الصقر ينادي الدب!

رفعت باخرة الشحن المسماة «الدب» الكوبري الموصل بينها وبين الرصيف: وأطلقت الصفارة التقليدية، واستعدت لمغادرة الميناء إلى عباب بحر البلطيق، ثم بحر الشمال … وفي جانب آخر من المدينة، وعلى ساحة من الأرض محاطة بسور مرتفع، أُغلق باب الطائرة الهليكوبتر المسماة «الصقر»، ودار محركها القوي واستعدت للإقلاع … وفي داخلها كان «أحمد» و«فهد» و«لورانس» واثنين من الطيارين المهرة …

لم يكن هناك خط سير مرسوم للطائرة، سوى تتبع باخرة الشحن، وعليها «بو عمير» و«عثمان» … ورجال مجهولون … ورجال السفينة، القبطان ومساعده والبحارة …

مرت نصف ساعة قبل أن يجري أوَّل اتصال لاسلكي …

أحمد: الصقر ينادي الدب … حوِّل!

أنصت «أحمد» لحظة، ولكنه لم يتلقَ جوابًا، فنظر إلى ساعته، ثم إلى ساعة الطائرة … كانت السَّاعة السابعة والنصف صباحًا … وهو الموعد المتفق عليه لإجراء أول اتصال بينهما …

كرر «أحمد» المحاولة … وهنا سَمِعَ صوتًا غير واضح.

– الدب ينادي الصقر … اتصل بعد نصف ساعة، انتهى.

قال «أحمد»: إنه «بو عمير» … يبدو أنه لم يجهز نفسه بعد.

كان الجو ما زال مشبعًا بالبخار رغم طلوع الشمس، فساعد هذا على إخفاء السفينة والطائرة كل عن الآخر، وإن كانت الرؤيا تكاد تكون مُنْعَدِمة بالنسبة لقبطان السفينة وقائد الطائرة، ولكنهما اعتمدا على الأجهزة الملاحية تمامًا …

لم تكن هناك مشكلة بالنِّسبة «لأحمد» و«فهد» على الطائرة … ولكن المشكلة كانت قائمة هناك على ظهر «الدب»؛ فلقد كانت مهمة «بو عمير» و«عثمان» الآن، وفي هذا الجو المشبع بالضباب، هو بث أكبر عدد من أجهزة التصنت الدقيقة الحجم، والتي بدت كل واحدة منها على شكل زرار بالطو عادي … بثها في أي مكان بالباخرة، لا سيما في الأماكن المغلقة.

لم يكن أحدٌ من رجال السفينة على استعداد لإجراء أي حديث … الكل مشغول لا سيما في ذلك الجو المخيف المنذر بالخطر، فلم يلتفت أحد إلى «بو عمير» أو «عثمان»، وهم يرونهما يروحان ويجيئان، وظنوا أنه فضول الركاب لا سيما وأن الرحلة ستطول … ولكن «فضول الركاب» هذا كان يعني ﻟ «بو عمير» و«عثمان» الشيء الكثير … وهكذا بعد نصف ساعة لا غير، كانت آذان الإنصات الإليكترونية قد شملت أجزاء كثيرة من الباخرة … أسفل المقاعد والموائد، وفي كل مكان بعيد عن الأعين.

ابتعدت الباخرة بعد حوالي ساعة من الإبحار، وأصبحت في منتصف البحر، والهليكوبتر تتبعها من بعيد فقد أضاءت الشمس البحر والسماء … وفجأة صاح «فهد»: انظروا … هل هذه هي «البجعة السوداء»؟

ولكن «لورانس» قال بعد أن أرسل بصره: لا أظن … إن البجعة جانحة على جانبها دون حراك … لا منقار لها … ولا ذيل!

ثم سأل الطيار: كابتن … هل هذه هي البجعة فعلًا؟

فقال الطيار: لا لا … لم يزل أمامنا وقت طويل!

كانت إحدى المراكب الآلية تقترب بالفعل من «الدب» بسرعة غير عادية … عندئذ قال «أحمد»: هل يمكننا الاقتراب أكثر؟

لورانس: ليس بعد … إنهم سوف يروننا.

أحمد: إذن سأتصل ﺑ «فهد»!

وتكلم «أحمد» في اللاسلكي: صقر ينادي الدب … هل تسمعني … حوِّل.

ردَّ صوت على الفور: الدب … ينادي صقر … حوِّل.

أحمد: ماذا يحدث عندكم … إننا نرى مركبًا تتقدم نحوكم بسرعة … حوِّل.

عثمان: لا تعتمد علينا الآن … يمكنك الإنصات إلى «لوسي» انتهى.

سأل «لورانس» بدهشة: من تكون «لوسي» هذه؟

أحمد (ضاحكًا): إنها أجهزة الإنصات التي بثها «بو عمير» و«عثمان» … إنها أكثر من «لوسي».

قال «لورانس» مُداعبًا: لا بد أنها أجهزة «حسناء»!

همس «أحمد»: إنها صديقة «فهد» … وهو حريص عليها جدًّا!

حرك «أحمد» بعض الأزرار في جهاز اللاسلكي … وبدأت بعض الأصوات تعلو … في نفس الوقت الذي لاحظ فيها من في الطائرة، أنَّ المركب السريع قد التصق تمامًا بالباخرة «الدب» …

صوت: شرطة السواحل … توقفوا فورًا!

قال «أحمد»: مُتضايقًا: سوف تفشل الخطة … شرطة السواحل سينهون مهمتنا الآن وبقسوة …

ثم علا صوت: هل معكم تصريح بمغادرة المياه الإقليمية؟

فرد صوت لعله قبطان المركب: نعم … نعم … سنبحث عنه فورًا!

صوت: أين سجلات المركب؟ … سنجري تفتيشًا!

نهض «لورانس» متوجهًا إلى كابينة الطيار، وغاب فترة ثم عاد يقول: أجريت اتصالًا الآن مع المسئولين!

سأل «فهد»: هل سنتدخل الآن؟

لورانس: سيتكفل المسئولون بذلك … انتظر لحظة.

حاول من في الطائرة تتبع ما يحدث وسط البحر، ولكن المسافة البعيدة حالت دون ذلك … وفات وقت أكثر من نصف ساعة … وعندما عادت «لوسي» تُرسل بعض الكلام هناك على ظهر «الدب» … سمعوا بقية ما يدور من حديث: حسنًا … لم نجد شيئًا له أهمية … يمكنكم مواصلة الرحلة!

وتتبع «أحمد» ورفاقه … لنش الشرطة وهو يبتعد ببطء … ثم واصل «الدب» الإبحار بهدوء بعد أن أطلق العنان لصفارته الغليظة.

تنهد «أحمد» ومن معه بارتياح.

سأل الطيار: هل سنواصل التحليق الآن؟

قال «لورانس»: لا … يمكنك الهبوط في أنسب مكان الآن … أي جزيرة ثلجية تقابلك …

وهبطت الطائرة … حتى تبتعد عن الباخرة بمسافة كافية … سأل «أحمد» فجأة: ما هو عملك هنا بالضبط يا «لورانس»؟

ضحك «لورانس» … ولم يبد عليه أنه فوجئ … قال: باحث جيولوجي … ولكن بعد اختطاف الكابتن «جاك» وهو كما تعلم من العلماء البارزين في مركز أبحاث الفضاء، كُلفت بالمساعدة في العثور عليه … أنا لست إذن جاسوسًا، أو عميلًا … فأنا كُلفت من حكومتك بعمل مشابه … هل ترفض؟

أحمد: كلا بالطبع … وما هي حكاية الطبق الطائر التي أصبحت حديث كل الناس هنا؟

لورانس: لدى «جونز» في هذا الموضوع كلام كثير!

فهد: هل تظن أنه موجود الآن على سطح «الدب»؟

لورانس: ولِمَ لا … وربما يوجد أيضًا الكابتن «جاك» … إن فم «الدب» كبير … وهو شرس وعدواني!

فجأة … علا صوت اللاسلكي …

صوت: الدب ينادي، حوِّل.

أحمد: «صقر» … ما الأخبار لديكم … حوِّل؟

صوت: «بو عمير» يحاول الآن إخفاء «لوسي» في مكانٍ خاصٍّ … يحتمل العثور على شخصيات هامة حاول الاتصال بلوسي … انتهى.

حرَّك «أحمد» بعض الأزرار … وسمع هذا الحوار: نحن نعلم تمامًا مهمتك هنا، فلا فائدة من الإنكار … تكلم.

– مهمتي هنا السياحة … أقضي فترة إجازة!

– لقد سمعت منك ما تقول … أريد شيئًا جديدًا …

– الجديد أنك تضيع وقتك …

– ألا تخشَى الموت؟ … لعلك سمعت عن «القرش»؟

– وسمعت أيضًا عن الحوت!

– آه … وصياد الحوت؟

– لا … لا أعرفه.

– إذن، فسوف نواجهك به.

انقطع الحوار برهة … مع صوت جلبة شديدة، وآهات وصياح …

صرخ «لورانس»: إنه بالتأكيد الكابتن «جاك» … إنهم يضربونه.

ثم عاد الحوار عن طريق اللاسلكي: تكلم … وأنصت أنت … هل تعرف هذا الشخص؟

– نعم … قابلني وعرض عليَّ شراء ما عثرت عليه.

– شراء ما عثرت عليه؟ … وضح ذلك …

– أشياء سقطت من الطبق الطائر … ولكنكم لم تدفعوا لي شيئًا حتى الآن.

– عندما نعثر عليها سندفع لك أكثر من المليون دولار التي وعدوك بها …

– أنتم نصابون … كلكم نصابون!

فسمع صوت لطمة وساد السكون لحظة … تبادل «أحمد» ورفاقه النظر لحظة …

قال أحمد: إذن لقد قرءُوا الإعلان؟

فهد: إنهم يظنوننا نصابين.

لورانس (ضاحكًا): لم أكن أعلم ذلك.

أحمد (مُستدركًا): لا، لا … إنها قصة حقيقية بالفعل، هناك مليون دولار تركتها شقيقته التي ماتت مؤخرًا في نيويورك … وصديقك المحامي يتولى هذا الأمر.

ضحك «لورانس» ثم سكت … حك «أحمد» ذقنه مفكرًا وهو يتساءل: هل يمكن أن تكون هذه القصة خيالية أيضًا؟ …

ولكن تفكيره توقف، عندما سمع هذا الحوار: ما قولك يا كابتن «جاك»؟

جاك: نعم … لقد عرضت عليه بالفعل شراء ما عثر عليه … ولكني لم أستلم شيئًا منه بعد … أسأله.

جاك: «جونز» … أين الأجهزة، تكلم.

جونز: قلت لكم إنها مخبأة في السفينة الجانحة هناك.

صوت: إذن نحن في الطريق إليها … فإذا لم نجد شيئًا، فسوف تعانقون أسماك القرش … والحيتان أيضًا!

وسمع صوت جلبة شديدة وساد الصمت … تبادل «أحمد» ورفاقه الأنظار، ثم قال: أعتقد أنه حان وقت الإقلاع … لقد اقتربنا من النقطة الحاسمة على ظهر الدب هناك.

ثم أشار «لورانس» إلى الطيار … وبدأت الطائرة تستعد للإقلاع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤