فُضُولُ ثرثار الْمُفْرِطُ
يَعْلَمُ الْجَمِيعُ مَدَى فُضُولِ الْأَرْنَبِ بيتر؛ فَهُوَ دَائِمًا مَا يَحْشُرُ أَنْفَهُ الصَّغِيرَ الْمُرْتَعِشَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَالنَّتِيجَةُ أَنَّ بيتر دَائِمًا مَا يَقَعُ فِي الْمَتَاعِبِ. وَكَانَ ثرثار كُلَّمَا سَمِعَ حِكَايَةً جَدِيدَةً عَنْ بيتر وَالْمَآزِقِ الَّتِي يُوقِعُهُ فُضُولُهُ فِيهَا، قَالَ إِنَّ بيتر نَالَ مَا يَسْتَحِقُّهُ. أَمَّا عَنْ ثرثار نَفْسِهِ، فَقَدْ يَنْتَابُهُ الْفُضُولُ بِشَأْنِ شَيْءٍ يَرَاهُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَذْكَى مِنْ أَنْ يَعْبَثَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ عَنْهُ؛ لِذَا عُرِفَ عَنْ ثرثار أَنَّهُ ذَكِيٌّ جِدًّا، أَذْكَى مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي مِصْيَدَةٍ — أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي مِصْيَدَةٍ عَادِيَّةٍ.
إِلَّا أَنَّ الْعَدِيدَ مِنَّا يَنْجَحُونَ فِي جَعْلِ جِيرَانِهِمْ يَظُنُّونَهُمْ أَذْكَى كَثِيرًا مِنْ حَقِيقَتِهِمْ، وثرثار أَحَدُ أُولَئِكَ. فَلَوْ أَنَّ بَعْضَ جِيرَانِهِ اسْتَرَقَ النَّظَرَ دَاخِلَ صَوْمَعَةِ الذُّرَةِ لَدَى الْمُزَارِعِ براون صَبِيحَةَ عُثُورِ ابْنِهِ عَلَى كُوزِ الذُّرَةِ الَّذِي أَسْقَطَهُ ثرثار بِإِهْمَالٍ مِمَّا قَدْ يَكْشِفُ أَمْرَهُ، لَأَصَابَتْهُ الدَّهْشَةُ. فَكَانَ سَيَرَى السِّنْجَابَ الْأَحْمَرَ ثرثار — الْمُخْتَالَ ذَا الذَّكَاءِ الْحَادِّ — يُبْدِي فُضُولًا يَكَادُ يُضَاهِي فُضُولَ الْأَرْنَبِ بيتر.
كَانَ ثرثار قَدْ أَتَى إِلَى صَوْمَعَةِ الذُّرَةِ كَالْمُعْتَادِ لِلْحُصُولِ عَلَى إِمْدَادِهِ الْيَوْمِيِّ مِنَ الذُّرَةِ. وَكَالْمُعْتَادِ، جَرَى فِي أَرْجَاءِ كَوْمَةِ الذُّرَةِ الصَّفْرَاءِ الْهَائِلَةِ. وَفَجْأَةً لَمَحَتْ عَيْنَاهُ الثَّاقِبَتَانِ شَيْئًا لَمْ يَسْبِقْ لَهُمَا أَنْ رَأَتَاهُ. كَانَ بِالْأَسْفَلِ عَلَى أَرْضِ صَوْمَعَةِ الذُّرَةِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْبَابِ. وَكَانَ ثرثار مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا هُنَاكَ فِي الْيَوْمِ السَّابِقِ. وَكَانَ شَيْئًا عَجِيبًا جِدًّا، بَلْ غَايَةً فِي الْعَجَبِ. ثُمَّ لَمَحَ شَيْئًا عَجِيبًا آخَرَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ كَثِيرًا. فَمَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا؟ تَطَلَّعَ إِلَيْهِمَا بِرِيبَةٍ؛ فَقَدْ بَدَا مَظْهَرُهُمَا غَيْرَ مُؤْذٍ إِلَى حَدٍّ مَا، وَكَانَا سَاكِنَيْنِ. فَرَكَضَ بِضْعَ خُطُوَاتٍ تِجَاهَهُمَا وَنَهَرَهُمَا، مِثْلَمَا يَفْعَلُ كُلَّمَا وَجَدَ شَيْئًا جَدِيدًا خَارِجَ بَيْتِهِ. وَلَكِنَّهُمَا ظَلَّا سَاكِنَيْنِ؛ فَجَرَى عَلَى رَفٍّ صَغِيرٍ يُمْكِنُ النَّظَرُ مِنْهُ مُبَاشَرَةً إِلَى الشَّيْئَيْنِ الْعَجِيبَيْنِ بِالْأَسْفَلِ. وَكَانَ مُتَأَكِّدًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَائِنَيْنِ حَيَّيْنِ. أَمَّا أَكْبَرُهُمَا فَاسْتَطَاعَ ثرثار أَنْ يَرَى أَجْزَاءَهُ بِالْكَامِلِ، وَكَانَ يُوجَدُ بِدَاخِلِهِ طَعَامٌ مَا. وَكَانَ أَصْغَرُهُمَا مُسْتَدِيرًا مُسَطَّحًا ذَا أَسْلَاكٍ غَرِيبَةٍ أَعْلَاهُ. وَبَدَا كَأَنَّهُ مَصْنُوعٌ مِنَ الْخَشَبِ، وَفِي جَوَانِبِهِ كَانَتْ ثَمَّةَ ثُقُوبٌ مُسْتَدِيرَةٌ دَقِيقَةٌ أَصْغَرُ مِنْ أَنْ يُولِجَ رَأْسَهُ فِيهَا.
فَقَالَ صَوْتٌ خَافِتٌ دَاخِلَ ثرثار: «دَعْهُمَا وَشَأْنَهُمَا.»
فَقَالَ ثرثار: «وَلَكِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَرَى مَا هُمَا وَأَعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ عَنْهُمَا.»
فَقَالَ الصَّوْتُ: «لَا خَيْرَ يَأْتِي مِنْ وَرَاءِ الْعَبَثِ بِأَشْيَاءَ لَا تَعْرِفُهَا.»
فَرَدَّ ثرثار قَائِلًا: «وَلَكِنَّهُمَا عَجِيبَانِ حَقًّا. وَهُمَا لَيْسَا كَائِنَيْنِ حَيَّيْنِ. لَا يُمْكِنُهُمَا إِصَابَتِي بِأَذًى.»
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ رَكَضَ عَائِدًا إِلَى كَوْمَةِ الذُّرَةِ وَحَاوَلَ أَنْ يَأْكُلَ. وَلَكِنَّهُ كَانَ قَدْ فَقَدَ شَهِيَّتَهُ لِسَبَبٍ مَا. وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ عَنِ الشَّيْئَيْنِ الْعَجِيبَيْنِ الْمَوْجُودَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ.
فَحَذَّرَهُ الصَّوْتُ الْخَافِتُ بِدَاخِلِهِ قَائِلًا: «الْأَفْضَلُ أَنْ تَبْتَعِدَ عَنْهُمَا.»
فَرَدَّ ثرثار قَائِلًا: «لَا ضَرَرَ فِي أَنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا نَظْرَةً عَنْ كَثَبٍ.»
لِذَا أَسْرَعَ بِالنُّزُولِ مِنْ عَلَى كَوْمَةِ الذُّرَةِ مَرَّةً أُخْرَى وَاقْتَرَبَ مِنَ الشَّيْئَيْنِ الْعَجِيبَيْنِ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَكَانَ كُلَّمَا اقْتَرَبَ مِنْهُمَا، بَدَا مَظْهَرُهُمَا أَكْثَرَ بَرَاءَةً. وَأَخِيرًا تَقَدَّمَ إِلَى الْأَمَامِ وَتَشَمَّمَ أَصْغَرَهُمَا. ثُمَّ شَمَخَ بِأَنْفِهِ فِي ازْدِرَاءٍ.
وَغَمْغَمَ ثرثار قَائِلًا: «تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ فِئْرَانٍ، مُجَرَّدُ فِئْرَانِ مَخَازِنَ عَادِيَّةٍ.» ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ، وَقَالَ: «هَاهْ! لَا شَيْءَ يَسْتَدْعِي الْخَوْفَ.» وَحِينَهَا لَمَسَ أَحَدَ الْأَسْلَاكِ الصَّغِيرَةِ، وَحَدَثَتْ فَرْقَعَةٌ مُفَاجِئَةٌ، أَخَافَتْ ثرثار إِلَى دَرَجَةِ أَنْ فَرَّ مُبْتَعِدًا. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَقَاءَ بَعِيدًا؛ فَقَدْ كَانَتِ الْفَرْقَعَةُ طَرِيفَةً جِدًّا، وَلَمْ تُصِبْهُ بِأَيِّ أَذًى؛ فَهُوَ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي إِحْدَى الْفُتْحَاتِ الدَّقِيقَةِ، وَإِلَّا كَانَ أُصِيبَ بِبَعْضِ الْأَذَى.
وَسُرْعَانَ مَا عَادَ يَعْبَثُ بِالْأَسْلَاكِ الصَّغِيرَةِ بِالْأَعْلَى. وَمِنْ حِينٍ لِآخَرَ كَانَتْ تُصْدِرُ فَرْقَعَةً، فَيَفِرُّ ثرثار مُبْتَعِدًا. كَانَ أَمْرًا مُخِيفًا جِدًّا وَمُمْتِعًا لِلْغَايَةِ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ، لَمْ يَعُدْ ذَاكَ الشَّيْءُ يُصْدِرُ فَرْقَعَةً؛ وَمِنْ ثَمَّ سَئِمَ ثرثار لُعْبَتَهُ الْعَجِيبَةَ وَبَدَأَ يَتَسَاءَلُ عَنْ أَمْرِ الشَّيْءِ الْعَجِيبِ الْآخَرِ. فَالْأَوَّلُ لَمْ يُصِبْهُ بِأَذًى، لِذَا كَانَ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّ الْآخَرَ بِدَوْرِهِ لَنْ يُصِيبَهُ بِأَذًى.