تختخ في المصيدة

كانت المفاجأة التي أعدَّها الرائد «زياد» للمغامرين الخمسة مُفرِحةً جدًّا … فقد وصل المفتش «سامي» إلى «أبو قير»، ولم يكن ذلك بالصُّدْفة بل كان في مهمةٍ خطيرةٍ بدأت في «الإسكندرية» ثم «إيطاليا» و«إسبانيا» ثم «القاهرة» ثم «الإسكندرية».

وبعد عدَّة اتصالات كانت سيارة المفتش «سامي» تقف أمام باب فيلَّا «سامي» في «أبو قير» … وتبادل المُفتش والمغامرون التحيات الحارة، ثم قال «عاطف» ضاحكًا: وكوب الليمون المُثلج في انتظارك!

المفتش «سامي»: لقد شاهدت أشجار الليمون في حديقة الفيلَّا.

نوسة: وقد قطفت اليوم كميةً من الليمون الطازج.

المفتش: عظيم!

جاء كوب الليمون وقال المفتش: علمت من الرائد «زياد» أنكم تقضون الإجازة هنا.

محب: ونعيش مغامرةً لا نعرف متى تنتهي.

المفتش: يجب أن تنتهيَ سريعًا حتى تتمكَّنوا من قضاء إجازتكم.

تختخ: سنشرح لسيادتكم ما حدث.

أخذ «تختخ» يروي باختصار ما جرى منذ العثور على اللفَّة السوداء … وحتى قيامه بتصوير مزرعة السمك من الداخل.

وأخذ «تختخ» يعرض على المفتش الصور التي التقطها، فصاح المفتِّش الذي نادرًا ما يرفع صوته: ما هذا؟!

تختخ: إنها صور من داخل المزرعة.

المفتش: ولكن هذا الرجل …

وأشار المفتش إلى إحدى الصور التي ظهرت على شاشة «الموبايل»، ثم قال: هذا الرجل خطير جدًّا!

كان الرجل الذي في الصور يضع نظارة سوداء … طويل القامة … واضح القوة …

تختخ: ما سبب خطورته؟

المفتش: إنه الرجل الذي دوَّخ رجال البوليس في «مصر» و«إيطاليا» و«إسبانيا» وربما في دول أخرى؛ فهو زعيم عصابة من أخطر عصابات «إيطاليا»، بل هي عصابة لها فروع في بعض عواصم العالم … والخطير في هذه العصابة أنها تعمل في أنواع مختلفة من الجرائم، وليست متخصصةً في نوع واحد، وهو مطلوب من الإنتربول الدولي …

حبَسَ المغامرون أنفاسهم … فهم الآن طرف في مطاردة عصابة دولية وفهموا من لهجة المفتش أنَّ المسألة خطيرة جدًّا.

وبعد لحظات من الصمت قال المفتش: المهم أن يكون هو الرجل الذي أقصده، فهذه الصورة أُخذت من بعيد، ومن الصعب التأكُّد من الرجل، خاصةً وهو يُجيد التخفِّي.

قال «تختخ» فجأة: أستطيع أن أصوِّره عن قرب.

المفتِّش: تريد أن تدخل مزرعةَ السمك مرة أخرى؟

تختخ: لاستكمال المهمة!

أخذ المفتش يُفكِّر لحظات ثم قال: هذا خطير جدًّا يا «تختخ».

تختخ: ما دمتُ قد استطعتُ الدخولَ مرتين سأتمكَّن من الدخول مرةً ثالثة.

المفتش: سأتصل بكم بعد ساعتين، فسوف أقوم بإجراء بعض الاتصالات … وأضع بعض الترتيبات.

خرج المفتش وخرج معه المغامرون وقد أحسُّوا بالاطمئنان لأنَّ المفتش موجود … إنه في الأغلب يفكر في خطة ما.

•••

في الصباح قام «تختخ» بارتداء ملابس الصياد الرَّثَّة … ووضع «الموبايل» في جيبه وسرعان ما كان يقف في طابور المنتظرين … وكان «بسارية» يقف بجواره … وحسب الإشارة المتَّفَق عليها بين «بسارية» والرجل الذي يختار الأولاد، دخلا مع ثلاثة آخرين … ولكن «تختخ» فوجئ بأنَّ مكان تنظيف السمك قد تغيَّر … فقد أصبح على شاطئ البحر مباشرة وأخذ يُفكِّر في أسباب هذا التغيُّر …

انهمك في عمله … وكانت كمية السمك المُعدِّ للتنظيف كبيرة … وأخذ المراقب يستحثهم على العمل بسرعة … وكان «تختخ» يفكِّر في الطريقة التي سيقوم فيها بتصوير الرجل المهم الذي يطلبه الإنتربول أو البوليس الدولي والذي فشِلوا جميعًا في الإيقاع به.

كان «تختخ» يعمل في تنظيف السمك، ولكن نظراته كانت تطوف بالمكان، إنه يريد أن يرى الرجل لتصويره عن قرب … وفعلًا وجد الرجل يتحرَّك قرب الباب وقرَّر المغامرة، فترك السمك وقام واقفًا وأخرج «الموبايل» من جيبه، وبدأ في التصوير من خلف سيارةٍ كانت واقفة … ولم يكن يدرك أنه في نفس الوقت كانت هناك عيون ترقبه … عيون شريرة تنتظر الفرصة للإيقاع به … وقد جاءت الفرصة سريعًا … فبعد أن عاد إلى مكانه طلب منه المشرف أن يحمل كميةً من السمك الذي تم تنظيفه إلى داخل المبنى الإداري للمزرعة.

ولم يكن «تختخ» يشكُّ لحظة في أنه داخل إلى مصيدة لا يستطيع الخروجَ منها … وهكذا حمل كمية السمك المطلوبة، ثم اتجه إلى المبنى حيث يتم نقل السمك الذي تمَّ تنظيفُه إلى أماكن التثليج والإعداد للشحن.

لم يكد «تختخ» يدخل المبني الإداري حتى انقضَّ عليه رجلٌ ضخمُ الجثَّة وضَعَ يده على فمه ويده الأخرى على عينيه … ووجد «تختخ» نفْسَه يرتفع في الهواء ثم يُلقَى إلى داخل برميل من براميل السمك المُثلج وقد تمَّ ربطُ فمه وعينيه بشريط لاصق.

أدرك «تختخ» أنَّ العصابة لم تكن غافلةً عنه، ولعل أحد الأولاد العاملين معه في تنظيف السمك وَشَى به … وربما لاحظ المراقِب تحرُّكات «تختخ» المريبة.

تحرَّك البرميل فوق السير الذي ينقل البراميل … وأحسَّ «تختخ» بالبرميل يتدحرج إلى الداخل، وفجأةً انسكبت عليه كميةٌ من الثلج، وسرعان ما أحسَّ ببرودة الثلج تتسلَّل إلى عظامه … وبنَفَسِهِ يضيق ويكاد يفقد وعيه.

أحسَّ بالبرميل يتدحرج ثم سمع أصوات أشخاص مختلفة، ثم وجد البرميل يتدحرج مرةً أخرى ثم أحسَّ به يتوقَّف، ويد تمتد إليه فترفعه من الثلج.

تصوَّر «تختخ» أنَّ أحدًا قد تقدَّم لإنقاذه، لعلَّه الرائد «زياد» أو المفتش «سامي» ولكنه وجد نفسه وجهًا لوجه مع الرجل الخطير … زعيم العصابة المطلوب من الإنتربول في جميع أنحاء العالم.

بلغة عربية مكسرة قال الرجل موجِّهًا حديثه إلى «تختخ»: ماذا تفعل هنا؟

أخذ «تختخ» ينظر حوله … كان ثمة ثلاثة رجال مُسلَّحين يقفون بجوار الزعيم وقد حملوا المدافع الرشَّاشة … فأدرك أنه وقع في الفخ.

عاد الرجل يسأل: ماذا تفعل هنا؟

قال «تختخ» وقد استردَّ أعصابه: إنني أسألك لماذا أنا هنا؟

ابتسم الزعيم ابتسامةً صفراء وقال: لقد كنت تقوم بتصوير المزرعة من الداخل؛ فلحساب مَن تعمل؟

تختخ: إننا مجموعة من الأصدقاء جئنا لزيارة «أبو قير» لا أكثر.

الزعيم: وهل ضمن الزيارة تصوير المزرعة من الداخل؟

في نفس الوقت كانت بعض الأيدي تعبث بملابس «تختخ»، وسرعان ما أخرجوا الموبايل.

عاد الزعيم يبتسم: هل أنت صبي صيَّاد تبحث عن عمل؟! أم مغامِر تبحث عن مغامَرة؟!

قال «تختخ» بثبات: لقد قلتُ لك ما عندي.

كان «تختخ» قد أدرك أنه على ظهر سفينة وأنه في قَمْرة القبطان، وأنَّ السفينة تستعدُّ للرحيل.

قال الزعيم: على كل حال سوف تتحدث وتقول الحقيقة إذا علمت أنَّ السفينة في طريقها إلى «إيطاليا» … فإذا قلت لي الحقيقة فسوف أتركك هنا على البر … وإذا لم تقل الحقيقة فسوف آخذك معي … وفي الطريق قد نُلقيك في البحر … أو نأخذك إلى «إيطاليا» حيث لا أحد يعرفك وفي إمكاننا التخلُّص منك بألف طريقة.

ربما كان هذا الموقف أخطرَ ما تعرَّض له «تختخ» في حياته … وكان الزعيم يتفرَّج على «الموبايل» فقال ساخرًا: لقد مسحت كل الصور التي كانت عليه … ولكن المؤكد أنَّ صورتي كانت ضمن الصور التي التقطتها!

لم يكن عند «تختخ» ما يقوله … وغادر الزعيم قَمْرة السفينة وغادر الحُرَّاس الثلاثة خلفه ثم أغلفوا باب القَمْرة بإحكام.

وقف «تختخ» يُفكِّر فيما ينبغي أن يفعل … هل يصمت ويُعرِّض نفسه للموت؟! أم يتحدَّث ويخون أصدقاءه والمفتش «سامي» والرائد «زياد»؟!

سمع صَفَّارات السفينة وهي تنطلق استعدادًا للرحيل … وأصوات السلاسل الثقيلة وهي تُسحَب من الرصيف استعدادًا للإبحار.

أخذ «تختخ» يبحث حوله عن طريقٍ للهرب … كان الباب مُوصَدًا بإحكام … وكان أحد الحُرَّاس يقف بالباب، وكانت نافذة القَمْرة مُغطَّاةً بالزجاج السميك … لم يكن هناك مَهْرب من أيِّ نوع.

حسب تقديرات «تختخ» كانت الساعة تقترب من الثانية ظهرًا … وأخذ يُفكِّر … أين المفتش «سامي» الآن؟ … وأين الرائد «زياد»؟ … وأين المغامرون الخمسة وصديقهم صاحب الفيلَّا «سامي»؟

تحرَّك نحو نافذة القَمْرة … وأخذ ينظر خلال الزجاج السميك … ولدهشته الشديدة وجد السفينة تمرُّ في نفق مُظْلم أدرك أنه تحت الطابية، وأنها في طريقها من «البحر الميت» إلى «البحر الأبيض».

إذن انتهت مغامرة «تختخ» الخطيرة … فبعد قليل سيكون في عُرْض البحر على السفينة متجهًا إلى «إيطاليا» أو أي بلد أوروبي آخر … أو قد يُلقون به في المياه وتنتهي القصة … ولا يعلم ماذا سيكون مصيره خلال الساعات المقبلة …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤