لماذا مات؟

قرَّر المغامرون الخمسة و«سامي» أن يذهبوا إلى السوق ثم «البحر الميت» مشيًا على الأقدام … كان المغامرون يريدون مشاهدة معالم المدينة التي تتغير كلَّ يوم.

لم تكن المسافة بعيدة … خرجوا من «التقسيم الجديد» الذي يعيشون فيه إلى المدينة القديمة مرورًا بالطريق الرئيسي … كانوا سعداء؛ فالجو نصف شتوي ونصف صيفي … والناس تجري هنا وهناك، وأكثرهم من الصيَّادين … والسيارات تقطع الطرق مسرعةً … وهم في سعادتهم بالفسحة لم يلاحظوا أنَّ هناك عيونًا ترقبهم منذ خرجوا من الفيلَّا … وتسير خلفهم وهم يتحدَّثون ويضحكون … وفجأة قالت «لوزة»: لماذا يا «سامي» أطلقوا اسم «البحر الميت» على هذا الجزء من البحر؟

سامي: الحقيقة لا أعرف بالضبط … ولكن أكثر الناس يقولون إنهم سموا الجزء الأيمن من البحر باسم «البحر الميت» لأنه بحر بلا أمواج.

نوسة: تسمية معقولة … كما أنَّ هناك بحرًا يُسمَّى «البحر الميت» أيضًا ولكن في «الأردن»، وهو شديد الملوحة وليس به أي نوع من الأحياء.

لوزة: بقيَ سؤال آخر.

عاطف: يكفي أسئلة يا «لوزة».

لوزة: وكيف نتعلَّم إذا لم نسأل؟

سامي: اسألي يا ستِّي!

لوزة: لماذا سموا هذه المنطقة «أبو قير»؟

فكَّر «سامي» لحظات ثم قال: هذا السؤال يحتاج إلى إجابة طويلة … من الأفضل أن نُبقيَها حتى نعود للفيلَّا.

صاح «محب»: خلاص … نحن لسنا في مدرسة يا «لوزة»!

كادت «لوزة» تبكي لما قاله «محب» … ولكن «تختخ» قال وهو يربت على كتفها: ولا يِهِمِّكْ يا «لوزة»، إنَّ ما يقوله «محب» هو مجرد هزار.

اقتربوا من سوق السمك … وكان واضحًا أنهم تأخَّروا فلم يبقَ إلا كميات قليلة من السمك في المحلات أو العربات الصغيرة المتناثرة في السوق.

سامي: للأسف … لقد تأخَّرنا … وربما يكون هذا السمك ليس طازجًا.

تختخ: ولكني سأموت من الجوع!

سامي: سأقترح عليكم أن نتناول الطعام على شاطئ «البحر الميت».

تختخ: هذا اقتراح عظيم.

اجتازوا السوق … وانحدروا إلى شاطئ «البحر الميت» الذي كان فعلًا بحرًا بلا أمواج … وقد تناثرت على شاطئه سفن الصيد ومحلات بيع السمك بالجملة، ويسمونها «الحلقة» … وبعض المطاعم التي تقدِّم السمك مَطهوًّا بمختلف أشكال الطهي أو الطبخ.

واختار «سامي» مطعمًا يعرف صاحبه، وقد وُضعت الموائد على رمال الشاطئ وانتشرت رائحة السمك الشهية.

قال «سامي»: اسمحوا لي أن أختارَ لكم الطعام.

تختخ: طبعًا … طبعًا … ولكن بسرعة!

نوسة: وأن يكون في حدود الميزانية.

سامي: لا تشغلوا بالكم بالفُلوس … فقد ترك لي أبي قبل سفره مبلغًا طيبًا لأنفقه على ضيافتكم.

ظهر صاحب المطعم وهو شابٌّ جميلُ الطلعة مبتسم في طيبة … أَنِسَ إليه الأصدقاء … ورحَّب «رجب» صاحب المطعم بالضيوف ثم سأل عن طلباتهم.

سامي: نريد سمكًا طازجًا … ولا يهم النوع.

الشاب: «الطوبارة» طازجة من البحر الآن.

سامي: عظيم … أرز بالجمبري وسلطة طحينة وطُرْشِي.

الشاب: تمام.

كان «زنجر» يجري من هنا وهناك سعيدًا بهذا الجوِّ وهو يتشمَّم رائحةَ السمك في نشوة … ثم جرى مسافة بعيدة حتى غاب عن بصر الأصدقاء … وعاد وهو يعوي بطريقة عجيبة …

تختخ: ما لك يا «زنجر»؟

أخذ «زنجر» يرتجف و«تختخ» يربت عليه … وقالت «نوسة»: أظن أنَّ أنفه الحسَّاس شمَّ شيئًا مثيرًا.

وصمت الجميع، وأخذوا ينظرون إلى قُرص الشمس التي بدأت رحلة المغيب … وألقت بأضوائها الحمراء على «البحر الميت» فبدا كأنه بحر من الدماء.

جاءت أطباق الطعام، وانهمك الجميع في تناول السمك اللذيذ، وقد انشغلوا عن مشكلة «زنجر» …

استغرق تناول الطعام بعض الوقت، وغابت الشمس وبدأ الجو يبرد … ولكن الطعام اللذيذ أنساهم الرياح الباردة التي بدأت تهب.

بعد الطعام أحسَّ الجميع بالبرد … فالدماء كلها ذهبت إلى المعدة ويشعر الواحد بالبرد في هذه اللحظات، وفعلًا قالت «لوزة»: أنا بردانة.

سامي: وأنا أيضًا.

وردَّد الجميع نفس الجملة ما عدا «تختخ»، فقال «عاطف» ضاحكًا: إنَّ «تختخ» ضد البرد.

احمرَّ وجه «تختخ» وهو يقول: أحيانًا هناك فوائد للسمنة!

نوسة: أنت لست سمينًا يا «تختخ» … أنت ضخم فقط.

فجأة أخذ «زنجر» ينبح في اهتياج … وكان الطعام قد أنسى المغامرين مشكلة «زنجر»، فقالت «نوسة»: إنه جائع طبعًا.

تختخ: معكِ حق … لقد نسينا إطعامه، والكلاب لا ترحِّب بالسمك … بعكس القطط.

محب: هيَّا بنا!

دفع «سامي» الحساب وشكروا صاحب المطعم ثم انطلقوا عائدين، وفي السوق وعند الجزَّارين قامت «نوسة» بشراء اللحم المفروم من أجل «زنجر» …

لم يكن «زنجر» جائعًا فقط … كان يشعر بما لم يشعر به المغامرون، إنهم متبوعون بعيون شريرة تراقبهم.

ساروا جميعًا وقد بدأ البرد يشتد … فأخذوا يجرون حتى تندفع الدماء في عروقهم ويستمتعون بالدفء … وفي أثناء الجري قالت «لوزة»: بأنفاس متسارعة: أين وضعنا اللفَّة السوداء؟!

تختخ: أنا الذي أخفيتها.

لوزة: ليست معك؟

تختخ: لا … إنها في الفيلَّا.

لوزة: لماذا لم تحضرها معك؟!

تختخ: خشِيتُ أن تسقط منِّي في الطريق … أو تُسرق وبها مبلغ كبير من المال.

نوسة: ليس المهم المال يا «تختخ» … المهم المعلومات.

أحسَّ «تختخ» بنوع من التوتر … وأسرع في الجري أكثر حتى وصل إلى الفيلَّا قبل الجميع، ولكنه اضطُرَّ إلى الانتظار حتى يصل «سامي» الذي يحمل مفتاح البيت.

تختخ: «سامي» … «سامي»!

سامي: نعم!

تختخ: افتح بسرعة!

سامي (مبتسمًا): لماذا أنت مُتعجِّل … هل تريد أن تأكل مرةً أخرى؟

تختخ: آكل إيه يا «سامي» … اللفَّة!

سمع جميع الأصدقاء الحوار؛ فقالت «لوزة»: قلبي يحدثني أنَّ اللفَّة قد طارت.

عاطف: هل لها أجنحة؟

وقد صدَقَ حِسُّ «لوزة»، فعندما دخل «تختخ» مُسرِعًا إلى المطبخ حيث وضعها على المائدة هناك، لم يجد اللفَّة مكانها … كان قد أضاء النور بعد أن هبط الظلام … ولكن المائدة كانت خالية.

قال «محب»: ليست موجودة!

تختخ: ليست موجودة!

عاطف: هل أنت متأكد؟

تختخ: نعم … لقد وضعتها هنا!

كان «سامي» صامتًا يُحدِّق في نافذة المطبخ المفتوحة ثم سأل: هل فتح أحدكم نافذة المطبخ؟

كان ردُّ الجميع: لا.

سامي: إذن فهناك من فتح النافذة ودخل.

تختخ: وسرق اللفَّة السوداء!

صمت الجميع وقالت «نوسة»: دعونا نبحث عن اللفَّة في الفيلَّا كلها؛ فقد يكون «تختخ» قد نسيَ أين وضعها.

سامي: أرجو ألَّا يكون اللصوص سرقوا شيئًا آخر … فهناك أشياء ثمينة ومُهمَّة في الفيلَّا.

انتشر المغامرون الخمسة في أرجاء الفيلَّا يبحثون، بينما بقيَ «زنجر» قابعًا يزمجر في حزن … ولا أحدَ يدري لماذا يُزمجر عندما قالت «لوزة»: إنَّ «زنجر» جائع.

نوسة: ياه … لقد نسيت!

وأسرعت «نوسة» إلى المطبخ، وقامت بإعداد وجبة شهية من اللحم المفروم ﻟ «زنجر» ووضعتها أمامه … ولكن لذهول الجميع لم يتقدَّم «زنجر» لتناول طعامه.

تختخ: شيء غريب!

محب: لعلَّ نوع اللحم لم يعجبه.

عاطف: ربما يُفضِّل الكباب والكفتة.

نوسة: ليس هذا وقت الهزار يا «عاطف».

تختخ: ما هي الحكاية بالضبط؟

لوزة: لعلكم لاحظتم أنَّ «زنجر» ظلَّ طول الطريق يزمجر ويعوي.

فجأة اندفع «زنجر» وقفز فوق مائدة الطعام، ومنها قفز إلى النافذة المفتوحة ثم ألقى بنفسه خارج الفيلَّا …

صاح الجميع: «زنجر» … «زنجر»!

كان «محب» أسرع الجميع، ففتح باب الفيلَّا ثم ذهب في اتجاه النافذة المفتوحة … عبر الحديقة وأخذ ينادي: «زنجر» … «زنجر»!

ولكن «زنجر» كان قد اختفى في الظلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤