فلما كانت الليلة ١٨٢

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دهنشًا لما سمع شعر ميمونة في معشوقها أطرب غاية الطرب وقال: إنك أنشدتِني فيمَن تعشقينه هذا الشعر الرقيق، مع أن بالك مشغول به، ولكن أنا أبذل الجهد في إنشاد الشعر على قدر فكرتي. ثم إن دهنشًا قام إلى معشوقته بدور، وقبَّلها بين عينيها، ونظر إلى العفريتة ميمونة وإلى معشوقته بدور، وجعل ينشد هذه القصيدة وهو بلا شعور:

أَقْوَتْ مَعَاهِدُهُمْ بِشَطِّ الْوَادِي
فَبَقِيتُ مَقْتُولًا وَشَطَّ الْوَادِي
وَسَكِرْتُ مِنْ خَمْرِ الْغَرَامِ وَرُقِّصَتْ
عَيْنُ الدُّمُوعِ عَلَى غِنَاءِ الْحَادِي
أَسْعَى لِأَسْعَدَ بِالْوِصَالِ وَحَقَّ لِي
إِنَّ السَّعَادَةَ فِي بُدُورِ سُعَادِ
لَمْ أَدْرِ مِنْ أَيِّ الثَّلَاثَةِ أَشْتَكِي
وَلَقَدْ عَدَدْتُ فَأَصْغِ لِلْأَعْدَادِ
مِنْ لَحْظِهَا السَّيَّافِ أَمْ مِنْ قَدِّهَا
الرَّمَّاحِ أَمْ مِنْ صُدْغِهَا الزَّرَّادِ
قَالَتْ وَقَدْ فَتَّشْتُ عَنْهَا كُلَّ مَنْ
لَاقَيْتُهُ مِنْ حَاضِرٍ أَوْ بَادِ
أَنَا فِي فُؤَادِكَ فَارْمِ طَرْفَكَ نَحْوَهُ
تَرَنِي، فَقُلْتُ لَهَا: وَأَيْنَ فُؤَادِي؟

فلما فرغ من شعره قالت العفريتة: أحسنت يا دهنش، ولكن أي هذين الاثنين أحسن؟ فقال لها: محبوبتي بدور أحسن من محبوبك. فقالت له: كذبت يا ملعون، بل معشوقي أحسن من معشوقتك. ثم إنهما لم يزالَا يعارضان بعضهما في الكلام حتى صرخت ميمونة على دهنش، وأرادت أن تبطش به فذلَّ لها ورقق كلامه، وقال لها: لا يصعب عليك الحق فأبطلي قولك وقولي، فإن كلًّا منا يشهد لمعشوقه أنه أحسن، فنُعرض عن كلام كل واحد منا، ونطلب مَن يفصل الحكم بيننا بالإنصاف، ونعتمد على قوله. فقالت له ميمونة: وهو كذلك. ثم ضربت الأرض برجلها فطلع لها من الأرض عفريت أعور أجرب، وعيناه مشقوقتان في وجهه بالطول، وفي رأسه سبعة قرون، وله أربع ذوائب من الشعر مسترسلة إلى الأرض، ويداه مثل يدي القطرب، وله أظفار كأظفار الأسد، ورجلان كرجلَيِ الفيل، وحوافر كحوافر الحمار؛ فلما طلع ذلك العفريت ورأى ميمونة، قبَّل الأرض بين يديها، وتكتف وقال لها: ما حاجتك يا سيدتي يا بنت الملك؟ فقالت له: يا قشقش، إني أريد أن تحكم بيني وبين هذا الملعون دهنش. ثم إنها أخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها، فعندها نظر العفريت قشقش إلى وجه ذلك الصبي ووجه تلك الصبية، فرآهما متعانقين وهما نائمان، ومعصم كلٍّ منهما تحت عنق الآخر، وهما في الحسن والجمال متشابهان، وفي الملاحة متساويان، فنظر وتعجب المارد قشقش من حسنهما وجمالهما، والتفت إلى ميمونة ودهنش بعد أن أطال إلى الصبي والصبية الالتفات، وأنشد هذه الأبيات:

زُرْ مَنْ تُحِبُّ وَدَعْ مَقَالَةَ حَاسِدِ
لَيْسَ الْحَسُودُ عَلَى الْهَوَى بِمُسَاعِدِ
لَمْ يَخْلِقِ الرَّحْمَنُ أَحْسَنَ مَنْظَرًا
مِنْ عَاشِقَيْنِ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدِ
مُتَعَانِقَيْنِ عَلَيْهِمَا حُلَلُ الرِّضَى
مُتَوَسِّدَيْنِ بِمِعْصَمٍ وَبِسَاعِدِ
وَإِذَا صَفَا لَكَ مِنْ زَمَانِكَ وَاحِدٌ
فَهْوَ الْمُرَادُ وَعِشْ بِذَاكَ الْوَاحِدِ
وَإِذَا تَأَلَّفَتِ الْقُلُوبُ عَلَى الْهَوَى
فَالنَّاسُ تَضْرِبُ فِي حَدِيدٍ بَارِدِ
يَا مَنْ يَلُومُ عَلَى الْهَوَى أَهْلَ الْهَوَى
هَلْ يُسْتَطَاعُ صَلَاحُ قَلْبٍ فَاسِدِ
يَا رَبُّ يَا رَحْمَنُ تُحْسِنُ خَتْمَنَا
قَبْلَ الْمَمَاتِ وَلَوْ بِيَوْمٍ وَاحِدِ

ثم إن العفريت قشقش التفت إلى ميمونة وإلى دهنش وقال لهما: والله ما فيهما أحد أحسن من الآخر، ولا دون الآخر؛ بل هما أشبه الناس ببعضهما في الحسن والجمال، والبهجة والكمال، ولا يُفرَّق بينهما إلا بالتذكير والتأنيث، وعندي حكم آخر؛ وهو أن ننبِّه كلَّ واحد منهما من غير علم الآخر، وكلُّ مَن التَهَبَ على رفيقه فهو دونه في الحسن والجمال. فقالت ميمونة: نِعْمَ هذا الرأي الذي قلتَه، فأنا رضيتُه. وقال دهنش: وأنا أيضًا رضيتُه. فعند ذلك انقلب دهنش في صورة برغوثة ولدغ قمر الزمان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤