مطاردةٌ فاشلة!

مرَّت ساعةٌ قبل أن يظهر الرجل ذو القبعة عند باب المطعم، وكانت في انتظاره سيارة سرعان ما ألقى نفسه فيها … وعندما تحرَّكت، تحرك «أحمد» خلفها وقد أطفأ أنوار سيارته عند انطلاقه حتى لا يشعر الرجل الخامس بتحرُّكها …

مضت السيارة تشق طريق جبل المقطم في سُرعةٍ عالية رغم الظلام، حتى إذا وصلت إلى الالتقاء مع شارع «صلاح سالم»، انحرَفَت في اتجاه مصر الجديدة، وعاوَدَت الانطلاق.

وكان «أحمد» يقود سيارته على مسافةٍ بعيدة في المقطَّم، أما بعد أن ازدحم الطريق بالسيارات فلم يكن هناك خطرٌ من أن يعرف «الرجل الخامس» أن ثمَّة مَن يتبعه … وهكذا أخذ «أحمد» يقترب تدريجيًّا من السيارة التي تُغيِّر اتجاهها في اتجاهٍ مُضادٍّ لمصر الجديدة، رغم خطورة العمل الذي أقدم عليه السائق، ولكن مهارته الفائقة مكَّنتْه من تجاوز السيارات الأخرى والعودة إلى الاتجاه المُضاد …

كانت حركةٌ مباغتة تمامًا ﻟ «أحمد»، ولم يكن في إمكانه أن يدور حول نفسه وسط السيارات الكثيرة المُحيطة به، لكي يعود في الاتجاه المُضاد … ولكنه لم يفقد الأمل في اللحاق بالسيارة، فزاد من سرعته حتى وصَل إلى أول فتحةٍ في الطريق، ثم أعطى إشارةً أنه سيدور في الاتجاه المضاد، ثم مرَّ من الفتحة …

كانت قد مضَت خمس دقائق ثمينة بين مناورة سائق السيارة «الفولفو» التي يركبها الرجل الخامس، وبين مناورة «أحمد» للعودة إلى الطريق المضاد … ولو كانت السيارة «الفولفو» تسير بسرعة ٦٠ كيلومترًا فقط فهي بعيدة عنه الآن بخمسة كيلومترات … وبالتأكيد فإن السائق يقود الآن بسرعةٍ عالية ما دام قد دخل إلى طرقات وشوارع «المقطم» الفارغة في هذه الساعة المتأخِّرة من الليل …

رغم محاولة «أحمد» المرور من السيارات بسرعةٍ حتى يدخل طريق الجبل مرةً أخرى، فإنه لم يستطع اللحاق بالسيارة … كان متأكدًا أنها عادَت إلى الجبل، وأن دخولها طريق مصر الجديدة كان على سبيل التمويه لا غير …

وصل أخيرًا إلى بداية طريق المقطم، وانحرف يسارًا … ثم قاد سيارته بسرعةٍ كبيرة في محاولة اللحاق بالسيارة «الفولفو» … وكانت شوارع المقطم المُلتوية تجعل القيادة السريعة مغامرة محفوفة بالمخاطر … ولكن «أحمد» لم يتصوَّر مرةً واحدة أن يستطيع شخصٌ في هذا العالم الإفلات منه بهذه الطريقة … فهل رآه رقم خمسة، أم أنه قام بهذه المناورة على سبيل الاحتياط؟ في كلتا الحالتين فإنه رجلٌ بارع حقًّا يعرف عمله … ومجرمٌ عميق درس أساليب المراوغة والإفلات، وليس من السهل التغلُّب عليه.

ظلَّ «أحمد» يقود السيارة صاعدًا إلى الجبل دائرًا في أماكنَ متعدِّدة من الشوارع والطرقات … وقد هدأ الليل، وساد الصمت الرهيب بالجبل … وفجأةً خُيل «لأحمد» أنه يسمع صوت طائرة تستعدُّ للتحليق … طائرة عمودية (هليوكوبتر)، وكان يستطيع أن يتبيَّن الصوت بوضوحٍ في هدوء الليل في الجبل … واستيقظت غريزة المغامر فيه … وقرَّر أن يتجه إلى ناحية الصوت … وقاد السيارة مسرعًا في الاتجاه الصاعد في الجبل … وكان استنتاجه صحيحًا … فقد كان صوت الطائرة يزداد وضوحًا … وزادت سرعته حتى وصَل إلى سُورٍ ضخم شاهد من خلفه الطائرة الهليوكوبتر، وهي ترتفع في الجو كطائرٍ أسود ضخم … ثم تتجه إلى قلب الصحراء …

توقف «أحمد» عند السور، يرقب الطائرة وهو يتساءل بينه وبين نفسه: هل هناك علاقةٌ بين هذه الطائرة والرجل رقم خمسة؟ …

وكانت غريزته كمغامرٍ تقول «نعم» … ولم يخب ظنه، بعد لحظاتٍ من ابتعاد الطائرة فتح باب في السور الحجري الضخم، وشاهد السيارة «الفولفو» تخرج من الباب … كان السائق وحده ولم يكن في المقعد الخلفي أحدٌ …

لاحظ سائق «الفولفو» سيارة «أحمد» على الفور، ولكنه لم يفعل أكثر من إطلاق العنان لسيارته … ولم يكن «أحمد» في حاجةٍ إلى مطاردته، واكتفى بأن رأى رقم السيارة وحفظه ثم أدار سيارته بهدوء … وانطلق عائدًا إلى المقر السري.

عندما وصل «أحمد» إلى هناك وجد الشَّياطين في انتظاره، وهم يتفرَّجون على التليفزيون … وروى لهم مغامرته الصغيرة في شوارع المقطم، واعترف أنه كان ضحية خدعة من رقم خمسة؛ لأنه لم يتوقع مطلقًا أن يعود الرجل إلى المقطم مرةً أخرى بعد أن كان في طريقه إلى مصر الجديدة …

وقالت «إلهام»: لم يردَّ رقم «صفر» حتى الآن.

أحمد: في الغالب إنهم يدرسون الخطة.

عثمان: أو يدبرون مبلغ النصف مليون دولار.

واتصل «أحمد» بعميلِ رقم «صفر» في القاهرة، وطلب منه معرفة صاحب السيارة «الفولفو» وأعطاه رقمها … وطلب أكبر كمية من المعلومات عن المكان المُحاط بالسور في المقطَّم … والتي صعدت منه الطائرة «الهليوكوبتر».

وقال عميلُ رقم «صفر»: إن هذه المعلومات لن تكون جاهزة قبل مساء الغد.

أحمد: لا بأس … نحن في الانتظار.

وكانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحًا … عندما أوى الشَّياطين إلى مخادعهم … ولكن «أحمد» لم يستطع النوم … كان يلوم نفسه لومًا عنيفًا على إفلات السيارة «الفولفو» منه … ولو استطاع أن يتبعها جيدًا ربما تغيرت الأمور … وقام وحده يتجوَّل في المقر ويبحث عن كتابٍ يقرؤه، عندما شاهد اللمبة الحمراء على باب غرفة اللاسلكي مضاءة … ومعنى ذلك أن رسالةً عاجلة تصل الآن على جهاز الشفرة من المقر السري «ش. ك. س»، وأسرع «أحمد» يدخل الغرفة ويتسلَّم البرقية الشفرية، ثم يقوم بحل رموزها … كانت برقيةً طويلة:

«من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»، «ق» أي القاهرة … الخطة لا بأسَ بها … ولكن هناك تعديلات، وسيصلكم غدًا صباحًا رأينا النهائي فيها … ولكن المهم الآن هو أن معلوماتٍ تسرَّبت عن محاولة تهريب رقم أربعة المقبوض عليه في محاولة اغتيال العالم «فيتز»، وأن رقم خمسة وهو عضوٌ بارز في مجموعة عصابة الخمسة موجودٌ في القاهرة منذ يومين.

إن رقم خمسة اسمه «مايكل ديلون»، وقد انضم إلى عصابة الخمسة منذ عامين، ولكنه استطاع أن يكون مركز قوة داخل العصابة لخططِه الجهنمية أو قدرته الفذة على تنفيذ المهمات الصعبة، بالإضافة إلى قسوته البالغة، وقد طار إلى القاهرة في محاولةٍ لتهريب رقم أربعة … ومن المؤكد أنه يحمل اسمًا مستعارًا … من الأفضل أن تنتشروا في الفنادق الكبرى.

لعلكم تعثرون عليه … وأخطروني فورًا.»

لم يتردَّد «أحمد» في إرسال ردِّه فورًا:

«من «ش. ك. س. ق» إلى «ش. ك. س».

لقد عثرنا على «مايكل ديلون» منذ ساعاتٍ قليلة … حدث هذا بالصدفة … ولكن حدث لغبائي الشديد أن فقدت أثره في المقطم … وأعتقد أنه يستخدم طائرةً عمودية في تنقلاته … وبالطبع هذه الطائرة لا تَستطيع أن تغادر الأراضي المصرية؛ لأنَّ مدى طيرانها محدود … وقد طلبت من عميلنا في القاهرة أكبر كمية من المعلومات عن مكان هبوط وصعود الطائرة في المقطم، وعن السيارة «الفولفو» التي يستخدمها «مايكل ديلون» في تنقلاته … سنُحاول محاصرته في مصر … فإذا لم نستطع، فلا بد من تنفيذ الخطة المقترحة … «رقم واحد».»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤