رجل الموتوسيكل

كان الحوار يدور ساخنًا بين المغامرين حول ما في اللفَّة … النقود والنوتة والمفاتيح … وكانوا يطرحون بعض الحلول … إمَّا تسليم اللفَّة وما فيها إلى الشرطة وينتهي الأمر … وإمَّا محاولة معرفة لمن هذه الأشياء … ولماذا يتم تسليمها خفْيةً بعيدًا عن الأنظار؟

فجأة قالت «نوسة»: إننا لا نعرف أحدًا هنا سوى «سامي» … وأعتقد أنَّ علينا أنْ ننتظر ونحكيَ له ما حدث … فقد يكون عنده معلومات — على الأقل — عن راكب الموتوسيكل.

كان «تختخ» مستغرقًا في التفكير، لا يكاد يشارك في النقاش الدائر، فالأسماء التي في النوتة والمبالغ المكتوبة أمامها ذكَّرته بما يُشاع عن تهريب العُمَّال المصريين إلى «اليونان» بدون تأشيرات دخول … وبعضهم عاد … وبعضهم مات غرقًا في البحر … وبعضهم تم تضليله فوجد نفسه على جزيرة «نلسن» أو على الشاطئ الشمالي ﻟ «الإسكندرية».

ثم تداعت أفكاره إلى «أم شلبي» وزوجها الغائب منذ ثلاثة أشهر دون أن تتلقَّى منه خبرًا … وكان بقية المغامرين قد انصرفوا إلى لعبة «البينج بونج» والجري في الحديقة.

فجأة خطرت في رأس «تختخ» فكرة الذَّهاب إلى «أم شلبي» وسؤالها عن اسم زوجها، فلعلَّه موجود في النوتة … ولعل المبالغ المكتوبة أمام الأسماء هي ما يدفعه هؤلاء العمال البسطاء إلى المعلم «القصاص» لتهريبهم إلى «اليونان» وغيرها من دول شمال «البحر الأبيض المتوسط».

أشار «تختخ» إلى «نوسة» إشارةً خفيَّة … فتبعته وخرجا معًا وقد أخفى «تختخ» النوتة في جيبه وأبقى النقود في الفيلَّا خوفًا من ضياعها.

عندما أصبحا وحيدَين قال «تختخ»: سنذهب إلى منزل «أم شلبي».

نوسة: لماذا؟

تختخ: أريد أن أسألها عن اسم زوجها.

قالت «نوسة» على الفور: قد يكون بين الأسماء التي في النوتة!

تختخ: أنت كالعادة ذكية يا «نوسة»!

نوسة: وماذا سنفعل إذا وجدنا الاسم في «النوتة»؟

تختخ: لا تَسْتَبِقي الأحداث … لنعرف أولًا …

سارا مسرعَين ولم يكن المنزل بعيدًا فوصلا بعد دقائق … كانت الفتاة الجميلة «سلمى» تجلس أمام الباب و«شلبي» الصغير يجري وراء كرة قديمة مصنوعة من القماش … ولكن «أم شلبي» لم تكن موجودة.

ابتسمت «سلمى» عندما شاهدت «تختخ» و«نوسة»، وفرحت وهي تُرحِّب بهما.

قال «تختخ»: أين والدتك يا «سلمى»؟

سلمى: ذهبت إلى السوق لشراء بعض الطعام.

نوسة: ومتى تعود؟

سلمى: بعد قليل.

تختخ: تعرفين اسم أبيك يا «سلمى»؟

سلمى: نعم أعرفه … اسم أبي: «سلامة أحمد الفار».

نظر «تختخ» إلى «نوسة» وقد جاءت لحظة التوتر التي تسبق المغامرة … فلو كان اسم «سلامة» موجودًا في النوتة فقد بدأت المغامرة.

ناول «تختخ» النوتة إلى «نوسة» التي أخذت تقلِّب الصفحات ولم يستمرَّ تقليبها طويلًا؛ فقد عثرت في الصفحة الثالثة من النوتة على اسم «سلامة».

وخفَقَ قلب «نوسة» … واندفعت الدماء إلى وجهها … وأدرك «تختخ» أنها عثرت على الاسم … وتبادلا النظرات … ولكن لم يتكلَّما، فقد تتدخل «سلمى» بالأسئلة، فهي رغمَ صِغَرِ سنِّها تبدو ذكية.

قال «تختخ»: اسمعي يا «سلمى» … قولي لوالدتك إننا سنعود في المساء لمقابلتها.

سلمى: هل هناك شيء؟

تختخ: خير بإذن الله.

وابتسم «تختخ» و«نوسة» ﻟ «شلبي» الذي كان منهمكًا في الجري وراء الكرة هنا وهناك.

عندما سار «تختخ» و«نوسة» مبتعدَين عن المنزل المتهالك قالت «نوسة»: ما رأيك؟

تختخ: إنها ليست مسألةَ رأي … الأمور واضحة.

نوسة: كيف؟

تختخ: إن غياب «سلامة» له عَلاقة وثيقة بصاحب هذه النوتة.

نوسة: أتعني أنه مخطوف؟

تختخ: لا … فلا أحدَ يتم اختطافه بإرادته.

نوسة: إذن … ماذا حدث؟

تختخ: ما حدث يمكن أن يكون كارثة … فقد يكون «سلامة» ضمن الذين غرقوا في البحر كما نقرأ في الجرائد.

نوسة: والاحتمال الآخر؟

تختخ: أن يكون محبوسًا في مكان ما … ولا يستطيع العودة.

ساد الصمت بين «تختخ» و«نوسة» حتى وصلا الفيلَّا التي ينزل بها الأصدقاء.

استقبلهم بقية المغامرين و«زنجر» بالصياح: أين كنتما؟

نوسة: كنا نبحث عن «سلامة».

لوزة: من هو «سلامة»؟

تختخ: ستشرح لكم «نوسة» الموقف.

أخذت «نوسة» تشرح للمغامرين قيامها بزيارة «أم شلبي» مع «تختخ» وحصولهما على معلومات مهمة؛ هي وجود اسم أبو «سلمى» و«شلبي» ضمن الأسماء الموجودة في النوتة السوداء.

لوزة: وماذا يعني هذا؟

نوسة: يعني يا «لوزة» أنَّ هناك من يعرف مصير «سلامة» … إنه صاحب النوتة!

لوزة: وكيف نصل إليه؟

تنهَّدت «نوسة» وهي تقول: أسئلة كثيرة منك يا «لوزة»، ما زال أمامنا وقت طويل وجهد كبير للوصول إلى صاحب هذه النوتة وعَلاقته بهذه الأسماء الموجودة فيها، ثم مصير «سلامة» ذاته.

في هذه اللحظة وصل «سامي» ابن خال «محب» و«نوسة» وسألهم كيف قضَوْا يومَهم.

قال «تختخ»: يبدو أننا لن نقضيَ إجازةً هادئة.

سامي: هل هناك أي مشكلة؟

تختخ: هناك ألف مشكلة!

سأل «سامي» بلهفة … ياه … ألف مشكلة؟

تختخ: هل تعرف شخصًا يركب موتوسيكلًا من طراز «هارلي» في «أبو قير»؟

تغيَّر وجه «سامي» لهذا السؤال فتمهَّل قليلًا في الإجابة ثم قال: يمكن أن نقول إنني أعرفه ولا أعرفه.

لوزة: هذا لغز!

سامي: أعرفه … بل يعرفه سكان «أبو قير» كلهم تقريبًا، ولكننا لا نعرف من هو ومن أين يأتي؟ وإلى أين يذهب؟

تشوَّق المغامرون بعد هذه الكلمات لمعرفة حكاية راكب الموتوسيكل.

صمت «سامي» لحظات ثم قال: هل رأيتم هذا الشخص؟

تختخ: نحن رأيناه … ولكن لم نرَ وجهَه … فقد كان يلبس خوذةً سوداء مما يستخدمها راكبو الموتوسيكلات.

سامي: هذه هي المشكلة، فلم يرَ أيُّ شخصٍ وجهَ هذا المجهول الذي يُشبه الشبح، فهو يلبس «تريننج سوت» أسود … ويضع خوذةً سوداء على رأسه ولا يخلعها أبدًا … ويظهر في أوقات غريبة … أحيانًا في الصباح الباكر وأحيانًا في الليل، وفي جميع الأحوال يظهر فجأةً ويختفي فجأة … ولكن لماذا التساؤل؟

روى «تختخ» ﻟ «سامي» ما حدث في الصباح، ومدَّ يده بالنوتة إلى «سامي» الذي أخذ يتفحَّصها لحظات ثم قال: هذه حكاية خطيرة.

تختخ: كيف؟

سامي: بعض هذه الأسماء لأشخاص اختفَوْا منذ أشهر أو أسابيع …

تختخ: وهل أبلغتم الشرطة بما حدث؟

سامي: طبعًا … وهم يحاولون الوصول إلى مَن خلف اختفاء هؤلاء الأشخاص.

تختخ: وكيف يختفون؟

سامي: يقال إنَّ هناك شركةً لتسفير العمال إلى البلاد المجاورة مثل «ليبيا» و«السعودية»، وبعضهم يذهب شمالًا إلى «أوروبا»!

تختخ: ولماذا لم تقبض الشرطة على أصحاب هذه الشركة؟

سامي: ما أعلمه أنهم حقَّقوا معهم ولم يجدوا ما يُثبت شيئًا ضدهم.

تختخ: هذه قصة عجيبة.

سامي: ثم إنَّ هذه الشركة تنقُل مقرَّها بين حين وآخر، بحيث لا تستطيع الشرطة متابعتهم.

ساد الصمت ثم قال «سامي» بعد قليل: ولكن هذه اللفَّة السوداء وهذا المال الكثير والمفاتيح ربما تكون أدلةً قويةً تساعد رجال الشرطة في عملهم.

سامي: سأتصل بالرائد «زياد» ونذهب لمقابلته.

قام «سامي» بالاتصال بقسم شرطة «أبو قير» وبعد محاولات استمرَّت طويلًا علِمَ أنَّ الرائد «زياد» في مهمة سيعود منها غدًا.

سامي: دعونا نبحث أمور الغداء.

محب: نريد أن نأكل سمكًا.

سامي: لا بُدَّ أن نذهب إلى سوق السمك أو «البحر الميت» لشراء السمك.

لوزة: هل هناك بحر مات؟!

سامي: اسمه هكذا.

لوزة: لماذا … من الذي أماته؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤