المحادثة

أضاء تليفون غرفة «أحمد» على رقم ١ … ومعنى هذا أن نائب رقم «صفر» ويسمونه «صفر-١» هو المتحدث … وهو رجل غامض مثل رقم «صفر» تمامًا … نادرًا ما يتحدث إلى أحد … ومهمته القيام بعمل رقم «صفر» في أثناء غيابه.

وسمع «أحمد» صوت الرجل وهو يتحدث إليه مُتلهِّفًا ومتوترًا، على غير عادة زعماء منظمة الشياطين اﻟ «١٣» …

قال رقم «صفر-١»: إن ما سأحدثك عنه الآن شيء خطير، لم يحدث من قبل في المنظمة … فمنذ أسبوع بالضبط وصلتني ورقة رسمية من رقم «صفر» كتب عليها بضعة سطور … إنه سيتغيَّب لمدة أسبوع في إجازة … وإذا لم يعد بعد الأسبوع فإنني أقوم بعمله في زعامة المنظمة.

لم يُعلِّق «أحمد» على الحديث … ولم يجد فيما يسمعه أي خطورة، ولكن رقم «صفر-١» عاد يقول: لم يتصل بي رقم «صفر» مطلقًا طَوال أيام الأسبوع … وليست هذه هي عادته … فهو دائمًا يتصل من أي مكان في العالم يكون فيه، لمعرفة سير الأمور في المنظمة.

وصمت رقم «صفر-١» قليلًا ثم عاد يقول: وقد انتهى الأسبوع أمس، دون أن يعود رقم «صفر» أو يتصل بي … وقد أرسلت برقيات شفرية إلى كل عملائنا في العالم أسأل عنه … ولكنهم جميعًا ردُّوا بأنه ليست هناك أية معلومات عن مكانه … كما أنه لم يتصل بأي واحد منهم.

أحمد: وماذا يعني ذلك؟

رقم «صفر-١»: ستعرف كل شيء حالًا … لقد قمت بعمل تحريات واسعة، وطلبت كل المكالمات المسجلة التي وصلت إلى رقم «صفر» قبل قيامه بالإجازة … وأمضيت طَوال يوم أمس، وهذا الصباح في قراءة كل شيء … وعرفت لماذا قام رقم «صفر» بالإجازة … ولماذا اختفى.

أحسَّ «أحمد» أنه مقبل على معلومات خطيرة، فقال: لماذا؟ …

رقم «صفر-١»: إنها مسألة تتعلق بالحياة الشخصية لرقم «صفر» … فقد ماتت أخته، بعد أن أنجبت ولدًا، رعاه رقم «صفر» حتى أصبح في السابعة من عمره … ثم تركه عند قريبة له في القاهرة … وعندما تولى العمل في منظمة الشياطين اﻟ «١٣» … كان يتصل به يوميًّا تقريبًا، ويزوره بين فترة وأخرى … إن هذا الولد الصغير يدعى «هشام» … وهو الحب الكبير في حياة رقم «صفر» رغم أنه ليس ابنه.

وصمت رقم «صفر-١» ثم قال: واختفاء رقم «صفر» له علاقة ﺑ «هشام» … فقد اختفى «هشام» منذ ثلاثة أيام، ولم يُعثَر له على أي أثر، وقد عرفتُ من مكالمة مسجلة … وأنت تعرف أن جميع مكالمات المقر السري تُسجل … عرفتُ من هذه المكالمة أن «هشام» … كان قد خرج بدراجته للرياضة، قرب نادي «الزمالك» ولم يعُد … وأن الشرطة قامت بالبحث عنه في كل مكان، فلم تعثر له على أثر … وقد وجدت دراجته بجوار سور النادي في نفس يوم اختفائه!

أحمد: وماذا تظن؟

رقم «صفر-١»: هناك مجالٌ كبير للشك في أن عصابةً ما … من العصابات التي صارعَتها «ش. ك. س» … قد خطفَت «هشام»، إما انتقامًا من رقم «صفر» … أو لابتزازِ أمواله … أو للحصول على معلوماتٍ منه عن منظمة «ش. ك. س».

أحمد: ولماذا لم يبلغنا رقم «صفر» بما حدث؟

الرجل: من الواضح أنه اعتبرها مسألة شخصية … لا تدخل ضمن مهمات الشياطين اﻟ «١٣».

أحمد: شيء يدعو للغرابة.

الرجل: لقد قرَّرت باعتباري نائبًا لرقم «صفر» … أن يتدخل الشياطين اﻟ «١٣» للبحث عن «هشام».

أحمد: وعن رقم «صفر» أيضًا!

الرجل: أعتقد أنه سيظهر بعد انتهاء إجازته … إن رقم «صفر» لا يخلط بين المسألة الشخصية ومسائل العمل.

أحمد: أرجو أن أذهب في هذه المهمة!

الرجل: طبعًا … إنك من مصر … ومن الأفضل أن ترأس المجموعة التي ستسافر … ولكن لا تأخذ معك أكثر من ثلاثة … فقد تأتي مهمات أخرى في أي وقت!

أحمد: هذا يكفي!

الرجل: ومتى ستسافر؟

أحمد: أرجو أن يصلَني من قسم المعلومات … كل ما يمكن توفُّره من معلومات وصور عن «هشام».

الرجل: لقد أعددتُ لك ملفًّا كاملًا بالموضوع كله.

أحمد: شكرًا … سنغادر المقر السري خلال ساعة، وسيكون معي «عثمان» و«زبيدة» و«إلهام»!

الرجل: أوافق … وبالتوفيق!

بعد ساعة بالضبط من هذا الحديث كانت سيارتان من طراز مرسيدس «٢٨٠ إس» … تغادران المقر السري في طريقهما إلى أقرب مطار …

وبعد ثلاث ساعات تقريبًا كان الشياطين الأربعة يهبطون في مطار القاهرة … في يومٍ شتويٍّ بارد من أيام شهر ديسمبر …

وكان بانتظارهم في المطار … سيارتان من نفس الطراز … وسرعان ما كان الأربعة يتجهون إلى المقر السري الصغير.

كانت المعلومات التي يضمها ملف «هشام» قليلة … فهي تتعلق بسِنِّه … ودراسته … وبعض صوره … ولم يكن هذا يكفي مطلقًا للبداية …

وقرَّر «أحمد» أن يقوم بزيارة لمكان الاختطاف … وترك الشياطين الثلاثة لفتح الحقائب … وترتيب الأشياء … واستقلَّ سيارة انطلق بها إلى نادي الزمالك … ولم تستغرق الرحلة إلا خمسَ دقائق.

كانت المعلومات تقول: إن آخر مكان شوهد فيه «هشام» هو الشارع الضيق المجاور لسور نادي الزمالك … وهو يمتد من امتداد شارع ٢٦ يوليو حتى الميدان المطل على شارع جامعة الدول العربية …

وقد اعتاد الصِّبية الصغار لعب الكرة في هذا المكان، فهم قريبون جدًّا من نادي الزمالك … حيث يشاهدون كل يوم نجوم الكرة، ويحاولون تقليدهم …

وقد كان «هشام» … في طريق عودته من المدرسة عبر هذا الشارع … وهو يركب دراجته … وفي بعض الأحيان كان يتوقَّف للتفرُّج على مباريات الصبية الصغار … وأحيانًا كان يشترك معهم في مباراة قصيرة … ثم يعود بعدها إلى منزله في ميدان «سفنكس» … القريب الذي يُطِلُّ على سينما «سفنكس» الصيفي.

ركن «أحمد» سيارته المرسيدس أمام باب نادي الزمالك، ثم أخذ يتمشَّى في اتجاه الشارع.

وقد تذكَّر أنه عاش فترة الدراسة الإعدادية في هذا المكان … حيث يوجد الفرن الآلي … وشارع وادي النيل، وشهاب … وكل الأماكن التي كانت ساحات فارغة … وأصبحت عمائر ضخمة …

كان سعيدًا وحزينًا في وقت واحد … سعيد بعودته إلى أيام الطفولة الجميلة … وذكريات الشوارع … وحزين لخَطْف «هشام» ابن شقيقة رقم «صفر» … والمهمة الشاقة التي تنتظره للبحث عن «هشام».

كان يمشي شارد الذهن قليلًا …

بينما كل شيء حوله يموج بالحركة … السيارات … والأتوبيسات … والدراجات … والناس … بالرغم من الشتاء … واحتمالات المطر.

وفجأة بدا له أنه شاهد وجهًا يعرفه …

نعم … أحد الأصدقاء القدماء من المدرسة الابتدائية، إنه لا يتذكر اسمه … ولكن يتذكر هذا الوجه تمامًا رغم مرور السنين …

لقد كان ولدًا ذكيًّا … كان هو الأول دائمًا في سنوات الدراسة كلها …

وأخذ «أحمد» يُجهِد ذاكرتَه حتى يتذكرَ اسمه، ولكن الشابَّ الوسيم أراحه من الجهد عندما صاح: «أحمد»!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤