البلد الآخر
فكرت أن من العبث أن أقدم كتابًا يتكلم عني. أحرى بي حياءً واحتياطًا أن أتظاهر بأني لم أقرأه، تذكرت أنني حين كتبت عن برلين قلت في نفسي كيف يمكنني أن أحدِّث البرليني عن برلين التي أعرفها أجزاءً غير مجموعة في رأسي! وها السؤال نفسه على نحو معكوس، كيف يمكن لميشائيل كليبرغ أن يحدث اللبنانيين عن لبنان!
كان عليَّ أن أختفي حين يجري الكلام عني، وأنا أفضل ذلك وغالبًا ما أفعله. بذلت جهدًا لأطابق ما بين صورتي عن نفسي وصورة ميشائيل عنها. أحسب أن رشيدًا الضعيف كان فعَل مثلي، لكني انتهيت بأن أهملت ذلك تمامًا. قرأت عن نفسي كما كنت أقرأ عن رشيد محاولًا أن أنسى عمن أقرأ. شعرت متأخرًا بأن كلام ميشائيل عن الأصل الأدبي للذكريات يَعنيني. ما نقرأه يملك كامل حقيقته، ويمكنه أن يكون مصدرًا لذكريات متأخرة. لم يكن ضروريًّا أن أختفي عن صورتي كما يرسمها ميشائيل ولا أن أمحِّصها أو أدقق فيها، لم يكن ضروريًّا أن أقلق لمطابقتها أو عدم مطابقتها، أحسب أن الهوية تبدأ هكذا كلعبة، اقتراح صورة يتحول وَسواسًا قبل أن يغدو فيما بعدُ ندمًا. وجدت أن أفضل ما أفعله هو أن أتوقف عن أن أتعرف على نفسي فيما أقرأه، ما كان في وُسعي أن أؤكد ولو تفصيلًا جزئيًّا أو بعيدًا أو أن أنفيه، لا أحسب أن همًّا توثيقيًّا أو تاريخيًّا ساور ميشائيل وهو يتكلم عني أو عن رشيد الضعيف أو يوسف عساف، الأرجح أن لعبةً أكبر كانت تُشغل ميشائيل، لا أقول إنها الأدب، ولو أنها ليست ضده، إنها تمامًا تحرير من التأريخ والتوثيق، فهذه الرغبة في تسجيل سنة الوفاة ونصب الشاهدة ليست بالتأكيد غايةَ ميشائيل. ما يفعله ميشائيل هو وضع الحيوات في حركتها التي لا تهدأ، في نزاعها مع نفسها وسعيها المتناقض لإيجاد حدودها وتجاوزها في آنٍ معًا. ما يفعله ميشائيل هو إيجاد حقيقة متحركة ما لهذه الحيوات، ذلك سيتم في الواقع بقدرته الخاصة، بإلهامه وقوة قلمه وتجاوزه لنفسه، سيتم كأدب يرجع نهائيًّا إليه. لن يكون الأشخاص عندئذٍ مهما كانوا عند أنفسهم سوى مخلوقاته على نحو ما. سيضايق هذا بعضهم، ولربما شعروا أن صورًا بهذه القوة ستغلبهم على أنفسهم، وستكشف مع الوقت الصور التي يظنونها أقل إشعاعًا وجاذبيةً لذواتهم، وسينتهي الأمر بأن ينتهوا عباراتٍ وجملًا في كتاب. أما أنا فأعترف أني كلما تقدمت في قراءة الكتاب تفاجأت بنفسي، كنت أصطدم بها وأنا أقرأ عني كما أصطدم بأي شيء آخر. كانت حقيقية في الغالب، لكن من يستطيع أن يقرأ؟ الأرجح أنني لا أملك أي حقيقة مقابلة. تفاجأت من أنني تجاه صورة كالتي رسمها ميشائيل لا أفعل سوى أن أُزيحها عن طريقي؛ إذ لا أملك فعلًا قدرة على اختبارها، على دحضها أو إثباتها. لأقُل ببساطة إن صوري عن نفسي لا تستطيع أن تقع في مصيدة التفاصيل هذه، إنها تقريبًا بلا تفاصيل، وأخشى أن تكون بلا مادة. قد تكون مجرد فكرة عُليا، قد تكون مجرد تشويش ذهني أو كلية غامضة، لكنها بالتأكيد لا تتعرف بوضوح على أيٍّ من هذه التشخيصات التي لها، بل هي لا تملك فكرة فعلية عن نفسها، إنها تجاه أمرٍ كهذا تبدو ناسية تمامًا أو جاهلة تمامًا. هكذا كنت أقرأ عن نفسي بدون أن أحسم شيئًا، هذه صورة أكثر تشخيصًا وملموسيةً من أن أقْبَلها أو أردَّها. لم أملك في يوم نفسًا واضحة لي بهذا الشكل، لم أكن في يوم مقابلة نفسي هكذا، لم أكن في يوم موجودًا على هذا النحو، من أين شبكة الترددات والتجاذبات والالتباسات التي هي أنا؟ هناك أخيرًا شيء واضح وموجود، هذا أنا أكثر مما أنا، هذا أكثر من أن أكونه، إنه الأدب، أو ربما هو شيء آخر، ليس مهمًّا أن نعرف أين نجد الحقيقة، إنها غالبًا متنكرة.
لا أعرف إذا كانت حقيقة مختلفة هذه التي يخترعها الأدب، غير أني أميل إلى أن ما فعله ميشائيل كان أيضًا هذه الرغبة في أن يمنح لكل منا نحن الثلاثة الذين تكلم عنهم (رشيد وعساف وأنا) سرًّا خاصًّا، لقد سعى لأن يقدم لكل منا أسطورته الصغيرة، هذا ما يمكن اعتباره أيضًا مباركة. أحسب أن الروائي في عمله لا يستطيع أن يتكلم عن مخلوقاته بحب، أظن أن عاطفةً كهذه هي ما يتجنبه الروائي، فالأدب في النهاية قاسٍ وبلا رحمة، ومن الصعب أن تُكتب بلا خيانة. فضَّل ميشائيل نصف الأدب، نصف الرواية، على أن يصل إلى الخواتيم الكارثية لهما. لم يأتِ إلى هذه البلاد كسائح ولكن أيضًا لم يأتِ كمؤرخ، وبالطبع ليس كإثنولوجي أو أنتروبولوجي، لقد جاء مع عائلته التي نعرف أن شيئًا تغيَّر في حياته هنا حين سبقته إلى ألمانيا، لم يطأْ مقهى الروضة منذ ذلك الحين؛ لأنه لا يريد أن يذهب إليه من دون بترا زوجته وباولا ابنته، وهنا تعرَّف على أصدقاء قبِلهم جميعًا وعذَرهم جميعًا، لقد رأى في شرودي حكمةً وفي تحفظ رشيد فكاهةً وارتجالًا وفي سذاجة يوسف عساف نزوعًا إلى شيء أكبر. لقد جاء ليعرف بالطبع، يومياتُه مليئة بملاحظات ومفارقات كثيرة، لكن أي معرفة هذه! ليست تمامًا التاريخ أو السياسة أو التقاليد أو الثقافة الخاصة أو الموقف من الغرب. هناك شيء من كل شيء بالتأكيد، لكن معرفة ميشائيل هي ذلك الخزين غير المحدد الذي يرفد الشعر أو الرواية، ليس التجربة وحدها حين تفكر نفسها، ولكن المصادر الغامضة والمتفاوتة التي تشكل وعيًا. يتراءى لي أن هناك سابقًا دائمًا ما لمعرفة كهذه، ولا نعرف من أين تبدأ. إنها مرورنا الخاص وسط هذه المكتبة، وسط هذا التاريخ. وسط هذا الاختبار، وسط تلك المعلومات، وسط كل ما لا يمكننا سَبرُه ولا الإحاطة به، ويظل مرورنا به عشوائيًّا بلا حدود. يقول ميشائيل في كتابه إنه لا يفقه الفلسفة كثيرًا، وكذلك احتج توماس ترانسترومر حين ذكرت له أن مقدِّمي شعره يَصلونه بالفلسفة، لكن هذا بالتأكيد هو ما يحفِزني إلى أن أتأمل دائمًا الكثافة الفلسفية لشعر ترانسترومر وكتابة ميشائيل. إن التحرر من الفلسفة وربما التحرر من التاريخ والتحرر من الثقافة بمعناها الأكاديمي؛ هو ما يحوِّل من الرواية والشعر معرفةً موازية. في كل مرة يعود ميشائيل إلى ألمانيته وإلى أوروبيته أو إلى غربيته، فإنه يفعل ذلك للتدليل على محدودية تجربته وعدم قدرتها على أن تكون دليلًا إلى معرفة عوالمَ أخرى وثقافاتٍ أخرى. يفعل ذلك أيضًا ليدلل على أن استغراقه في هذه التجربة سيظل في النهاية حائلًا دون إحساس صائب وكافٍ بهذه العوالم والثقافات، حائلًا دون أن يكون مساويًا لأهلها في استيعابهم الجسدي والروحي والفكري لها، وبالطبع دون أن يكون معيارًا أو حكمًا. مطرح كهذا بين مانعين لا يَمنع، إلا في نظر قاصري الفهم، مِن تكوين رؤية بل إنها الرؤية الوحيدة الممكنة تجاه الآخر وللآخر. الغير سيبقى، الغير بالطبع، وسيبقى لا محدودًا بالنسبة لمن يتناوله، الأرجح أن أيَّ فرضية أخرى لن تكون سوى تكرار على نحو آخر أو ترجيع للذات. يقول ميشائيل إنه أتى إلى عالم ليس بالنسبة له سوى كاريكاتور، في الطائرة يشك في كل من يراه أن يكون إرهابيًّا وخاطف طائرات، هكذا يبدأ «الحيوان الباكي». يمزج ميشائيل بين خوفه من الطيران وخوفه من الإرهابيين المتخيَّلين، لا يهنئنا ميشائيل على أننا لسنا كذلك، لكنه يجد الفرصة ليسخر من نفسه. لقد خاف لكنه بالطبع لم ينتظر أن يكون مسلَّحو «القاعدة» على الرصيف، كان ذلك رُهابًا فحسب. مع ذلك كان ميشائيل أكثر من عارفين مزعومين غير مستعد لكي يدخل في ثنائية الشرقي والغربي. لقد فهم أن الذي يدخل بهويته إلى بلد ما لن يصادف إلا ما يذَكِّره بها على نحو أو آخر، فهِم أن زيارة عالم آخر يحسُن أن تكون بلا هوية أو بأقلِّ هوية ممكنة. إنه لضربٌ من العبث أن يسافر المرء، أن يتكبد الرحلة لكي يؤكد غربته أو أوروبيته، رغم أن كثيرًا من الرحلات والهجرات تؤدي إلى ذلك. يملك ميشائيل هذا الاستعداد لنسيان هويته (لا وجوده ولا ثقافته)، إنه استعداد ألماني بدون أن يكون بالطبع ممنوحًا لكل الألمان. يملك الاستعداد للاقتراب من الآخر بدون هذا الإتيكيت. «الحيوان الباكي» نموذج فريد على مغامرة قوامها أيضًا نسيان هوية الآخر (لا وجوده ولا ثقافته). الفرد، الذي هو ميشائيل، مرَّ في هذا الكيان غير المحدد الذي هو بيروت أو بعلبكُّ أو طرابلس أو لبنان، ولم يحصره في عينه ولا في إحساسه، لقد مر في حياة آخرين، كان ثمة دائمًا نقاطُ تماسٍّ ونقاط تقاطع هي تقريبًا خطة «الحيوان الباكي» ومساره. الغير هو أيضًا عباس ورشيد ويوسف عساف، ولا يمكن اصطياده تحت تسمية الشرقي أو العربي أو اللبناني حتى، الغير هو مكان آخر، وحين يقول ميشائيل إن رشيدًا وعسافًّا وعباسًا أو أحدهم يتكلم عن هولدرلين وسيلان وغوته فيما لا يستطيع هو أن يتكلم بالقدر ذاته عن الأصفهاني، فإنه يقول ذلك لا لمحاولة تحطيم الحدود، بل للكلام عن الغير كمكان لا يمكن تحديده، لا يمكن اعتباره مقابلًا أو ضدًّا أو صورة عكسية للذات.
نسيان الهوية هو أيضًا فعل أخلاقي، في روايته «الحافي» التي قرأتها مترجمةً إلى الفرنسية نجد رجلًا يصل إلى أن يضيق بكل ما يُعرِّفه؛ اسمه ومنصبه وأملاكه وعائلته، ويختار بملء حريته أن يغدو عبدًا. إنها الرحلة الأوروبية المعاكسة، رحلة العودة. بطل ميشائيل لا يريد أن ينتهي في ذاته، أن يكون موضوع ذاته وغايتها؛ لذا يحطم بالتدريج القلعة الفردية التي تسوِّر وجوده. مع ذلك فهو ليس حالمًا بالشرق. يعرف ميشائيل أن الشرق ليس موجودًا، الغير كهدف يعني قدرًا من الارتحال عن الذات، وهذا بالضبط ما يكتبه.
لا يقترح ميشائيل شيئًا على اللبنانيين، لم يأتِ بالطبع لذلك لكنه أيضًا لا يُفتتن بهم. ما يراه يستدعي أحيانًا شواردَ من ثقافات وبلدان أخرى، هذا ما يجعل الكتاب أيضًا ارتحالًا دائمًا، عن بلده وكل بلاد. تلمح أحيانًا الرحلة كلها خاطفة وراء ملاحظة أو لقطة، إنها ذاكرة تتعدى كلَّ ذكرى، ذكرى كونية، ذاكرة لا شخصية قد تتراءى في لحظة.
في طرابلس تستدعيه بسوقها البهيج إلى أن ينتقد حضارة التغليف الغربية التي تعزل الأشياء عن بصر وأنف وأذن الشاري. «الحيوان الباكي» ككتب الرحلات التنويرية القديمة يتعلم أكثر مما يعلم. إنه أحيانًا رسائلُ من بلاد أخرى؛ ذلك يعني أنها ليست البلاد نفسها، ليست أي بلاد، وربما ليست بلادًا معروفة بعد. ثمة دائمًا إشارة إلى مكان ليس في الشرق والغرب، مكان مفقود يُتلمح في غيب الرحلة، يمثل ولا يحضر، ليس طوبى بالطبع ولا مدينةً فاضلة، إنه مكان مفقود، أو هو بالأحرى لم يتحقق، مع ذلك يكون أحيانًا نُصب انتظارنا وإصغائنا، بل نصب إشارتنا. ليس الجميع بالطبع سواسيةً في ذلك، بين الثلاثة (رشيد ويوسف عساف وأنا) الذين يتقاسمون واجهة الكتاب، لا يجد ميشائيل نفسه ولا الاثنين الأوَّلَين قادرين على الإشارة لهذا العالم الغائب، الثلاثة مستغرقون في دنياهم، في أنفسهم ومِهنهم وحياتهم، وحْده عساف، الذي لا يتمسك كثيرًا بنفسه وحياته، قادر على ذلك، إنه دائمًا أبعد من واقعه، ماثلٌ لشيء أكبر إنه تقريبًا ليس نفسه وحياته بل قدرته على تجاوزهما. لا يهم ميشائيل ما يَعنيه عساف الآن، لا يتوقف عند مهارته أو ذكائه أو قدرته، إنه غالبًا في الحب الذي يتقاسمه مع زوجته ودائمًا بدون سؤال؛ التضحية اليومية التي يقوم بها؛ الحياة التي لا يدخل عليها أيُّ ملل، إنه إشارة لعالم لا يعيش على الخصوصية ولا ينتهي في الذات، بلاد لم توجد بعدُ ولا نزال مُثولًا لها. لا يردُّ ميشائيل أحدًا إلى نوع من «أرشيتب» أو إلى نموذج أصلي. ليس أكثر تفارقًا من الثلاثة اللبنانيين الذين يتقاسمون واجهة «الحيوان الباكي»، إنهم «روايات مختلفة» إذا جاز القول، يلتقط ميشائيل من البداية هذه المغايرة ويبني عليها، لا يشبه الثلاثة بعضهم إلا في القليل الأقل، ليس هذا «الشرق» واحدًا ولا يتخيله ميشائيل واحدًا. رشيد المتكلم دائمًا والمعاند غالبًا شخصية من مسرحية، عباس في فوضاه الداخلية شخصية من رواية، أما عساف المسوقة حياته بالتضحية والألم فأشبه أن يكون من إحدى سيَر القدِّيسين.
مع ذلك فإن الخطيئة التي يقترفها ميشائيل وهو يضع هذه الشخصيات؛ هي الحب، إنه يقع في نوع من التماهي معها؛ مما يمنع الوصول إلى أي نهايات. ذلك هو الثمن الذي يدفعه كاتب حين يفضِّل الصداقة على الرواية، هكذا يجنح الكتاب ليكون قصيدة. في لحظات نادرة في الكتاب يبدو ميشائيل وكأنه يأتي من بعيد ليرد دينًا غامضًا، إنه يمنح لكل منا — نحن الذين تعبنا من أنفسنا وابتذلناها كلَّ لحظة — سرًّا خاصًّا. أكون أنا أحيانًا شخصية هوميرية، يكون رشيد شخصية هاملتية، يكون عساف قطعة من أَرز لبنان. في لحظات نادرة يتضح سر الرحلة، ليس تمامًا وإلا فيمَ يستمر الرحيل؟ البلد الذي نريده هو دائمًا مكان آخر.
•••
حين التقيت للمرة الأولى بميشائيل بدا لي شديد الشبه بأيقونة بيزنطية أو حتى بواحدة من البورتريهات القبطية. كان الهدوء الذي يلبس وجهه لَيصلُ إلى شِبه سكون لولا عينان نفاذتان تسبقان إلى الإيماض بسؤال، بتفكير عميق، بتفهم خاشع، بودٍّ غير مبتذل، بانتباه وتفهُّم، ودائمًا بتعبير سلمي. لم أر ميشائيل في هيئة غضب، رغم أنه غالبًا حاسم. صحبته وحدنا ومع أصدقاء في بيته مع زوجته بترا الرائعة، بمزيج قوتها ورقتها، وباولا البهية ابنته، صحِبته أيامًا وأوقاتًا طويلة، وكان قادرًا على الحسم لكن بدون أي قطع وبالطبع بدون استفزاز، لقد قلم تقريبًا عدوانيته، أيَّ عنف في داخله؛ هكذا كان يزاوج بين صورة الأيقونة الشرقي وبين أفضل خلاصات الشفاء الصعب من النازية الغربية.
عندما قلت إن الصداقة هي ما فعلناه أنا وميشائيل، بدا هذا الكلام عاطفيًّا في ألمانيا وبسيطًا في لبنان، لذا احتفظنا بالكلمة التي تعبنا حتى وصلنا إليها كسرٍّ بيننا. كان المشروع الذي جمعنا مندرجًا فيما يُسمى حوار الثقافات، الصداقة بالطبع لم تكن على جدول المشروع، الأرجح أن هناك من يعتبرها تشويشًا على الحوار أو بديلًا غير ناضج له. أنا وميشائيل نعرف أنه لا بد من الصداقة لنبقى أبدًا أندادًا وأحرارًا تجاه بعضنا بعضًا. حين قرأت كتاب ميشائيل شعرت أن كرم ميشائيل هو هذه المرة في جمال كتابته وقوتها، لقد أهدى هذا البلد الذي أحبه ذاكرةً أوسع منه، صورة مجسمة وأفقًا؛ كان يحتاج هذا البلد إلى القلم البعيد ليجد قليلًا من الفخر الذي افتقده. ميشائيل بالحب الذي قلما يجود به الأبناء يمنحه تلك الابتسامة الأيقونية، ويقول له إن هذا بالضبط ما يستحقه.