الفصل الرابع

ثرثار يُغَادِرُ الْغَابَةَ الْخَضْرَاءَ

كَانَ ثرثار فِي وَرْطَةٍ كَبِيرَةٍ، وَرْطَةٍ كَبِيرَةٍ حَقًّا، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ؛ فَظَلَّ يُرَدِّدُ لِنَفْسِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى: «يَا لَلْهَوْلِ! يَا لَلْهَوْلِ! لَوْ أَنِّي أَمْسَكْتُ لِسَانِي! لَوْ أَنِّي أَمْسَكْتُ لِسَانِي!» بَيْنَمَا كَانَ يُسْرِعُ الْخُطَى عَبْرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. بَدَأَ ثرثار يَعِي لِتَوِّهِ مَدَى الْمَتَاعِبِ الَّتِي قَدْ يُوقِعُ اللِّسَانُ السَّلِيطُ صَاحِبَهُ فِيهَا. فَالْجَوُّ بَارِدٌ عَلَى أَعْتَابِ الشِّتَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ ثرثار يَجْرُؤُ عَلَى الْبَقَاءِ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ حَيْثُ اتَّخَذَ بَيْتَهُ دَوْمًا. وَكَانَتْ مَخَازِنُهُ مُمْتَلِئَةً بِالْجَوْزِ وَالْحُبُوبِ وَالذُّرَةِ، مِمَّا يَكْفِي وَيَفِيضُ لِبَقَائِهِ مُرْتَاحًا طَوَالَ الشِّتَاءِ، وَالْآنَ صَارَ عَلَيْهِ أَنْ يُدِيرَ ظَهْرَهُ لِهَذَا كُلِّهِ وَيَذْهَبَ إِلَى حَيْثُ لَا يَدْرِي، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ مِزَاجِهِ اللَّئِيمِ وَلِسَانِهِ السَّلِيطِ.

فَلَوْ لَمْ يَنْعَتِ الرَّاكُونَ بوبي بِالْأَلْفَاظِ الْبَذِيئَةِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ ذَاكَ الصَّبَاحَ، رُبَّمَا مَا كَانَ شادو لِيَجِدَهُ. وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ شادو يَتَمَتَّعُ بِذَاكِرَةٍ قَوِيَّةٍ، وَأَنَّهُ لَنْ يَنْسَى أَبَدًا الْخُدْعَةَ الَّتِي أَفْلَتَ بِهَا ثرثار مِنْهُ؛ لِذَا فَالسَّبِيلُ الْوَحِيدُ لِكَيْ يَنْعَمَ ثرثار بِأَقَلِّ قَدْرٍ مِنَ السَّكِينَةِ هُوَ أَنْ يَرْحَلَ عَنِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ طَوَالَ فَتْرَةِ بَقَاءِ شادو فِيهَا. ارْتَجَفَ ثرثار دَاخِلَ فِرَائِهِ الْأَحْمَرِ الدَّافِئِ عِنْدَمَا فَكَّرَ فِي الشِّتَاءِ الطَّوِيلِ الْبَارِدِ وَفِي صُعُوبَةِ الْحُصُولِ عَلَى غِذَاءٍ كَافٍ. فَهَلْ سَبَقَ لِغَيْرِهِ أَنْ وَقَعَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَأْزِقِ الرَّهِيبِ؟

وَفِي ذَلِكَ الْحِينِ بَلَغَ أَطْرَافَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. فَجَلَسَ لِيَسْتَرِيحَ أَعْلَى شَجَرَةٍ أَمْكَنَهُ مِنْهَا أَنْ يُطِلَّ عَلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ. وَبَعِيدًا فِي الْأُفُقِ رَأَى التِّلَالَ الْأُرْجُوَانِيَّةَ الَّتِي يَأْوِي قُرْصُ الشَّمْسِ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَدِيرُ الْمَرِحُ إِلَى فِرَاشِهِ وَرَاءَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ. وَرَأَى الْجِدَارَ الْحَجَرِيَّ الْقَدِيمَ الَّذِي يَفْصِلُ حَقْلَ الذُّرَةِ الْخَاصَّ بِالْمُزَارِعِ براون عَنِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ. وَرَأَى مَنْزِلَ الْمُزَارِعِ براون وَمَخْزَنَ الْحُبُوبِ الْخَاصَّ بِهِ، وَعَلَى مَقْرَبَةٍ مِنْهُمَا كَانَ الْبُسْتَانُ الْقَدِيمُ الَّذِي قَضَى فِيهِ الْخُلْدُ جوني الصَّيْفَ مَعَ زَوْجَتِهِ بولي وَأَطْفَالِهِمَا. كَانَ يَحْفَظُ ذَلِكَ الْجِدَارَ الْحَجَرِيَّ الْقَدِيمَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَكَثِيرًا مَا تَرَدَّدَ عَلَى الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ؛ فَهُنَاكَ سَرَقَ بَيْضَ نَقَّارِ الْخَشَبِ درامر. وَابْتَسَمَ عِنْدَمَا خَطَرَ بِبَالِهِ ذَلِكَ الْبَيْضُ وَكَيْفَ سَرَقَهُ، ثُمَّ ارْتَجَفَ عِنْدَمَا تَذَكَّرَ كَيْفَ أُمْسِكَ بِهِ فِي نِهَايَةِ الْأَمْرِ، وَكَمْ كَانَ مِنْقَارَا السَّيِّدِ وَالسَّيِّدَةِ درامر حَادَّيْنِ.

وَلَكِنَّ كُلَّ ذَلِكَ صَارَ مِنَ الْمَاضِي، وَالتَّفْكِيرُ فِيهِ لَنْ يُجْدِيَهُ نَفْعًا الْآنَ. وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فَوْرًا؛ فَلَعَلَّهُ يَجِدُ مَكَانًا لِلْعَيْشِ فِي الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ، وَهُنَاكَ احْتِمَالٌ — مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ — أَنْ يَجِدَ مَا يَكْفِي مِنْ حُبُوبِ الذُّرَةِ الْمُبَعْثَرَةِ عَلَى أَرْضِ حَقْلِ الذُّرَةِ لِإِمْدَادِهِ بِمَخْزُونِ غِذَاءٍ، إِنْ عَمِلَ بِكَدٍّ وَهِمَّةٍ بَالِغَيْنِ. وعَلَى أَيِّ حَالٍ، فَسَوْفَ يُلْقِي نَظْرَةً. وَمِنْ ثَمَّ أَسْرَعَ بِالنُّزُولِ مِنْ عَلَى الشَّجَرَةِ وَرَكَضَ عَلَى امْتِدَادِ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ. وَبَدَأَ يَشْعُرُ بِتَحَسُّنٍ بَيْنَمَا سَارَ بِخِفَّةٍ عَلَى طُولِ الْجِدَارِ، مُسْتَرِقًا النَّظَرَ دَاخِلَ كُلِّ جُحْرٍ، وَأَخَذَ يَقْفِزُ بَيْنَ الْأَحْجَارِ. فَقَدْ بَدَا بِالْفِعْلِ وَكَأَنَّهُ سَيَجِدُ مَأْوًى مُرِيحًا فِي مَكَانٍ مَا هُنَاكَ. ثُمَّ تَذَكَّرَ شَيْئًا جَعَلَ قَلْبَهُ يَخْفِقُ بِقُوَّةٍ؛ فَقَدْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ رَأَى شادو يَتَفَقَّدُ ذَلِكَ الْجِدَارَ بِالذَّاتِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. وَمِنَ الْمُرَجَّحِ أَنْ يُعِيدَ الْكَرَّةَ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ قَرِيبٌ جِدًّا مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. كَلَّا، لَنْ يُجْدِيَ الْجِدَارُ الْحَجَرِيُّ الْقَدِيمُ نَفْعًا.

وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ جَاءَ الْأَرْنَبُ بيتر، وَلَاحَظَ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّ ثرثار لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا يُرَامُ، وَأَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ مَا بِهِ؛ فَأَخْبَرَهُ ثرثار؛ فَقَدْ أَحَسَّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِطْلَاعِ أَحَدٍ مَا بِمَا حَدَثَ. بَدَا بيتر مُسْتَغْرِقًا فِي التَّفْكِيرِ، وَحَكَّ أُذُنَهُ الْيُسْرَى الطَّوِيلَةَ بِقَدَمِهِ الْخَلْفِيَّةِ الْيُمْنَى الطَّوِيلَةِ.

ثُمَّ قَالَ: «أَتَعْلَمُ؟ يُوجَدُ جِدَارٌ حَجَرِيٌّ قَدِيمٌ آخَرُ عِنْدَ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ، وَهُوَ قَرِيبٌ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ مِنْ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون، وَكَثِيرًا مَا تَذْهَبُ الْقِطَّةُ السَّوْدَاءُ بوسي لِلصَّيْدِ هُنَاكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ ذَكِيًّا بِمَا يَكْفِي لِلِابْتِعَادِ عَنْ بَرَاثِنِهَا.»

تَعَجَّبَ ثرثار بِازْدِرَاءٍ قَائِلًا: «لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ! لَمْ يَسْبِقْ لِي أَنْ قَابَلْتُ قِطًّا أَخَافَنِي! أَظُنُّ أَنِّي سَأَذْهَبُ وَأُلْقِي نَظْرَةً عَلَى ذَلِكَ الْجِدَارِ الْقَدِيمِ أَيُّهَا الْأَرْنَبُ بيتر.»

فَقَالَ بيتر: «سَآتِي مَعَكَ.» وَانْطَلَقَا مَعًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤