الفصل الأول

المنظر الأول

«مقصورة من مقاصير البديع (قصر المعتمد بن عباد) في إشبيلية وإلى يمينها مصلى وفي مؤخرها ستار كبير يحتجب، وقد وقف على بابها جوهر حاجب ابن عباد، ولؤلؤ ساقيه، ومقلاص مضحكه.»

يومُنا في أكتُيوما
ذكرُه في الأرض سارْ
اسألوا أسطولَ روما
هل أذقناه الدَّمار!

•••

أحرز الأسطولُ نصرا
هزَّ أعطافَ الدِّيار
شرفًا أسطولَ مصرا
حُزْتَ غايات الفَخَار

•••

صارت الإسكندري
هي في البحر المنار
ولها تاج البريه
ولها عرش البحار

•••

حابي :
اسمع الشعبَ (دُيُونُ)
كيف يُوحون إليه
ملأ الجوَّ هُتافًا
بحياتيْ قاتليْه
أثَّر البهتانُ فيه
وانطلى الزور عليه
يا له من بَبَّغاء
عقله في أذنيه
ديون :
حابي، سمعتُ كما سمعتَ وراعني
أن الرَّميَّة تحتفي بالرامي
هتفوا بمن شرب الطِّلا في تاجهم
وأصار عرشَهُمُ فراشَ غرام
ومشى على تاريخهم مستهزئًا
ولو استطاع مشى على الأهرام
حابي :
أتذكر يا ديون إذا انطلقنا
إلى الميناء نلتمس الهواء
وكان البحرُ كالميْت المُسَجَّى
وكان الليلُ للميت الرداء
ديون :
نعم وهناك آنسنا سحابًا
وراء الليل جللت السماء
فقلت انظر ديونُ تَرَ الجواري
يَطأنَ الماء همسًا والفضاء
وأقبلت البوارجُ بعد حين
سوائبَ لا دليلَ ولا حُداء
رَجَعْنَ رجوعَ قُرصان أصابوا
من الغزو الهزيمةَ والبلاء
فلم نسمعْ لملَّاح هُتافًا
يُبشرُ بالقدوم ولا نداء
ولم نَرَ فوق سارية سراجًا
ولا من ثَقْب نافذة ضياء
حابي :
فماذا قلت؟
ديون :
قلت ديونُ إني
أرى الأسطولَ بالويْلات جاء
دخولُ الظافرين يكونُ صبحًا
ولا تُزجَى مواكبُهُم مسَاء
فلما أصبح الصبحُ انتبهنا
نَرى الأسطولَ أزْيَنَ ما تَراءى
تبرَّجت البوارجُ بعد عُطْل
وهَزَّتْ في ذوائبها اللواء
ورُدِّدَ في المدينة أنّ روما
عفا أسطولُها ومضى هَباء
فضجَّ الناسُ بالبُشْرَى وكدُّوا
حناجرَهم هُتافًا أو دُعاء
هداك اللهُ من شَعب بريء
يُصَرِّفه المُضَلِّلُ كيف شاء

تدخل هيلانة

ليسياس (هامسًا لحابي) :
حابي، صهٍ قد ظهرتْ هيلانهْ
وأقبلت بالطلعة الفتَّانه
تَنقَحُ كالزَّنبقة الغَيْسانهْ
حابي :
ليسياسُ، أنهاك عن المجانهْ
هيلانةٌ في القصر قَهْرمانهْ
لها وقارٌ ولها مكانهْ
هيلانه :
سلام لك يا حابي
حابي :
سلام لك هيلانه
هيلانه :
أمرْتُ أن أقول للأمين
ستحضر الملْكةُ بعد حين
فبلِّغ الأمرَ إلى زينون
حابي :
سيدتي سأفعلُ
أمرُكما ممتَثلُ
هيلانه :
تَقرنني بربَّتي!
ذلك ما لا أقْبَل
حابي :
هيلان، أنت مَلْكتي
وأنت وحدَك المَلَكْ
هيلانه :
بل كيلبترا وحدَها
لم يَحْو شمسيْن الفَلَك
إن أنت لم تُؤمنْ بها
فلسْتَ لي ولستُ لك

(تخرج هيلانة ويدخل زينون من باب آخر في هيئة تفكير واضطراب)

حابي :
ذاتُ الجلالة سيدي
قد آذنَتْنا بالزياره
زينون :
هذه حجرتُها لا عدمَتْ
طيبَ ريَّاها ولا ضَوء حُلاها
كل يوم تتجلى ساعة
ها هنا كالشمس في عز ضحاها
تدخُلُ الدارَ فتنسى مُلكها
بلقاء الكُتْب أو تَنْسَى هواها

(محدثًا نفسه في ركن قصي من أركان المكتبة):

أما الشبابُ فقد بَعُد
ذهب الشباب فلم يَعُد
ويحي أمن بعد السنيـ
ـن وقد مررن بلا عدد
أو بعد طول تجاربي
ومكان علمي في البلد
تَجْني الحسانُ عليَّ ما
لم تَجْن قبلُ على أحد؟
ديون (هامسًا إلى زميليه) :
حاب، ليسياس، أقسمُ
أن زينونَ مغرَمُ
فضح الشيخَ حبُّه
والهوى ليس يُكتم
ليسياس :
بمَن الشيخُ مولَعٌ
ليت شعري متيَّم؟
ديون :
وبمن جُنَّ يا تُرى؟
حابي (ضاحكًا) :
كلُّ خاف سيُعلم
زينون (مستمرًا في حديث نفسه) :
ما لي جننتُ فصرتُ أتَّـ
ـهم الشبابَ وأضطهدْ
لم ألقَ رأسًا فاحمًا
إلا حَملتُ له الحسد
ووجدتُ لاعجَ غيرة
بين الجوانح يتَّقد
فكأَنَّ ظلمةَ شَعره
في مُقلتيَّ هي الرَّمد
وكأَنَّما سَرقتْ ذوا
ئبُهُ شبابي المفتقَد
ولو أن لي ولدًا فما
ت لما بكيت على الولد
حذَرًا وخوفًا أن يكو
نَ بها تعلَّق أو وجَد
شكٌّ يعذِّب مهجتي
إن المشكَّكَ في كَبَد

(يلتفت إلى حابي ويطيل إليه النظر ثم يناديه):

حابي، بنيَّ

(يأتي إليه حابي):

قل ولا
تُخْفِ عليَّ، هل تُحِبْ؟
حابي :
أحب! من قال؟
زينون :
سمعتُ
حابي :
من روى لك الكذب؟
زينون :
بُنيَّ، ليسَ بالفتى
إذا أحبَّ من عَجب
مَن لم يُحبَّ لم يُؤ
دِّ للشباب ما وجب
حابي (متهكمًا) :
لكن أأدعي الهوى
وليس لي منهُ سببْ؟
زينون :
حابي، بُنيّ لا تَرُغْ
منَ السؤال بل أجب
لولا الهوى لم تَكُ في
ظل الشباب تكتئب
ما بال بشْرك امَّحَى
ولونك الغضُّ شحب؟
وللدموع من مآ
قيك تكاد تنسكب؟
حابي (ساخرًا) :
أفقْ زينونُ واصحُ من الغواني
أبعد الشيب تخدعُك النساء؟
زينون (غاضبًا) :
أتعلم يا غلام عليَّ عشقًا؟
حابي :
دع الإنكار قد برح الخفاء
زينون :
ومن أنباك؟
حابي :
أنت!
زينون :
وكيف؟
حابي :
تَهْذي
فتفضحك الوساوسُ والهُذَاء
كمحموم يبوح وليس يدري
تكشَّف عن سرائره الغطاء
أَبَعد العطف والإشفاق يشقى
بصحبتك الشباب الأبرياء؟
فكلُّ فتى رَأيت زعمت صبًّا
يُخامرُه من الرَّقطاء داء؟
وما كعَمَى الشيوخ إذا أحبُّوا
وليس وراء غَيْرتهم بلاء
زينون (لنفسه) :
إلهي قد فُضحتُ وضَلَّ شيبي
وضاعت حكمتي وخبا الذكاء

(لحابي):

صدقتَ بُنيَّ بي داءٌ دخيلٌ
وليس إلى الدواء ليَ اهتداء
عليَّ تلَّوَّتْ الأفعى، فهلْ لي
من الأفعى ونَكْزتها نَجَاء؟
أرى ولهًا وأحسبُهُ جنونًا
كسانيهِ على الكبَر القضاء
حابي :
وتُعْطَى حينَ تَلقاها ابتسامًا
وأنطنيوسُ يُعْطَى ما يشاء
صباحُهما مُغازلةٌ وصيدٌ
وللأقداح والقُبَل المساء
أترضى أن يكون سريرُ مصر
قوائمهُ الدعارةُ والبَغاء؟
أتهدمُ أُمَّةً لتَشيدَ فردًا
على أنقاضها؟ بئس البناء!
أبي، شيخي، اجترأت عليك فاصفح
فلم أك أجتري لولا الوفاء
لقد آن التكاشُف والتَّواصي
بما توحِي الكرامةُ والإباء
تعالَ إلى جماعتنا، فإنَّا
جنود الحق يجمعنا لواء
شبابٌ نحن يُعْوِزُنا شُيوخ
بهم في المدلهمَّةِ يُستضاء
زينون :
كفى، إني نفضتُ يديَّ منها
ومُزِّقَ عن بصيرتيَ الغِشاء
حابي :
أبي زينونُ قد بُحتُ
من السر بمكنوني
وما غيرُك زينون
على السر بمأمون

(يشير إلى ديون وليسياس):

أخي، هذا أثينيٌّ
وخِلِّي ذاك مَقْدوني
كِلا الخلَّين لِلحق
كما أدْعوه يدعوني
كلا الخلَّين ذو جَدٍّ
بأرضِ النيل مدفون
فليْسَا في هوى مصر
وفِي طاعتها دوني
فدينا الوطَنَ الغالـ
ـيَ بالجنس وبالدين
ولم نصبِر على حكم
لروميَّةَ ملعون
ولسنا حزبَ أكتافٍ
ولسنا حزب أَنْطُون
ولا نَخْضَعُ للبأس
ولا نُخْدَع باللين
ولم يَبْقَ على الوُدِّ
لروما غيرُ زينون
زينون :
معاذ الله، عُدُّوني
من العصبة عُدُّوني
كساك اللهُ يا روما
لباسَ الذلِّ والهُون
حابي :
أبي، أنت الطبيبُ وكلُّ داء
له في صَيْدليَّتك الدواء
فَهيَّ لها ابنَ ساعته وعجِّلْ
يُعَجَّلْ في السماء لك الجَزاء
لعل سمومَك الزُّعْفَ المواضي
من الأفعى وفتنتها شفاء

(يدخل جندي من حرس الملكة معلنًا قدومها)

الحارس :
الملكة!
زينون (كأنما يفيق من حلم) :
الملكهْ!
لَا بَرِحَتْ مُملَّكهْ!
ودام مجدُ المملكهْ!

(تدخل كليوباترا ومن ورائها ابنها قيصرون بين وصيفتيها شرميون وهيلانة، ومن ورائهن أنشو مضحك الملكة وأغا القيصر)

الملكة :
تحيَّتي لأُمناء المكتبه
وشيخهم أعلى الشيوخ مرتبه
زينون :
سلام السَّموات في مجدها
على ربَّة التاج ذات الجلالْ
تمنيتُ رأسين لا واحدًا
إذا مَسَّت الأرضَ هامُ الرجالْ
أطاطئُ رأسًا لمجد النبوغ
وأخْفضُ رأسًا لمجد الجمال

حابي، ديون، ليسياس (يلتفت بعضهم إلى بعض أسفًا)

أنشو (للوصيفتين وقيصرون) :
أما يُغنيهِ عن رأسيـ
ـن رأسٌ فيه وجهان؟
فحينًا هو مصريٌّ
وحينًا هو يُونَاني
وفي مجلس يوليوسَ
وأنطونيوس رُوماني
وإن لاقى أغا القصر
فنوبيٌّ وسوداني

(يدخل الكاهن أنوبيس من باب مقابل)

الملكة :
كاهنَ المُلْكِ سلامٌ
لا عَدِمْنا بركاتِكْ
صلِّ من أجلي ولا تنـ
ـس صغاري في صلاتك
أنوبيس :
ربَّةَ النيل التَّحيا
تُ الزَّكيَّاتُ لذاتِك
حَرَسَتْ تاجَكِ إيزيـ
ـسُ ومدَّتْ في حياتك
الملكة :
هُوَ ذا ابني قيصرونُ
يَتَلقَّى نفحاتِك
الكاهن (لنفسه) :
إيزيسُ كيف أُصلي
على ابن يوليوسَ قيصرْ؟
أبوه عال ولكنْ
فرعوْنُ أعلى وأكبر

(يسمع هتاف من خارج القصر، وجماعة ترتل نشيد النصر السالف في أكتيوم)

الملكة (عابسة) :
كاهنَ المُلْك، سادتي، هل سمعتمْ
رَنَّةَ الصوتِ في جوانب قصري؟
أنوبيس :
هم رعايا مليكتي
الملكة :
ليت شعري
ألخيرٍ تجمَّعوا أم لشرِّ؟
شرميون :
الجماهيرُ يا مليكةُ بالشَّطِّ
يموجون في حُبورٍ وبِشْرِ
سَرَّهم ما لقيت في أكتيومٍ
من ظهور على العدو نصر
لا يقولون أو يُعيدون إلا
نبأً بات في المدينة يسري
الملكة :
يا لإفْك الرجال ماذا أذاعوا
كذبٌ ما رَوَوْا صُراحٌ لعَمري
أيَّ نصر لقيتُ حتى أقاموا
ألسُنَ الناس في مديحي وشكري؟
ظَفر في فم الأمانيِّ حلو
ليت منه لنا قُلامةَ ظُفْر
وغدًا يعلمُ الحقيقة قومي
ليس شيءٌ على الشعوب بسرِّ
شرميون :
ربَّة التاج ذلك الصُّنع صُنعي
أنا وحدي وذلك المكرُ مكري
كثرتْ أمس في الإياب الأقاويـ
ـلُ وظَنَّ الظنونَ من ليس يَدري
فَأذعتُ الذي أذعتُ عن النصـ
ـرِ وأسمعتُ كلَّ كوخ وقصر
خفتُ في خاطري عليك الجماهيـ
ـر وأشفقتُ من عدًى لك كُثْر
فاغفري جُرْأتي، فيا رُبَّ ذنب
يتعب العذر فيه مهَّدْتِ عذري
الملكة :
شرميون، اهدَئي فما أنت إلا
مَلَكٌ صيغ من حنان وبرِّ
أنت لي خادمٌ ولكن كأنا
في المُلمَّات أهلُ قًرْبى وصهر
إنما الخادمُ الوفيُّ من الأهـ
ـل وأدنى في حال عسر ويسر
اسمعي الآن كيف كانَ بلائي
وانظري كيف في الشدائد صبري
أيها السادةُ اسمعوا خَبَرَ الحر
ب وأمرَ القتال فيها وأمري
واقتحامي العُبابَ والبحرُ يَطغى
والجَواري به على الدَّم تَجري
بين أنطونيو وأكتافَ يومٌ
عبقريٌّ يسيرُ في كل عصر
أخذتْ فيه كلُّ ذات شراع
أُهبةَ الحرب واستعدَّتْ لشر
لا ترى في المجال غيرَ سَبُوح
مقبل مدبر مكَر مفرِّ
وترى الفُلك في مُطاردة الفُلـ
ـك كنَسر أراد شرًّا بنسر
وتخال الدُّخانَ في جَنَبات الـ
ـجو جُنحًا من ظلمة الليل يسري
ودَويَّ الرياح في كل لجٍّ
هَزَجَ الرَّعْد أو صيَاحَ الهَزْبر
وترى الماء منه عودُ سرير
لغريق، ومنهُ أَحْناءُ قبر
يغسلُ الجُرحَ شَرَّ مَن غَسل الجر
حَ ويأسو من الحياة ويُبري
كنت في مركبي وبين جنودي
أَزنُ الحربَ والأمور بفكري
قلت روما تصدَّعت فترى شَطـ
ـرًا من القوم في عداوة شطر
بَطَلاها تقاسَما الفُلكَ والجيـ
ـشَ وشبَّا الوغى ببحر وبرِّ
وإذا فرَّقَ الرُّعاة اختلافٌ
علَّموا هاربَ الذئاب التَّجَرِّي
فتأملتُ حالتيَّ مَليًّا
وتدبرت أمر صحوي وسكري
وتبينتُ أن روما إذا زا
لت عن البحر لم يَسُد فيه غيري
كنت في عاصف، سللتُ شراعي
منه فانسلَّت البوارجُ إثري
خلصت من رَحى القتال وممَّا
يلحق السُّفْن من دمار وأسْر
فنسيتُ الهوى ونُصرة أنطنـ
ـيوسَ حتى غدرتُه شرَّ غدر
علمَ الله قد خذلتُ حبيبي
وأبا صبيتي وعوني وذُخري
والذي ضيَّع العروشَ وضحَّى
في سبيلي بألف قُطْر وقطر
موقفٌ يُعجب العلا كنتُ فيه
بنتَ مصرٍ وكنتُ مَلكَة مصرَ

(ملتفتة إلى زينون):

زينونُ، فصَّلتُ الخبرْ
عن القتال والسفرْ
وقلتُ عن إيابي
وخُطة انسحابي
ما ليس يعلمُ البلدْ
ولا درى به أحدْ
فهل لديك الآنا
ما يَجلبُ السُّلوانا
من الأمالي المُسْليهْ
والصحُف المُلهِّيهْ
زينون :
عنديَ يا مولاتي
روائعُ الآيَات
تسعون ألف سفْر
قد كُتبتْ بالتبر
من كل رَقٍّ عجبِ
في العلم أو في الأدبِ
قيصرُ أنطونيو وهب
لنا مناجمَ الذهبْ
وكلَّ غال مدَّخرْ
من الجواهر الأُخَرْ
أسلابه من حربه
وطَعنهِ وضرْبه
هديةٌ من قيصر
لبَلدة الإسكندر
أنشو :
إذا كانت الكتْبُ في شرعكم
نظيرَ الجواهر كُفْءَ النُّضارْ
فإني الغنيُّ بدُرِّ القواقـ
ـع حين يُرصَّعُ تبر العُقار
وما الكُتْبُ قوتي ولا منزلي
فما أنا سوسٌ ولا أنا فار
الملكة :
حكيمٌ لعمري على جهله
ظريفُ الحديث لطيفُ الحوار
زينون (مغيظًا) :
ولكنها حكمةُ السائماتِ
وفلسفةٌ غيرُ بنت اختبار
وكلتاهما لا تَعَدَّى الشعورَ
بحُبِّ البقاء وخوف الدمار
أنشو :
رويدك مولايَ بعضَ السِّباب
فليس السِّبابُ سبيلَ الكبار
هَبِ الليل طال فقطَّعتَه
بدَرْسٍ وأصبحتَ تُفني النهار
وأقبلت بالكتب تطوي الطِّوالَ
وتَنشرُ في إثرهنَّ القصار
وَزِدْت على الأرض علمَ السماء
كبارَ كواكبها والصغار
إذا ما نَفقتَ ومات الحمارُ
أبينك فرقٌ وبين الحمار؟
زينون (غاضبًا) :
ماذا تقول السيده؟
الملكة (ضاحكة) :
واحدةٌ بواحده
أبي أنُوبيسُ، أرجو
أنوبيس :
بل تَأمُرينَ مُطاعهْ
الملكة (مشيرة إلى باب محراب مفتوح ومتجهة إليه) :
هذا مُقامُ صلاتي
وهيكلي للضراعهْ
ولي خطايا كثيره
لا تَبرَحُ البالَ ساعه
فادخلْ وصلِّ لأجلي
فمنك تُرجَى الشَّفاعه

(يدخلان المحراب ويتبعهم الحاضرون ما عدا حابي وديون وليسياس)

ديون (متهكمًا) :
إسكندريةُ صرت رَفرَفَ معبد
من كلِّ ناحية عليه ستارُ
اختصَّ آلهةُ الجلال بسرِّه
وتفرَّدَ الكُهَّان والأحْبار
ما خطبُهم حابي، وماذا بَيَّتُوا
ليسياس :
ما هذه الألغاز والأسرار؟
حابي :
أرأيتَ وقعةَ أكتيوم وما جرى
فيها وكيف تصرَّف المقدار!
ليسياس، إنك قد سمعت حديثَها
كالسحر في الآذان حين يُدار
تبدو الخيانةُ فيه وهي أمانةٌ
ويُرى الثباتُ عليه وهو فرار
وعلمت كيف نجت وكيف انغض عن
أنطونيُو أسطولُها الغدَّار
ليسياس :
واليوم حابي، أيْن أنْطونيو وما
فعلت بفَلِّ جيوشه الأقدار؟
قل لي: أحيٌّ في البلاد مشَرَّدٌ
هو أم له قبرٌ بمصرَ يُزار؟
حابي :
ليسياس، تسألني تجاهلَ عارف
ليسياس :
بل جاهلٍ لم تأتهِ الأخبار
حابي :
لم تأت حتى جاء في آثارها
للحبِّ أجنحةٌ بهن يُطار
ويقال بل أخذتهُ تحت شراعها
ونجا بهِ فُلْك لها محصار
تجري الرياحُ بما تشاءُ قلوعُه
ويسيرُ في طاعاته التيار
ويُقَالُ غَضبانٌ عليها عاتبٌ
ويُقالُ بل حَنِقُ الفؤَادِ مُثار
وعلى صفاء العاشقَيْنِ سحابة
وعلى سلام الصاحبيْن غُبار
آلَى وأقسم لا يُرى في قصرها
حتى يُقوَّمَ مجدُه المنْهار
إن البلاء أجلُّ من ألَّا يُرَى
ديون :
عجبٌ أتخفى في الهشيم النار؟
حابي :
أنطونيو منا بأقرب ثُكنة
يدعو من الرومان من يختار
ويعُدُّ أُهبَتَه ليوم حاسم
في البر يُغسلُ عنه فيه العار
ويكون ميدانَ الرحى ومدَارَها
تلك التلالُ وهذه الأسوار
فهناك خاتمةُ الصِّراع وموقف
إما الدَّمارُ بِهِ وإما الغار

(يسمع صوت أنوبيس من داخل المحراب مرتلًا هذا النشيد):

إيزيسُ ذاتَ الحجابْ
مالكةَ العالمينْ
شعبُك لاقَى العذابْ
من عَبث الظالمينْ

•••

يا من خفضنا الجباه
لعزِّها ساجدينْ
صُغنا إليك الصلاهْ
من أدمع النادمينْ

المنظر الثاني

«في إحدى غرف القصر الملكي ورحى الحرب دائرة بين أكتافيوس وأنطنيوس على أسـوار الإسـكـندريـة. حـابي في الغـرفة حيث تـدخـل عليه هيـلانة»

هيلانة :
أتدْخُل حابي مَقَاصيرَها؟
بلغتَ من الجُرْأة المنتَهَى
ستَعْلمُ أمرَكَ ذَاتُ الجلالـ
ـة
حابي :
بل أمرت أن تراني هنا
هيلانة :
عجِبت لها ولتدبيرها
كذلك قد أمرتني أنا
إذن هي تجمعنا يا جَحُودُ
وتَجزيكَ عن سَخَطٍ بالرضى
حابي :
هِلَانةُ خَلِّيك من ذكرها
حديثُ الأفاعي طويل المَدَى
هيلانة :
رُويدَك حابي لقد أحسنَتْ
فما لي أراك أسأتَ الجَزَا؟
حابي :
هلانةُ، يا طيبَها خَلْوَةً
وإن قَلَّ في ظلِّها المُلْتَقَى
تَعَالَيْ هلانةُ نُعطِ الغرامَ
عنانَ الحديث ونَشْكُ الجَوى
أنيلي يديَّ يَدَيْك اللَّتين
نعيميَ بينهما والشقا
هَلمَّ هلانةُ
هيلانة :
حابي أراكَ
بِكُنْهِ الأمور قليلَ الهُدَى
من القصر لا تَلْتَمِسْ خَلْوةً
وإن هو من كلِّ حسٍّ خلا
سماء القصور لها أذُنان
وأرضُ القصور بعيْن تَرَى
حابي :
هلانةُ لا تقطعي نَشْوَتي
بقُرْبِك أو حُلُمي باللِّقا
أمهما تَخَيَّلتُ صَفْوَ الحياة
خلقتِ على جانبيْه القَذَى؟
هيلانة :
حنانَكَ حابيَّ لا تتهمْ
ولا تَرمني بعُقُوق الهوى
ولُذْ بالأناة فإن الأناةَ
صَديقُ الصَّواب عدوُّ الخطَا
فلو كنت وحدَكَ شُغلَ الفؤَاد
لهان البلاء وقلَّ العَنا
ولكن حقوقُ كلوباترة
حابي :
وأيُّ حُقوق لها تُدَّعى

(تدخل كليوباترة)

كليوباترا :
حقوقُ الولاية يا ذا الغلامُ
حُقوقُ الرِّعاية يا ذا الفتى
وصبري عليك لأجل الفتاة
حابي (مأخوذًا) :
إلهي لقد سمعتْ ما جرى
الملكة :
وسدِّي المسامعَ حُبًّا بها
وأنت تُعينُ عليَّ العدا
وتُرسلُ في العَرْش هُجْر الكلام
وتُخْفي الحفيظةَ لي والقِلى
ولكنْ لنَنسَ الذي قد مضى
فمثلُكَ تاب ومثلي عَفَا
دع الذَّود عن مصرَ لي إنني
أنا السيفُ والآخرون العصا
ولا تُطع الفتْيةَ العابثين
أسُودَ الكلام نَعامَ الوَغَى

(يدخل أنوبيس)

(إلى أنوبيس)

أبي: قد أتيت
أنوبيس :
سلامٌ عليْكِ
شُعَاعَ المدائن نورَ القرى
الملكة :
أبي قد تَلَاقَى هنا العاشقان
وكان بتدبيريَ الملتقى
فباركْ فتاتي وباركْ فتاكَ
وكفكفْ هواه إذا ما غلا
أنوبيس :
حياتك حابي كنيسيَّةٌ
يشاكلُ أوَّلُها المنتهى
مقيَّدة باليقين القَنوع
وما أمَرَ القلبُ أو ما نهى
الملكة :
كزَهر المقاصير لم ينتفعْ
بطول الأديم وعرض الثرى
أنوبيس :
وتحسبُ في الكتب علم الحياة
وما منهُ في الكتب إلَّا شَذَا
حابي :
لعلِّي كذي الشك في حرصه
يَقيس الطريقَ ويُحْصِي الخُطا
أرى راكبَ الشك مِلءَ المجال
طويل العنان بعيدَ المَدَى
ولو شكَّكَتْ في السراج الفَراشُ
لكان سلامًا عليها السَّنا
أنوبيس :
ولكن تَمرُّ على ما تراه
تُجاوزُهُ نحو ما لا يُرى
وهذا الملاكُ

(مشيرًا إلى هيلانة)

كمَوْلاتِه
طليق الإرادة حُرُّ الحجَى
تَمَشَّى على جَنَبات الحياة
كما يتمشى شُعاع الضُّحى
يخوض الوحولَ ويغشى الحُليَّ
ويأوي الحضيضَ ويعلو الذُّرا
ويخترقُ العَرَصات الفسَاح
وينفُذ من ضَيِّقات الكُوَى
ويرتعُ بين أنوف الأسود
ويلعب بين عيون الظِّبا
الملكة :
ولكنهُ طاهرٌ حيث طافَ
نقيُّ الذُّيول عفيف الخُطا
أبي قد نسينا حديث القتال
فمنذ الصباح تدور الرحى
وجيش الحليف وجيش العدو
بظهر المدينة رهن الوغى
هنالك يُقضى مصيرُ البلاد
فإما البقاء وإما الفنا
ومن عجب كاد يمضي النهارُ
وما من رسول ولا من نَبا

(يدخل جندي من جنود أنطونيو منهوكًا يعلوه الغبار)

الجندي :
سيدتي جئتُك بالأخبار
لقد جرت بسعدك الجواري
انتصرت جنودُنا الضَّواري
تحت لواء البطل المغْوَار
قيصرُ أنطونيو على آثاري
الملكة :
يا فرحَا ما أعْظَمَ البشاره!
حلَّت على أُكتافيو الخَسَارهْ
«وأكتيومُ» قد أخذنا ثاره
خُذ يا رسولُ هذه البُشارهْ

(تمنحه بدرة ممن الذهب فيخرج من باب وتدخل شرميون من باب)

شرميون :
سيدتي يا طربا
سيدتي يا فرحا!
دارتْ على أكتافيُو
وجيش أكتافْيُو الرحى
هيلانة :
مَلْكَتي هل تسمعين

(يسمع صوت بوق وهتاف من بعيد)

الملكة (منصتة) :
صوت بوق وهتاف

(تقوم الملكة إلى النافذة وترهف أذنيها وعينيها)

هو والله نشيدي
والمغنُّون جنودي
والمخاريقُ التي تَخـ
ـفُقُ من بُعْد بنُودي
ولديْها فارسٌ مُلـ
ـتثم شاكي الحديد
يَتراءى في عنان الـ
ـجَوِّ كالْبُرج المَشيد
هو أنطنيوسُ ذُخْري
وطَريفي وتَليدي

(إلى شرميون وهيلانة)

أيها البنتان هذي
ليلةُ العيد السعيد
صَلِّيا مثلَ صَلاتي
واسجُدا مثلَ سجُودي

(يسجد الثلاثة لحظة. ثم تنهض الملكة أولًا وتتجه نحو النافذة)

هو ذا أنطونيو من
جانب الميناء أقْبَلْ
هيكلٌ يحمله من
صافنات الخيل هيكل
الرِّداءُ الأرْجُوانيُّ
على عطفيْه مُسبل
مَبْسَمٌ يضحكُ من تحـ
ـت جبين يتهلَّل
هو ذا يدنو
شرميون :
أتى والله
هيلانة :
مولاتي ترجَّل
الملكة (تبتدر الباب) :
أيها البنتان هذي
ليلةُ العيد السعيد
(أنوبيس هامسًا لحابي) :
حابي، أحيط القصرُ بالذئاب
وبي من السُّخط عليهم ما بي

(للملكة):

سيدتي تأذنُ في انسحابي؟
وتأذنين مَلْكتي لحابي
الملكة (ضاحكة) :
إلى الأفاعي؟
أنوبيس :
لا إلى المحراب
الملكة :
رَأيَكما في المُكْث والذهاب

(يخرجان ويدخل أنطونيو وحاشيته وقواده وتابعه أوروس. أنـطـونـيـو يقبل على الـملكة مـادًّا يديه)

أنطونيو :
إلهتي!
الملكة :
قيصري!
أنطونيو :
سلطانتي!
الملكة :
ملكي!
أنطونيو :
عندي لك اليومَ يا دُنياي أخبارُ
الملكة :
عَجِّلْ فديتُكَ
أنطونيو :
لا، لا بدَّ من ثمن
الملكة :
كرائمُ المال؟
أنطونيو :
ما للمال مقدارُ

(يمد إليها جبينه في ضراعة)

رُدِّي على هامتي الغارَ الذي سُلبتْ
فقُبلةٌ منك تَعلوها هي الغارُ

(تقبله)

كليوباترا :
اليومَ تَعلمُ رُوما أن ضَرَّتها
تُقَلِّدُ الغارَ مَن تَهوَى وتختار
واليومَ تعلمُ روما أن فارسَها
جيش بمفرده في الرَّوْع جَرَّار
أنطونيو سيدي. هل نحن في حُلُمٍ؟
أسالمٌ أنت؟ لا أسرٌ ولا عار؟
أنطونيو :
أَسْرٌ؟ وَهمت كلوباترا أَتَظْفَرُ بي
أيدي الكُماة وفي كفَّي أظفار
لو قلت قتلٌ لكان القولُ أشْبهَ بي
كأسُ المنايا على الأبطال دَوَّار
الحربُ تَعْلمُ والأيامُ تَشهدُ لي
أني شديدٌ على الأقران جَبَّار
لو كنت شاهدتي والحربُ جارفةٌ
والصفُّ تحتي بعد الصفِّ ينهار
قد جُنَّ تحتي جوادي فهو عاصفةٌ
وجُنَّ نَصْلي بكفي فهو إعصار
رأيت حملة صدق غيرَ كاذبة
لا السَّيْلُ يَحملُها يومًا ولا النار
لما صَدمتُ جناحيْهم وقلبهمُ
عن الخيام ومن أوكارهم طاروا
وما وجَدتُ لأكتافيو وقادته
ريحًا، ولم أتبيَّنْ أيةً ساروا
ومالت الشمسُ أو كادتْ فراجَعَنِي
شوقٌ إليك قديمُ الداء سَوَّار
حتى رَجَعتُ ولو أني طَردتُهُم
لبات أكتافُ عندي وانقضى النار
كليوباترا :
تركتَهم لغد! هذي مجازفةٌ
غدٌ غيوبٌ وأسرارٌ وأقدار

(مخاطبة أوروس)

أوروسُ، أنت بفنِّ الـ
ـقتال أعلَمُ منِّي
الحربُ فَنَّك أورو
سُ والسياسةُ فني
إن كان «مَرْكُ» إلهًا
فأنت في الحرب جنِّي
فكنْ بحقِّك عَوْنِي
وقلْ لقيصَرَ عني
إن المنى لم تُقصرْ
بل قَصَّرَ المتمني
فلو صَبَرتم قليلًا
وسرتُم في تأني
أرحتُموني وروما
من الخصام المعنِّي
أوروس :
سيدتي لم تقصدي
لمَّا عذلت سيدي
عَجَّلت في الحُكم على
ما لم تَري وتَشهدي
لقد حَملنا حملة
كمثلها لم يُعهَد
استنفدتْ بأسَ القنا
وقُوَّةَ المُهَنَّد
فكان لا بد لنا
نرجي القتال للغد
أنطونيو :
كلوباترا دعينا من
تجنِّيك كلوباترا
أتبكين على الصبر
وقوم حُرموا الصبرا؟
وبي من صبرك الواهي
جراح الأمس لم تبرا
لقد مَنَّيْتُ أسطولي
لدى أسطولك النصرا
حَليف كنت أرجو أن
سأشتدُّ به أزْرا
فَعَبَّا تحت أعلامـ
ـك حتى زَحما البحرا
وقد كانا الجناحيْن
وقد كنتُ أنا النَّسرا
وأجرَى الفُلْكَ أكتافيو
فأجريتُ كما أجرى
صَفَفْناها وأرسلْنا
بها تَقتحمُ الجمرا
كلانا مارَسَ الحربَ
وعانى الكرَّ والفرَّا
فلما آذنتْنا الحر
ب بالمعركة الكبرى
تَسلَّلتِ بأسطولـ
ـك من غمرتها الحرَّى
فقلتُ انسحبْت ضعفًا
وقال الناسُ بل غدرًا
ولو كان لهم قلب
كقلبي التمسوا العذرا
كليوباترا :
أنطونيوسُ مَلكي
أنطونيوسُ سيِّدي
ليس العُبُوسُ سُنَّةً
لوجهك الطَّلْق النَّدي
ولستَ من يغضبُ في
ليل الشَّراب والدَّد
ولست للكأس على
شاربها بالمفسد
قلبُك كنزُ الحب والـ
ـرحمة والتودُّد
وكم حَقَدتَ ثم أصـ
ـبحتَ كأن لم تحقد
ألستَ بالأمس وأمـ
ـس لفتة لم تبعُد
وَهبتَ لي جريرتي
والصفحُ نصف السُّؤدد
فَاطْوِ معي حوادث الـ
أمس ولا تُجَدِّد
وامض معي في لَذَّة الـ
ـيوم ودَعْ هَمَّ الغد
أنطونيو :
كلوباترا بحبِّيكِ
من التأنيب خَلِّينا
لقد سُقتُ وقُوَّادي
إليك النَّصْر فاجزينا
مُري بالكاس والطاس
وبالنَّدمان يَسقينا
وبالقَصف وبالعزف
وحُذَّاق المُغَنِّينا
وما طُيِّب ألوانًا
وما طاب رياحينا
وقولي الشعر عُلْويًّا
كما كنت تقولينا
وأوحيه إلى شاديـ
ـك يُلقيه فيُشجينا
غدًا نستأنفُ الحرب
ونطويها ميادينا
أنشو :
ونَغشاها مَخَامير
ونلقاها مجانينا
كليوباترا :
مُرْ بما شئتَ قيصرُ
وأشِر كيف تأمرُ
لكَ قصري وما حوى الـ
ـقصرُ كُلٌّ مُسَخَّر
ليس شيءٌ وإن غلا
عن حبيب يُؤَخَّر
لتَكونَنَّ ليلةً
آخرَ الدهر تُذكرُ
لا نُبالي إذا صَفَتْ
بعدها ما يُكدِّر
تَحلُمُ الحُلْمَ لستَ تَد
ري بماذا يُفسَّر

(لوصفائها ووصيفاتها):

البدارَ البدارَ يا وُصفائي
ووصيفاتيَ البدارَ البدارا
قيصرٌ قيصرٌ هو الآمرُ النا
هي على القصر فليكنْ ما أشارا
هو يبغي وليمةً فاصنعوها
وانسقوها كما اشتهى واختارا
أطلعوا هذه الشموعَ شُموسًا
تَذَرُ الليلَ بالعَشِيِّ نهارا
وأعدُّوا الخوانَ قد حُمِّل الألـ
ـوان شَتَّى وجُلِّلَ الأزهارا
واجمعوا بالمُدام شَمْل النَّدامَى
وأديروا الكئوس والأوتارا
واجعلوها وليمة وبساطًا
يتبارى خلاعةً ووقارا
مصرُ إن أوْلمتْ سَمَتْ بالأغاني
درجات وأسمت الأشعارا
لا تَسيروا على ولائم روما
سَرَفًا في الفُسوق واستهتارا
كلما أولمتْ أساءتْ إلى العقـ
ـل وجَرَّتْ على الحضارة عارا
ولقد تجعلُ النِّمارَ نَداما
ها أسْد العَرينةِ السُّمَّارا
قائد روماني (لزميله غاضبًا) :
أتسمعُ ما تقول عَدوُّ روما
قد اجترأتْ على روما البَغيُّ
أَتحت لوائها وبجانبيْها
يخوضُ الحربَ من روما كَميُّ؟
الآخر :
غدًا تَلقى، وإن غدًا قريبٌ
عقابًا في البلاد له دَوِيُّ
الأول (لأنطونيوس في عتب وغضب) :
أَميريَ أَنطونيو أَفي الحق أَننا
نبيتُ سكارَى والعدو مُبيِّتُ؟

(ينظر إليه أنطونيو نظرة طويلة ثم ينصرف عنه إلى كليوباترا فيهمس القائد):

أَلا إنه ليلٌ له ما وراءَه
غرامُك حيٌّ فيه والمجدُ ميِّت

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤