بِسَارْيَة

عندما اجتمع المغامرون الخمسة ومعهم «سامي» … كان واضحًا أنَّ «تختخ» يحمل أخبارًا مهمة … وأنَّ ما هم مُقبِلون عليه قد يكون أكبر من إمكانياتهم.

قال «تختخ»: إننا أمام عصابة قوية منظمة … وراكب الموتوسيكل ليس أهمَّ من فيها … إنهم يعيشون في معسكر مُغلَق كأنه قلعة حربية محاط بالأسلاك الشائكة، ويحرسه كلاب شرسة من نوع «دوبرمان» و«روديفلر» مُدرَّبة ومتوحشة ولا يمكن التعامل معها.

بدا الاضطراب على «لوزة» وقالت: ما علينا إلا إبلاغ الشرطة ونترك الحكاية.

محب: أنتِ تتركين لغزًا بلا حلٍّ يا «لوزة»؟!

نوسة: أظن أنَّ «لوزة» تريد فقط لفْتَ أنظارنا إلى أننا قد نصبح في خطر شديد إذا حاولنا التدخُّل.

تختخ: تعالَوْا نعيد ترتيب أفكارنا … لقد جئنا في إجازة نريد أن نقضيَها في هدوء، ولكن المصادفات وضعتنا أمام مهمة إنسانية هي البحث عن الرجل الغائب، والد صديقنا الصغير «شلبي».

وتنهَّد «تختخ» وقال: وشاءت الصدفة أيضًا أن تعثر «نوسة» على اللفَّة السوداء ونجد اسم الرجل الغائب فيها مع أسماء آخرين.

عاطف: يعني لولا «نوسة» لكُنَّا الآن نستمتع بالإجازة.

نوسة: ما زلنا قادرين على الاستمتاع بالإجازة إذا نسينا المسألة كلَّها وتركناها في أيدي رجال الشرطة.

محب: ولكن هل ستتركنا العصابة بعد أن كشفنا أسرارها وعرَفنا مقرَّها؟

تدخل «سامي» في الحوار لأول مرة وقال: أريد أن أقول لكم إنَّ هذا المعسكر معروف لرجال الشرطة ولسكان «أبو قير» كلها.

لوزة: ليس معسكرًا سريًّا!

سامي: إنها مزرعة للسمك يملكها المدعو «القصاص» وآخرون لتربية الأسماك الفاخرة مثل «الحنشان» أي ثعابين الماء و«القاروص» … وذلك لتصديرها إلى «أوروبا»، وتأتي سفن ثلاجات لأخذ حصيلة الصيد كل فترة.

عاطف: سمك مثلج؟

سامي: أحيانًا سمك حي يوضع في فناطيس ضخمة مُحمَّلة فوق السفن تؤخذ إلى «أوروبا» … أو إذا كانت الأسماك قد ماتت يتم تنظيفها ووضعها في الثلاجة ثم تُرْسَل إلى «أوروبا».

محب: «هولندا» فقط.

سامي: لا أعرف … ربما إلى دول أخرى، ولكنها مشهورة باسم المزرعة الهولندية.

تختخ: ومن الذي يعمل في هذه المزارع؟

سامي: صيَّادون من مختلف مناطق البلاد … منهم من يأتي من «بلطيم» أو «المطرية دقهلية» أو من «بحيرة قارون»، ولكن أكثرهم من صيَّادي «أبو قير».

تختخ: صيَّادون فقط؟

سامي: صيَّادون وبحَّارة وأولاد يعملون في تنظيف السمك.

ساد الصمت بعد هذه الجملة، ونظر الجميع إلى «تختخ» وعرفوا ما يفكِّر فيه.

محب: هل أستطيع العمل مع هؤلاء الأولاد؟

سامي: صعب … إنهم يحتاجون إلى أولاد أقوياء يُجيدون استعمال السكاكين والسواطير.

مرة أخرى نظر المغامرون إلى «تختخ» الذي قال: إنني أجيد هذه الأعمال.

سامي: كيف؟

تختخ: عندما كنت أذهب مع والدي لشراء السمك كنت أتفرَّج على الأولاد الذين يُنظِّفون السمك … وأحيانًا كنت أطلب من أبي أن نأخذ السمك بلا تنظيف وأقوم أنا بتنظيفه في البيت … وكانت والدتي تُشجِّعني كثيرًا.

سامي: ماذا تقصد؟

تختخ: أقصد أنني سأسعى للالتحاق بهذه المزرعة؛ فأنا أريد أن أعرف ماذا يدور فيها، ولماذا هذه الأسوار والكلاب المتوحِّشة.

سامي: ولكن شكلك وملابسك لا تتناسب وهذا العمل … وقد يتشكَّكون فيك.

تختخ: دعك من هذا، فأنا أجيد التنكُّر، وما أحتاجه هو بعض الملابس القديمة.

سامي: هذه يمكن تدبيرُها من السوق … ولكني أخاف عليك.

لوزة: إنني أعترض!

نوسة: وأنا أعترض!

محب: وأنا أيضًا!

عاطف: وأنا معكم!

ساد الصمت بعد هذا الحوار الساخن وقال «تختخ»: أشكركم ولكن دعوني أجرِّب … والمعسكر ليس بعيدًا من هنا … ومعي «الموبايل» سوف أُخفيه في طيات ملابسي … وإذا تعرضت لأي مشاكل فسوف أتصل بكم.

سامي: إن عندي موبايل أيضًا سوف أُبقيه مفتوحًا طَوال الوقت.

تختخ: إذن متى نبدأ؟

سامي: غدًا صباحًا ننزل السوق لشراء الملابس.

تختخ: وكيف أتقدَّم للعمل؟

سامي: في كل صباح يتجمَّع عدد من الأولاد أمام المزرعة للعمل، ويقوم أحد العاملين بالمزرعة باختيار الأولاد الأقوياء للعمل.

لوزة: إنني خائفة يا «تختخ»؛ فقد تتعرَّض للخطر.

تختخ: لقد تعرَّضْنا كثيرًا للخطر … ولكننا ما زلنا نقوم بالمغامرات.

•••

في الصباح قام «تختخ» و«سامي» بالذَّهاب إلى السوق واستطاعا شراء بنطلون قديم وقميص مُمزَّق وحذاء بالٍ بمبلغ زهيد ثم عادا إلى الفيلَّا … ودخل «تختخ» الحمَّام وغاب نحو نصف ساعة ثم خرج إلى المغامرين الذين ما إن شاهدوه حتى صاحوا جميعًا في صوت واحد: مدهش!

كان «تختخ» قد استعان بسناج (هباب) حِلَل الطبيخ ولَوَّن وجهه، ثم قام بنعكشة شعره، ولوَّن يديه، وحينما ارتدى الملابس البالية بدا فعلًا مثل صبيٍّ متشرِّد لا يجد ما يفعله.

بعد الإفطار خرج الجميع لتوديع «تختخ» الذي أشار إليهم بالعودة، ثم اتجه إلى المزرعة، وقد أخذ بعض التراب فأهاله على ثيابه حتى بدا في حالة يُرثَى لها.

عندما وصل إلى باب المزرعة وجد نحو عشرة أولاد في مثل سِنِّه يقفون أمام الباب.

كان وجه «تختخ» غيرَ مألوفٍ بالنسبة لبقية الأولاد الذين كانوا يعرف بعضُهم بعضًا، وأحسَّ «تختخ» أنَّ موقفه دقيق، وسرعان ما تقدَّم من أحد الأولاد وقال: أنت «إبراهيم»؟

قال الولد: أنا لست «إبراهيم».

قال: ألا تعرف الولد «شلبي» الذي يسكن في «التقسيم الجديد»؟

الولد: هل تعرفه أنت؟

تختخ: نعم … وأعرف أخته «سلمى».

ابتسم الولد وقال: إنَّ «سلمى» صديقة أختي.

تختخ: إنها صديقتي وكذلك أمها.

الولد: مساكين … فقد خرج أبوهم منذ زمن ولم يَعُدْ.

تختخ: نعم … منذ ثلاثة شهور تقريبًا.

الولد: هذا صحيح … ولكن أين كنت؟ أنا لم أرَك من قبل.

تختخ: كنت أشتغل في «باب شرق».

الولد: وما هو اسمك؟

تختخ: اسمي «توفيق» … وأنت؟

الولد: اسمي «سيد» وشهرتي «بسارية».

تختخ: أنا أحبُّ البسارية المقليَّة!

الولد: تستطيع إذن أن تأكلني!

ضحك «تختخ» وقال: دمك خفيف!

الولد: وأنت أيضًا.

ظهر رجل وقام بفتح البوَّابة وقال: سبعة فقط.

همس «بسارية» في أذن «تختخ»: أمسك بيدي.

تختخ: لماذا؟

بسارية: لأنه يعرفني … فأنا أدفَعُ له نصف أجري.

تختخ: ياه!

بسارية: اسمع كلامي.

أخذ الرجل يشير إلى الأولاد ويقول: أنت … أنت …

وأشار إلى «بسارية» فقال «بسارية»: هذا معي.

لاحظ «تختخ» أنَّ «بسارية» يغمز بعينيه للرجل الذي قال على الفور مشيرًا إلى «تختخ»: وأنت!

وهكذا اجتاز «تختخ» البوَّابة إلى داخل المعسكر … وهو يمسك بيد «بسارية» الذي قاده إلى عنبر ضخم، عُلِّقت على جدرانه السكاكين والسواطير!

قال «بسارية» في أذن «تختخ»: خذ سكينًا وساطورًا واتبعني.

كانت رائحة العنبر لا تُطاق … ولكن «تختخ» سار مع «بسارية» وجلس معه أمام طاولة ضخمة رُصَّتْ عليها الأسماك … وبدأ العمل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤