الطابية الغامضة

استيقظ «تختخ» من النوم على رنين جرس الباب … واضطُرَّ للقيام من الفراش والإسراع إلى فتح الباب لأنه وحده في البيت، وقد خرج جميع الأصدقاء.

فتح «تختخ» الباب … ولدهشته وجد «بسارية» زميل الشغل، وقد بدا عليه الخجل والارتباك فرحَّب به «تختخ» قائلًا: تفضَّلْ!

بسارية: أرجو ألَّا أكون قد أزعجتُك!

تختخ: أبدًا … تفضَّلْ هنا حتى أُعِدَّ الشاي.

دخل «تختخ» إلى المطبخ، ووضع الماء على البوتاجاز ثم عاد إلى «بسارية» الذي بادره قائلًا: لقد قلت لي إنك تسكن قرب الكنيسة … وسألت عم «عمران» البقَّال المجاور فدلَّني على مكانك.

تختخ: خيرًا … هل هناك أشياء مهمة؟

بسارية: في الحقيقة جئتُ أسألك إذا كنت ستذهب إلى الشغل غدًا.

تختخ: طبعًا!

بسارية: أحسُّ أنَّك تريد أن تعرفَ أكثر عن عصابة «القصاص».

تختخ: أنت ولد ذكي … ماذا عندك؟

بسارية: هل تعرف أنَّ «القصاص» يأخذ بعض الناس ليسافروا إلى الخارج؟

تختخ: سمعت ذلك.

بسارية: وأنَّ بعضَهم لا يعود!

تختخ: سمعت هذا أيضًا.

بسارية: وهل جئتَ تبحث عنهم؟

تختخ: هذه مهمة رجال الشرطة.

بسارية: ولكني أظنُّ أنك مهتم بهذا الموضوع.

تختخ: ربما.

بسارية: أريد أن أُريك شيئًا … تعالَ معي!

تختخ: بعد أن نشربَ الشاي.

دخل «تختخ» إلى المطبخ وأعدَّ الشاي، ومعه بعض البسكويت وعاد إلى «بسارية» …

جلسا يتناولان الشاي، وانقضَّ «بسارية» على البسكويت وأخذ يأكل ويقول — وفمه مملوء بالبسكويت: لقد كنت جائعًا …

تختخ: ألم تتغدَّ بعد؟

بسارية: عندما تركتك وعدت إلى البيت لم أجد أمي هناك.

تختخ: لا أحد في البيت؟

بسارية: نعم … لم يعد أحد من إخوتي إلى البيت … وأمي لم تكن موجودة.

تختخ: سأُعِدُّ لك لقمةً ساخنةً فورًا.

بسارية: أرجوك، يكفي البسكويت والشاي، وعندما أعود ستكون أمي قد أعدَّت الطعام.

انتهيا من شرب الشاي وخرجا … قال «تختخ»: إلى أين؟!

بسارية: هل تسمع عن آثار «أبو قير» الغارقة؟

تختخ: نعم … بعضُها تاريخيٌّ قديم، من أيام إنشاء مدينة «الإسكندرية» وبعضُها من أسطول «نابليون» الذي غرق في ميناء «أبو قير» من نحو مائتي سنة.

بسارية: إنهم يهرِّبون هذه الآثار.

تختخ: من؟

بسارية: عصابة «القصاص».

أحسَّ «تختخ» أنَّ حديث «بسارية» قد أكَّد شكوكه في العصابة … فليس «القصاص» هو الذي يقود كل هذا العمل الضخم.

قال «تختخ»: ولكن كيف عرفت بموضوع الآثار هذا؟

بسارية: لنا قريب يعمل غطَّاسًا، وقد أخذه «القصاص» للعمل في «اليونان» ولكنَّه لم يعد … قد علمت من أحد أولاده أنَّ قريبي يزورهم ليلًا ثم يعود للاختفاء … وقد حذَّرهم من أن يتحدَّثوا إلى أي مخلوق.

كانا يسيران في الظلام، ولكن «بسارية» كان يحفظ الطريق تمامًا … وبعد سيْرٍ طويلٍ وصلا إلى مجموعة من الآثار الحجرية الضخمة هي «الطابية» … التي كانت موجودة قديمًا …

قال بسارية: تحت هذه الطابية سراديب سرية لا يعرفها إلا القليل.

تختخ: وكيف عرفت أنت؟

بسارية: حكى لي جَدِّي أنه تاه مرةً في دهاليز الطابية تحت الماء وكاد يموت.

تختخ: وهل تستخدم عصابة «القصاص» هذه الطابية؟

بسارية: كثيرًا ما نشاهد قوارب تقترب منها ليلًا … ثم تختفي بعد ذلك؛ مما يعني أنها دخلت في كهوف هذه القلعة.

تختخ: هذه معلومات مهمة جدًّا.

ساد الصمت بين الصديقين … وقال «تختخ»: هيَّا نعود حتى لا يقلق أصدقائي!

سارا صامتَيْن وقد اشتدَّ البرد والظلام، فلمَّا وصلا إلى الفيلَّا قال «بسارية»: أتركك بخير.

تختخ: تعالَ تعَشَّ معنا.

بسارية: لا … لا بُدَّ أن أعود حتى لا تقلق أمي …

تختخ: إذن أراك غدًا.

بسارية: هل ستأتي؟!

تختخ: نعم!

وسار «بسارية» مبتعدًا، ووقف «تختخ» قليلًا يُفكِّر ثم فتح الباب ودخل فقابله المغامرون و«زنجر» بعاصفة من الصياح: أين أنت؟

– هل تختفي كل يوم؟

– نحن قلقون عليك.

ابتسم «تختخ»، و«زنجر» يقفز على قدميه فرحًا ومبتهجًا …

تختخ: ذهبت في مشوار صغير عند «الطابية».

سامي: لقد تحطَّمت «الطابية» منذ زمن بعيد.

تختخ: فعلًا … لم يبقَ إلَّا الأطلال.

سامي: وهناك حكايات وحكايات عن السراديب الموجودة تحتها، ولا أحدَ يستطيع الدخول إليها.

فجأة قالت «لوزة»: الآن يا «سامي» يمكن أن تقول لنا ما هو تاريخ «أبو قير» … ولماذا سُميِّت كذلك؟

نوسة: أنت لا تنسين شيئًا.

لوزة: فرصة لنعرف أين نحن.

التفت الجميع إلى «سامي» الذي قال: لقد قرأت في بعض المراجع بعد أن سألتني «لوزة» … وخلاصة التاريخ أنَّ «أبو قير» ضاحية من ضواحي «الإسكندرية»، وقد بدأ تاريخها عندما دُفِنَ بها الإلهُ الفِرْعوني «سيرابيس» في القرن الثالث قبل ميلاد المسيح عليه السلام … ولهذا سُمِّيَتْ «كانوبيس»، وظلَّت تحمل هذا الاسم حتى دخلت المسيحية «مصر»، فسكن فيها قديس يدعى «كير» أو sante cyr أي «القديس كير»، وكان طبيبًا، وفي عصر اضطهاد المسيحية قام الإمبراطور الروماني «دقلديانوس» بإبادة عدد كبير من المسيحيين، كان بينهم «سانت كير» الذي حُرِّفَ اسمُه بعد ذلك إلى «أبو قير».

كان المغامرون يستمعون إلى «سامي» بإعجاب حين مضَى يقول: وقد اشتَهَرت «أبو قير» بأنها ميناء عظيم، شيَّد فيها أحد الحكام «الطابية» التي كانت قلعةً مزوَّدة بالأسلحة للدفاع عن «الإسكندرية» … وقد ازدادت شهرة «أبو قير» في العالم كلِّه بعد أن اختارها القائد الفَرنسي الشهير «نابليون» لتكون مقرًّا لأسطوله الذي حضر به من «فرنسا» وهو الأسطول الذي أغرقه الأدميرال البريطاني «نيلسون»، وهي الموقعة التي دارت سنة ١٧٩٨م، وعرفت في التاريخ باسم معركة «أبو قير البحْرية» … وقد دخلت السكة الحديد «أبو قير» عام ١٨٧٦م.

توقَّف «سامي» عن الحديث فصفَّق له المغامرون وقالت «نوسة»: برافو «سامي».

وكانت «لوزة» مبهورة بما تسمع، ولكنها عادت تسأل: ولكن لماذا انهزم أسطول «نابليون»؟

ارتفع صوت الجميع قائلين: خلاص يا «لوزة» … إننا لسنا في حصة تاريخ.

صمتت «لوزة» وهي تمدُّ بوزها دليلًا على عدم الرضا … وبعد فترة صمت قصيرة قال «تختخ» موجِّهًا حديثَه ﻟ «سامي»: هل ستسمح لي يا «سامي» باستخدام «الموبايل» الخاص بك؟

سامي: طبعًا … وما المانع؟

تختخ: هل يمكن أن تُعلِّمَني كيف أستخدم الكاميرا؟

سامي: المسألة بسيطة … إنها مثل أي كاميرا أخرى … ما عليك إلَّا أن تنظر من «الفيور»؛ أي فتحة النظر، لتحدِّد اللقطة ثم تضغط على زِرِّ التصوير.

تختخ: أظن أنَّ الكاميرا تُصدر ضوءًا.

سامي: لا … إنها تصوِّر على الضوء العادي.

تختخ: وما المسافة التي تصوِّر عليها؟

سامي: بوضوح بين خمسة إلى سبعة أمتار … وأقل وضوحًا بعد ذلك حسب المسافة.

تختخ: شكرًا.

سامي: ولكن ماذا ستصوِّر إن شاء الله؟

ابتسم «تختخ» ابتسامة غامضة وقال: إنها مهمة سرية …

نظر الجميع إلى «تختخ» في دهشة … وهنا سألت «نوسة»: هل ستذهب غدًا لتنظيف السمك؟

تختخ: نعم … وسأقوم بعمل آخر.

لوزة: لماذا لا نشترك معك؟

تختخ: في تنظيف السمك؟

لوزة: في المهمة الأخرى.

تختخ: إنها مهمة خطرة …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤