُ ذَلِكَ قَسْوَةً، وَحَتَّى عِنْدَمَا عَلِمَ أَنَّهُ لَنْ يَفْعَلَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ إِبْقَائِهِ حَبِيسَ سِجْنٍ مُرِيحٍ جِدًّا — فِيهِ قَدْرٌ وَفِيرٌ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ — لَمْ يَسَعْهُ تَصْدِيقُ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون بِهِ أَيُّ جَانِبٍ طَيِّبٍ. بِلْ إِنَّ كَرَاهِيَتَهُ لَهُ زَادَتْ عَنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، إِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا.

وَلَكِنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون كَانَ صَبُورًا جِدًّا؛ فَكَانَ يَأْتِي إِلَى سِجْنِ ثرثار مَرَّاتٍ عَدِيدَةً كُلَّ يَوْمٍ وَيُصَفِّرُ لَهُ وَيُطَقْطِقُ لَهُ بِلِسَانِهِ وَيُحَدِّثُهُ. وَكَانَ يَجْلِبُ مَعَهُ أَطْعِمَةً شَهِيَّةً. وَبَدَا كَأَنَّهُ دَائِمُ التَّفْكِيرِ فِي هَدِيَّةٍ جَدِيدَةٍ لِثرثار. فَلَمْ يَكُنْ يَأْتِي أَبَدًا دُونَ أَنْ يَجْلِبَ شَيْئًا مَعَهُ. وَفِي الْبِدَايَةِ كَانَ ثرثار يَخْتَبِئُ فِي الْجِذْعِ الْأَجْوَفِ كُلَّمَا رَأَى ابْنَ الْمُزَارِعِ براون آتِيًا ولَمْ يَكُنْ يُطِلُّ بِرَأْسِهِ حَتَّى يَرْحَلَ. وَكَانَ عِنْدَمَا يَتَأَكَّدُ مِنْ أَنَّ الطَّرِيقَ خَالٍ، يَخْرُجُ مَرَّةً أُخْرَى، وَدَائِمًا مَا كَانَ يَجِدُ بَعْدَهَا ثَمَرَاتِ الْجَوْزِ السَّمِيكَةَ اللَّذِيذَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا لَذَّ وَطَابَ فِي انْتِظَارِهِ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ، صَارَ ثرثار كُلَّمَا رَأَى ابْنَ الْمُزَارِعِ براون آتِيًا، بَدَأَ يَتَسَاءَلُ عَنِ الْأَطْعِمَةِ الشَّهِيَّةِ الَّتِي أَحْضَرَهَا هَذِهِ الْمَرَّةَ، وَيَنْفَدُ صَبْرُهُ انْتِظَارًا لِرَحِيلِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون حَتَّى يَعْرِفَ.

وَبِمُرُورِ الْوَقْتِ صَارَ نَفَادُ الصَّبْرِ يَبْلُغُ مِنْهُ مَبْلَغًا يَمْنَعُهُ مِنْ الِانْتِظَارِ، فَكَانَ يُطِلُّ بِرَأْسِهِ خَارِجَ الْمَدْخَلِ الْمُسْتَدِيرِ الصَّغِيرِ لِيَرَى مَا أَتَى فِيهِ مِنْ أَجْلِهِ. ثُمَّ ذَاتَ يَوْمٍ لَمْ يَأْتِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ فَحَاوَلَ ثرثار إِقْنَاعَ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ سُرَّ لِذَلِكَ، وَقَالَ لِنَفْسِهِ إِنَّهُ يَكْرَهُ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون، وَكَانَ أَمَلُهُ أَلَّا يَرَاهُ ثَانِيَةً أَبَدًا أَبَدًا. وَلَكِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ طَوَالَ الْوَقْتِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ أَطْوَلَ يَوْمٍ مَرَّ عَلَى ثرثار مُنْذُ صَارَ سَجِينًا. وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ مِنَ الْيَوْمِ التَّالِي — وَقَبْلَ نُهُوضِ ثرثار مِنْ فِرَاشِهِ — سَمِعَ وَقْعَ أَقْدَامٍ فِي مَخْزَنِ الْحَطَبِ، وَقَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ مَا يَفْعَلُهُ، كَانَ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْجِذْعِ الْأَجْوَفِ لِيَرَى إِذَا كَانَ الْقَادِمُ هُوَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون فِعْلًا. وَقَدْ كَانَ هُوَ، وَكَانَ مَعَهُ ثَلَاثُ ثَمَرَاتٍ سَمِيكَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الْجَوْزِ أَلْقَى بِهَا فِي قَفَصِ ثرثار. وَبَدَا لِثرثار أَنَّهُ حَقًّا لَنْ يَقْوَى عَلَى الِانْتِظَارِ حَتَّى يَرْحَلَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون. وَأَخِيرًا انْدَفَعَ إِلَى الْأَمَامِ وَأَمْسَكَ بِإِحْدَاهَا. ثُمَّ هُرِعَ إِلَى مَلَاذِ الْجِذْعِ الْأَجْوَفِ لِيَأْكُلَهَا. وَعِنْدَمَا انْتَهَى مِنْ تَنَاوُلِهَا، رَغِبَ بِشِدَّةٍ فِي أُخْرَى. وَكَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مَا زَالَ يُرَاقِبُهُ، وَلَكِنْ لِسَبَبٍ مَا لَمْ يَشْعُرْ ثرثار بِخَوْفٍ شَدِيدٍ. وَفِي تِلْكَ الْمَرَّةِ، جَلَسَ عَلَى أَحَدِ الْفُرُوعِ الصَّغِيرَةِ لِلْجِذْعِ الْأَجْوَفِ وَأَكَلَهَا أَمَامَ عَيْنَيِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون، الَّذِي ارْتَسَمَتْ عَلَى وَجْهِهِ ابْتِسَامَةٌ تَنُمُّ عَنِ السَّعَادَةِ.

وَقَالَ: «أَظُنُّنَا سَنَصِيرُ أَصْدِقَاءَ رَغْمَ كُلِّ شَيْءٍ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤