الْفَصْلُ الثَّالِثُ

(١) صِرَاعُ الْأَسَدِ

كَانَ الْمَلِكُ «غَالِبٌ» يُتَابِعُ حَدِيثَ الْمَلِكَةِ «عَجِيبَةَ» مُرْهِفًا أُذُنَيْهِ لِسَمَاعِ كُلِّ كَلِمَةٍ تَفُوهُ (تَنْطِقُ) بِهَا، وَقَدْ سَرَتْ فِي جِسْمِهِ رِعْشَةٌ، وَتَنَازَعَهُ الْحُزْنُ وَالدَّهْشَةُ.

وَمَا بَلَغَتْ «عَجِيبَةُ» ذَلِكَ الْمَدَى مِنْ قِصَّتِهَا، حَتَّى جَلْجَلَ فِي الْفَضَاءِ صَوْتٌ يُدَوِّي كَهَزِيمِ الرَّعْدِ، ذُعِرَتْ (خَافَتْ) مِنْهُ أَسْرَابُ الْوَحْشِ وَقُطْعَانُهُ، وَآرَامُ الْغَابِ وَغِزْلَانُهُ، يَحْفِزُهَا حُبُّ الْحَيَاةِ، إِلَى طَلَبِ النَّجَاةِ؛ فَتَجْرِي هَارِبَةً، مُتَدَافِعَةً مُتَوَاثِبَةً.

وَأَدْرَكَ الْمَلِكُ الشُّجَاعُ أَنَّ زَئِيرَ الْأَسَدِ قَدْ أَشَاعَ الرُّعْبَ فِي الْقُلُوبِ؛ فَمَا كَانَ أَسْرَعَهُ إِلَى مُلَاقَاتِهِ. وَرَآهُ يَنْطَلِقُ فِي سَيْرِهِ مُنْصَلِتًا كَالسَّهْمِ نَحْوَ الْفَتَاةِ التَّاعِسَةِ، كَأَنَّ لَهُ ثَأْرًا عِنْدَهَا، وَقَدْ كَادَ يَفْتَرِسُهَا لَوْلَا مَا أُوتِيَهُ الْمَلِكُ «غَالِبٌ» مِنْ حُضُورِ بَدِيهَةٍ، وَخِفَّةِ حَرَكَةٍ، وَشَجَاعَةِ قَلْبٍ، وَتَمَرُّسٍ بِفُنُونِ الصَّيْدِ وَالْحَرْبِ. وَلَا تَسَلْ عَنْ عَجَبِ الْأَسَدِ وَدَهْشَتِهِ، وَغَيْظِهِ وَغَضْبَتِهِ — وَهُوَ الْفَاتِكُ الْمُدِلُّ بِقُوَّتِهِ — حِينَ رَأَى رَجُلًا يَقِفُ فِي سَبِيلِهِ، وَيَعْتَرِضُهُ دُونَ غَايَتِهِ. وَلَكِنْ سُرْعَانَ مَا زَالَتِ الدَّهْشَةُ وَانْقَضَى الْعَجَبُ، وَحَلَّ الرُّعْبُ مَحَلَّ الْغَيْظِ وَالْغَضَبِ. فَمَا كَادَ يُصَاوِلُهُ وَيُوَاثِبُهُ، وَيُبَاعِدُهُ وَيُقَارِبُهُ، حَتَّى هَالَهُ مَا رَأَى مِنْ بَأْسِهِ وَقُوَّتِهِ، وَثَبَاتِهِ وَصِدْقِ عَزْمَتِهِ، وَرَشَاقَتِهِ فِي وَثْبَتِهِ، وَجُرْأَتِهِ فِي صَوْلَتِهِ. وَلَمْ تَنْقَضِ لَحَظَاتٌ قَلَائِلُ حَتَّى كَرَبَهُ وَأَتْعَبَهُ، وَجَهَدَهُ وَرَعَّبَهُ. وَرَأَى الْأَسَدُ أَمَامَهُ شُجَاعًا لَا كَالشُّجْعَانِ، وَفَارِسًا لَا نَظِيرَ لَهُ بَيْنَ الْفُرْسَانِ: فَارِسًا صَادِقَ الْجَوْلَةِ، مَرْهُوبَ الصَّوْلَةِ، مِنْ طِرَازٍ جَدِيدٍ، عَزْمُهُ أَصْلَبُ مِنَ الْحَدِيدِ، وَبَأْسُهُ أَقْوَى مِنْ صُمِّ الْجَلَامِيدِ. فَتَبَدَّدَتْ آمَالُهُ، وَتَخَاذَلَتْ أَوْصَالُهُ، وَزَايَلَهُ الْإِقْدَامُ وَالْبَأْسُ (الْقُوَّةُ)، وَحَلَّ مَكَانَهُمَا التَّرَدُّدُ وَالْيَأْسُ، وَاشْتَدَّ بِهِ الضِّيْقُ، وَخَانَهُ التَّوْفِيقُ، وَعَزَّ عَلَيْهِ الِاصْطِبَارُ، فَرَكَنَ إِلَى الْفِرَارِ. وَرَأَى عَدُوَّهُ يُلَاحِقُهُ فِي الطَّلَبِ، وَيَسُدُّ عَلَيْهِ مَسَالِكَ الْهَرَبِ؛ فَعَادَ إِلَيْهِ مُنْدَفِعًا فِي ثَوْرَةِ الْيَائِسِ الْحَانِقِ؛ فَتَلَقَّاهُ بِضَرْبَةِ الْمُتَمَكِّنِ الْوَاثِقِ، وَعَاجَلَهُ بِسَيْفِهِ «الْقَاطِعِ»، غَيْرَ رَاهِبٍ وَلَا جَازِعٍ؛ فَقَسَمَ الْأَسَدَ قِسْمَيْنِ، وَشَطَرَ جِسْمَهُ نِصْفَيْنِ.

(٢) اسْتِئْنَافُ الْحَدِيثِ

وَلَمْ تَسْتَغْرِقِ الْمَعْرَكَةُ غَيْرَ لَحَظَاتٍ، وَإِنْ خَيَّلَتْ أَهْوَالُهَا لِمَنْ يَرَاهَا أَنَّهَا اسْتَغْرَقَتْ سَاعَاتٍ. وَنَهَضَتْ «عَجِيبَةُ» مُرَوَّعَةً، كَأَنَّمَا تُفِيقُ مِنْ رُؤْيَا مُفَزِّعَةٍ؛ فَرَأَتْهُ رَابِطَ الْجَأْشِ (ثَابِتَ الْقَلْبِ)؛ كَأَنَّهُ لَمْ يُحَارِبْ أَحَدًا، وَلَمْ يَقْتُلْ أَسَدًا!

فَلَهِجَتْ بِشُكْرِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهَا شُكْرًا وَلَا ثَنَاءً، وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا بَعْد نَصْرِهِ الْحَاسِمِ، يُحَيِّيهَا بِوَجْهٍ طَلْقٍ وَثَغْرٍ بَاسِمٍ؛ فَضَاعَفَتْ لَهُ الثَّنَاءَ؛ فَاصْطَبَغَ وَجْهُهُ بِالْخَجَلِ وَالْحَيَاءِ، وَقَالَ لَهَا فِي تَوَاضُعٍ وَاسْتِحْيَاءٍ: «مَا أَشْوَقَنِي يَا سَيِّدَتِي «عَجِيبَةُ»، إِلَى سَمَاعِ مَا بَقِيَ مِن قِصَّتِكِ الْغَرِيبَةِ.»

(٣) زِيَارَةُ الْمَلِكِ «بِسْطَامٍ»

فَقَالَتِ الْفَتَاةُ: كَانَ الْوَزِيرُ «عَلِيٌّ» — كَمَا قُلْتُ لَكَ — بَارِعًا فِي التَّصْوِيرِ؛ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنِ اشْتَهَرَ فَنُّهُ وَذَاعَ صِيتُهُ. وَاجْتَمَعَ رَأْيُ النَّاسِ عَلَى الْإِعْجَابِ بِمَا كَانَ يُبْدِعُهُ مِنْ تَصَاوِيرَ زَيْتِيَّةٍ، وَأَلْوَاحٍ فَنِّيَّةٍ. وَمَا زَالَ يَرْتَقِي فِي مَدَارِجِ الشُّهْرَةِ حَتَّى سَمِعَ بِهِ الْمَلِكُ «بِسْطَامٌ»؛ فَاشْتَاقَ إِلَى زِيَارَةِ مُتْحَفِهِ. وَاشْتَدَّ إِعْجَابُهُ بِالْمُصَوِّرِ وَصُوَرِهِ، حِينَ رَأَى رَوَائِعَ ابْتِكَارِهِ، وَبَدَائِعَ تُحَفِهِ وَآثَارِهِ، وَأَطَالَ إِصْغَاءَهُ إِلَى دَقَائِقِ شَرْحِهِ وَأَخْبَارِهِ. وَدَفَعَنِيَ الْفُضُولُ إِلَى رُؤْيَةِ الزَّائِرِ الْجَلِيلِ؛ فَطَرَقْتُ بَابَ الْحُجْرَةِ مُسْتَأْذِنَةً فِي الدُّخُولِ. فَأذِنَا لِي وَهُمَا مُسْتَغْرِقَانِ فِي حَدِيثِهِمَا، وَأَنَا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّنِي لَنْ أَظْفَرَ مِنِ انْتِبَاهِ الْمَلِكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَظْفَرُ بِهِ بِنْتُ مُصَوِّرٍ فَقِيرٍ مِنَ السُّوقَةِ (عَامَّةِ النَّاسِ). وَلَكِنْ شَدَّ مَا خَدَعَنِي ظَنِّي؛ فَمَا كَادَ يَنْظُرُ إِلَيَّ حَتَّى ظَفِرْتُ مِنِ انْتِبَاهِهِ بِأَضْعَافِ مَا قَدَّرْتُ؛ حَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ عَابِرَةٌ أَلْقَاهَا عَلَيَّ خُلْسَةً، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ نَظْرَةً فَاحِصَةً نَفَّاذَةً لَمْ يُثَنِّهَا، غَادَرْتُ الْحُجْرَةَ عَلَى أَثَرِهَا.

وَتَظَاهَرَ الْمَلِكُ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْطُنْ لِمَقْدَمِي، وَلَمْ يَشْعُرْ بِانْصِرَافِي؛ فَوَاصَلَ حَدِيثَهُ عَمَّا رَآهُ مِنْ بَدِيعِ الصُّوَرِ، مُخْفِيًا مَا تَرَكْتُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ حَمِيدِ الْأَثَرِ.

ثُمَّ عَادَ إِلَيْنَا فِي الْيَوْمِ التَّالِي. وَتَوَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ زِيَارَاتُهُ.

(٤) فِي قَصْرِ «بِسْطَامٍ»

وَلَمْ تَنْقَضِ بِضْعَةُ أَيَّامٍ؛ حَتَّى اسْتَضَافَنَا الْمَلِكُ «بِسْطَامٌ» (أَنْزَلَنَا ضُيُوفًا عِنْدَهُ)، وَأَفْرَدَ لَنَا شِقَّتَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ فِي قَصْرِهِ: إِحْدَاهُمَا لِمُتْحَفِنَا، وَالْأُخْرَى لِمَسْكَنِنَا. وَأَجْرَى عَلَيْنَا وَظِيفَةً كَبِيرَةً نَتَقَاضَاهَا كُلَّ شَهْرٍ (مَنَحَنَا مُرَتَّبًا شَهْرِيًّا كَبِيرًا)؛ مُتَظَاهِرًا بِرَغْبَتِهِ فِي تَشْجِيعِ «عَلِيٍّ»، تَقْدِيرًا لِفَنِّهِ الْعَبْقَرِيِّ.

وَلَمْ يَغِبْ عَنِ الْوَزِيرِ «عَلِيٍّ» شَيْءٌ مِمَّا يُضْمِرُهُ الْمَلِكُ، مُنْذُ أَسْعَدَنَا بِزِيَارَتِهِ الْأُولَى. فَلَمَّا صَحَّتْ ظُنُونُهُ، وَتَأَكَّدَ لَهُ حَدْسُهُ وَتَخْمِينُهُ، كَاشَفَنِي بِرَأْيِهِ، فَقَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ — يَا مَلِيكَتِيَ الْعَزِيزَةَ — مَا يُضْمِرُهُ لَكِ الْمَلِكُ «بِسْطَامٌ» مِنْ تَجِلَّةٍ وَاحْتِرَامٍ. وَتَجَلَّى لَكِ كَيْفَ تَمَلَّكَهُ الْإِعْجَابُ بِمَا حَبَاكِ اللهُ بِهِ مِنْ مَوْفُورِ فَضْلٍ، وَمَا مَيَّزَكِ بِهِ مِنْ رَجَاحَةِ عَقْلٍ، فَأَفْرَدَ لَنَا فِي قَصْرِهِ الْمُلُوكِيِّ أَرْحَبَ مَكَانٍ، وَلَنْ يَلْبَثَ أَنْ يُكَاشِفَكِ بِرَغْبَتِهِ فِي عَقْدِ الْقِرَانِ (الزَّوَاجِ). وَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ إِيذَانٌ بِإِقْبَالِ الزَّمَانِ، وَلَيْسَ مِنَ الْحَزْمِ أَنْ نُضَيِّعَ الْفُرْصَةَ. فَهُوَ مَلِكٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ، شَرِيفُ الْمَحْتِدِ (كَرِيمُ الْأَصْلِ)، لَا يَقِلُّ عَنْكِ جَلَالَ أُسْرَةٍ وَكَرَمَ مَوْلِدٍ.»

فَوَعَدْتُ الْوَزِيرَ بِتَلْبِيَةِ طِلْبَتِهِ، وَتَحْقِيقِ رَغْبَتِهِ.

(٥) زَوَاجُ الْمَلِكَيْنِ

وَلَمْ يَلْبَثِ الْمَلِكُ «بِسْطَامٌ»، أَنْ كَاشَفَنِي بِرَغْبَتِهِ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَأَسَرَّ إِلَيَّ عَزْمَهُ عَلَى اخْتِيَارِي شَرِيكَةً لَهُ فِي الْحَيَاةِ، وَفِيمَا يَمْلِكُ مِنْ سُلْطَانٍ وَجَاهٍ.

فَشَكَرْتُ لَهُ مَا أَوْلَانِيهِ، وَمَا أَغْدَقَهُ عَلَيَّ مِنْ سَابِغِ نِعَمِهِ وَأَيَادِيهِ. وَسَنَحَتْ لِيَ الْفُرْصَةُ فَأَفْضَيْتُ إِلَيْهِ بِكُلِّ مَا وَقَعَ لِي مِنْ فَوَاجِعَ وَمُلِمَّاتٍ، وَكَوَارِثَ فَادِحَاتٍ؛ فَعَظُمَ لِذَلِكَ هَمُّهُ، وَاشْتَدَّ أَلَمُهُ وَغَمُّهُ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ يُؤَسِّينِي (يُصَبِّرُنِي وَيُسَلِّينِي)، وَيُسَرِّي عَنِّي وَيُعَزِّينِي.

ثُمَّ خَتَمَ حَدِيثَهُ قَائِلًا: «لَا رَيْبَ أَنَّ اللهَ — سُبْحَانَهُ — كَتَبَ عَلَيَّ أَنْ أَنْتَقِمَ لَكِ مِنْ غَاصِبِ مُلْكِكِ، وَأَنَّ الْأَقْدَارَ الَّتِي أَسْعَدَتْنَا بِحُضُورِكِ قَدْ هَيَّأَتْ لَكِ فُرْصَةً لِلْقِصَاصِ مِنْ عَدُوِّكِ عَاجِلَةً، وَأَتَاحَتْ لَكِ هَنَاءَةً شَامِلَةً، وَسَعَادَةً كَامِلَةً. وَسَأُوفِدُ مَنْ يَأْمُرُ الْغَاصِبَ بِرَدِّ مَا اغْتَصَبَهُ مِنْكِ؛ فَإِذَا أَبَى وَاسْتَكْبَرَ، أَثَرْتُهَا عَلَيْهِ حَرْبًا لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ، وَأَتَيْتُ بِهِ إِلَيْكِ نَادِمًا سَادِمًا، بَادِيَ الذُّلِّ وَالضَّرَاعَةِ، يَلْتَمِسُ مِنْكِ الْعَفْوَ وَالشَّفَاعَةَ.» فَضَاعَفْتُ لَهُ الثَّنَاءَ، وَانْطَلَقَ لِسَانِي بِالشُّكْرِ لَهُ وَالدُّعَاءِ. وَاحْتَفَلَتِ الْمَدِينَةُ بِزَوَاجِنَا أَيَّمَا احْتِفَالٍ.

وَعَاوَدَتْنِي الطُّمَأْنِينَةُ وَهُدُوءُ الْبَالِ، وَغَمَرَنِيَ الْفَرَحُ كَمَا غَمَرَ النَّاسَ أَجْمَعِينَ، وَاسْتَوْلَتِ الْبَهْجَةُ عَلَى نَفْسِي، كَمَا اسْتَوْلَتْ عَلَى الشَّعْبِ الْوَفِيِّ الْأَمِينِ.

(٦) سَفِيرُ «بِسْطَامٍ»

فَلَمَّا جَاءَ الْغَدُ، أَوْفَدَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ أَحَدَ سُفَرَائِهِ عَلَى ظَهْرِ فِيلٍ. وَكَانَ «مُوَفَّقٌ» ضَعِيفًا بِالْقِيَاسِ إِلَى الْمَلِكِ «بِسْطَامٍ» وَلَيْسَ لَهُ بِمُقَاوَمَتِهِ قُدْرَةٌ، وَلَكِنْ تَظَاهَرَ أَمَامَ السَّفِيرِ بِالْبَأْسِ وَالْقُوَّةِ. وَأَعْلَنَ لَهُ اسْتِنْكَارَهُ، وَاسْتِهَانَتَهُ بِمَنْ أَوْفَدَهُ وَاحْتِقَارَهُ، وَتَهَكُّمَهُ بِوَعِيدِهِ، وَازْدِرَاءَهُ لِإِنْذَارِهِ وَتَهْدِيدِهِ.

(٧) مَوْتُ الْغَاصِبِ

وَعَادَ السَّفِيرُ إِلَى مَلِيكِهِ يُبْلِغُهُ رَفْضَ الْمُغْتَصِبِ؛ فَلَمْ يَتَرَدَّدِ الْمَلِكُ فِي حَشْدِ جَيْشٍ لَجِبٍ (عَظِيمٍ). وَاشْتَدَّ سُخْطُهُ عَلَيْهِ؛ فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ صَاغِرًا إِلَيْهِ، وَأَوْصَى قَائِدَ جَيْشِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مُقَيَّدًا، مُكَبَّلًا بِالْأَغْلَالِ مُصَفَّدًا.

وَمَا كَادَ الْجَيْشُ يَتَأَهَّبُ لِلرَّحِيلِ، حَتَّى أَقْبَل عَلَيْنَا الرُّسُلُ يَحْمِلُونَ إِلَيْنَا نَبَأَ وَفَاةِ الْمُغْتَصِبِ، عَلَى أَثَرِ مَرَضٍ لَمْ يُمْهِلْهُ إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِلَ، وَيُعْلِنُونَ إِلَيْنَا صِدْقَ طَاعَتِهِمْ وَخُنُوعِهِمْ، وَتَفَانِيَهُمْ فِي خُضُوعِهِمْ. فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِتَسْرِيحِ الْجَيْشِ، وَرَأَى أَنْ يُنِيبَ وَزِيرِي عَنِّي، فِي إِدَارَةِ شُؤُونِ الْمَمْلَكَةِ بِاسْمِي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤