عَيْنَا طَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي الثَّاقِبَتَانِ
يَعْلَمُ الْجَمِيعُ أَنَّ طَائِرَ السِّنْدِيَانِ سامي يَمْلِكُ عَيْنَيْنِ ثَاقِبَتَيْنِ. بَلْ إِنَّ قِلَّةً قَلِيلَةً مِنْ سُكَّانِ الْغَابَةِ الصِّغَارِ تَمْلِكُ عَيْنَيْنِ ثَاقِبَتَيْنِ كَعَيْنَيْ سامي؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْتَخْدِمُهُمَا كَثِيرًا؛ فَقَدِ اكْتَشَفَ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ أَنَّهُ كُلَّمَا اسْتَخْدَمَ عَيْنَيْهِ صَارَتَا ثَاقِبَتَيْنِ أَكْثَرَ؛ وَلِهَذَا فَقَلِيلٌ جِدًّا مِنْ وَقْتِ يَقَظَتِهِ هُوَ الَّذِي يَقْضِيهِ فِي غَيْرِ مُحَاوَلَةِ النَّظَرِ إِلَى شَيْءٍ مَا. فَهُوَ دَائِمُ التَّطَلُّعِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ يَكُونُ دَائِمًا عَلَى اطِّلَاعٍ وَاسِعٍ بِمَا يَجْرِي فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمُمْكِنِ أَنْ يَخْتَفِيَ ثرثار دُونَ أَنْ يَفْتَقِدَهُ أَحَدٌ، وَلَا سِيَّمَا سامي. وَبِالطَّبْعِ مِنْ غَيْرِ الْمُمْكِنِ أَنْ يَفْتَقِدَ سامي ثرثار دُونَ أَنْ يَتَسَاءَلَ عَمَّا صَارَ لَهُ. فِي الْبِدَايَةِ، ظَنَّ سامي أَنَّ ثرثار كَانَ مُخْتَبِئًا، وَلَكِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَمْضَى بِضْعَةَ أَيَّامٍ فِي اسْتِرَاقِ النَّظَرِ وَالتَّحْدِيقِ وَالتَّطَلُّعِ فِي أَنْحَاءِ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ، اضْطُرَّ إِلَى التَّفْكِيرِ فِي أَنَّ ثرثار إِمَّا انْتَقَلَ مَرَّةً أُخْرَى أَوْ أَصَابَهُ خَطْبٌ مَا.
فَفَكَّرَ سامي قَائِلًا: «رُبَّمَا يَكُونُ ابْنُ عِرْسٍ شادو قَدْ أَمْسَكَ بِهِ.» فَطَارَ عَلَى الْفَوْرِ إِلَى بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجِدَ شادو فِيهَا. وَكَمَا تَوَقَّعَ، وَجَدَ شادو هُنَاكَ. ولَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُمْكِنِ بِالطَّبْعِ أَنْ يَسْأَلَ شادو مُبَاشَرَةً عَمَّا إِذَا كَانَ أَمْسَكَ بِثرثار، وَكَانَ سامي ذَكِيًّا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ.
فَنَادَاهُ سامي قَائِلًا: «السِّنْجَابُ الْأَحْمَرُ ثرثار يُرْسِلُ تَحِيَّاتِهِ وَيَرْجُو أَنْ تَكُونَ مُسْتَمْتِعًا بِمُطَارَدَتِكَ لَهُ.»
فَرَفَعَ شادو بَصَرَهُ إِلَى سامي، وَقَدِ اشْتَعَلَتْ عَيْنَاهُ الْحَمْرَاوَانِ الصَّغِيرَتَانِ غَضَبًا. ثُمَّ زَمْجَرَ شادو قَائِلًا: «فَلْتُخْبِرْ ثرثار أَنِّي سَأُمْسِكُ بِهِ!»
فَبَرَقَتْ عَيْنَا سامي بِلُؤْمٍ؛ فَقَدْ أَغْضَبَ شادو، إِضَافَةً إِلَى اكْتِشَافِهِ مَا أَرَادَ مَعْرِفَتَهُ؛ فَقَدْ تَأَكَّدَ أَنَّ شادو لَمْ يُمْسِكْ بِثرثار.
ثُمَّ فَكَّرَ سامي قَائِلًا: «وَلَكِنْ مَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَهُ؟ لَا أُكِنُّ لَهُ حُبًّا، وَلَكِنِّي أَفْتَقِدُهُ رَغْمَ ذَلِكَ. يَجِبُ أَنْ أَعْرِفَ. أَجَلْ، يَجِبُ ذَلِكَ.»
لِذَا أَمْضَى سامي كُلَّ وَقْتِ فَرَاغِهِ فِي مُحَاوَلَةِ الْعُثُورِ عَلَى ثرثار؛ فَكَانَ يَسْأَلُ كُلَّ مَنْ قَابَلَهُ عَمَّا إِذَا كَانَ قَدْ رَأَى ثرثار، وَاخْتَلَسَ النَّظَرَ وَحَدَّقَ فِي كُلِّ تَجْوِيفٍ وَكُلِّ مَخْبَأٍ خَطَرَ بِبَالِهِ. وَلَكِنَّهُ رَغْمَ بَحْثِهِ وَسُؤَالِهِ، لَمْ يَجِدْ لِثرثار أَثَرًا. وَأَخِيرًا خَطَرَتْ بِبَالِهِ صَوْمَعَةُ الذُّرَةِ لَدَى الْمُزَارِعِ براون. فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثرثار قَدِ انْتَقَلَ إِلَى هُنَاكَ أَوْ لَقِيَ مَصِيرًا أَسْوَدَ هُنَاكَ؟ وَمِنْ ثَمَّ، فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ مِنَ الْيَوْمِ التَّالِي، طَارَ سامي إِلَى صَوْمَعَةِ الذُّرَةِ. فَتَفَقَّدَ سَائِرَ أَرْجَائِهَا بِعَيْنَيْهِ الثَّاقِبَتَيْنِ وَأَرْهَفَ السَّمْعَ لِالْتِقَاطِ أَيِّ صَوْتٍ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ ثرثار بِالدَّاخِلِ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتًا. ثُمَّ تَذَكَّرَ الثَّقْبَ أَسْفَلَ حَافَةِ السَّقْفِ الَّذِي اعْتَادَ ثرثار الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ؛ فَهُرِعَ سامي لِلنَّظَرِ دَاخِلَهُ، وَوَجَدَهُ مُغْلَقًا بِلَوْحٍ سَمِيكٍ دُقَّتْ عَلَيْهِ مَسَامِيرُ؛ فَعَلِمَ سامي أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون وَجَدَ الثَّقْبَ.
فَهَتَفَ سامي قَائِلًا: «لَقَدْ قَتَلَ ثرثار، هَذَا هُوَ مَا فَعَلَهُ!» ثُمَّ طَارَ إِلَى الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ وَرَأْسُهُ مَلِيءٌ بِأَفْكَارٍ حَزِينَةٍ. وَكَانَ يَنْوِي الِانْتِظَارَ حَتَّى يَخْرُجَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون لِيُخْبِرَهُ بِرَأْيِهِ فِيهِ. وَبَعْدَهَا يَطِيرُ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ لِنَشْرِ الْأَنْبَاءِ الْمُحْزِنَةِ.
وَبَعْدَ بُرْهَةٍ، انْفَتَحَ بَابُ بَيْتِ الْمَزْرَعَةِ، وَخَطَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون خَارِجَهُ. وَكَانَ سامي فَاغِرًا فَاهُ اسْتِعْدَادًا لِلصُّرَاخِ، حِينَ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهُ الثَّاقِبَتَانِ شَيْئًا عَجِيبًا؛ فَقَدْ كَانَ يُمْسِكُ صُنْدُوقًا عَجِيبَ الشَّكْلِ بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ وَوَضَعَهُ عَلَى رَفٍّ حَيْثُ يُمْكِنُ لِأَشِعَّةِ الشَّمْسِ أَنْ تَنْفُذَ إِلَيْهِ. وَبَدَا لِسامي كَأَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا يَتَحَرَّكُ دَاخِلَ الصُّنْدُوقِ؛ فَنَسِيَ أَنْ يَصْرُخَ وَيَتَلَفَّظَ بِالْكَلِمَاتِ الْبَذِيئَةِ الَّتِي كَانَ يَنْتَوِي تَوْجِيهَهَا إِلَى ابْنِ الْمُزَارِعِ. وَانْتَظَرَ حَتَّى ذَهَبَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون إِلَى مَخْزَنِ الْحُبُوبِ. ثُمَّ طَارَ سامي إِلَى حَيْثُ يُمْكِنُهُ النَّظَرُ إِلَى دَاخِلِ الصُّنْدُوقِ الْعَجِيبِ. وَهُنَاكَ كَانَ السِّنْجَابُ الْأَحْمَرُ ثرثار!