الباب الرابع عشر

في الكلام على مملكة البلجيك

(١) في وصفها

اعلم أن موقعها بين خمس عشرة دقيقة وثلاث درجات مع ست وأربعين دقيقة من الطول الشرقي، وبين تسع وأربعين درجة مع ثلاثين دقيقة وإحدى وخمسين درجة مع ثلاثين دقيقة أيضًا من العرض الشمالي، ويحدُّها في ناحية الشمال وبين الشمال والغرب بحر الشمال وبحر المانش، وبين الشمال والشرق مملكة هولاندة والدوكاتو الكبرى من اللوكسامبورغ والإيالات البروسيانية من شاطئ الرين، ويحدُّها شرقًا وقبلةً مملكة فرنسا، وجملة سطحها تسعة وعشرون ألفًا وأربعمائة وخمسة وخمسون كيلومترًا مربعًا. وقد بلغ سكانها في سنة خمس وستين وثمانمائة وألف أربعة ملايين وتسعمائة وأربعة وثمانين ألفًا وأربعمائة وإحدى وخمسين نفسًا، وسكان تختها وهي مدينة بروكسيل يبلغون مائة وتسعة وثمانين ألفًا وثلاثمائة وسبعًا وثلاثين نفسًا.

وأرضها منبسطة. وبالناحية الشرقية منها بعض جبال، وبها عدة أودية وخُلج مصنوعة وغابات وأراضٍ خصبة المزارع، ومزدرعاتها جيدة وأنعامها كثيرة. ويوجد بها مقاطع البلاط الأسود الذي تُسقَّف به الديار والكذان والرخام والحديد والرصاص والزنك والفحم الحجري. والحبوب التي تزرع بها القمح والشعير، ويزرع بها الكتان والخيط واللفت الأحمر الذي يُستخرج منه السكَّر وغير ذلك من أنواع الخُضر. وصناعاتها مستقيمة، فمما يصنع بها الأقمشة الجيدة والجوخ وأقمشة الصوف والزرابي، ولهم شهرة في طرز القماش والصبغ والأقمشة المطبوعة والسكَّر والمقطرات، وعمل البيرة والمطابع وأماكن بيع الكتب، واصطناع الكاغد والبلور والجلود، وتذويب المعادن وفبريكات السلاح وماكينات النجارة وآلات الحديد. وأما طرقها الحديدية فقد بلغ طولها في سنة أربع وستين وثمانمائة وألف ألفًا وأربعمائة وثلاثة من الكيلومتر، ولها متجر نامٍ بلغت قيمة الخارج منه في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف تسعمائة وأحدًا وثمانين مليونًا وسبعمائة ألف فرنك، وقيمة الداخل لها بليونًا وثمانية وستين مليونًا وأربعمائة ألف فرنك.

وأما مواد التعليم بها فقد حسب ما عندهم من المكاتب في سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف، فوجد من مكاتب المبتدئين خمسة آلاف وستمائة وأربعة وستون مكتبًا، ولتعليم المعلمين لهم ثمانية وعشرون مكتبًا، ومكتبان لتعليم المعلمين أيضًا لكنهما من طرف الدولة. ويوجد بها عدة مواضع لتعليم الفقراء، وأخرى لتعليم كبار السن، وأماكن لتعليم الأطفال والبنات سائر الصنائع، وأخرى لتعليم الصناعات وغيرها مجانًا تخرج مصاريفها من المارستانات، ومكاتب لتعليم الفِلاحة وأخرى لتعليم الصم البكم والعميان. ويوجد بألايات العسكر مكاتب لتعليم الأبناء المنتسبين للجيش، وهناك خمسون مكتبًا من المكاتب المتوسطة، وبها مدرستان لتعليم العلوم العالية، وبها عدة مكاتب خصوصية كمكتب مهندسي البلد ومكاتب المقاطع والصنائع ومكتب الحرب.

(٢) في قوانين المملكة

اعلم أن كونستيتوسيون المملكة المذكورة؛ أي قوانينها السياسية، مبني على المنشور الصادر من الملك ليوبولد الأول المؤرخ بالسابع من فراير سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة وألف، المشتمل على مساواة جميع أهل المملكة لدى الحكم، بحيث لا فضل لأحدهم على الآخر، وعلى الحرية الشخصية وعلى حرية المطابع والاجتماعات العامة للمفاوضة في الأمور السياسية، سواءٌ كانت متعلقة بسيرة الدولة أو بغيرها مما تقدم لنا بيانه عند شرح أحوال المملكة الإنكليزية. وعلى اعتبار آراء العامة فيما يتفق عليه غالب الأهالي في أي شيء كان يجب على الدولة إجراؤه، وأن يكون فصل جميع الجنايات في المجالس بمحضر جماعة الجوري كما تقدم بيانه في مجالس فرنسا.

(٣) في القوة التشريعية

هذه القوة هي من حقوق المَلك والمجلس الأعلى ومجلس وكلاء العامة، والإمضاء عليها من حقوق الملك؛ بمعنى أن عرض القوانين الجديدة على المجلسين إما أن يكون من الدولة أو من الأعضاء، ولا تصير قانونًا إلَّا بعد المفاوضة فيها بالمجلسين علنًا واتفاق الغالب وإمضاء الملك عليها. ومن حقوق المَلك عمل الحرب والصلح وشروط المعاهدة والتجارة، على شرط أن لا يكون في ذلك نقص أو زيادة في حدود المملكة؛ لأن ذلك لا يكون إلَّا بقانون يصدر من المجلسين، ومن حقوقه نصب الوزراء وغيرهم من المتوظفين، وتأخير من لم تكن وظيفته عمرية منهم، وإدارة المملكة في الأمور الداخلية والخارجية بمقتضى القوانين. وهذه الأمور وإن كانت كلها من حقوق الملك لكنها متوقفة على موافقة الوزراء عليها من حيث إنهم مسئولون عن تصرفات الدولة لدى المجالس السياسية؛ فلذلك لا يبدي الملك أمرًا حتى يستشير وزراءه الذين لا يمكن بقاؤهم في الخطة إذا لم يكن غالب أعضاء المجلسين موافقًا لسياستهم مثلما تقدم تقريره في الدول السالفة.

(٤) في كيفية تركيب المجالس

كلٌّ من المجلسين المذكورين يتركَّب من أعضاء تنتخبهم الأهالي، فالمجلس الأعلى مركَّب من ثمانية وخمسين عضوًا يبدل نصفهم بعد أربع سنين، ومجلس وكلاء العامة مركَّب من مائة وستة عشر عضوًا يبدل نصفهم بعد سنتين، وشرط المنتخب أن يكون من البلاد وممن بلغ عمره خمسًا وعشرين سنة ممن يدفع في السنة اثنين وأربعين فرنكًا على الرَّبع والعقار. وشرط المنتخب لمجلس وكلاء العامة أن يكون من الأهالي مولدًا أو دخولًا في زمرة جنسهم بأمر من الدولة على شروط مقررة في قوانينهم، ومتصرفًا في حقوقه المدنية والسياسية، وممن بلغ عمره خمسًا وعشرين سنة وكان ساكنًا في المملكة. وشرط المنتخب للمجلس الأعلى جميع ما تقدم في منتخب أعضاء مجلس وكلاء العامة، وأن يكون ممن يدفع ألفين وستة عشر فرنكًا في السنة على الرَّبع والعقار. ولا يكون أحد من المتوظفين الذين لهم مرتَّب من الدولة عضوًا في هذين المجلسين إلَّا الوزراء، ومن حقوق المجلسين المفاوضة والقرعة على جميع القوانين الجديدة التي منها: تعيين أصول مصاريف الدولة كل سنة، والمقدار الواجب أخذه من الأهالي لذلك، وسؤال الوزراء عما يظهر لهم متى شاءوا والقدح في سيرتهم، وعلى الوزراء الجواب بالمجلس كما تقدم بيانه في غير ما موضع.

(٥) في الوزارات

اعلم أن إدارة المملكة تحت نظارة ستة وزراء، وهم: وزير الخارجية، ووزير الأحكام، ووزير المال، ووزير المصالح العامة، ووزير الحرب، ووزير العمالة. ويجتمعون للنظر في المصالح تحت رئاسة الملك أو من ينوبه، ويسمى اجتماعهم مجلس الوزراء أو مجلس الملك.

(٦) في إدارات الإيالات

اعلم أن هذه المملكة تنقسم إلى تسع إيالات، وتنقسم هاته الإيالات إلى أحد وأربعين وطنًا، ففي كل إيالة والٍ من طرف الدولة مكلَّف بإمضاء القوانين، وأوامر الدولة، والنظر في مصالح الإيالة، وبقاء راحة سكانها، ونمو فِلاحتها وتجارتها وصناعاتها وعلومها، وغير ذلك مما تقدم شرحه في ولاة الإيالات بفرنسا. وفي كل إيالة أيضًا مجلس مركَّب من أعضاء تنتخبهم الأهالي لمدة أربعة أعوام يسمى مجلس الإيالة، يجتمع في أوقات معلومة من السنة للنظر في مصالحها، كتوزيع الأداء المرتب من مجلس وكلاء العامة على الإيالة بين أوطانها باعتبار المكاسب، وكتعيين ما يلزم إحداثه من المصالح، ونحو ذلك مما تقدم بيانه في الكلام على إيالات فرنسا. ومع والي الإيالة مجلس ينتخب أعضاؤه مجلس الإيالة؛ للنظر مع الوالي في إدارة مصالح الإيالة على مقتضى الأصول المعينة من مجلس الإيالة. وفي كل بلدة مجلس بلدي تحت رئاسة شيخ البلد، ومأمورية هذا المجلس كمأمورية المجالس البلدية بفرنسا تقريبًا، إلَّا أن الفرق بينهما هو أنه لا يوجد هنا أدنى تداخل من الدولة في أحوال المجلس البلدي. وأما إدارة الأحكام في فصل النوازل فهي على منوال الإدارة الفرنساوية، ولهم مجلس أعلى وثلاثة مجالس تحقيق وخمسة وثلاثون مجلس حكم ومجلس متجري ومجلس حرب ومائتان وثلاثة حكام صلح.

(٧) في قوتها المالية دخلًا وخرجًا والعسكرية برًّا وبحرًا

القوة المالية.
بلغ دخل المملكة السنوي في ۱۸٦٥ ۱٥۹٦۱۲۷۹۰ فرنكًا
وبلغ خرجها في السنة المذكورة ۱٥٤۱٤٤۳٤۰ فرنكًا
وكان عليها من الدين في تلك السنة ٦۳۲۱٦۷٤۱٤ فرنكًا
القوة العسكرية البرية سنة ۱۸٦٤.
عدد أنفس   
٥٦٥٥۰ عسكر تريس
۸۲۰۲ خيالة وجندارمية
٦٦۰۰ طوبجية
٥۷٦ المكلفون برفع الأثقال
۱٦۹۰ مهندسون
۷۳٦۱۸ الجملة

وفي وقت الحرب يكون عدد الجيش مائة ألف.

•••

أما القوة البحرية فتكاد لا تذكر؛ لأنها لا تشتمل على أكثر من خمس مراكب صغار جملة محمولها ستة وثلاثون مدفعًا لا غير، ولكن النقص في السفن الحربية تعوضه كثرة المراكب المتجرية؛ فإن للأهالي مائة وأحد عشر مركبًا للتجارة محمولها أربعة وعشرون ألف طونلاتة، وعندهم نحو مائتي قارب لصيد الحوت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤