مفاجأة قاسية

كان اليوم التالي يوم جمعة … ولكن الشاويش «فرقع» استيقظ مبكرًا وأسرع بالخروج … كان الاتفاق قد تمَّ بينه وبين الضابط «فوزي» على وضع عدة كمائن لرجال العصابة … ولمراقبة السيدة منذ خروجها من المنزل حتى وصولها إلى البرج …

لقد خشي رجال الشرطة أن يقوم الرجال المجهولون بالحصول على المبلغ من السيدة «كريمان» قبل وصولها إلى البرج … وهكذا قامت مجموعة من الرجال في الصباح الباكر بمراقبة منزل السيدة … وقامت مجموعة أخرى بمراقبة الطريق حتى محطة المعادي … كما أحاطت مجموعة ثالثة بالبرج … وكان هناك ثلاثة من رجال الشرطة في ملابس عادية يتتبعون السيدة منذ خروجها من منزلها حتى وصولها إلى البرج.

وفي الثامنة صباحًا كانت الاستعدادات قد تمَّت … واختار الشاويش لنفسه مكانًا قرب المنزل وقد ارتدى ثياب فلاح، وزيادة في التنكر حمل مقطفًا وفأسًا أخذهما من بعض معارفه … وجلس على الأرض في انتظار ظهور السيدة، وقد قرر أن يتبعها هو الآخر حتى يشترك في المغامرة حتى نهايتها.

وحانت الثامنة … ثم الثامنة والنصف … وقربت الساعة من التاسعة ولم تظهر السيدة … وفي التاسعة والربع ازداد قلق الشاويش … وفي التاسعة والنصف بدأ يتململ وهو ينظر إلى باب العمارة الكبيرة حيث تسكن السيدة … وفي التاسعة وخمس وأربعين دقيقة بدأ يحسُّ بصداعٍ فظيعٍ، فالسيدة لم تظهر، ولم يبق على موعدها مع العصابة إلا ربع ساعة … فهل تكفي ربع ساعة للوصول من المعادي إلى البرج؟!

وفي هذه اللحظة ظهر آخر شخص يتمنى الشاويش ظهوره … كان «عاطف» يركب دراجته عندما لفت نظره وجه الشاويش المألوف له … وبرغم ملابس الفلاح التي يلبسها فإن «عاطف» لم يخطئ شخصية الشاويش، وبدأ يدور حوله … وأخذ الشاويش يحاول إخفاء وجهه، ولكن «عاطف» ظل ينظر إليه، ثم أوقف الدراجة وقال: ما الحكاية أيها الشاويش هل اعتزلت عمل الشرطة وفضلت العودة إلى حياة الفلاح؟! إنها حياةٌ ممتعةٌ حقًّا يا شاويش حيث تأكل الخضروات الطازجة … و…

وقبل أن يسترسل «عاطف» في كلامه صاح به الشاويش غاضبًا: فرقع من هنا … ألا تدرك أنني في شغلٍ؟

عاطف: شغل … إنني لا أرى حولك أرضًا محروثة … ولا ساقية … ولا بعض الطماطم والكرنب!

الشاويش بغضب: قلت لك فرقع من هنا … وإلا قبضت عليك بتهمة تعطيلي عن أداء واجبي!

عاطف: أنت في مهمة عملٍ إذن … فماذا تفعل؟

الشاويش: فرقع من هنا … قلت لك فرقع!

لم يكن أمام «عاطف» إلا أن ينصرف، ولكنه لم يذهب بعيدًا، فقد وقف بجوار أحد المنازل وأخذ يراقب الشاويش … وسمع «عاطف» صوت ساعة الجامعة من أحد أجهزة الراديو تعلن العاشرة، ثم شاهد الشاويش ينتصب واقفًا ويتجه في خطوات سريعة إلى أحد المنازل الواقعة على الكورنيش … فتبعه حتى وصل الشاويش إلى الباب. وإذا بثلاثة أشخاص آخرين ينضمون إليه ويدور بينهم حوار سريع …

استطاع «عاطف» … أن يسمع بعض الكلمات المتناثرة: لم تخرج! العاشرة! البرج! النقود!

ودخل الجميع المنزل، ولم يتردد «عاطف» فأسند دراجته في جانب من الرصيف ثم أسرع يتبعهم … وفي الطابق الثاني وجد بابًا مفتوحًا والرجال الثلاثة ومعهم الشاويش «فرقع» يدورون داخل الشقة … وكان أكثر أثاث الشقة مقلوبًا … والكراسي مبعثرة … وسماعة التليفون مدلاة … وكان واضحًا أن ثمة صراعًا قد نشب في الشقة تسبب في الاضطراب الذي يسودها …

وأمسك أحد الرجال بسماعة التليفون، وأخذ يتحدث … ثم خرج الشاويش «فرقع» وقد احمرَّ وجهه احمرارًا شديدًا حتى بدا كأنه سينفجر، ولم يكد يرى «عاطف» حتى أسرع يجري خلفه كالمجنون … فأسرع «عاطف» يقفز على السلالم بخفةٍ حتى وصل إلى الشارع ثم قفز إلى دراجته وأسرع يجري إلى حيث كان الأصدقاء في انتظاره، فقد أرسلوه لشراء بعض اللب والحمص …

وما كاد «عاطف» يدخل إلى كشك الحديقة في منزلهم حتى صاح به الأصدقاء: هل ذهبت لشراء لب وحمص من «طنطا»؟! لقد تأخرت كثيرًا!

عاطف: وعدت من المولد بلا حمص!

لوزة: يا سلام على خفة الدم!

عاطف: ولكني لم أعد بيديّ فارغتينّ.

نوسة: لابد أنك اشتريت هواء عليلًا من شاطئ النيل، أو كمية من الشمس!

عاطف: لا هذا ولا ذاك … ولكن كمية من المعلومات!

كان «تختخ» يقرأ في كتاب، وقد استلقى على ظهره، على حين كانت «نوسة» و«محب» يلعبان مباراة شطرنج تقوم بالتحكيم فيها «لوزة» … وكانوا جميعًا يتحدثون إليه في استهتار …

ولكن «عاطف» شدَّ انتباههم جميعًا عندما قال: لقد ترك الشاويش «فرقع» منصبه في خدمة الشرطة، واشتغل بعمل مفيدٍ!

ونظر إليه الأصدقاء بين مصدِّقٍ ومكذِّبٍ، ثم سألت «لوزة»: ماذا؟ استقال من عمله بالشرطة؟! لا أصدق هذا!

عاطف: قابلته منذ دقائق قليلة يلبس ملابس فلاح، ويحمل مقطفًا ويمسك بفأس … ولا ينقصه سوى حمار أو جاموسة ليصبح فلاحًا أصيلًا من «البراجيل» أو «كفر أبو طشت»!

ظل «تختخ» ينظر إلى «عاطف» … بدون أن يتحدث ولكنه لم يكد يسمع هذا الكلام حتى قال: لابد أنه كان متنكِّرًا ويقوم بمراقبة شخصٍ أو مكان!

عاطف: كيف عرفت؟

تختخ: ليست المسألة محتاجة إلى ذكاء … فعندما يرتدي رجل الشرطة ملابس غريبة فلابد أنه متنكِّر في سبيل الكشف عن شيءٍ ما … فما هو الشيء؟

عاطف: لا أعرف بالضبط … ولكني شاهدته عندما دقَّت الساعة العاشرة يقفز من مكانه وينطلق كالصاروخ إلى منزل على النيل، وكان هناك ثلاثة اشخاص يبدو أنهم أيضًا من رجال الشرطة، ودخل الأربعة إلى شقة في الطابق الثاني … كانت الشقة مقلوبةً رأسًا على عقبٍ، وكانت سماعة التليفون مرفوعةً … وبدا أن صراعًا شديدًا قد وقع في الشقة … وسمعت بضع كلمات منهم … البرج … النقود … العاشرة … ثم شاهدني الشاويش فانطلق خلفي كالصاعقة … ولكنني سبقته إلى هنا!

سكت «عاطف» وقالت «لوزة»: لغز … الشاويش وقع على لغز … وقد حاول أن يحله وحده …

محب: ولكنه أخفق …

نوسة: كيف عرفت؟

محب: لأنه والرجال الثلاثة وصلوا بعد فوات الأوان … لقد كانت الساعة العاشرة هي الساعة المتفق عليها للهجوم على شخصٍ أو أشخاصٍ في هذه الشقة، ولكن الطير أفلت من القفص قبل وصولهم … وإلا رآهم «عاطف» وهم يقبضون على الشخص أو الأشخاص الذين هاجموا الشقة للقبض عليهم …

قال «تختخ» معلقًا: كلامٌ معقولٌ … قد لا يكون هو الحقيقة تمامًا … ولكنه قريب جدًّا من المنطق …

لوزة: وماذا نفعل نحن؟

محب: لا شيء … «كش ملك»!

لوزة: أكش ملك؟

محب: إنني اوجه الكلام «لنوسة» فقد وقعت في الفخ الذي نصبته لها …

وقام الأصدقاء جميعًا والتفوا حول «نوسة» يحاولون إنقاذ الملك، ونظرت «لوزة» نظرة سريعة إلى رقعة الشطرنج ثم قالت: لا فائدة … لقد وقع الملك فعلًا!

وأخذ الأصدقاء يتحاورون … ثم عادت «لوزة» تقول: هل نترك الشاويش يحل اللغز وحده؟

تختخ: وماذا نفعل؟ هل نذهب لنقحم أنفسنا في مشاكل لم يطلب إلينا الاشتراك فيها؟

نوسة: لعل الشاويش إذًا أخفق في حل اللغز يلجأ إلينا!

عاطف: غير معقولٍ … إنه يخسر نصف عمره ولا يلجأ إلينا، فهو لا يقبل مطلقًا أن نتدخل في عمله … حتى ولو استطعنا حل اللغز …

لوزة: يمكن أن نقنعه أن هذا في مصلحته، ونعده بأن ننسب إليه الفضل في حل اللغز …

فكر «تختخ» قليلًا ثم قال: لا بأس بأن نذهب في جولةٍ بالدراجات حول العمارة التي شاهد «عاطف» الشاويش يدخلها … فقد نجد وسيلة للتدخل …

وهكذا أسرعوا بالقفز على درجاتهم، وتبعهم «زنجر» فرحًا … فقد أحس أن هناك شيئًا يحدث بدلًا من البقاء في الظل بدون عملٍ …

بعد دقائق كان المغامرون الخمسة و«زنجر» يقفون غير بعيدٍ عن العمارة، وكان كل شيءٍ هادئًا … وليس هناك ما يدل على حدوث شيءٍ سوى وجود سيارة من سيارات اللاسلكي التابعة لقوات الأمن تقف أمام العمارة … ثم ظهر الشاويش «فرقع» على باب العمارة بملابس الفلاح، وقد بدا على وجهه أنه في مأزقٍ لا مثيل له …

قال «عاطف»: دقوا الأجراس …

وانطلقت الأجراس الخمسة مرة واحدة … ونظر الشاويش تجاههم ثم رفع يده متوعدًا … ثم ظهر بعض رجال الشرطة على الباب، وركبوا سيارة اللاسلكي ورفع الشاويش يده بالتحية العسكرية … وكان منظره مضحكًا وهو في ملابس الفلاح وهمّ يضم قدميه، ويرفع يده بالتحية …

وانطلقت السيارة بعد أن سلم رجال الشرطة مفتاحًا إلى الشاويش «فرقع»، لم يشك المغامرون الخمسة لحظةً أنه مفتاح الشقة التي رآها «عاطف» …

وعندما انطلقت السيارة مبتعدة مشى الشاويش «فرقع» يجر قدميه جرًّا … ومضي وقد انحنى ظهره … وكان واضحًا أنه يحمل همًّا ثقيلًا على كتفيه …

مرَّ الشاويش بجوار الأصدقاء … فقالت «لوزة» أيها الشاويش!

ولم يلتفت إليها … فعادت تقول: إننا على استعداد لمساعدتك!

والتفت الشاويش إليها … ودقت قلوب الأصدقاء في انتظار ما سيقوله الشاويش، وفجأة رفع الشاويش ذراعه في وجوههم وصاح: فرقعوا من هنا جميعًا!

وأدرك «زنجر» ما حدث … فانطلق مسرعًا يداعب الشاويش كالمعتاد مستخدمًا أسنانه في رقة في قدمي الشاويش العاريتين … وانطلق الشاويش يجري وهو يسب ويسخط متوعدًا المغامرين الخمسة بأشد العقاب …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤