الشاويش يتكلم

في هذه الأثناء كان الشاويش «فرقع» يشهد أسوأ أوقات حياته؛ لقد شاهد العجوز وهو يأخذ السيجارة، ولكن الرجل ينكر كل شيء.

قال الشاويش: إنك إذن مُصر على الإنكار، فأنت تزعم أنك لم تذهب اليوم إلى الكورنيش، ولم تجلس هناك، ولم تأخذ سيجارة من الرجل، برغم أني رأيت كل هذا بعيني.

وظل العجوز صامتًا حائرًا؛ فهو فعلًا لم يذهب إلى الكورنيش، ولم يجلس هناك، ولم يأخذ سجائر من أحد، وفعلًا فتَّشه الشاويش فلم يجد شيئًا فهز رأسه في ضيق وقال: إذن ستبقى في السجن حتى تعترف. ثم وضعه في السجن حتى يحرِّر له محضرًا، وترك القسم وعاد إلى منزله.

قرر الشاويش قبل أن يذهب إلى منزله أن يذهب لمقابلة الأولاد الذين كانوا موجودين وقت أن أخذ العجوز السيجارة؛ ليسألهم إن كانوا قد شاهدوا ما شاهده هو، أم أن بصره قد خدعه.

وصل الشاويش إلى منزل «عاطف» في نفس الوقت الذي كان فيه الأصدقاء يخرجون من الحديقة بعد أن قرءوا الرسالة السريَّة، وكان «تختخ» ما زال في ثياب الرجل العجوز التنكريَّة.

التقى الشاويش و«تختخ» وجهًا لوجه، ففتح الشاويش فمه من الدهشة وصاح: أنت هنا أيها العجوز المجرم، ألم أتركك منذ نصف ساعة في السجن؟ كيف خرجت؟

احتار «تختخ»، ماذا يفعل الآن، ولم يجد حلًّا سوى أن يستمرَّ في تقليد الرجل العجوز، فوضع يده خلف أذنه وقال: «واه». وكان هذا أكثر مما يحتمله الشاويش، فأمسك برقبة «تختخ» وهو يقول: لقد سمعت من هذه «الواه» ما يكفي، إنني لا أعرف كيف خرجت من السجن، ولكني أعرف كيف أعيدك إليه، تعال معي!

ولم يعرف «تختخ» ماذا يفعل، وزاد فزعه عندما وجد الشاويش يجرُّه عبر الشارع إلى قسم الشرطة، ثم يفتح باب الزنزانة ويلقيه فيها، سمع العجوز الحقيقي باب الزنزانة يُفتح، فظن أنه سيفرج عنه، ولكن يا للمفاجأة التي كانت في انتظاره! … لقد وجد «نفسه» يدخل من الباب، نعم … هو نفسه … نفس الملابس … نفس اللحية … نفس الشكل، وعوى الرجل العجوز كالكلب؛ فقد ظن أنه جنَّ.

وسمع الشاويش عواء العجوز، ففتح باب الزنزانة ونظر إلى داخلها، وكاد قلبه يقف … إما أنه يحلم … أو أن معجزة قد وقعت … لقد وجد في الزنزانة رجلين عجوزين يشبه كل منهما الآخر كما تشبه قطرة الماء … قطرة ماء أخرى.

أسرع العجوز الحقيقي يمسك بذراع الشاويش وهو يتوسَّل إليه قائلًا: أرجوك يا حضرة الشاويش أخرجني من هنا، إنني سأُجن، سأموت، الحقني.

ووجد «تختخ» نفسه في مأزق خطير، فقرر أن يعترف فورًا بالحقيقة وأن يقول للشاويش على كل شيء.

وتحدث «تختخ» قائلًا: يا حضرة الشاويش، إن هذا العجوز هو العجوز الحقيقي … أما أنا فالعجوز المزيف، أنا «تختخ». وفتح الشاويش فمه دهشة، وأخذ ينظر إلى «تختخ» في ذهول وهو يخلع ملابسه قطعة قطعة، ثم يجذب لحيته.

أغلق الشاويش الباب على العجوز، وأخذ «تختخ» معه إلى المكتب حيث قال له: والآن أخبرني عن كل شيء، بكل دقة.

قال «تختخ»: لا بأس، سأروي لك كل شيء … بشرط ألا تفشي السر لأحد الآن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤