الفصل الثالث والعشرون

ثرثار يَزْدَادُ جُرْأَةً بَعْدَ جُرْأَةٍ

«أَنَا لَسْتُ خَائِفًا. أَنَا لَسْتُ خَائِفًا. أَنَا لَسْتُ خَائِفًا. أَنَا لَسْتُ خَائِفًا.»

ظَلَّ ثرثار يُرَدِّدُ لِنَفْسِهِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. فَقَدْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ خَائِفًا، وَكَانَ يُحَاوِلُ إِقْنَاعَ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ خَائِفًا. وَفَكَّرَ أَنَّهُ رُبَّمَا إِذَا قَالَ لِنَفْسِهِ مِرَارًا وَتَكْرَارًا إِنَّهُ لَيْسَ خَائِفًا، فَقَدْ يُصَدِّقُ نَفْسَهُ فِعْلًا. وَكَانَتِ الْمُشْكِلَةُ أَنَّهُ كُلَّمَا قَالَهَا، تَعَالَى صَوْتٌ خَفِيضٌ صَادِقٌ بِدَاخِلِهِ لِيُخْبِرَهُ بِأَنَّهُ خَائِفٌ.

مِسْكِينٌ ثرثار! فَقَدْ جَرَحَ كِبْرِياءَهُ اضْطِرَارُهُ لِلِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُ لَيْسَ شُجَاعًا كَطَائِرِ الْقَرْقَفِ تومي، بَيْنَمَا الْمَنْطِقُ السَّلِيمُ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ مَا مِنْ سَبَبٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شُجَاعًا مِثْلَهُ؛ فَقَدْ كَانَ تومي يَذْهَبُ كُلَّ يَوْمٍ لِيَأْكُلَ مِنْ يَدِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون؛ فَبَدَا لِثرثار، وَالسِّنْجَابِ الرَّمَادِيِّ جاك السَّعِيدِ، وَالْأَرْنَبِ بيتر، وَطَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي، وَالْغُرَابِ بلاكي، الَّذِين رَأَوْا تومي يَقُومُ بِفَعْلَتِهِ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَشْجَعُ تَصَرُّفٍ رَأَوْهُ فِي حَيَاتِهِمْ، وَبَلَغَ احْتِرَامُهُمْ لِتومي حَدًّا عَظِيمًا.

وَلَكِنَّ تومي نَفْسَهُ لَمْ يَظُنَّ تَصَرُّفَهُ شُجَاعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. كَلَّا، كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَحِيحًا؛ فَقَدْ كَانَ يَتَمَتَّعُ بِعَقْلٍ سَدِيدٍ يُوجَدُ أَدْنَى قِمَّةِ رَأْسِهِ السَّوْدَاءِ.

وَحِينَمَا أَخْبَرَهُ الْآخَرُونَ كَمْ يَظُنُّونَهُ شُجَاعًا، فَكَّرَ فِي نَفْسِهِ: «رُبَّمَا كَانَتْ تِلْكَ شَجَاعَةً مِنِّي أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ شَجَاعَةً مِنِّي الْآنَ؛ لِأَنِّي أَعْرِفُ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون لَنْ يُؤْذِيَنِي؛ فَلَيْسَ فِي الْأَمْرِ أَيُّ شَجَاعَةٍ، وَقَدْ يَصِيرُ الْأَمْرُ ذَاتُهُ مَعَ ثرثار وَجَمِيعِ سُكَّانِ الْغَابَةِ وَالْمُرُوجِ الصِّغَارِ، لَوْ أَنَّهُمْ فَكَّرُوا بِالطَّرِيقَةِ ذَاتِهَا، وَأَعْطَوُا ابْنَ الْمُزَارِعِ براون وَلَوْ فُرْصَةً.»

وَكَانَ ثرثار قَدْ بَدَأَتْ تُرَاوِدُهُ أَفْكَارٌ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ بِدَوْرِهِ، بَيْنَمَا كَانَ يُحَاوِلُ إِقْنَاعَ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ خَائِفًا. ثُمَّ سَمِعَ صَوْتًا صَفَقَ بَابَ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون وَأَطَلَّ بِرَأْسِهِ مِنَ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ؛ فَوَجَدَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون وَاقِفًا هُنَاكَ مُمْسِكًا عَلَى نَحْوٍ شَدِيدِ الْإِغْرَاءِ بِثَمَرَةِ جَوْزٍ كَبِيرَةٍ سَمِيكَةٍ، وَكَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُطْلِقُ الصَّفِيرَ الرَّقِيقَ الْخَفِيضَ نَفْسَهُ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ عِنْدَمَا كَانَ ثرثار سَجِينًا لَدَيْهِ، وَكَانَ قَدْ أَحْضَرَ لَهُ أَطْعِمَةً مُشَهِّيَةً. وَبِالطَّبْعِ كَانَ ثرثار يَعْلَمُ جَيِّدًا أَنْ ذَلِكَ الصَّفِيرَ نِدَاءٌ لَهُ، وَأَنَّ ثَمَرَةَ الْجَوْزِ الْكَبِيرَةَ السَّمِيكَةَ أُحْضِرَتْ خُصُوصًا مِنْ أَجْلِهِ. وَقَبْلَ أَنْ يُفَكِّرَ، كَانَ قَدْ تَرَكَ الْجِدَارَ الْحَجَرِيَّ الْقَدِيمَ وَقَطَعَ مُنْتَصَفَ الطَّرِيقِ نَحْوَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون. ثُمَّ تَوَقَّفَ فَجْأَةً. وَبَدَا كَأَنَّ ذَلِكَ الصَّوْتَ الْخَفِيضَ دَاخِلَهُ يَصْرُخُ فِي أُذُنَيْهِ: «أَنَا خَائِفٌ.»

وَكَانَتْ تِلْكَ هِيَ الْحَقِيقَةَ؛ كَانَ خَائِفًا، وَكَانَ عَلَى وَشْكِ أَنْ يَعُودَ أَدْرَاجَهُ وَيُهْرَعَ إِلَى الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ عِنْدَمَا سَمِعَ صَوْتًا آخَرَ. وَتِلْكَ الْمَرَّةَ لَمْ يَكُنْ صَوْتًا دَاخِلَهُ. لَمْ يَكُنْ صَوْتًا دَاخِلَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ! كَانَ الصَّوْتُ آتِيًا مِنْ أَعْلَى إِحْدَى أَشْجَارِ التُّفَّاحِ فِي الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ، وَكَانَ مَا قَالَهُ الْآتِي:

«جَبَانٌ! جَبَانٌ! جَبَانٌ!»

وَكَانَ الْمُتَحَدِّثُ هُوَ طَائِرَ السِّنْدِيَانِ سامي.

وَإِنَّ قَوْلَكَ لِنَفْسِكَ إِنَّكَ خَائِفٌ أَمْرٌ، وَقَوْلُ شَخْصٍ آخَرَ لَكَ إِنَّكَ خَائِفٌ أَمْرٌ مُخْتَلِفٌ تَمَامًا.

فَعَنَّفَهُ ثرثار قَائِلًا: «لَيْسَ صَحِيحًا! لَيْسَ صَحِيحًا! لَسْتُ خَائِفًا!» ثُمَّ إِنَّهُ حَتَّى يُثْبِتَ كَلَامَهُ، جَرَى فَجْأَةً إِلَى الْأَمَامِ، وَاخْتَطَفَ ثَمَرَةَ الْجَوْزِ السَّمِيكَةَ مِنْ يَدِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون، وَعَادَ إِلَى الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ. وصَارَ مِنَ الْعَسِيرِ الْقَوْلُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ انْدِهَاشًا: ثرثار نَفْسُهُ، أَمِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، أَمْ سامي.

فَقَالَ ثرثار مُتَبَاهِيًا: «لَقَدْ فَعَلْتُهَا! فَعَلْتُهَا! فَعَلْتُهَا!»

فَقَالَ لَهُ سامي بِأُسْلُوبٍ كَرِيهٍ شَدِيدِ الِاسْتِفْزَازِ: «وَلَكِنَّكَ لَا تَجْرُؤُ عَلَى فِعْلِهَا ثَانِيَةً!»

فَرَدَّ عَلَيْهِ ثرثار بِعُنْفٍ: «بَلْ أَجْرُؤُ!» وَفَعَلَهَا ثَانِيَةً. وَمَعَ أَخْذِ ثَمَرَةِ الْجَوْزِ السَّمِيكَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ يَدِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون، تَخَلَّصَ ثرثار مِنْ آخِرِ ذَرَّةِ خَوْفٍ مِنْهُ، وَأَدْرَكَ أَنَّ طَائِرَ الْقَرْقَفِ تومي كَانَ مُحِقًّا طَوَالَ الْوَقْتِ عِنْدَمَا أَصَرَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّةَ مَا يَسْتَدْعِي الْخَوْفَ مِنِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون.

وَفَكَّرَ ثرثار فِي نَفْسِهِ قَائِلًا: «عَجَبًا، لَوْ أَنِّي سَمَحْتُ لَهُ، لَصَارَ صَدِيقِي مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ!» وَكَانَ مُصِيبًا فِي ذَلِكَ.

وَهَذَا كُلُّ شَيْءٍ عَنِ السِّنْجَابِ الْأَحْمَرِ ثرثار الْآنَ. فَطَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي مُصِرٌّ عَلَى أَنَّ دَوْرَهُ قَدْ حَانَ؛ لِذَا سَيَكُونُ الْكِتَابُ الْقَادِمُ عَنْ مُغَامَرَاتِهِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤