الفصل الحادي والثلاثون

من انتسب إلى سرقسطة من أهل العلم

قال ياقوت الحموي: وينسب إلى سرقسطة أبو الحسن علي بن إبراهيم بن يوسف السرقسطي، قال السلفي: كان من أهل المعرفة والخط. وكان بيني وبينه مكاتبة. وأنبل من نسب إلى سرقسطة ثابت بن حزم بن عبد الرحمن بن مطرف بن سليمان بن يحيى العوفي، من ولد عوف بن غطفان، سمع بالأندلس، ثم رحل إلى الشرق هو وابنه قاسم، فسمعا بمكة ومصر، وتوفي ثابت بسرقسطة عن ٩٥ سنة، وكان مولده سنة ٢١٧. وابنه قاسم بن ثابت كان أعلم من أبيه، وأنبل وأروع، ويكنى أبا محمد، رحل مع أبيه فسمع معه، وعني بجمع الحديث واللغة، فأدخل إلى الأندلس علمًا كثيرًا. ويقال إنه أول من أدخل كتاب العين للخليل إلى الأندلس. وألف قاسم بن ثابت كتابًا في شرح الحديث سماه كتاب الدلائل، بلغ فيه الغاية من الإتقان، ومات قبل كماله، فأكمله أبوه ثابت بعده. قال ابن الفرضي: سمعت العباس بن عمرو الوراق يقول: سمعت أبا علي القالي يقول: كتبت كتاب الدلائل، وما أعلم وُضع في الأندلس مثله. ولو قال إنه ما وضع في الشرق مثله ما أبعد. وكان قاسم عالمًا بالحديث والفقه، متقدمًا في معرفة الغريب والنحو والشعر، وكان مع ذلك ورعًا ناسكًا أُريد على أن يلي القضاء بسرقسطة فامتنع من ذلك وأراد أبوه إكراهه عليه، فسأله أن يتركه يتروى في أمره ثلاثة أيام، ويستخير الله فيه، فمات في هذه الثلاثة الأيام. يقولون إنه دعا لنفسه بالموت، وكان يقال إنه مجاب الدعوة، وهذا عند أهله مستفيض. قال الفرضي: قرأت بخط الحكم المستنصر بالله: توفي قاسم بن ثابت سنة ٣٠٢ بسرقسطة، وابنه ثابت بن قاسم بن ثابت من أهل سرقسطة، سمع أباه وجده، وكان مليح الخط، حدّث بكتاب الدلائل، وكان مولعًا بالشراب وتوفي سنة ٣٥٢. قال: وجدته بخط المستنصر بالله أمير المؤمنين، انتهى. قلنا: لا يخفى أن الحكم المستنصر بن عبد الرحمن الناصر كان معدودًا من العلماء والحكماء، وقد ترك آثارًا من قلمه.

قلنا: وممن ينسب إلى سرقسطة من أهل العلم أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن فرتش، ابن عم القاضي محمد بن إسماعيل، روى عن أبي عمر الطلمنكي والقاضي أبي الحزم بن أبي درهم، وابن محارب، وغيرهم. واستقضي ببلده، وكان فاضلًا ديّنًا عالمًا، أخذ الناس عنه ولد سنة ٣٩٠، وتوفي سنة ٤٨٠. ترجمه ابن بشكوال. وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن سعيد العبدري، يعرف بابن سماعة، من أهل سرقسطة خطيبها، حدّث عن أبي عمر الطلمنكي وغيره، وحدّث عنه أبو علي بن سكرة، وقال: هو مشهور بالصلاح التام، وأجاز له. وقال: توفي في سنة ٤٧٢، ودفن هو وأبو الحسين بن القاضي أبي وليد الباجي، وصلى عليهما في وقت واحد، وموضع واحد. وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن هاشم الهاشمي، سمع من القاضي محمد بن فرتش، وأبي القاسم مفرج بن محمد الصدفي، وسمع بمصر من أبي العباس بن نفيس مسند الجوهري، وسئل عنه أبو علي بن سكرة فقال: رجل صالح، كان يحفظ الموطأ والبخاري، ورأيته يقرأ من حفظه كتاب البخاري على الناس في ما بين العشائين بالسند والمتابعة، لا يخل بشيء من ذلك. وأبو عبد الله محمد بن حارث بن أحمد بن منيوه النحوي، كان من جلة أهل الأدب، روى عن أبي عمر أحمد بن صارم الباجي، وحدث عنه أبو الحسن علي بن أحمد المقرئ، لقيه بغرناطة سنة ٤٧٣ وأخذ عنه. وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله المقرئ، روى عن أبي عبد الله بن شريح، وأبي عبد الله بن مهلب. قال ابن بشكوال: أخذ عنه القراءات شيخنا القاضي الإمام أبو بكر بن العربي، وذكر أنه كان شيخًا صالحًا، وكان يقرئ الناس بحاضرة أشبيلية، وتوفي بعد سنة ٥٠٠.

وأبو زيد عبد الرحمن بن موسى بن محمد بن عقبى الكلبي، كان فقيهًا عالمًا زاهدًا ورعًا، لم يمسح على الخفين قط، وكان مع ذلك يفتي بالمسح. وأراد المقتدر بن هود أن يوليه الأحكام فأبى عليه، وحلف ألا يقبلها، فأعفاه منها، وتوفي سنة ٤٦٨ في المحرم. وأبو المطرف عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن فرنش، كان فقيهًا أديبًا دينًا عاقلًا من أخط الناس، وكان فصيح اللسان، عارفًا بعقد الشروط، وكتب لابن عمه القاضي محمد بن إسماعيل بن فرتش، وتوفي سنة ٤٦٨. ترجمه ابن بشكوال، وترجم الذي قبله. وكذلك في صلة ابن بشكوال ترجمة أبي زيد عبد الرحمن بن شاطر، من أدباء سرقسطة. قال: كان ذا فضل وأدب وافر وشعر، ثم انزوى ولزم الانقباض. ومن شعره:

ولائمة لي إذ رأتني مشمرًا
أهرول في سبل الصبا خالع العذر
تقول: تنبه ويك من رقدة الصبا
فقد دب صبح الشيب في غسق الشعر
فقلت لها: كفي عن العتب واعلمي
بأن ألذ النوم إغفاءة الفجر

ومن تراجم ابن بشكوال سيرة أبي زيد عبد الرحمن بن سنتيل الأنصاري، من أهل سرقسطة، كان صهر القاضي أبي علي بن سكرة، وقد أخذ عنه أبو علي تبركًا به، روى عن القاضي محمد بن فرتش، وكان صالحًا ورعًا منقبضًا، مقبلًا على ما يعنيه ويقربه من ربه عز وجل، وكان ممن يتبرك بلقائه، وكان أيضًا أديبًا شاعرًا.ومن شعره:

سأقطع عن نفسي علائق جمة
وأشغل بالتلقين نفسي وباليا
وأجعله أنسي وشغلي وهمتي
وموضع سري والحبيب المناجيا

وكتب إلى القاضي أبي علي بن سكرة:

كتبت لأيام تجد وتلعب
ويصدقني دهري ونفسي تكذب
وفي كل يوم يفقد المرء بعضه
ولا بد أن الكل منه سيذهب

وأبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن أبي الخير بن علي الأنصاري، من أهل سرقسطة، سكن قرطبة، روى بسرقسطة عن القاضي أبي الوليد الباجي، واختص به، وعن القاضي أبي محمد بن فرتش، وعن أبي العباس العذري، ومحمد بن سعدون القروي، وأبي داود المقري، وكان عارفًا بالأصول والفروع، معنيًا بالقراءات وتجويدها، حافظًا للقرآن العظيم، حسن الصوت به، جميل العشرة، كامل المروءة، بارًّا بإخوانه، قال ابن بشكوال: أخذ عنه أبو علي الغساني الحافظ، ورأيت قراءاته مقيدة عليه في أحد كتبه، وحدث عنه أيضًا القاضي أبو عبد الله بن الحاج في برنامجه، وغيره من كبار شيوخنا، وقرأت عليه كثيرًا من روايته، وأجاز لي ما رواه بخطه غير مرة، وصحبته إلى أن توفي رحمه الله ضحوة يوم السبت، ودفن يوم الأحد الثاني عشر من رجب سنة ٥١٨، ودفن بمقبرة الربض، وصلى عليه أخوه أبو جعفر.

وأبو الطاهر محمد بن يوسف بن عبد الله التميمي من أهل سرقسطة، سكن قرطبة، قال ابن بشكوال عنه: صاحبنا سمع من أبي علي الصدفي كثيرًا، ومن أبي محمد بن ثابت، وأبي عمران بن أبي تليد، وأبي محمد بن السيد، وبقرطبة وأشبيلة من غير واحد من شيوخنا. وكان مقدمًا في اللغة العربية، شاعرًا محسنًا، وله مقامات من تأليفه، أخذت عنه واستحسنت، قال وتوفي رحمه الله بقرطبة في جمادى الأولى من سنة ٥٣٨. وأبو القاسم مسعود بن علي بن آدم، حدث عنه أبو عمرو المقري، وأبو القاسم مفرّج بن محمد الصدفي، روى بالمشرق عن أبي القاسم الجوهري مسنده في الموطأ، وعن أبي حسن الحلبي، قال ابن بشكوال: سمع الناس منه ببلده سرقسطة، وكان شيخًا صالحًا، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ٤٤٠، ودفن بباب القبلة. وأبو عبد الله مزاحم بن عيسى، روى عن أبي إسحاق بن شعبان، وأبي القاسم حمزة بن محمد وغيرهما، توفي سنة ٣٩٤. وأبو العباس الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي زياد العمري رحل وسمع من الحسن من رشيق وطبقته، وألف كتابًا اسمه «الوجازة، في صحة القول بالإجازة» وذكر أنه لقي في رحلته نيفًا على ألف شيخ، بين محدث وفقيه، وسمع منهم، وقد سمع من أبي عباس الوليد السرقسطي المذكور: أبو ذر الهروي، وأبو عمر المليحي وأبو القاسم بن الحسن التنوخي، وغيرهم، قال ابن بشكوال: ذكره الخطيب وقال: كان ثقة أمينًا كثير السماع والكتاب في بلده وفي الغربة، وهو عالم فاضل. وقال الخطيب: حدثني القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي قال: توفي الوليد بن بكر الأندلسي بالدينور سنة ٣٩٢. وأبو محمد وضاح بن محمد بن عبد الله بن مطرف بن عباد الرعيني، سمع من أبي بكر الطلمنكي، وأبي عبد الله بن الحذاء، وأبي بكر بن زهر وغيرهم، ورحل إلى المشرق سنة ٤١٨، فلقي بالقيروان أبا عمران الفاسي، وأخذ عنه، ولقي بمصر أبا القاسم عبد الجبار بن أحمد بن عمر الطرسوسي، قال ابن بشكوال: ومولده سنة ٣٨١، قرأته بخط أبي الوليد صاحبنا. وأبو محمد يحيى بن إبراهيم بن محارب، روى عن القاضي أبي محد الثغري، وعبدوس بن محمد، ورحل إلى المشرق وحج، وروى عن أبي القاسم السقطي، وأبي موسى بن حنيف وغيرهما، وكان فاضلًا زاهدًا، روى عنه الصاحبان، وقاسم بن هلال، وعمر بن كريب، وموسى بن خلف بن أبي ادرهم، ووضاح بن محمد السرقسطي، وقال: كان من أهل الدين والورع، ما رأيت أورع منه في وقته. توفي سنة ٤١٤. ترجمه ابن بشكوال.

وأبو الحسن يحيى بن فرج بن يوسف الأنصاري، له رحلة إلى المشرق سنة ٤٢٥ سمع فيها من محمد بن الفضل بن نظيف وغيره، وكتب بخطه علمًا كثيرًا، وتصدر للإقراء ببلدة سرقسطة، وكان يعرف فيها بابن المصري. وأبو الحجاج يوسف بن موسى الكلبي الضرير، له سماع من أبي مروان بن سراج، وأبي علي الجياني وغيرهما، وكان من أهل النحو، متقدمًا في علم التوحيد. قال ابن بشكوال: وهو آخر أئمة المغرب، أخذ عن أبي بكر المرادي، وكان مختصًّا به، وله تصانيف حسان، وأراجيز مشهورة، وانتقل أخيرًا إلى العدوة، وسكن حضرة السلطان، فتوفي بها سنة عشرين وخمسمائة. وأبو سعيد خلف بن عثمان بن مفرّج، كانت له رحلة إلى المشرق، وحج فيها، وكان خيّرًا فاضلًا، مشاورًا في الأحكام ببلدة سرقسطة. توفي في ربيع الأول سنة ٤٣٤. ذكره ابن بشكوال. وأبو علي الحسن بن محمد بن هالس الأزدي المقرئ، سمع من القاضي أبي عبد الله بن فرتش تاريخ ابن خيثمة، وروى عن أبي عمرو المقرئ، وأجاز له في صفر سنة ٤٠٤، وكان من جلة أصحابه. وهو أحد الشهود على أبي عمر الطلمنكي بخلاف السنة. قال ابن الأبار: غفر الله له. وحسين بن إسماعيل بن حسين الغفاري، من أهل سرقسطة، وأحد شهودها المعدلين، ونبهائها. قال ابن الأبار في التكملة: قرأت اسمه بخط أبي الحكم بن غشليان في نسخة العقد المرتسم ببراءة أبي عمر الطلمنكي، وإسقاط شهادة الذين نسبوه إلى مخالفة السنة. وذلك عن رأي القاضي محمد بن عبد الله بن فرتون في سنة خمس وعشرين وأربعمائة. وأبو الحزم خلف بن محمد بن خلف بن أحمد بن هاشم العبدري، صاحب الأحكام بسرقسطة، جده لأبيه، وهو المعروف بالقروذي، كان قاضي الجماعة بسرقسطة، وجده لأمه أبو الحزم خلف بن أبي درهم، كان قاضي وشقة، روى عن خاله أبي هارون موسى بن خلف وغيره، وأجاز له جده ابن أبي درهم، وقدم للنظر في جامع بلده سنة ٤٤١، ثم تولى الأحكام سنة سبع وستين. وكان فقيها زاهدًا، محببًا إلى الخاصة والعامة. وكان المستعين أبو جعفر بن المؤتمن بن هود يعرف له حقه ويكرمه، وكان يعوده في مرضه، ولد لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ٤١٢، وتوفي ليلة الأحد الموفي ثلاثين لذي الحجة سنة ٤٩٣، ودفن بمقبرة باب القبلة ظهر يوم الأحد، وشهد المستعين جنازته، ومشى أمامها راجلًا من داره إلى قبره، وتسامع الناس بموته فابتدروا حضورها، ولم يعهد بسرقسطة مثلها. وكان قد أوحى المستعين بالصلاة عليه، فقدم لذلك أبا عبد الله بن الصراف، صاحب الصلاة، وكفل ابنته، ولم يكن له عقب غيرها، فضمها إلى قصره. أكثره من أبي محمد بن نوح. وسماه عياض القاضي في الذين لقيهم أبو علي بن سكرة الصدفي بسرقسطة. وذكر ابن الدباغ أنه يحدث عنه، وقال: كان أحد الجلة الفضلاء، وذكره ابن بشكوال مختصرًا ا.ﻫ. قاله ابن الأبار في التكملة.

ومن هنا يعلم أن المستعين الثاني بن المؤتمن بن هود كان يكنى بأبي جعفر، فهو الذي يترجح أن يكون قصر الجعفرية منسوبًا إليه.

وأبو القاسم خلف بن خلف بن محمد بن سعيد بن إسماعيل بن يوسف الأنصاري يعرف بابن الأنقر، روى ببلدة سرقسطة عن أبي عبد الله بن الفراء الجياني، وعن عبد الله بن سماعة، صاحب الأحكام، وعن أبي عبد الله بن هاشم، وأبي عبد الله محمد بن يحيى بن فرتش، تفقه به، وصحبه ثمانية عشر عامًا، يسمع عليه المدونة، ويقرؤها، وأخذ العربية والآداب عن أبي عبد الله بن ميمون الحسيني، وذكر أبو عمرو زياد بن الصفار أن له رواية عن أبي عمر بن عبد البر، وكان من أهل الفقه والحديث والأدب، مقدمًا في الحفظ، صدر في المفتين يقرض من الشعر يسيرا. قال ابن الأبار في ترجمته: خرج من سرقسطة بعد أن استولى الروم عليها، واستوطن بلنسية أول سنة ٥١٧، ودرس بها وأسمع وأفتى، وشاوره قاضيها أبو الحسن بن واجب، وكان بسرقسطة يشاوره قاضيها أبو القاسم بن ثابت، ولم تخرج بلاد الثغر الشرقي أفضل منه ومن أبي زيد بن منتيال الخطيب، وكانا متعاصرين يشار إليهما بالعلم والصلاح. قال أبو بكر بن رزق: درس الفقه، وبرع فيه، واستفتى ببلده، ولزم الانقباض والزهد في الدنيا، وكان موصوفًا بالصلابة في الحق، والقوة في الدين، مع حسن الخلق ولين الجانب، اختلفت إليه وأخذت عنه، وكتب لي بخط يده، وروى عنه أبو مروان بن الصيقل، وأبو بكر بن نمارة، وأبو محمد أيوب بن نوح وغيرهم. ومن قول ابن الأنقر السرقسطي المذكور:

احفظ لسانك والجوارح كلّها
فكل جارحة عليك لسان
واخزن لسانك ما استطعت فإنه
ليث هصور والكلام سنان
توفي عن سن عالية، تنيف على الثمانين، ليلة الجمعة منسلخ شوال سنة ٥١٩. قرأت بعض ذلك بخط ابن نمارة. وعن ابن رزق أنه توفي في أول سنة عشرين، ودفن بمقبرة باب بيطالة، لصق قبر بلدية وصاحبه أبي زيد بن منتيال، انتهى، عن ابن الأبار. وأبو الحسن ذيال بن عبد الرحمن بن عمر الشريوني، من شريون بالثغر الشرقي١ له سماع بسرقسطة من أبي الوليد الباجي، مع أبي داود المقري، وأبي محمد الركلي سنة ٤٦٣. عن ابن الأبار.

وطاهر بن محمد بن طاهر بن عبد الرحمن القرشي الزهري، من ولد أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوض، يعرف بابن الناهض، سكن سرقسطة، وروى عن أبي ذر الهروي، وأبي عمر الطلمنكي، وكان حسن الخط، ذكره ابن حبيش. ا.ﻫ. عن ابن الأبار. وأبو بكر الكميت بن الحسن. قال ابن الأبار في التكملة: سكن سرقسطة، وكان من شعراء عماد الدولة أبي جعفر بن المستعين بالله أبي أيوب بن هود. قال الحميد: لقيته وقرأت عليه كثيرًا من شعره. ا.ﻫ.، قلت: قد كُنِّيَ هنا بأبي جعفر عماد الدولة ابن المستعين بالله بن هود، وعماد الدولة هو عبد الملك بن المستعين الثاني. والحال أن تقدم لابن الأبار في ترجمة أبي الحزم خلف العبدري أن المستعين بالله هو الذي كان يكنى بأبي جعفر، فلا تعلم هل الأب المستعين هو الذي كان يكنى بأبي جعفر أم هو الابن عبد الملك عماد الدولة؟ ولا شك بوقوع خطأ في النسخ. ومحمد بن نصر الجهني، كان أبوه نصر من أهل قرطبة، انتقل منها إلى سرقسطة عند هيج أهل الربض، وهو أخو إبراهيم بن نصر، قال ابن الفرضي: شاركته في رحلته، يعني التي سمع فيها من يونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، والحارث بن مسكين، والمزني، والربيع بن سليمان صاحب الشافعي وغيره. ومحمد بن أحمد بن عبد الله بن سليمان بن صالح بن تمام العذري، يعرف بابن فرتش، وهو جد القاضي محمد بن إسماعيل بن محمد، رحل حاجًّا، ولقي محمد بن اللباد وغيره، وولي قضاء سرقسطة بلده، وقضاء تطيلة للخليفة الناصر وابنه المستنصر، ترجمه ابن الأبار. وأبو عبد الله محمد بن بسام بن خلف بن عقبة الكلبي، من أهل سرقسطة، وإمام الجامع بها، يروي عن أخيه عبد الله بن بسام، حدث عنه الصاحبان.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قاسم يعرف بابن الأنصاري، روى عن أبيه، وولي أحكام القضاء ببلده سرقسطة، حدّث عنه ابن عبد السلام. انتهى عن ابن الأبار. ومحمد بن إسماعيل بن محمد، قاضي سرقسطة، وهو ابن فرتش، رحل مع أبيه إسماعيل، فسمع بالقيروان من أبي عمران الفاسي سنة ٤١٠.

ومحمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن صمادح التجيبي، من أهل سرقسطة، كان واليًا على وشقة، ثم تخلى عنها لابن عمه منذر بن يحيى التجيبي، كان مع رياسته من أهل العلم والأدب، له اختصار في غريب القرآن، استخرجه من تفسير الطبري، رواه عنه ابنه أبو الأحوص، معن بن محمد أمير المرية. قال ابن الأبار: ذكر ذلك ابن عبيد الله، ووقفت على وصيته لمعن هذا، منقولة من خط أبي بكر بن زهر، وحكى ابن حيان أنه هلك عطبًا في البحر الرومي وكان قد ركبه من دانية يبغي الحج في مركب تأنق في صحبته، واستجاد آلته وعدته، وتخير أعدل الأزمنة، ومعه خلق كثير تشاحوا في صحبته، فعطب جميعهم سوى نفر منهم، تخلصوا للإخبار عنهم، ومضى هو لم يغن عنه حزمه ولا قوته، فكان اليم أقصى أثره. وذلك في سنة ٤١٩، زاد ابن زهر في جمادى الأولى بين يابسة والأندلس. انتهى

قلت: وغير بعيد من هناك، بالقرب من مينورقة، على مسافة خمسة كيلومترات من مرسى سيوداديلة Ciadadela غرق في عشرة فبراير سنة ١٩١٠ باخرة فرنسية اسمها الجنرال شانزي، وعطب جميع ركابها، إلا شخصًا واحدًا لا غير.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن فرتون، من أهل سرقسطة، وقاضي الجماعة بها، وهو الذي انتصر لأبي عمر الطلمنكي من الذين شهدوا عليه بأنه حروري سفاك للدماء، يرى وضع السيوف على صالحي المسلمين، فأسقط شهاداتهم، وكانوا خمسة عشر من الفقهاء والنبهاء بسرقسطة. وأسجل بذلك على نفسه في سنة ٤٢٥. انتهى من تكملة ابن الأبار. ومحمد بن رافع بن غريب الأموي أحد الشاهدين على الطلمنكي بخلاف السنة، وذلك لتشدده على أهل عصره وغيرهم ممن حركهم لمطالبته، فحضروا عند رافع بن نصر، وهو ابن أخي محمد هذا، وكتبوا رسمًا أوقعوا عليه شهاداتهم بما ذكر، فأسقطها القاضي ابن فرتون، وقمع تلك الجماعة ممتعضًا للطلمنكي. ذكره ابن الأبار. ومحمد بن يحيى بن محمد التجيبي كان معدودًا في فقهاء سرقسطة ونبهائها، وشاوره القاضي محمد بن عبد الله بن فرتون في قضية الطلمنكي والشاهدين عليه بخلاف السنة، وعفا الله عن جميعهم، فأفتى بإسقاط شهاداتهم.

وأبو عبد الله محمد بن وهب بن محمد بن وهب، وهو المعروف بنوح الغافقي، كان معدودًا من فقهاء سرقسطة، توفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من رمضان سنة ٤٥٨، ودفن لظهر يوم الخميس بعده. وأبو عبد الله محمد بن ميمون القرشي الحسيني من أهل سرقسطة، ومن ولد الحسين بن علي رضي الله عنهما، روى عن أبي عمر القسطلي وغيره، وكان من أهل العلم بالعربية والآداب، مدرسًا لها، وعنه أخذ أبو القاسم بن الأنقر، وأبو مروان عبد الملك بن هشام وغيرهما، ولأبي محد الركلي٢ إجازة منه. قال ابن الأبار في التكملة: قرأت بخط ابن الأنقر، وحدثني أبو عبد الله بن نوح عن أبيه أيوب، وأبو الخطاب بن واجب عن ابن رزق جميعًا قال: حدثني الفقيه الأديب النحوي أبو عبد الله محمد بن ميمون الحسيني، قراءة مني عليه في مسجد الجزارين بسرقسطة، قال: كانت لي في صبوتي جارية، وكنت مغرى بها، وكان أبي رحمه الله يعذلني فيها، ويعرض لي ببيعها، لأنها تشغلني عن الطلب، فكان عذله يزيدني إغراء بها، فرأيت في المنام كأن رجلا يأتيني في زي أهل المشرق كل ثيابه بيض، وكان يلقي في نفسي أنه الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان ينشدني:
تصبو إلى ميٍّ ومي لا تَني
تُزهى ببلواك التي لا تنقضي
ونِجارُك القوم الأُلَي ما منهمُ
إلا إمامٌ أو وصي أو نبي
فاثن عنانك للهدى عن ذا الهوى
وخف الاله عليك ويحك وارعوي

قال: فانتبهت فزعًا مفكرًا فيما رأيته، فسألت الجارية: هل كان لها اسم قبل أن تتسمى بالاسم الذي أعرفه؟ فقالت لا. ثم عاودتها، حتى ذكرت أنها كانت تسمى بمية، فبعتها حينئذ، وعلمت أنها وعظ وعظني الله عز وجل به، وبشرى.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يونس بن حبيب بن إسماعيل الأنصاري، روى عن أبي عمر بن عبد البر، وأبي عمرو المقري، وأبي الوليد الباجي، وأبي عبد الله بن فرتش القاضي، وأبي عبد الله بن سماعة، وأبي الوليد الوقشي، ورحل حاجًّا، فقدم دمشق، وحدّث بها عن هؤلاء، ذكره ابن عساكر وقال: سمع منه أبو محمد بن الأكفاني، وحكى عنه تدليسًا ضعّفه به. وتوفي في جمادى الأخرى، وقيل في رجب سنة ٤٧٧. عن ابن الأبار. وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عباس يعرف بابن المواق، روى عن الباجي وابن سعدون القروي وغيرهما. وتولى قضاء روطة من أعمال سرقسطة، وكان فقيهًا حافظًا، وأديبًا ماهرًا، توفي سنة ٥٠٣ عن ابن حبيش. قاله ابن الأبار. وأبو عبد الله محمد بن عبد الملك التجيبي المقرئ، قال ابن الأبار: أحسبه سرقسطيًّا. يروي عن محب بن حسين أحد أصحاب ابن سفيان، مؤلف الهادي في القراءات، أخذ عنه أبو مروان بن الصيقل. وأبو عبد الله محمد بن وهب بن محمد بن وهب بن محمد بن وهب، وهو المعروف بنوح الغافقي، كان فقيهًا مشاورًا معظمًا عند الخاصة والعامة، يرعاه السلطان ويأتمنه على حرمه وقصره. وخرج من وطنه بعد أن ملكته الروم، فنزل بلنسية، وولاه القاضي حسن بن واجب قضاء جزيرة شقر، وبها توفي ليلة الخميس آخر شهر صفر سنة ٥١٨، ودفن بقبلي جامعها، حدّث عنه ابنه أيوب. قال ابن الأبار: وبخطه قرأت وفاته. قلنا: ظاهر أن المترجم هنا هو حفيد محمد بن وهب بن محمد بن وهب، المعروف بنوح الغافقي، المتوفى سنة ٤٥٨، وقد تقدمت ترجمته. وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سهل الأنصاري الأوسي، من أهل سرقسطة، سكن بلنسية، يعرف بابن الخراز، روى عن أبي عبد الله بن أوس الحجاري، وأبي العباس العذري، وأبي الوليد الوقشي، واختص به، وسمع منه روايته، وهو كان القارئ لما يؤخذ عنه، وكان أديبًا، وشاعرًا، راوية، مكثرًا، حسن الخط. وكان أبوه أبو جعفر أيضًا شاعرًا، وهو الذي خاطبه أبو عامر بن غرسية بالرسالة المشهورة. حدّث عنه أبو محمد القلني،٣ وأبو عبد الله بن إدريس المخزومي، وأبو الطاهر التميمي وغيرهم، وقال ابن الدباغ: أقرأ القرآن بالثغر، وكان عنده أدب صالح. عن ابن الأبار. وأبو عبد الله محمد بن عقال المقري، سمع من الباجي والعذري، وله رحلة حج فيها، حدث عنه أبو الفضل بن عياض. وأبو القاسم محمد بن عبد العزيز بن محمد بن سعيد بن معاوية بن داود الأنصاري، سرقسطي أصله من دروقة، وقد تقدمت ترجمته فيمن انتسب إلى دروقة، وتوفي قبل العشرين وخمسمائة، وثكله أبوه. وأبو بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد العذري، يعرف بابن فرتش، روى عنه عمه القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد، سمع منه مسند أبي بكر البزار، ومنه سمعه أبو علي الصدفي، وكان أبو علي هذا قد استجاز له ولجماعة معه أكثر شيوخه الجلة بالمشرق، كأبي الفوارس الزينبي، وابن خيرون، والمبارك بن عبد الجبار وطبقتهم، وولي الأحكام بسرقسطة، ثم خرج منها بعد غلبة العدو عليها، وجوّل ببلاد الأندلس، وحدث، وسمع منه بغرناطة أبو جعفر بن الباذش، وأبو عبد الله النميري. وحكى عنه ابن بشكوال وفاة جده القاضي محمد بن إسماعيل. وتوفي بعد الثلاثين وخمسمائة. عن ابن الأبار.

وأبو عبد الله محمد بن أبي سعيد الفرج بن عبد الله البزار، لقي بدانية أبا الحسنِ الحسنَ الحصري، وسمع منه بعض منظومه، ورحل حاجًّا، ودخل العراق، فأجاز له ابن خيرون، والحميدي. وأبو زكريا التبريزي، والمبارك بن عبد الجبار، وهبة الله بن الأكفاني وغيرهم، ونزل الإسكندرية وحدّث بها، وأخذ عنه الناس، وتوفي هناك. وأبو عبد الله محمد بن خليل بن يوسف بن نظير الأنصاري، من أهل سرقسطة، سكن بلنسية، أخذ عن أبي المطرف بن الوراق، وأبي محمد بن سمحون، وكان سماعه من هذا في سنتي ثلاثين وإحدى وثلاثين وخمسمائة. عن ابن الأبار. وأبو حاتم محمد بن أحمد بن عيسى بن إبراهيم بن مزاحم من أهل سرقسطة، كان معنيًّا بالفقه، موصوفًا بالزهد والنزاهة، توفي ببلنسية عصر يوم الخميس الثالث عشر لرجب سنة ٥٣٣. نقل ذلك ابن الأبار عن أيوب بن نوح.

وأبو جعفر محمد بن حكم بن محمد بن أحمد بن باق، من أهل سرقسطة، جده ذو الوزارتين محمد بن أحمد صاحب مدينة سالم، قتل فيها سنة ٤٢٠، روى أبو جعفر عن أبي وليد الباجي، وأبي عبد الله محمد بن يحيى بن هاشم والقاضي أبي الأصبغ بن عيسى، وأبي جعفر بن جرّاح، وأبي عبيد البكري، وعبد الدائم القيرواني، وأبي الفوارس بن عاصم وغيرهم، واستقر بمدينة فاس وأفتى بها، وولى أحكامها، وأقرأ العربية، وكان ذا حظ من علم الكلام، حسن الخلق، قوالًا بالحق، وله شرح على الإيضاح لأبي علي الفارسي، وكان واقفًا على كتبه، وعلى كتب أبي الفتح بن جني، وأبي سعيد السيرافي، وقد حدّث عن أبي جعفر المذكور أبو الوليد بن خيره وأبو مروان بن الصيقل الوشقي، وأبو محمد بن رحمان، وأبو عبد الله الأندي، وأبو محمد بن بونة، وأبو الحسن اللواتي، وغيرهم، وتوفي بتلمسان في نحو سنة ٥٣٨، روى ابن الأبار أكثر هذه الترجمة عن ابن حبيش. أبو بكر بن محمد بن يوسف بن سليمان بن محمد بن خطاب القيسي، من أهل سرقسطة، سكن مرسية، يعرف بابن الجزار، أخذ العربية عن أبي بكر بن الفرضي، وأبي محمد البطليوسي، وسمع الحديث من أبي علي الصدفي، وأبي محمد بن أبي جعفر، وأجاز له أبو عبد الله الخولاني، وقعد للتعليم بالعربية، وكان مشاركًا في القراءات، أديبًا كاتبًا شاعرًا، وجرت بينه وبين أبي عبد الله بن خلصة مسائل في إعراب آيات من القرآن ظهر عليه فيها، وضمّن ذلك رسالة أخذها عنه أبو عبد الله المكناسي في اختلافه إليه لقراءات النحو عليه، وقال: قتل بناحية غرناطة سنة ٥٤٠. تلخيصًا عن ابن الأبار. وأبو عبد الله محمد بن سليمان التجيبي السرقسطي، منها نزل المرية، كان من أهل المعرفة بالقراءات والفرائض والحساب، وله في ذلك تواليف. وأبو الوليد محمد بن عريب بن عبد الرحمن بن عريب العبسي من أهل سرقسطة، سكن شاطبة، روى عن أبي علي الصدفي وأبي محمد بن عتاب، وأبي بكر بن العربي، وأبي القاسم بن ورد، وأجزل له الرئيس أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن طاهر، وأبو بكر غالب بن عطية، وأبو الحسن بن الباذش وغيرهم، وتصدر للإقراء بشاطبة، وولى بها الصلاة والخطبة، قال ابن الأبار في التكملة: أخذ عنه شيخنا أبو عبد الله بن سعادة المعمر قراءة نافع، وأجاز له جميع رواياته. وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن مجبر التجيبي السرقسطي، نزيل مصر، كان مقرئًا متصدرًا بمقربة من جامعها العتيق، ذكره ابن حوط الله وقال: أجاز لي في سنة ٥٨٤ قاله ابن الأبار. وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد الرعيني السرقسطي، يلقب بالركن، كان فقيهًا متحققًا بعلم الكلام، متقدمًا فيه، يناظر عليه في الإرشاد لأبي المعالي وغيره، تولى قضاء معدن عوام، بمقربة من مدينة فاس، أخذ عنه أبو الحسن بن خروف، وأبو سليمان بن حوط الله، لقيه بمالقة سنة ٥٨٧، وقال توفي سنة ٥٩٨. وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الأنصاري من أهل غرناطة، أصله من سرقسطة، يعرف بابن الصقر، روى عن أبيه أبي العباس وأبي عبد الله النميري، وغيرهما، وولي القضاء، وكان بارع الخط، وكتب علمًا كثيرًا.

وأبو سعيد مسعود بن سعيد من أهل سرقسطة، وصاحب الصلاة بها، روى عن أبي بكر اللآجري، حدث عنه أبو الحزم خلف بن مسعود بن الجلاد الوشقي. قال ابن الأبار في التكملة: وذكر ابن الفرضي مسعود بن عبد الرحمن الحنتمي الثغري، وكناه أبا سعيد، وقال إنه سكن قرطبة، ولم يذكر له رواية عن الآجري، ولا جعله من أهل سرقسطة، ولا أدري أهو هذا وغلط في نسبه أم غيره؟ قلنا: لا يوجد دليل على كون ابن الفرضي قصد بمسعود بن عبد الرحمن الحنتمي رجلًا اسمه مسعود بن سعيد كان صاحب الصلاة في سرقسطة.

وأبو الأحوص معن بن معن بن معن الأنصاري، نسبة في البربر، ويتولى الأنصار، من أهل سرقسطة، وأحد رجالاتها، ومدرك جماعتها. قال ابن الأبار: قرأت اسمه ونسبه في الأمان الذي عقده الناصر عبد الرحمن بن محمد لصاحب سرقسطة محمد بن هاشم التجيبي، عند انخلاعه عنها، وولي قضاء بلده سرقسطة سنة ٣٢٦ من قبل الناصر، وكان حصيف العقل، معروفًا بالدهاء، له فهم وإدراك، ولا ينسب إليه فقه ولا علم، ذكر ذلك محمد بن حارث، ولم يزل قاضيًا بسرقسطة إلى أن توفي سنة ٣٣٠. ونصر بن عيسى بن نصر بن سحابة، من أهل مدينة سالم، سكن سرقسطة، وكان أديبًا ذا معرفة بالعروض. قال ابن الأبار في التكملة: وقفت له على تأليف في العروض ليس بذلك، صنعه للمؤتمن أبي عمر يوسف بن المقتدر أبو جعفر بن هود، صاحب سرقسطة، ولابنه وولي عهده أبي جعفر المستعين. ا.ﻫ.

ظهر من هنا أن كلًّا من المقتدر بن هود وابنه المستعين الثاني يكنى بأبي جعفر، وأن قصر الجعفرية هو منسوب إليهما.

وأبو العلاء نام بن محمد بن ديسم بن نام، كان من أهل الأدب والبلاغة، وكتب لبعض الرؤساء، وكان يقرض الشعر، قال ابن الأبار: واستجاز له أبو علي الصدفي، ومن خطه نقلت اسمه، ولجماعة معه من أهل سرقسطة وبلادها، وتوفي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وأبو محمد عبد الله بن ثابت بن سعيد بن ثابت بن قاسم بن ثابت بن حزم العوفي، كان يحدث بالدلائل، تأليف جده الأعلى قاسم بن ثابت، عن أبيه، متصلًا في سلفه إلى المؤلف، وكان فقيهًا مشاورًا جليلًا، عريقًا في النباهة والعلم، شاوره القاضي محمد بن عبد الله بن فرتون فيما شهد به علي أبي عمر الطلمنكي، من كونه حروريًّا على خلاف السنة، وكان معه جماعة هو صدرهم، فأفتوا بإسقاط شهادات المتألبين على الطلمنكي. حدث عن أبي محمد المذكور ابنه القاضي أبو القاسم ثابت بن عبد الله، آخر من حدث من أهل بيتهم. وأبو محمد عبد الله بن علي الأنصاري من ذرية الحسين بن يحيى بن سعيد بن قيس بن سعد بن عبادة، تولى الصلاة ببلده مضافة إليه من قبل المؤتمن أبي عمر يوسف بن المقتدر أبي جعفر بن هود، وكان فاضلًا من بيت علم ورئاسة، وكانت وفاة المؤتمن في سنة ٤٧٨، روى ذلك ابن الأبار عن محمد بن نوح. وعبد الله بن سعيد بن عبد الله اللخمي أحد الفقهاء المشاورين في سرقسطة، وهو ممن أفتى بإسقاط شهادة من شهدوا على الطلمنكي بمخالفته للسنة. وأبو محمد عبد الله بن موسى بن ثابت، له سماع من أبي العباس العذري، أخذ عنه صحيح مسلم. وأبو الحسين عبد الله بن مروان بن عبد الله بن محمد بن حفصيل، من ولد حفص بن سليمان، راوية عاصم بن أبي النجود القارئ، أخذ عن أبي يونس عبد الله بن هذيل القلعي، وأخذ عنه أبو عمرو البلجيطي المقرئ. وأبو بكر عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عمير الثقفي، روى ببلده سرقسطة عن صاحب الأحكام أبي الحزم خلف بن هاشم، وأخذ عن أبي علي الصدفي. قرأ عليه بمرسية رياضة المتعلمين لأبي نعيم في سنة ٤٩٥، وسمع بقرطبة من أبي بحر الأسدي بعد خروجه من سرقسطة سنة ٥١٦، وتوفي بمدينة فاس سنة ٥٢٩ ذكر وفاته ابن حبيش.

وأبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مقاتل التجيبي، من أهل بلنسية، أصله من سرقسطة، صحب القاضي أبا بكر بن أسد، وتفقه به، وحضر مجلس أبي محمد بن عاشر، وكان فقيهًا عارفًا بعقد الشروط متقنًا لها، قال أبو محمد بن نوح: توفي ليلة الجمعة الثالث والعشرين من صفر سنة ٥٥٢، ترجمه ابن الأبار. وأبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي يحيى بن محمد بن مطروح التجيبي، من أهل بلنسية، أصله من سرقسطة، سمع أباه وأبا العطاء بن نذير، وأبا عبد الله بن نسع، وأبا الحجاج بن أيوب، وأبا الخطاب بن واجب، وأبا ذر الخشني، والقاضي أبا بكر عتيق بن علي وغيرهم. وأكثر من أخذ عنه هو أبو عبد الله بن نوح، فقد تلقى عنه القراءات والأدب، ولازمه طويلًا، وأجاز له أبو بكر بن الجد، وأبو عبد الله بن الفخار، وأبو عبد الله بن زرقون، وأبو القاسم بن حبيش، وأبو الحسن بن كوثر وغيرهم، وأجاز له من أهل المشرق أبو الطاهر بن عوف، وأبو عبد الله بن الحضرمي، وأبو الثناء الحراني، وأبو طالب التنوخي وغيرهم. وقال ابن الأبار: وولي بآخرة من عمره دانية، ثم صرف بي عندما قلدت ذلك في رمضان سنة ٦٣٣، ثم أعيد إلى قضائها بعد ذلك، لما استعفيت منه، وكان فقيهًا عارفًا بالأحكام، عاكفًا على عقد الشروط، من أهل الشورى والفتيا، أديبًا شاعرًا مقدمًا فكهًا، صدوقًا في روايته، سمعت منه حكايات وأخبارًا، وأنشدني لنفسه ولغيره كثيرًا، وأجاز لي غير مرة لفظًا جميع ما رواه وأنشأه، وروى عنه بعض أصحابنا. توفي ببلنسية مصروفًا عن القضاء عند المغرب من ليلة الجمعة التاسع لذي القعدة سنة ٥٣٦، والروم محاصرون بلنسية، ودفن بمقبرة باب الحنش لصلاة ظهر الجمعة، قبل امتناع الدفن بخارجها، ومولده سنة ٥٧٤ انتهى. وأبو عبد الله بن الصفار، أخذ بسرقسطة عن أبي العباس أحمد بن علي بن هاشم المقري المصري في مقدمة سرقسطة سنة ٤٢٠، ذكره أبو عمر بن الحذاء في برنامجه. وأبو مروان عبيد الله بن هاشم بن خلف بن أحمد بن هاشم العبدري، روى عن أبي هارون موسى بن أبي درهم، وسمع من أبي وليد الباجي، وهو كان القارئ، عليه لصحيح البخاري بسرقسطة في رجب سنة ٤٦٣، وأخوه أبو الحزم خلف بن هاشم هو أيضًا من علماء سرقسطة.

وأبو الحكم عبيد الله بن علي بن عبيد الله بن غلندة الأموي، مولاهم، من أهل سرقسطة، لما تغلب العدو على بلده خرج مع أبيه وجده إلى قرطبة، وأخذ عن أبي عبد الله بن أبي الخصال، وأبي بكر يحيى بن الفتح الحجاري، ثم رحل عن قرطبة إلى أشبيلية فأوطنها، وكان أديبًا شاعرًا، وطبيبًا ماهرًا، وكان صناع اليدين أبرع الناس خطًّا، وأحسنهم ضبطًا، وكتب علمًا كثيرًا. قال ابن الأبار في التكملة: وأنشدني له بعض أصحابنا من لزومياته:

إذا كان إصلاحي لجسمي واجبًا
فإصلاح نفسي لا محالة أوجب
وإن كان ما يفنى إلى النفس معجبًا
فإن الذي يبقى إلى العقل أعجب

وتوفي بمراكش سنة ٥٨١، وحدثني الثقة أنه بلغ سبعًا وتسعين سنة ا.ﻫ. وأبو زيد عبد الرحمن بن محمد الأموي البزار، يعرف بابن الصراف، روى عن أبي محمد الأصيلي، وأبي بكر بن موهب القبري، حدّث عنه ابن أخيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الخطيب بسرقسطة، ترجمه ابن الأبار. وعبد الرحمن بن عبد الله بن ميسرة، من أهل سرقسطة وقاضيها، ذكره أبو محمد بن نوح وقال: توفي يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت لرجب سنة ٤٤٢. ودفن يوم الأربعاء بعده، قال: وولي القضاء في آخر شعبان من السنة محمد بن إسماعيل بن فورتش. وفي هذه السنة، ولإحدى عشرة ليلة بقيت لرجب، احترق مع جامع سرقسطة البلاط الشرقي. نقلًا عن ابن الأبار. وأبو القاسم عبد الرحمن بن فرتون الأنصاري، روى عن أبي عمرو المقري، وحدث عنه بحياته بكتاب «تفكر الحافظ» من تأليفه، قال ابن الأبار: وقفت على ذلك في نسخة عتيقة منه، ويقال إن هذا الكتاب هو أول من ألفه أبو عمرو. وأبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن عياض اليحصبي المكتب، كان من القراء، ومن علماء الحساب، وأدّب بذلك، أخذ عنه أبو علي الصدفي، وعنده أكمل حفظ القرآن. وأبو القاسم عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الرحمن بن فورتش، رحل حاجًّا فسمع بمكة أبا ذر الهروي، وأجاز له أبو عمرو السفاقسي، ولأخيه القاضي أبي عبد الله محمد بن يحيى بن فورتش، لقيه أبو علي الصدفي ولم يسمع منه شيئا. وعبد الرحمن بن موسى بن ميسرة من أهل سرقسطة أو ناحيتها، يحدث عن أبي الفوارس منجي بن موسى من أصحاب أبي بكر بن الخطيب.

وأبو بكر عبد الرحمن بن أحمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عمير الثقفي، من أهل سرقسطة، سكن قرطبة، روى عن أبيه وعمه أبي بكر عبد الله بن يحيى، وأبي عامر بن شروية، وأبي الحسن بن مغيث، وأبي بكر بن العربي، وأبي عبد الله بن مكي، وأبي مروان بن مسرة، وأبي عبد الله بن أبي الخصال، وأبي الحكم بن غشليان، وأبي بكر يحيى بن موسى، سمع من منه بقرطبة فوائد ابن صخر. وكان من أهل العناية بالرواية، حسن الخط والضبط، أزعجته الفتنة بقرطبة [فذهب] إلى ميورقة فنزلها وحدث بها، وسمع منه أبو محمد بن سهل المنقودي، وغيره سنة ٥٣٨، رواه ابن الأبار. وعبد الملك بن هشام التجيبي، ويكنى أبا مروان، روى عن أبي عبد الله محمد القسطلي. وعبد العزيز بن جوشن، من أهل سرقسطة، كان فقيهًا مشاورًا، وولي الصلاة بجامعها. وكان ممن أفتى بإسقاط شهادات المتألبين على أبي عمر الطلمنكي.

وأبو جعفر عبد الوهاب بن محمد بن حكم الأنصاري، من سرقسطة، أخذ القراءات بطليطلة عن أبي عبد الله المغامي، وأجاز له أبو الفضل بن خيرون، من بغداد، في رمضان سنة ٤٨٦، وتصدر ببلده للإقراء، ومن مشاهير تلاميذه أبو محمد عبد الله بن إدريس بن سهل المقرئ، نزيل سبتة، وأبو محمد يحيى بن محمد بن حسان القلعي، وأبو عبد الله محمد بن عيسى بن بقاء البلغي، نزيل دمشق، وأبو محمد بن سعدون الوشقي الضرير وغيرهم، واستشهد في وقيعة وشقة سنة ٤٨٩، في آخر ذي القعدة أو أول ذي الحجة منها، وهي إحدى الوقائع الفاجعات بالأندلس. قُتل فيها نحو عشرة آلاف من المسلمين، ذكر ذلك ابن الأبار القضاعي في التكملة.

وأبو عمر عثمان بن فرج بن خلف العبدري السرقسطي، حج فسمع من الرازي ومن أبي بكر بن عبد الله بن طلحة اليابري، وأبي الحجاج بن زياد الميورقي، وأبي الحسن علي البيهقي الزاهد، وسكن بالقاهرة. قال ابن الأبار: وروى عنه من شيوخنا أبو عبد الله الألشي، لقيه في جمادى الآخرة سنة سبعين وخمسمائة. وأبو عمرو عثمان بن يوسف بن أبي بكر بن عبد البر بن سيدي بن ثابت الأنصاري السرقسطي، ويقال له البلجيطي، أخذ القراءات عن أبي زيد الوراق، ويحيى بن محمد القلعي، وأخذ عن أبي زيد بن حياة قراءة نافع، واختلف إلى أبي جعفر بن شريح، وأبي الحسن بن طاهر في أخذ العربية، وسمع التيسير من أبي الحسن بن هذيل سنة ٥٢١ واستوطن «لريه» ثم ولى قضاءها، وكان قارئًا ضابطًا، محققًا إخباريًّا ذاكرًا، وأسن، وأخذ عنه الناس. قال ابن الأبار: وأخذ عنه من شيوخنا أبو عبد الله الشوني وأبي الربيع بن سالم، وكانت ولادته سنة ٤٨٧، ووفاته في منتصف ذي القعدة سنة ٥٧٧. وأبو الحسن علي بن عبد الله بن موسى بن طاهر الغفاري السرقسطي البرجي، وبرجه من أعمال سرقسطة، كان من القراء، توفي سنة خمس أو ست وثلاثين وخمسمائة. وأبو الحسن علي بن يوسف بن الإمام، من أدباء سرقسطة، وكان زاهدًا روى عنه أبو الوليد بن خيرة الفقيه.

وأبو العلاء همام بن يحيى بن همام السرقسطي، كان كاتبًا بليغًا متفننًا، بديع الخط، كتب عن المقتدر بالله أبي جعفر بن هود، ثم عن ابنه المؤتمن، ثم عن المستعين بن المؤتمن، وتوفي في الدولة اللمتونية، عن ابن الأبار. ومثله ابنه أبو بكر يحيى بن همام بن يحيى السرقسطي، المعروف بابن أرزاق، كان من أهل الأدب مع بداعة الخط، وكتب للمستعين أبي جعفر بن هود مع أبيه همام، وكتب ليوسف بن تاشفين، ثم لابنه علي، واستدعي إلى مراكش سنة ٤٩٥، وكانت وفاته بقرطبة سنة ٥٣٧، عن ابن الأبار. وأبو بكر يحيى بن محمد السرقسطي، نزيل مرسية، يعرف باللباني، أخذ عن أبي الوليد الوقشي، وأبي الحسن بن أفلح النحوي، وكان ماهرًا في علم العربية، حافظًا للغة، أقرأ بمرسية وغيرها، وأخذ عنه أبو عبد الله بن سعادة، وأبو علي بن عريب، وغيرهما، وتوفي في نحو العشرين وخمسمائة. ومحمد بن سليمان بن تليد ولي القضاء بسرقسطة، ووشقة، يروي عن محمد بن أحمد العتبي، ومحمد بن يوسف بن مطروح الربعي، توفي سنة ٢٩٥ ترجمه ابن عميرة الضبي في بغية الملتمس. ومحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله السرقسطي الفقيه المقرئ، روى عنه أبو بكر بن العربي وغيره.

وأبو إسحاق إبراهيم بن نصر السرقسطي، حدّث عن أحمد بن عمرو بن السرح ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ويحيى بن عمر، روى عنه عثمان بن عبد الرحمن، ترجمه ابن عميرة في بغية الملتمس.

وإبراهيم بن هارون بن سهل، قال ابن عميرة: قاضي سرقسطة من ثغور الأندلس، فقيه محدث، مات بها سنة ست وتسعين ومائتين.

وحفص بن عبد السلام السلمي، قال ابن عميرة: سرقسطي، روى عن مالك بن أنس، مات بالأندلس قريبًا من سنة مائتين.

ورزين بن معاوية، قال ابن عميرة: سرقسطي محدث، توفي سنة ٥٢٤ بمكة، زادها الله شرفًا.

وسليمان بن مهران السرقسطي، أديب شاعر مشهور، له جلالة وقدر، روى أبو محمد بن حزم عن محمد بن الحسن المذحجي قال: أنشدني سليمان بن مهران، في مجلس الوزير أبي الأصبغ عيسى بن سعيد وزير المظفر عبد الملك بن المنصور محمد بن أبي عامر:

خليلي ما للريح تأتي كأنما
يخالطها عند الهبوب خلوق
أم الريح جاءت من بلاد أحبتي
فأحسبها عرف الحبيب تسوق
سقى الله أرضًا حلها الأغيد الذي
لتذكاره بين الضلوع حريق
أصار فؤادي فرقتين فعنده
فريق وعندي في السياق فريق

وأبو الربيع سليمان بن حارث بن هاروق الفهمي، قال ابن عميرة: فقيه سرقسطي، توفي بالإسكندرية سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.

وأبو عبد الله محمد بن بسام بن خلف بن عقبة الكلبي من أهل سرقسطة وإمام الجامع بها، يروي عن أخيه عبد الله بن بسام، حدّث عنه الصاحبان. وحسان بن عبد السلام السلمي، يروى عن مالك بن أنس، قال ابن عميرة: ذكره محمد بن حارث الخشني، وأبو عثمان سعيد بن فتحون السرقسطي، يعرف بالحمّار. قال ابن عميرة: له أدب وعلم وتصرف في حدود المنطق، وهو مشهور. وعبد الله محمد بن زرقون السرقسطي. قال ابن عميرة: بتقديم الزاي على الراء، محدّث، روى عن أصبغ بن الفرج. روى عنه محمد بن وضاح، ومن جملة ما روى عنه رواية عن أصبغ بن الفرج عن ابن وهب، وهي: ما يحل لأحد أن يرد شيئًا بغير علم، ولا يقول شيئًا بغير ثبت. ولقد سمعت مالكًا يقول: والله ما أحب أن تكتبوا عني كل ما تسمعون مني. قال ابن وهب: ولو عرضنا على مالك كل ما كتبنا عنه لمحا ثلاثة أرباعه. وعبد الله بن أبي النعمان قاضي سرقسطة، قال ابن عميرة: من أهل العلم والفضل، مات سنة خمس وسبعين ومائتين. وأبو الحكم عبد الرحمن بن عبد الملك بن غشليان السرقسطي، توفي بقرطبة سنة ٥٤١ قاله ابن عميرة. وعبد الأعلى بن الليث، يكنى أبا وهب، من أهل سرقسطة، محدّث له رحلة، مات بالأندلس سنة ٢٧٥، ذكره ابن عميرة في البنية. وكلثوم بن أبيض المرادي، يكنى أبا عون، من أهل سرقسطة، محدث له رحلة، مات بالأندلس سنة ٢٥٣، ذكره أيضًا ابن عميرة. وأبو مروان بن الأنصاري السرقسطي، من ذرية الحسين بن يحيى بن سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي أمير سرقسطة، كان فقيهًا فاضلًا زاهدًا، وكان أمراء بلده بنو هود يتناغون في إكرامه واحترامه. ذكره ابن نوح عن ابن الأبار.

وأبو محمد لب بن عبد الله، من أهل سرقسطة، قال ابن عميرة: محدث، كان فاضلًا زاهدًا، كتب عن أهل الأندلس ولم يرحل، وكانت وفاته في صدر أيام الأمير عبد الله بن محمد. قاله أبو سعيد. وموسى بن علي بن رباح، قال ابن عميرة: يقال إن قبره بسرقسطة بإزاء قبر حنش بن عبد الله. وأبو عبد العزيز عبد الرءوف بن عمر بن عبد العزيز، محدث معروف، قال ابن عميرة: مات بلاردة من ثغور الأندلس سنة ثمان وثلاثمائة. والوليد بن عبد الخالق بن عبد الجبار بن قيس بن عبد الله الباهلي القاضي، من أهل سرقسطة، ذكره محمد بن حارث الخشني، ترجمه ابن عميرة في بغية الملتمس. وأبو الحجاج يوسف بن محمد السرقسطي، قال ابن عميرة: كان قارئًا لكتب الحديث محسنًا، توفي بعد السبعين وأربعمائة. والفقيه أبو محمد عبد الله بن يحيى بن محمد بن بهلول السرقسطي، جاء في نفح الطيب ذكره، وقال: إنه قد ذكره العماد الأصفهاني في الخريدة، ذكره السمعاني في الذيل، وأنه دخل بغداد في حدود سنة ست عشرة وخمسمائة، ومن شعره:

أبا شمس إني إن أتتك مدائحي
وهن لآل نظمت وقلائد
فلست بمن يبغي على الشعر رشوة
أبى ذاك لي جد كريم ووالد
وإني من قوم قديمًا ومحدّثا
تباع عليهم بالألوف القصائد

وأبو مروان محمد بن يوسف بن مرونجوش، قال ابن عميرة: سرقسطي فقيه، توفي سنة تسع عشرة وخمسمائة. وعبد الله بن سعيد بن عبد الله اللخمي.

وأبو محمد بن عبد الله بن محمد بن سندور بن منتيل بن مروان التجيبي، سمع أبا عمر بن عبد البر، وأبا الوليد الباجي، وأبا العباس العذري، وأبا عمر الطلمنكي، وكتب بخطه علما كثيرًا، وتوفي قبل الخمسمائة.

وأبو محمد عبد الله بن محمد بن طريف، قال ابن الأبار: كان من أهل المعرفة بالعربية، مع حظ من قرض الشعر، وكان في نحو الخمسمائة. وأبو محمد يعيش بن محمد بن فتحون من أهل الثغر، له رحلة إلى المشرق، روى فيها عن أبي الطاهر العجيفي، وأبي القاسم الجوهري وغيرهما، حدث عنه محمد بن عبد السلام الحافظ. ويوسف بن عبد الملك ثغري، يكنى أبا عمر، روى عن وهب بن مسرة وغيره، حدث عنه الصاحبان وقالا: توفي في المحرم سنة ٣٨٧. وخلف بن سيد. من أهل الثغر الشرقي، يحدث عن عيسى بن موسى بن الإمام، لقيه بتطيلة، وأخذ عنه. وأبو الحسن ذيال بن عبد الرحمن بن عمر الشريوني الثغري، سمع بسرقسطة من أبي الوليد الباجي وغيره سنة ٤٦٣. وأبو عبد الله محمد بن جعفر الهمذاني، يعرف بالشرقي، نسبة إلى شرق الأندلس، قرأ بجامع قرطبة، ذكره ابن الدباغ ووصفه بالعلم والنبل، وتوفي سنة ٥١٣، قاله ابن الأبار. وأبو الربيع الخصيب بن محمد بن خصيب بن الخزاعي. وأبو الطاهر الأشتركوني، من أشتركوني، حصن من أعمال تطيلة، اسمه محمد بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم، سمع من جلة العلماء، وتحقق باللغة والأدب، وألف المسلسل، وأنشأ المقامات اللزومية، ومات بقرطبة سنة ٥٣٨. ومن عادة الأندلسيين أنهم إذا أطلقوا الثغر أرادوا به سرقسطة أو إحدى جهاتها، وقد ينسبون إلى الثغر فيقولون فلان الثغري، ويكون من سرقسطة، أو من وشقة، أو تطيلة أو من لاردة، وهلم جرًّا من المدن التي كانت يومئذ آخر بلاد المسلمين، أو من ملحقاتها.

فمن هؤلاء أبو حديدة ناهض بن عريب، قال ابن الأبار: من أهل الثغر الشرقي روى عن زكريا بن النداف. وأبو يونس عبد العزيز بن عمر بن حبنون، من أهل منتشون، من أهل الثغر الشرقي، سمع من أبي الوليد الباجي صحيح البخاري بسرقسطة سنة ٤٦٣ وولي الأحكام بموضعه. قال ابن الأبار: قرأت ذلك بخط أبي داود المقرئ. وأبو الأصبغ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز بن خلف الأموي، من أهل بلشند. قال ياقوت: بسكون اللام وفتح الشين وسكون النون، من نواحي سرقسطة بالأندلس، وفيها حصن يعرف ببني خطب، روى عن أبي محمد بن أبي جعفر، سمع منه، وحكى عنه أنه كان يقول: سمعت كتاب صحيح البخاري على أبي الوليد الباجي، ولكني لا أحدث به عنه، لأنه كان يصحب السلطان. وأبو الحجاج يوسف بن إبراهيم العبدري المعروف بالثغري، قال ابن عميرة: فقيه محدث راوية، عارف أديب، انتقل إلى مرسية في الفتنة واقتنع ولم يتعرض لظهور، وكان قد غص به جماعة من الفقهاء بمرسية حين وصلها، فسعى له في الخطبة بجامع قليوشة من قرى مدينة أوريوالة، وانتقل إليها، سمعت عليه بعض كتاب الموطأ، يروي عنه جماعة، منهم أبو الحسن بن مغيث والحافظ أبو بكر وأبو الوليد بن رشيد، وأجاز له أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري، وتوفي سنة ٥٦٠. وكان مولده سنة ٤٧٢ ببلده ا.ﻫ. قلت: قرأت في بعض الكتب أن القاضي أبا يوسف كان محدثًا، فلما اتصل بهارون الرشيد تحامى الناس سماع حديثه.

وخلف بن سيد من أهل الثغر الشرقي يحدث عن عيسى بن موسى بن الإمام لقيه بتطلية، وأخذ عنه.

وخلف بن موسى بن فتوح المقرئ، يكنى أبا القاسم، ويعرف بالأشبري، وأشبرة قرية من قرى سرقسطة. كان مقرئًا، أخذ عنه أبو علي بن بشر السرقسطي وغيره، ذكره ابن الدباغ، عن ابن الأبار. وأبو عبد الله محمد بن فتح الأنصاري الإمام الثغري، قال أبو عمرو المقرئ أنشدني أبياتًا في الزهد منها:

كم من قوي قوي في تقلبه
مهذب الرأي عنه الرزق ينحرف
ومن ضعيف ضعيف الرأي مختبل
كأنه من خليج البحر يغترف

وغالب بن عبد الله الثغري، شاعر أديب، ذكره ابن عميرة.

وأبو القاسم خلف بن عيسى، من أهل الثغر الشرقي، وليس بابن أبي درهم، روى عن أبي عمر بن الهندي، وأبي عبد الله بن العطار. ذكره ابن الأبار. ومحمد بن سعيد بن ثابت العبدري، من أهل الثغر الشرقي، أبو عبد الله، حدث عنه أبو زاهر سعيد بن أبي زاهر، وكان صاحب الصلاة بموضعه. ذكره ابن الأبار نقلًا عن ابن حبيش. وأبو عبد الله محمد بن فرج بن جعفر بن خلف القيسي، من أهل الثغر الشرقي، سكن غرناطة، يعرف بابن أبي سمرة، أخذ القراءات عن أبي جعفر أحمد بن عبد الحق الخزرجي، وأبي القاسم بن النحاس، وأبي الحسن بن كرز وغيرهم. ودرس العربية ولقيه أبو عبد الله بن حميد بغرناطة سنة ٥٣٥ ذكره ابن الأبار.

وممن ينسب إلى سرقسطة من المشاهير، وإن لم يكن من أهل العلم: إبراهيم بن محمد بن مفرج بن همشك، وهمشك جده نصراني أسلم على يد بني هود بسرقسطة وكان مقطوع إحدى الأذنين، فكان النصارى إذا رأوه في القتال قالوا (همشك) معناه ترى مقطوع الأذنين، فإن (هاء) عندهم قريب من (أما) بالعربية. والمشك في لغتهم هو المقطوع الأذنين.

وإبراهيم هذا لما خرج بنو هود من سرقسطة نشأ تحت الخمول. قال لسان الدين بن الخطيب في الإحاطة في صفحة ١٦٠ من الطبعة المصرية: إنه كان شهمًا متحركًا خدم بعض الموحدين بالصيد وتوسل بدلالة الأرض، ثم نزع إلى ملك قشتالة، واستقر مع النصارى، ثم انصرف إلى بقية اللمتونيين بالأندلس، بعد شفاعة وإظهار توبة. ولما ولي يحيى بن غانية قرطبة ارتسم لديه برسمه، ثم كانت الفتنة عام تسعة وثلاثين.

وثار ابن أحمر بقرطبة، وتسمى بأمير المؤمنين، فبعثه ابن غالية رسولًا، ثقة بكفايته ودربته، لمحاولة الصلح بينه وبين ابن أحمر، فنبه قدره.

ثم غلي مرجل الفتنة وكثر الثوار بالأندلس، فاتصل بالأمير ابن عياض بالشرق وغيره، إلى أن تمكن له الامتياز بحصن شقوبش، ثم تغلب على مدينة شقورة٤ وتملكها، وهي ما هي من النمة، فغلظ أمره، وساوى محمد بن مردنيش أمير الشرق، وداخله حتى عقد معه صهرًا على ابنته، فاتصلت له الرئاسة والإمارة، وكان سيفًا لصهره المذكور مسلطًا على من عصاه، فقاد الجيوش، وافتتح البلاد، إلى أن فسد بينهما، فتفاتنا وتقامعا، وانحاز بما لديه من البلاد والمعاقل، وعد من ثوار الأندلس أولي الشوكة الحادة، والشبا المرهوب، بعد انقباض دولته. قال محمد بن أيوب بن غالب، المدعو بابن حمامة: أبو إسحاق الرئيس شجاع بهمة من البهم، كان جريئًا شديد الحزم، سديد الرأي، عارفًا بتدبير الحروب، حمي الأنف عظيم السطوة، مشهورًا بالإقدام، مرتكبًا للعظيمة. قال بعض من عرف به من المؤرخين: إنه وإن كان قائد فرسان، فقد كان حليف فتنة وعدوان، ولم يصحب قط متشرعًا، ولا نشأ في أصحابه من كان متورعًا، سلطه الله على الخلق وأملى له، فأضر بمن جاوره من أهل البلاد. وقال لسان الدين: كان جبارًا قاسيًا، فظًّا غليظًا، شديد النكال، عظيم الجرأة والعبث بالناس، بلغ من عبثه فيهم إحراقهم بالنار، وقذفهم من الشواهق والأبراج، وإخراج الأعصاب والرباطات عن ظهورهم، عن أوتار القسى، وضم أغصان الشجر العادي بعضها إلى بعض، وربط الإنسان بينها، ثم تسريحها فيذهب كل غصن بحظه من الأعضاء. قال: ورآه بعض الصالحين في النوم وسأله: ما فعل الله بك فأنشده:
من سره العيث في الدنيا بخلقة من
يصور الخلق في الأرحام كيف يشا
فليصبر اليوم صبري تحت بطشته
مغللًا أمتطي جم الغضا فُرُشا

ثم ذكر لسان الدين شجاعته فقال: زعموا أنه خرج متصيدًا، وفي صحبته محاولون له، وقارعوا أوتار الغناء في مائة من الفرسان، فما راعهم إلا خيل العدو هاجمة على غرة، في مائتين من الفوارس، فقالوا: العدو في مائتي فارس! فقال: وإذا كنتم لمائة وأنا لمائة فنحن قدرهم. فعد نفسه بمائة، ثم استدعى قدحًا من شرابه وصرف وجهه إلى المغني وقال: غن لي تلك الأبيات، وكان يغنيه بها فتعجبه:

يتلقى الندى بوجه حياء
وصدور القنا بوجه وقاح
هكذا هكذا تكون المعالي
طُرُق الجد غير طرق المزاح

فغناه بها، واستقبل العدو وحمل عليه بنفسه وبأصحابه حملة رجل واحد، فاستولت على العدو الهزيمة، وأتى على معظمهم القتل، ورجع غانمًا إلى بلده، ثم انصرفت الأيام، وعاد للصيد في موضعه، وأطلق بازه على حجلة فأخذها، وذهب ليذبحها، فلم يحضره خنجر، فبينما هو يلتمسه إذ رأى نصلًا من نصال المعترك، من بقايا الهزيمة فأخذه وذبح الطائر، واستدعى الشراب وأمر المغني فغناه بيتي أبي الطيب:

تذكرت ما بين العذيب وبارق
مجر عوالينا ومجرى السوابق
وصحبة قوم يذبحون قنيصهم
بفضلة ما قد كسروا في المفارق

وقد رأيت من يروي هذه الحكاية عن أحد أمراء بني مردنيش، وعلى كل حال فهي من مستظرف الأخبار.

قال لسان الدين: وفي سنة ست وخمسين وخمسمائة، في جمادى الأولى منها، قصد إبراهيم بن همشك بجمعه مدينة غرناطة، وداخل طائفة من ناسها، وقد تشاغل الموحدون بما دهمهم من اختلاف الكلمة عليهم، وتوجه الوالي بغرناطة السيد أبو سعيد إلى العدوة، فاقتحم ابن همشك غرناطة ليلًا، واعتصم الموحدون بقصبتها فنصب لهم المجانيق، وقتلهم بأنواع من القتل، وعندما اتصل الخبر بالسيد أبي سعيد بادر إليها، فأجاز البحر، والتف به السيد أبو محمد، والسيد أبو حفص، بجميع جيوش الموحدين، ووصل الجميع إلى ظاهر غرناطة، وأصحر إليهم ابن همشك، وبرز منها، والتقى الفريقان بمرج الرقاد من خارجها، ودارت بينهم الحرب، فانهزم جيش الموحدين، واعترضت الفل تخوم الفدادين، وجداول الماء التي تتخلل المرج، فاستولى عليهم القتل، وقتل في الوقيعة السيد أبو محمد، ولحق السيد أبو سعيد بمالقة، وعاد ابن همشك إلى غرناطة، فدخلها بجملة من أسرى القوم أفحش فيهم المثلة، بمرأى من إخوانهم المحصورين.

واتصل الخبر بالخليفة، وهو بقرية سلا، فجهز جيشًا أصحبه السيد أبا يعقوب ولده والشيخ أبا يوسف بن سليمان زعيم وقته، وداهية زمانه، فأجازوا البحر، والتقوا بالسيد أبي سعيد بمالقة، وتتابع الجمع، والتف بهم من المجاهدين والمطوعة، واتصل منهم السير إلى قرية داق من قرى غرناطة. وكان من استمرار الهزيمة على ابن همشك، لذي جزء لنفسه وجيشه من نصارى وغيرهم ما يأتي ذكره عند اسم مردنيش. ثم قال:

ولما فسد بين ابن همشك وابن مردنيش بسبب بنته التي كانت تحت ابن مردنيش فطلقها، وانصرفت إلى أبيها، وأسلمت إليه ابنها، وسئلت عن إمكان صبرها عنه، فقالت: جرو سوء من كلب سوء! فأرسلت كلمتها في نساء الأندلس مثلا — اشتدت بينهما الفتنة، وعظمت المحنة، وهلك بينهما من شاء الله هلاكه، إلى أن كان أقوى الأسباب في تدمير ملكه.

ولما صرف ابن مردنيش عزمه إلى بلاده، وتغلب على كثير منها، خدم ابن همشك الموحدين، واستجار بهم، وقدم على الخليفة عام خمسة وستين وخمسمائة، فأكرم قدومه، وأقره بمواضعه، إلى أوائل عام أحد وسبعين، فطولب بالانصراف إلى العدوة بأهله وأولاده، وسكن بمكناسة، وأقطع بها أملاكًا لها خطر.

وابتلاه الله بفالج غريب الأعراض، فكان يدخل الحمام الحار فيشكو حره بأعلى صراخه، فيخرج فيشكو البرد كذلك، إلى أن مضى لسبيله، انتهى ببعض تصرف.

وممن ينسب إلى سرقسطة عمر بن مصعب بن أبي عزير بن زوارة بن عمرو بن هاشم العبادي، وقيل العبدري، ذكره ابن عميرة في بغية الملتمس، نقلًا عن ابن يونس. وأبو الحكم المنذر بن رضا السرقسطي، سكن بلنسية، وكان من الشعراء. ومظفر الكاتب السرقسطي، خرج من سرقسطة، وسكن غرناطة، وكنيته أبو الفرج، أخذ عن قاسم بن محمد الشيباني، وأبي عمر القسطلي، وصحب أبا بكر المصحفي، ذكره ابن الأبار.

ونسب إلى سرقسطة حكماء وعلماء من اليهود، ومن مشاهيرهم ابن الفوال٥ الطبيب الفيلسوف. ومنهم الفضل حمداي٦ المشهور بالحكمة والرياضيات.

وممن سكن في سرقسطة من الأطباء أبو عبد الله بن الكتاني، وهو من أطباء المسلمين، ترجمه ابن أبي أصيبعة فقال: هو أبو عبد الله محمد بن الحسين المعروف بابن الكتاني، كان أخذ الطب عن عمه محمد بن الحسين وطبقته، وخدم به المنصور بن أبي عامر، وابنه المظفر، ثم انتقل في صدر الفتنة إلى مدينة سرقسطة، واستوطنها، وكان بصيرًا بالطب، متقدمًا فيه، ذا حظ من المنطق والنجوم، وكثير من علوم الفلسفة. قال القاضي صاعد: أخبرني عنه الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن وافد اللخمي أنه كان دقيق الذهن، ذكي الخاطر، جيد الفهم، حسن التوحيد والتسبيح، وكان ذا ثروة وغنىً واسع، وتوفي قريبًا من سنة عشرين وأربعمائة، وهو قد قارب ثمانين سنة. قال: وقرأت في بعض تآليفه أنه أخذ صناعة المنطق عن محمد بن عبدون الجبلي، وعمر بن يونس بن أحمد الحراني، وأحمد بن جفصون الفيلسوف، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم القاضي النحوي، وأبي عبد الله محمد بن مسعود البجائي، ومحمد بن ميمون المعروف بمركوس، وأبي القاسم فيد بن نجم، وسعيد بن فتحون السرقسطي، المعروف بالحمّار، وأبي الحارث الأسقف، تلميذ الربيع بن زيد الأسقف الفيلسوف، وأبي مرين البجائي، ومسلمة بن أحمد المرجيطي.

وقد ترجم ابن أبي أصيبعة عالمًا من علماء الأندلس، وطبيبًا من أطبائها، اسمه ابن بكلارش، كان يهوديًّا، قال إنه خدم بصناعة الطب بني هود، وله من الكتب كتاب «المجدولة في الأدوية المفردة» وضعه مجدولًا، وألفه بمدينة المرية للمستعين بالله أبي جعفر أحمد بن المؤتمن بالله بن هود.

ولا شك في أنه ليس من ذكرناهم هم جميع الذين نبغوا من أهل سرقسطة في العلم والأدب، بل مهما استقصى الإنسان فلا بد من أن يفوته تراجم كثيرة، إما سهوًا منه أو من المؤلفين الذين أخذ عنهم، وهذا هو الشأن في كل مدينة حاولنا أن نذكر من خرج منها من العلماء والأدباء.

هذا وفي سرقسطة صدر الأمر من فيليب الثاني ملك أسبانية بإخراج الموريسك أي المسلمين الذين أكرهوا على التنصر، ولبثوا يضمرون الإسلام في قلوبهم، وكان لا يزال منهم عدة ألوف في بلاد أراغون وفي سائر أسبانية، وكان منهم عدد غير قليل في سرقسطة وبرشلونة، وفي مدن قشتالة، وقلما خلت منهم بلدة. فلما صممت الدولة الأسبانية على إخراجهم جميعًا من البلاد، بحجة أنهم لا يزالون مسلمين في الباطن، اعترض على ذلك كثيرون من الأهالي، لاسيما أصحاب الأراضي، وقدموا وأخروا، وقالوا لذلك: إن بعض البلاد ستصبح قاعًا صفصفًا إذا خرج الموريسك منها، فأبى الملك إلا إنفاذ أمره الذي صدر في ٢٣ مايو سنة ١٦١٠.

وبمقتضى هذا الأمر كان يجب اجتماع جميع الموريسك ليأتي المعتمد الخاص من قبل الحكومة، ويسير بهم إلى الثغر البحري، الذي سيخرجون منه، وقد جاء في هذا الأمر أن الموريسكي الذي يكون متزوجًا بمسيحية أصلية يجوز بقاء امرأته وأولاده، إذا شاءوا البقاء في البلاد. وكذلك المسيحيون الأصليون المتزوجون بموريسكيات إذا أرادوا هم ونساؤهم البقاء في البلاد فلهم ذلك. وكذلك الموريسك الذين تحقق أنهم ارتدوا عن الإسلام ارتدادًا صحيحًا لا شائبة فيه، فهؤلاء لهم أيضًا حق البقاء.

فخرج من الموريسك بضعة عشر ألفًا، بطريق نبارة إلى فرنسة. وخرج بضعة عشر ألفًا إلى ميناء كمفرنش، والتحقوا ببلاد الإسلام.

وتاريخ المويسك بتفاصيله سنأتي به في جزء خاص، بعد الانتهاء إن شاء الله من جغرافية الأندلس، وتاريخ الدول الإسلامية فيها.

ومن توابع سرقسطة حصن يقال لها شميط، بضم فكسر، ذكره ياقوت في المعجم، وحصن آخر يقال له «قشب»٧ بفتح فسكون. قال ياقوت: حصن من قطر سرقسطة ينسب إليه أبو الحسن نفيس بن عبد الخالق بن محمد الهاشمي القشبي المقرئ، جاور بمكة مدة، قال أبو طاهر السلفي: وقرأ عليّ بعد رجوعه من مكة وتوجه إلى الأندلس. ومن حصون سرقسطة الحصن المسمى قشتلار Castellar وبلدة يقال لها «ألاغون» وبلدة أخرى اسمها «منزلباربا» وبلدة أخرى اسمها برجة. وهي مدينة قديمة سكانها اليوم ستة آلاف نسمة إلى الشمال الغربي من سرقسطة، وهي تناوح شارات مونكايو Moncayo، وقد كانت برجة من البلاد المعروفة في زمن العرب. ونبغ فيها أناس من أهل العلم، ومنهم من سكن سرقسطة، وقد تقدم ذكر أحدهم، وهي غير برجة التي هي من أعمال البيرة، فإن برجة سرقسطة هي بضم أولها كان يلفظها العرب كما يلفظها الإسبانيول اليوم boya٨ وأما برجة البيرة فهي بفتح أولها.

هوامش

(١) قال ياقوت في المعجم: حصن من حصون بلنسية بالأندلس نسب إليها السلفي أبا مروان عبد الملك بن عبد الله الشريوني، وكان قد كتب الحديث بالمغرب والحجاز وتفقه على أبي يوسف الزياني على مذهب مالك. ويوسف بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عديس الأنصاري الشريوني يكنى أبا الحجاج، أخذ عن أبي عمر بن عبد البر وغيره وسكن طليطلة، ومات في شوال سنة ٥٠٥، ويظهر أن شريون كانت تعد من الثغر الشرقي أحيانًا وتضاف إلى بلنسية أحيانًا.
(٢) نسبة إلى ركلة من عمل سرقسطة. قال ياقوت في معجمه: ركلة من عمل سرقسطة بالأندلس ينسب إليها عبد الله بن محمد بن دري التجيبي الركلي أبو محمد، روى عن أبي الوليد الباجي وأبي مروان بن حيان وأبي زيد عبد الرحمن بن سهل بن محمد وغيرهم وكان من أهل الأدب قديم الطلب، مات سنة ٥١٣، ا.ﻫ. قلنا إن الأسبان يتلفظون بها كالعرب بكسر أولها أي Ricla وهي بقرب نهر شلون لا تبعد كثيرا عن موراطه Morata وموقع ركلة بديع وفيها برج مثمن الشكل ومساكن منحوتة في الصخور.
(٣) نسبة إلى قلنة. قال في معجم البلدان: بلد بالأندلس. قال ابن بشكوال: ينسب إليها عبد الله بن عيسى الشيباني أبو محمد من أهل قلنة حيز سرقسطة، محدث حافظ متقن، كان يحفظ صحيح البخاري وسنن أبي داود عن ظهر قلب، فيما بلغني عنه، وله اتساع في علم اللسان وحفظ اللغة، وأخذ نفسه باستظهار صحيح مسلم، وله عدة تآليف حسنة، وتوفي ببلنسية عام ٥٣٠.
(٤) Segura سيأتي ذكرها.
(٥) قال ابن أبي أصبيعة في طبقات الأطباء: منحم بن الفوال يهودي من سكان سرقسطة كان متقدما في صناعة الطب متصرفًا مع ذلك في علم المنطق وسائر علوم الفلسفة. ولمنحم بن الفوال من الكتب كتاب كنز المقل عن طريق المسألة والجواب وضمنه جملا من قوانين المنطق وأصول الطبيعة.
(٦) قال ابن أبي أصبيعة: أبو الفضل حمداي بن يوسف بن حمداي من ساكني مدينة سرقسطة ومن بيت شرف اليهود بالأندلس من ولد موسى النبي عليه السلام، عني بالعلوم على مراتبها وتناول المعارف من طرقها فأحكم لسان العرب ونال حظًا جزيلا من صناعة الشعر والبلاغة وبرع في علم العدد والهندسة وعلم النجوم وفهم صناعة الموسيقى وحاول عملها وأتقن علم المنطق وتمرن بطرق البحث والنظر، واشتغل أيضًا بالعلم الطبيعي وكان له نظر في الطب، وكان فس سنة ثمان وخمسين وأربعمائة في الحياة وهو في سن الشبيبة.
(٧) بالإسبانيولية Caspi وهي على نصف المسافة بين سرقسطة ولاردة موقعها على نهر أبرة.
(٨) وقيل إن من توبع سرقسطة «المنارة» قال ياقوت: وعن السلفي: أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن سلامة الأنصاري المناري، ومنارة من ثغور سرقسطة بالأندلس كان يحضر عندي لسماع الحديث سنة ٥٣٠ بعد رجوعه من الحجاز، وذكر لي أنه سمع بالأندلس من أبي الفتح محمد المناري، وذكر أنه قرأ على أبي الوليد يونس بن أبي علي الآبري. وعلي بن محمد المناري صاحب أبي عبد الله المغامي، سمع الموطأ وغيره بالمغرب ا.ﻫ. قلت: إن المعروف عندي هو أن بقرب دروقة من عمل سرقسطة جسرًا يقال له جسر المنارة. وكذلك توجد بلدة اسمها «المنار» بقرب «بلغى» من عمل لاردة من الثغر الشرقي.
وذكر العرب من توابع سرقسطة «بلوندة» قال ياقوت إنها حصن من حصون سرقسطة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤