وجه من الماضي

توقَّف «أحمد» في مكانه والتفت إلى صديقه القديم وتذكَّر على الفور اسمه «شريف» … واتجه الصديقان أحدهما ناحية الآخر … وامتدَّت الأيدي بسلام حار …

وقال «شريف»: إلى أين؟

أحمد: بلا اتجاه!

شريف: ما رأيك في كوب من الشاي؟

أحمد: سيسعدني جدًّا!

وسارا خطوات قليلة إلى أحد كازينوهات الزمالك، وجلس الصديقان يتحدثان عن ذكريات الماضي وهما ينظران من خلف الزجاج إلى الأماكن التي سارا فيها معًا في أيام الطفولة …

وأخذ «أحمد» يفكر في طريقة لا تلفت انتباه «شريف» إلى مهمته في القاهرة … وفي نفس الوقت الحصول على معلومات من «شريف»، وعن حادث اختفاء أو اختطاف «هشام» ابن أخت رقم «صفر».

وهكذا أخذ يتحدث عن أيام لعب الكرة في الشوارع القريبة … وحدث ما لم يكن يتوقعه «أحمد» فقد قال «شريف»: منذ أيام حدث حادث غريب بجوار سور نادي الزمالك.

وأمسك «أحمد» أنفاسه …

ومضى «شريف» يقول: أثناء مباراة في الكرة بين تلاميذ المدارس الذين تعوَّدوا اللعب في الشارع الموازي للسور … أثناء المباراة كان ولد يدعى «هشام» يقف في مركز حارس المرمى … وقام أحد اللاعبين من الفريق المنافس بقذف الكرة بحيث طالت … وذهبت إلى حارة صغيرة بين المنازل …

وأسرع حارس المرمى «هشام» لإعادة الكرة … وانتظره بقية اللاعبين ليعود بالكرة … ولكنه تأخر … وذهب بعض اللاعبين لاستعجاله … ولدهشتهم الشديدة لم يجدوه … وانتظروه طويلًا فلم يعد. رغم أنه كان قد ترك دراجته وكتبه بجوار السور كما يفعل بقية التلاميذ …

واحتار الأولاد ماذا يفعلون!

وقرَّر بعضهم الذهاب إلى نقطة شرطة المهندسين القريبة للإبلاغ بما حدث … وقام رجل الشرطة بالبحث في كل مكان … وسؤال كل الأولاد عن تفاصيل الاختفاء، ولكن لا معلومات مفيدة على الإطلاق!

أحمد: إن هذا الولد «هشام» يهمُّني جدًّا.

شريف: هل هو قريبك؟

أحمد: ليس بالضبط … ولكن اختفاءه أمر خطير للغاية ويهمُّني أن أعثر عليه.

شريف: إذن اذهب إلى الشرطة.

أحمد: سأذهب … ولكني في حاجة إلى معلومات أكثر!

شريف: إن شقيقي الصغير «كريم» كان يلعب مع الأولاد في هذه المباراة …

ونستطيع أن نسأله … إنه الآن مشترك في مباراة في نفس المكان.

قام «أحمد» واقفًا، ودفع ثمن الشاي … ثم قال ﻟ «شريف»: هيَّا بنا!

خرج الصديقان إلى الشارع البارد … وسارا قليلًا ثم انحرفا إلى ناحية اليسار، ودخلا الشارع الصغير بجوار نادي الزمالك …

•••

كان هناك مجموعة من الصِّبية يلعبون الكرة كالعادة في هذا المكان … وأشار «شريف» إلى حارة ضيقة بين المساكن وقال: في هذا المكان ذهبت الكرة … وذهب خلفها «هشام».

أحمد: تعالَ نذهب إلى نفس المكان.

اتجها إلى الموقع الذي ذهبت إليه الكرة … وأشار إليه «شريف» … ووقف «أحمد» ينظر حوله … كانت هناك مجموعة من المساكن تحيط بالمكان … ويمكن لأي ساكن فيها أن يشاهد ما حدث … ثم أخذ يقيس المسافات … إن أي سيارة مهما كان حجمها … يمكن أن تدخل هذا الشارع …

ونظر «أحمد» إلى مسكن مقابل للمكان الذي سقطت فيه الكرة ثم اتجه إليه … كان هناك وجه صبي صغير ينظر إليهما وأشار إليه «أحمد» … وفتح الصبي النافذة ونظر إلى الشابَّيْن …

قال «أحمد» للولد الصغير: مساء الخير!

ردَّ الولد: مساء الخير!

أحمد: لماذا أنت في النافذة … لماذا لا تنزل وتلعب مع الصغار؟

الولد: إنني لا أستطيع أن أشارك الصغار اللعب … لأنني مشلول!

انقبض قلب «أحمد» لهذه الجملة، وندم على ما قاله … وسكت … ولكن الولد الصغير الشجاع مضى يقول: ولكنني أستمتع بالمباريات كأنني ألعبها … فأنا أتفرَّج عليها.

أحمد: كل المباريات؟

الولد: أكثرها.

أحمد: هل رأيت المباراة التي …؟

ولدهشة «أحمد» الشديدة، قال الولد: التي انتهت باختفاء حارس المرمى؟

اندفع «أحمد» يقول: نعم … نعم.

الولد: شاهدتُها طبعًا … وشاهدتُ كلَّ ما حدث.

أحمد: شاهدتَ اختفاء حارس المرمى؟

الولد: نعم … شاهدتُ السيارة التي ركب فيها.

أشار «أحمد» إلى صديقه «شريف» … وقال: هل تعرف هذا الولد؟

شريف: إنه قريبي.

أحمد: أريد أن أقابله.

شريف: تعالَ نصعد إليه.

ودخل الصديقان في دهليز مظلم، وصعدا سُلَّمًا من الحجر حتى الدَّوْر الثالث، حيث توقَّف «شريف» أمام باب الشقة اليُمنى، ثم ضغط زر الجرس، وبعد لحظات فتحت سيدة شابة.

عندما شاهدت «شريف» … قالت بتَرْحاب: أهلًا شريف!

شريف: جئتُ لزيارة «وحيد».

السيدة: سيكون سعيدًا جدًّا بهذه الزيارة.

شريف: ومعي صديق لي.

السيدة: مرحبًا بصديقك.

ودخل الصديقان، فاجتازا الدهليز إلى بلكونة قد غُطِّيَت بالزجاج … حيث كان الولد الصغير المشلول يجلس على كرسي بجوار النافذة المفتوحة …

قدَّم «شريف» كلًّا من «أحمد» و«وحيد»، كلًّا منهما للآخر … وكان «أحمد» منفعلًا بهذه الصدفة المدهشة التي وضعت يده على خيط قد يكون هامًّا لمتابعة اختفاء «هشام».

جلس الصديقان بجوار الولد المشلول الذي كان — رغم ساقيه العاجزتين — مبتسمًا ولطيفًا، ورحَّب بهما ترحيبًا حارًّا، ثم نظر إلى «أحمد» بعينين يشعُّ منهما الذكاء … وقال: هل يهمك أن تعلم ماذا حدث في ذلك اليوم؟

أحمد: إنه يهمني جدًّا … إن الولد المختفي قريبي.

وحيد: لقد كان ولدًا طيبًا وكان يُفضِّل حراسة المرمى دائمًا، وقد كان بارعًا رغم صغر سِنِّه.

أحمد: نعم.

وحيد: في ذلك اليوم لاحظت وجود سيارة في شارعنا الضيق، وقفت منذ الصباح المبكِّر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤