حرف الذال

ذات الخال

هي في الأصل لقرين مولى العباسة بنت المهدي، ويكنى بأبي الخطاب، وكان يعشقها إبراهيم الموصلي، وله فيها أشعارٍ كثيرة منها قوله:

ما بال شمس أبي الخطاب قد حجـ
ـبت يا صاحبي لعل الساعة اقتربت
أو لا فما بال ريحٍ كنتُ آنسها
عادت عليَّ بصر بعد ما جنبت
إليك أشكو أبا الخطاب جارية
غريرة بفؤادي اليوم قد لعبت
وأنت قيمها فانظر لعاشقها
يا ليتها قربت مني وما بعدت

وما زال يقول فيها الشعر ويغني فيه حتى شهرها بشعره وغنائه، وبلغ الرشيد خبرها فاشتراها بسبعين ألف درهم.

ودعت الرشيد يومًا فوعدها أن يصير إليها، وخرج يريدها فاعترضته جارية أخرى، فسألته أن يدخل إليها، فدخل وأقام عندها، فشق ذلك على «ذات الخال» وقالت: والله لأطلبن له شيئًا أغيظه به، وكانت من أحسن النساء وجهًا، ولها خال على خدها فقطعته، وبلغ ذلك الرشيد فشق عليه، وبلغ منه، فخرج من موضعه وقال للفضل بن الربيع: انظر من بالباب من الشعراء؟ فقال: رأيت الآن الأحنف، فقال: أدخله، فعرَّفه الرشيد الخبر وقال: اعمل في هذا شيئًا على معنى رسمه له، فقال:

تخلصت ممن لم يكن ذا حفيظة
وملت إلى من لا يغيره حالُ
فإن يك قطع الخال لما تعطفت
على غيرها نفسي فقد ظلم الخالُ

فنهض الرشيد إلى «ذات الخال» مسرعًا مسترضيًا، وجعل لها هذين البيتين سببًا، وأمر للعباس بألفي دينار، وأمر إبراهيم الموصلي فغنَّاه في هذا الشعر.

وغضب الرشيد عليها يومًا وقال في مجلسه: أيكم يأخذ «ذات الخال» حتى أهبها له، فبكَّر حمويه الوصيف فقال: أنا يا أمير المؤمنين، فوهبَها له، فقال إبراهيم:

أتحسب ذات الخال راجية ربًّا
وقد سلبت قلبًا يهيم بها حُبا
وما عذرها — نفسي فداها — ولم تدع
على أعظمي لحمًا ولم تبقِ لُبا

ثم اشتاقها بعد ذلك الرشيد فقال لحمويه: ويلك يا حمويه! وهبنا لك الجارية على أن تسمع غناءها وحدك! قال: يا أمير المؤمنين، مُرْ فيها بأمرك، قال: نحن عندك غدًا، فمضى فاستعدَّ لذلك واستأجر لها من بعض الجوهر بين زينة وعقود ثمنها اثنا عشر ألف دينار، فأخرجها إلى الرشيد وهو عليها، فلما رآه أنكره فقال: ويلك يا حمويه! من أين لك هذا وما وليتك عملًا تكسب فيه مثله، ولا وصل إليك مني هذا القدر؟! فصدقه عن أمره، فبعث الرشيد إلى أصحاب الجوهر فأُحضرتْ، واشترى الجوهر منهم ووهَبَه لها، ثم حلف أن لا تسأله في يومه ذلك حاجة إلا قضاها، فسألته أن يولي حمويه الحرب والخراج بفارس سبع سنين، ففعل ذلك، وكتب له عهده به، وشرط على ولي عهده أن يُتمَّها له إن لم تتم في حياته، ومضوا يومهم في أحسن ما يكون، ومن قول إبراهيم فيها:

أبْدِ لذات الخال يا ثعلب
قول امرئ في الحب لا يكذب
إني أقول الحق فاستيقني
كل امرئ في حبه يلعب

وقال فيها أيضًا:

جزى الله خيرًا من كلفت بحبه
وليس به إلا المُموَّه من حبي
وقالوا قلوب العاشقين رقيقة
فما بال ذات الخال قاسية القلب
وقالوا لها هذا محبك معرضًا
فقالت أرى إعراضه أيسر الخطب
فما هو إلا نظرة بتبسم
فتنشب رجلاه ويسقط للجنب

وقال فيها أيضًا. ولكن فلنذكر السبب، وهو أن إبراهيم الموصلي لعب الشطرنج يومًا مع ابن زيدان صاحب البرامكة، فدخل عليهما إسحاق، فقال أبوه: ما أفدت اليوم؟ فقال: أعظم فائدة؛ رجل سألني ما أفخم كلمة في الفم؟ فقلت: لا إله إلا الله، فقال أبوه إبراهيم: أخطأتَ، هلا قلتَ دنيا ودينًا، فأخذ ابن زيدان الشاه فضرب به رأس إبراهيم وقال: يا زنديق، أتكفر بحضرتي؟ فأمر إبراهيم غلمانه فضربوا ابن زيدان ضربًا شديدًا، فانصرف من ساعته إلى جعفر بن يحيى وحدَّثه الخبر، وعلم إبراهيم أنه قد أخطأ وجنَى، فركب إلى الفضل بن يحيى فاستجار به، فاستوهبه الفضل من جعفر، فوهبه له، فانصرف وهو يقول:

إن لم يكن حب ذات الخال عناني
إذن فحولت في مسك ابن زيدان
فإن هذي يمين ما حلفت بها
إلا على الصدق في سري وإعلاني

ذبية بنت ثبية الفهمية

كانت من أحسن نساء بني فهم حسبًا، وأعرقهن نسبًا، وأكثرهن أدبًا، وأبهاهن جمالًا، وألطفهن كمالًا، لها أشعار لطيفة ورثاء مقبول؛ منها قولها ترثي قومها وكانوا قتلوا بصورة — وهو مكان بأراضي مكة:

ألا إن يوم الشر يوم بصورة
ويوم فناء الدمع لو كان فانيا
لعمري لقد أبكت فريم وأوجعوا
بجرعة بطن القيل من كان باكيا
قتلتم نجومًا لا يحول ضيفهم
ولا يذخرون اللحم أخضر ذاويا
عماد سمائي أصبحت قد تهدمت
فخري سمائي لا أرى لك بانيا

ذؤابة امرأة رباح القيسي

كانت — رضي الله عنها — تقوم الليل كله، وكانت إذا مضى الربع الأول تقول له: قم يا رباح للصلاة، فلا يقوم، فتقوم ثم تأتيه وتقول له: قم يا رباح، فلم يقم، فتقوم الربع الآخَر، ثم تأتيه وتقول: قم يا رباح، فلا يقوم، فتقوم الربع الآخِر إلى تمام الليل ثم تأتيه وتقول: قم يا رباح، قد مضى عسكر الليل وأنت نائم، فليت شعري من غرني بك يا رباح؛ ما أنت إلا جبار عنيد.

وكانت تأخذ تبنة من الأرض وتقول: والله للدنيا أهون عليَّ من هذه، وكانت إذا صلَّت العشاء تطيبتْ ولبستْ ثيابها، ثم تقول لزوجها: ألك حاجة؟ فإن قال: لا، نزعت ثياب زينتها وصلَّت الفجر. رضي الله عنها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤